أكد "مركز جنوب شمال لحوار الثقافات والدراسات حول الهجرة" أن الخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الأمة مساء أمس الجمعة من مدينة العيون بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، كان " صريحا وشجاعا وحمل أكثر من دلالة". وقال موحى الناجي رئيس المركز، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء ، إن الخطاب الملكي السامي " كان صريحا وشجاعا جاء بالجديد على أكثر من صعيد وحمل أكثر من دلالة".
وأوضح السيد الناجي، الأستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن جلالة الملك برهن في خطابه السامي على أن المغرب بلد ذو مصداقية وذو سيادة يحترم مبادئه ويفي بوعوده " ولا يلتزم إلا بما استطاع الوفاء به "، مشيرا إلى أن المملكة المغربية ضحت بالكثير للدفاع عن وحدتها الترابية وأعطت ما في جهدها للنهوض بتنمية الأقاليم الجنوبية .
كما أبرز أن الخطاب الملكي السامي أكد على ضرورة تفعيل الجهوية الموسعة بالنسبة للأقاليم الجنوبية في إطار الديمقراطية التشاركية، مضيفا أن جلالة الملك وجه نداء لسكان ومنتخبي هذه الأقاليم من أجل العمل على تسيير شؤونهم المحلية والجهوية بكل مسؤولية لتحسين مردودية الخدمات والإنتاج وتشجيع الاستثمارات وخلق فرص الشغل من أجل النهوض بمستوى عيش السكان .
وأضاف الباحث موحى الناجي أن جلالة الملك اعتبر أن المشاركة المكثفة لأبناء الأقاليم الجنوبية في الانتخابات الجهوية والمحلية الأخيرة هي خير جواب على أعداء القضية الوطنية حيث أن منتخبي الأقاليم الجنوبية هم من يمثل هؤلاء السكان في الداخل والخارج وليس غيرهم.
كما أكد أن جلالة الملك حريص على مواصلة تنمية الأقاليم الجنوبية في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال استثمار ملايير الدراهم لإنجاز مشاريع كبرى تهم المواصلات والطاقة الشمسية والريحية والبنيات التحتية بمواصفات دولية وغيرها من الأوراش الكبرى المدرة للدخل من أجل إدماج الأقاليم الجنوبية في المسيرة التنموية التي يشهدها الوطن .
وقال إن جلالة الملك أشاد باستقرار وأمن الأقاليم الجنوبية التي تعتبر بوابة لإفريقيا جنوب الصحراء والتي من شأنها أن تساهم في تعزيز التعاون بين المغرب والبلدان الإفريقية الصديقة حتى تصبح مركزا للتبادل والتواصل المغربي الإفريقي .
وأوضح رئيس "مركز جنوب شمال لحوار الثقافات والدراسات حول الهجرة" أن جلالة الملك وجه رسالة واضحة إلى المحتجزين في مخيمات العار بتندوف لمراجعة مواقفهم والالتحاق بأرض الوطن وتعميق ارتباطهم بوطنهم الأم الذي يضمن العيش الكريم لكل أبنائه .
وخلص إلى أن الخطاب الملكي السامي كان في قمة الوضوح حين وجه رسائل جريئة للانفصاليين وللجارة الجزائر التي تقف موقف العداء من الوحدة الترابية للمملكة، مؤكدا وفاء المغرب بالتزاماته نحو الأقاليم الجنوبية وعزمه على ترسيخ إدماجها في الوطن الموحد .
من جانبه قال ندير المومني، أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي (جامعة محمد الخامس)، إن الخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الأمة، ، كان خطابا "مؤثرا وقويا على عدة مستويات".
وأوضح المومني، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الخطاب الملكي، الذي تميز ب"الجدية والقوة والجرأة"، شكل لحظة مؤثرة لأنه جاء في سياق الاحتفال بالذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، كلحظة للمساءلة والتقييم واستشراف المستقبل بالأقاليم الجنوبية من جهة، وكذا بالنظر لقوة المواقف التي حملها الخطاب السامي، لاسيما من حيث أجرأة النموذج التنموي بالمنطقة.
وأضاف المومني أن الخطاب الملكي ركز، أيضا، على مقاربة تربط بين التنمية والولوج إلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وبين حكامة ترابية وديمقراطية، وأيضا بين الضمان الفعلي للحقوق المدنية والسياسية، مشيرا إلى أن الخطاب الملكي أعلن عن عدة قرارات منها ما يتعلق، أساسا، بإنشاء بنيات تحتية بالأقاليم الجنوبية، وهي قرارات، يضيف الأستاذ الجامعي، مصدرها عدة مقترحات واردة في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص تنمية الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وقال، بهذا الخصوص، إن الخطاب الملكي أعلن عن إطلاق مجموعة من الأوراش الكبرى للنهوض بالعديد من القطاعات، خاصة تلك المرتبطة بحياة الساكنة من قبيل البنيات التحتية الطرقية، معتبرا أن لهذه البنيات التحتية فائدة ليس فقط اقتصادية وإنما أيضا من حيث هي أدوات أساسية في تقوية الاندماج الجماعي الوطني لاسيما الاندماج السوسيو- مهني، مضيفا أن من شأن هذه المشاريع الكبرى التي أعلن عنها جلالة الملك أن تساهم في ربط المغرب وأقاليمه الجنوبية بالقارة الإفريقية وأيضا بأوروبا.
أما المستوى الثاني الذي يميز قوة الخطاب الملكي فيتعلق، حسب السيد المومني، بالحكامة الترابية، مشيرا إلى أن هذا الخطاب أعطى، ولأول مرة، انطلاقة لبدء مسلسل سيؤدي إلى ممارسة الجهات بالأقاليم الجنوبية لاختصاصات منقولة إليها بموجب القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، مبرزا أن قوة واستدامة نموذج الحكامة الترابية بالمغرب، وخاصة بالأقاليم الجنوبية، هو عنوان على الثقة في قدرات "النخبة الترابية" بهذه الأقاليم.
ويتمثل المستوى الثالث الذي يجعل من الخطاب الملكي خطابا "جريئا وقويا" في الدعوة إلى التصدي لأي محاولة كيف ما كان مصدرها لتغيير الوضع القانوني بالأقاليم الجنوبية، مشيرا إلى "أننا في مرحلة التثبيت النهائي لنموذج تنموي قائم على حكامة ترابية ديمقراطية، وعلى تقوية الولوج إلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتقوية المؤسسات الديمقراطية التمثيلية والتشاركية بالأقاليم الجنوبية".
وأكد أن الخطاب الملكي السامي أشار، بهذا الخصوص، إلى وفاء المغرب بالتزاماته خاصة بالاتفاقيات الدولية التي صادق عليها.
ومن اللحظات القوية للخطاب الملكي في هذا الإطار، يشير الأستاذ الجامعي، هو أنه ذكر بالطابع العدواني والمتناقض لسياسة الخصوم إزاء قضية الوحدة الترابية للمملكة، وتذكيره، أيضا، بمظاهر العداء التي تتم على حساب المحتجزين في مخيمات تندوف، وهي بالتالي دعوة إلى عودة الوعي بأن هؤلاء هم ضحايا ودعوة إلى التخلص من "وضعية الرهينة"، مبرزا أن آثار هذه السياسة تزيد من تفاقم وضع هؤلاء المحتجزين كضحايا.
وعن دلالة الخطاب الملكي من مدينة العيون، أكد المومني أنها دلالة تشير إلى العودة إلى "اللحظة المركزية التأسيسية" للمسيرة الخضراء بعد مرور 40 سنة باعتبارها حدثا تاريخيا كبيرا في تاريخ الأمة المغربية.
أما محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، فقال إن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، يعتبر في بنائه الاستراتيجي عنوانا للاستمرارية في تحقيق التنمية والنهوض بأوضاع المواطنين والمواطنات من طنجة إلى الكويرة وإحداث القطيعة مع كل أشكال الاستغلال الفاحش المبنية على الريع والامتيازات.
وأضاف الغالي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، ان الخطاب الملكي السامي يعد ، أيضا، عنوانا للتأكيد على قوة الدولة المغربية التي تستمدها من تاريخها قوة تلاحم الملك والشعب والأرض، وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها الدولية والوطنية.
ويجسد الخطاب، يقول الباحث، عزم المملكة الراسخ على الاستمرار في مساعيها الحميدة من أجل تعزيز الأمن والاستقرار الدوليين، مهما يحاك من مؤامرات ضد الوحدة الترابية للمملكة وضد مسارها الديمقراطي والتنموي من طرف جهات ليس لها من شغل سوى الاسترزاق بالمتاجرة في آلام الناس وخلق الفتن والقلاقل وصناعة الوهم.
وأبرز أن الخطاب الملكي شكل فرصة للتأكيد بأنه لا محيد عن الثوابت التي حددها دستور 2011 والمتمثلة في الوحدة الترابية ودوام الدولة واستمراريتها، والاختيار الديمقراطي والنهوض بالحقوق والحريات الفردية والجماعية، والتي تفاعل معها المواطنون والمواطنات في الأقاليم الجنوبية، من خلال الانتخابات الجماعية والجهوية لرابع شتنبر بمناسبة اختيار ممثليهم في مختلف المجالس التي ستسهر على تفعيل وترجمة مشروع الجهوية المتقدمة على أرض الواقع.
وقال الغالي، في هذا السياق، إن سكان الصحراء أهل لذلك لما عرفوا به من تجارة وعلم واعتماد على الذات، كما جاء في الخطاب الملكي، وهي مقومات أساسية لإنجاز مجموعة من المشاريع التي ستجعل المغرب صلة وصل بين أوربا وعمق إفريقيا، مما يعني أن الأقاليم الجنوبية تشكل عمقا استراتيجيا للمملكة، يجعلها منطقة جذابة، وهو ما جعل الخطاب الملكي يشملها بمجموعة من المشاريع المستقبلية في مجال توسيع وتقوية البنية التحتية الجذابة للاستثمارات على مستوى مختلف وسائل الاتصال من طرق ومطارات ومرافئ وغيرها، ومختلف مجالات الطاقات المتجددة، وذلك تماشيا مع ما يحمي ويحفظ التراث الحساني كنقطة قوة في النهوض والرقي بسكان الأقاليم الجنوبية.
واعتبر الباحث أن سلوك المملكة المغربية للمقاربة التنموية المبنية على نموذج الحكامة الترابية المندمجة، ينبع من التزاماتها بتحقيق العيش الكريم لمواطنيها، ورسالة قوية على نبذ وإدانة سلوكات من يحتجزون مواطنين في تندوف ويستغلونهم كورقة للاغتناء، قائلا إن ما ربحه هؤلاء من وراء استنبات البؤس، والاسترزاق على آلام الآخرين الذين لا يتجاوز عددهم الأربعين ألفا، ليس سوى الاستثمار في المجهول، وإشاعة الحقد والكراهية، وتعزيز بؤر الإرهاب وفتح الأفق في اتجاه اللا استقرار واللاأمن.
إلى ذلك، قال الأستاذ الباحث بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال محسن إدالي، إن الخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الأمة أمس الجمعة من مدينة العيون بمناسبة تخليد الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، كان بمثابة خطاب "القطيعة والحسم" لأنه تميز بقوته وصرامته ووضوحه في طرح وتوضيح العديد من النقط التي تعتبر أساسية في ما يتعلق بقضية الوحدة الترابية للمملكة .
وأوضح إدالي ، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الخطاب الملكي كان حاسما وواضحا في ما يتعلق بالقضية الوطنية الأولى، وتكريس الحكامة الترابية من خلال الجهوية المتقدمة والتصدي بكل حزم وجدية لأعداء الوحدة الترابية للمغرب، وخاصة الجزائر والمنظمات المدعومة من طرف الخصوم .
وأضاف أن جلالة الملك أكد على وحدة البلاد وهي رسالة قوية للخصوم الذين يشككون في قانونية تواجد المغرب في صحرائه ، حيث شدد جلالته على أن مبادرة الحكم الذاتي هي أقصى ما يمكن للمغرب تقديمه ، وأن تطبيقها مشروط بالتوصل لحل في إطار الأممالمتحدة ، علما أن هذه المبادرة لقيت الترحيب والتشجيع من طرف العديد من الدول التي وصفتها بالمبادرة الجدية وذات المصداقية.
وأبرز أن الخطاب الملكي في هذه الذكرى الغالية شكل مرحلة فاصلة في مسار استكمال الوحدة الترابية وثورة على الأساليب الريعية المتهالكة والتمركز الإداري ، حتى تتمكن ساكنة الصحراء المغربية من التمتع بحقها في مواطنة كاملة وعيش كريم واندماج كامل، مؤكدا أن جلالة الملك شدد على أن " الجهود السياسية التي بذلها المغرب طيلة السنوات الماضية بلغت مرحلة النضج وأصبحت قابلة لتفعيل النموذج التنموي والجهوية المتقدمة ، وخاصة بالأقاليم الجنوبية التي يتميز سكانها بالكرامة والعزة، فهم رجالات العلم والتجارة والوفاء للعرش العلوي المجيد والوطنية الصادقة".
وأوضح الأستاذ الباحث أن الخطاب الملكي السامي تميز أيضا بتركيزه على النموذج التنموي للأقاليم الصحراوية باعتباره نموذجا مندمجا ووفيا للالتزامات التي أقرها المغرب ، حيث ذكر جلالته بالوطن الموحد والصحراء كمركز اقتصادي يربط المغرب بعمقه الإفريقي وبالأوراش الكبرى التي ستعطي انطلاقة جديدة للمنطقة ، للنهوض بالمجال الاقتصادي والتنمية البشرية واستثمار ثروات المنطقة محليا وإشراك الساكنة في اتخاذ القرار، من خلال تبني مقاربة تشاركية ووضع إطار قانوني للاستثمار للدفع بهذا القطاع في الأقاليم الجنوبية.
وأضاف أن جلالة الملك أكد على أن المغرب عرف تطورا مهما في إطار بناء الدولة الحديثة وإطلاق الأوراش الكبرى وخاصة ورش الجهوية المتقدمة من الأقاليم الجهوية " وهو مرفوع الرأس بفعل التلاحم بين العرش والشعب ، وأن تطبيق الجهوية المتقدمة يعد مبادرة هامة وحلا منطقيا للنزاع المفتعل حول الصحراء".
وذكر أن الخطاب السامي تضمن كذلك دعوة الحكومة إلى ضرورة الإسراع بإخراج قوانين نقل الاختصاصات من المركز إلى الجهات والتفكير في طريقة نقل الموارد المادية والبشرية ، وهيكلة الدعم الاجتماعي في إطار العدالة الاجتماعية والحفاظ على التراث اللامادي الصحراوي والتعريف به .
كما كان الخطاب الملكي - يضيف السيد محسن إدالي- واضحا في ما يتعلق بتحمل المسؤولية الوطنية والسياسية للسكان ووفاء الدولة بالالتزامات التي سطرتها ووضعها كل الوسائل والتدابير القانونية التي وعدت بها "مما يؤكد للعالم أن المملكة المغربية لا ترفع الشعارات الفارغة ولا توزع الأوهام فالجهوية المتقدمة أصبحت واقعا معاشا ، وتدبير السكان لشأنهم المحلي بحرية ومسؤولية أضحى حقيقة مؤكدة".
ومن جهة أخرى، سجل الأستاذ الباحث أن الخطاب الملكي أشار بشكل مباشر للأوضاع اللاإنسانية لساكنة تندوف التي لازالت تعيش الفقر واليأس والتهميش ، حيث تساءل جلالة الملك عن مصير الأموال التي تلقتها من الدول الداعمة، وعن الغنى الفاحش للجنرالات وعن لا مبالاة الجزائر بأوضاع ساكنة تندوف التي لا يتجاوز عددها 40 ألف نسمة فقط "وهي إشارات قوية لمسؤولية الجزائر عن ما وصلت إليه الأوضاع بتندوف من تأزم وتقهقر، من خلال تحويل الساكنة لغنيمة حرب والاتجار غير المشروع فيها ، ومسؤوليتها أيضا في المشكل برمته".
من جهته، أكد محمد نشطاوي، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بمراكش، أن الخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مساء أمس الجمعة، إلى الأمة بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، شكل خارطة طريق لاستكمال البناء المؤسساتي والتنموي الحقوقي لهذه الأقاليم.
وأضاف نشطاوي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الخطاب الملكي ركز على التأكيد على ضرورة الإسراع بنقل الاختصاصات المرتبطة بالجهات لتسريع وتيرة تنزيل الجهوية المتقدمة، بدعمها بالموارد البشرية والمادية، من خلال تمكين أقاليم الجنوب من الوسائل الكفيلة بتدبير شؤونها في أفق تعميم التجربة على باقي جهات المغرب.
وأشار إلى أنه تم، أيضا، التركيز على جعل الأقاليم الجنوبية نموذجا للتنمية المندمجة، من خلال النهوض بالمجال الاقتصادي عبر مشاريع تنموية هامة (طريق مزدوج بين تيزنيتوالعيون، خط سككي من مراكش إلى لكويرة)، وكذا إنجاز مشاريع منها تحلية مياه البحر، بالإضافة إلى القطيعة مع الأساليب السابقة المستعملة في تدبير شؤون الصحراء، والتي كانت تعتمد على سياسة الريع، والتعامل، بحزم، مع من ينساقون مع أطروحات الأعداء الانفصالية، وتحفيز الاستثمار، إلى جانب إحداث صندوق التنمية الاقتصادية، والتأكيد على ضرورة إشراك السكان من خلال المشاركة في بلورة البرامج.
وأبرز أن الخطاب الملكي السامي دعا إلى جعل الأقاليم الجنوبية مركزا لربط المغرب مع محيطه الصحراوي، ومركزا للتبادل ومحورا للتواصل مع دول جنوب الصحراء، مع ضرورة تعزيز آليات الحفاظ على التراث الصحراوي، وصيانة كرامة أبناء الصحراء عبر إعادة هيكلة الدعم الاجتماعي، من خلال المساواة والعدالة الاجتماعية والانفتاح على المجتمع المدني من خلال معالجة التجاوزات الحقوقية.
وتضمن الخطاب الملكي، يقول محمد نشطاوي، بعث رسالة إلى العالم بأن المغرب لا يرفع شعارات فارغة بل يقوم بالتزامات واقعية، من خلال تمكين سكان الجنوب من تدبير شؤونهم بكل حرية ومسؤولية في ظل ضمان للأمن والاستقرار بالمنطقة التي تعيش على وقع القلاقل الإرهابية، علاوة على التساؤل حول مصير ساكنة تندوف ومصير الأموال التي قدمت كمساعدات التي يستغلها قادة "البوليساريو" ليزدادوا غنى، مع تحميل الجزائر مسؤولية ما يعانيه سكان تندوف من ظروف قاهرة، والتذكير بأن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد الذي قد يقبل به المغرب لحل المشكل ولا تراجع عنه، مع استعداد المغرب لمواجهة كل محاولات التشكيك في مغربية الصحراء مما يقتضي من الجميع التعريف بعدالة قضيته.
وأوضح محمد نشطاوي أن الصراحة والعزم اللذين طبعا الخطاب الملكي السامي هما رسالة لكل من يشكك في مغربية الصحراء، وكذا تأكيد على عزيمة المغرب على المضي قدما في تنمية أقاليمه الجنوبية، مع بعث رسالتين، أولا لمن يلعبوا على حبل الوطنية وهم في حقيقة الأمر تجار مصالح في ولائهم، وثانيا للجزائر بأن المغرب باق في صحرائه ولن يتزحزح عن الدفاع عن مغربيتها قيد أنملة، والأحرى أن تهتم الجزائر بشؤون مواطنيها المتعطشين للحرية والديمقراطية.
أما رئيسة جمعية الصداقة المغربية الرومانية أمل ربيع، فأكدت أن ملحمة المسيرة الخضراء المظفرة التي احتفل الشعب المغربي يوم الجمعة بذكراها الأربعين ستبقى راسخة في سجلات التاريخ كإحدى المحطات المجيدة التي مكنت الشعب المغربي من الاسترجاع السلمي لأراضيه وتحقيق وحدته.
وأضافت ربيع في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن هذا الحدث التاريخي يشكل مصدر فخر لأفراد الشعب المغربي أينما كان موطن إقامتهم ومناسبة متجددة للتعبير عن تمسك المغاربة بالعرش العلوي المجيد وبالوحدة الترابية للمملكة.
وأضافت أن الجمعية نظمت يوم أمس بالتعاون مع السفارة حفلا في بوخاريست تم خلاله تقديم ملحمة المسيرة الخضراء ومختلف المشاريع التنموية الجارية في المملكة من أجل توعية الاجيال الناشئة من مغاربة المهجر بأهمية هذا الحدث.
وأوضحت أنه تم عرض وإبراز مختلف المشاريع الهيكلية الكبرى للتنمية الجارية في الاقاليم الجنوبية والتي جعلت منها مراكز تنموية رائدة، مشيرة الى ان اعضاء الجالية المغربية في رومانيا على غرار مواطنيهم في مختلف بقاع العالم متشبثون بوحدتهم الوطنية ومجندون للدفاع عن قضايا الامة المغربية تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس.
وقال أستاذ العلاقات الدولية في كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش، إدريس لكريني، إن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى ال40 للمسيرة الخضراء جاء حافلا بالعديد من الرسائل الواضحة والدقيقة التي تشكل في مجملها خارطة طريق للتعاطي البناء مع قضية الوحدة الترابية من منظور شمولي، يدعم المشاركة الفعالة للساكنة في تدبير شؤونها، ويسمح بتحقيق التنمية عبر استثمار مختلف الإمكانات الذاتية في أبعادها البشرية والطبيعية، والمستجدات التشريعية الداعمة للخيار الجهوي.
وأضاف في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الخطاب الملكي لم يقف فقط على المكتسبات والجوانب الإيجابية التي راكمها المغرب على امتداد أكثر من أربعة عقود في تدبيره لهذه القضية، بل اعتبر أن الذكرى هي مناسبة جيدة للوقوف على مختلف السلبيات التي اعترت مسار هذه القضية العادلة، وتدبيرها داخليا وخارجيا لأجل تجاوزها مستقبلا.
وأبرز أن الخطاب أكد في هذا السياق، على أن الذكرى ينبغي أن تشكل محطة لتقييم المبادرات المتخذة، وتجاوز مظاهر الريع وضعف المبادرة الخاصة، والسعي إلى تمكين الساكنة من مختلف الآليات التي تدعم مشاركتها وتسمح لها بالمساهمة الفاعلة في تحقيق التنمية وتطوير المنطقة واندماجها.
هاجس التنمية في الأقاليم الجنوبية ، يقول الأستاذ لكريني، ظل حاضرا بقوة على امتداد فقرات الخطاب الملكي وهو اهتمام يعكس الوعي الكبير بأن مدخل التنمية هو رهان حقيقي لإدماج الساكنة وتعزيز الوحدة الوطنية، خصوصا وأن الخصوم يتربصون باستمرار لتسييس الإكراهات والمعضلات الاجتماعية.
وسجل في هذا الصدد، أن هناك رغبة أكيدة في جعل الأقاليم الجنوبية منطقة جذب اقتصادي، عبر دعم المشاريع الاستثمارية وإحداث البنيات التحتية، ومد الطرق، وتطوير التشريعات واستثمار الثروات الطبيعية للمنطقة خدمة للساكنة، بما يسهم في تعزيز مكانة الصحراء المغربية كفضاء متطور يصل المغرب بعمقه الإفريقي.
كما كان المدخل الحقوقي كرهان رابح في تدبير القضية، يضيف الأستاذ لكريني، حاضرا ذلك أن قطع الطريق على الخصوم في توظيف الملف الحقوقي بالصحراء المغربية بشكل منحرف لم يكن صدفة، بقدر ما كان ذلك نتيجة للمكتسبات التي راكمها المغرب على امتداد سنوات عدة في مجال تعزيز منظومة حقوق الإنسان، وانخراط المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومختلف الفعاليات المدنية في هذا الصدد.
وأشار إلى أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس وبعد تذكيره بما نص عليه تصدير الدستور فيما يتعلق بمقومات الهوية الوطنية بكل مكوناتها الداعمة للتنوع في إطار الوحدة، وكذلك بمقتضيات مشروع الحكم الذاتي ذات الصلة، نبه إلى أهمية إيلاء الاهتمام للثقافة الحسانية والتراث الصحراوي.
وخلص الأستاذ لكريني إلى القول إن الخطاب الملكي لم يخل من رسائل خارجية واضحة، موجهة للخصوم وللمجتمع الدولي، أولها الدعوة للوقوف على حجم المشاريع التنموية والمكتسبات المختلفة التي تحققت في المناطق الجنوبية من المغرب منذ الاستقلال، في مقابل المعاناة التي ما زالت تكابدها الساكنة في مخيمات تندوف رغم غزارة المساعدات الدولية، وثانيها، التذكير بأن الحكم الذاتي هو أقصى حل يقدمه المغرب لحل هذا النزاع المفتعل.