أخذ بعض المُجْترئِين، من موقع الجهل أو الطّمع، على شرع الله يُردِّدُون أنّ الأمر في حاجةٍ إلى عَزْمة من عَزمات "عمر ﭐبن الخطّاب" (رضي الله عنه)، وذلك بزعمهم حين أَقْدم على إيقاف "حدّ السّرقة" في عام المجاعة أو على مَنْع «سَهْم المُؤلَّفة قُلُوبهم» بعد أن عَزّ الإسلام. فهل، حقًّا، فَعلَها "ﭐبن الخطّاب" من قَبْلُ ونَسَخ حُكْمَيْن في شرع اللّه حتّى يَجُوز لِمَنْ هُم بَعْده و، حَتْمًا، دُونه أن يُكرِّرُوها؟ لا شكّ أنّ من كان له ما يَكفي من العلم بالدِّين لن يَفُوته إدراكُ أنّ الوحيَ لا يَنْسَخُه إِلَّا الوحيُ كما هو مُثْبَتٌ في "القُرآن الكريم" و"السُّنّة النبويّة". ولكنّ آخرَ ما يُمكن أن يُذْعن له أدعياء "العَلْمانيّة" بيننا هو التّسليم بشرعيّة الوحي وحُجِّيّته بحيث يأخذون بما أمر الله به أو نهى عنه إيمانًا بقوله تعالى ﴿وما آتاكُم الرسول فخُذُوه، وما نَهاكُم عنه فﭑنْتهُوا﴾ [الحشر: 07]. وحتّى من أَقرّ بها، ولو على سبيل التّظاهُر والاحتيال، فإنه سرعان ما يَرْفع «شَفْرة التّأْويل» ليُقطِّع بها ما أَحْكَمه الله أو ما ﭐسْتَأْثر بعلمه (﴿فيَتّبعون ما تَشابَه منه ﭐبتغاءَ الفِتْنة وتَأْويله؛ وما يَعْلَم تَأْويلَه إِلَّا اللّه﴾ [آل عمران: 07]؛ ﴿بل كَذَّبُوا بما لمْ يُحيطوا بعِلْمه ولَمّا يَأْتهم تأْويلُه﴾ [يُونس: 39])، وذلك ظنًّا منه بأنّ بوُسْع من ﭐتَّبع هَواهُ – بﭑسم العقل– أن يَرُدّ أوامرَ اللَّه ونَواهيَهه بتأْويلها في حُدود ما يُدْرك أو بحسب ما تُسوِّلُ له نفسُه! إنّ "عُمر ابن الخطّاب" قد ﭐجتهد في تَنْزيل حُكْمَيْن شرْعيَّيْن بجعل تطبيقهما مَشرُوطًا بأكثر من توفُّر ما سمّاه العُلماء "علّة الحُكْم" أو "مَناط الحُكم". وفحوى هذا، من جهة، أنّ "حُكْم السرقة" يُطبَّق فقط على كُلِّ من تَوفّرت له أسبابُ الكَسْب الحلال فأَبَى إِلَّا أن يَتعدّى حُكْم الله و، من جهةٍ أُخرى، أنّ "سهم المُؤلَّفة قُلوبهم" يُعلَّق إذَا لم يَعُدْ في الواقع من يَستحقّه أو لا يَصحّ شرعًا إعطاؤُه لمن لا يَستحقّه. ورحم الله "ﭐبن الخطّاب" وغفر له، فإنّه لم يَكُن يَدُر بخَلَده أنه سيأتي بعده من يَظُنّ أنّ التّعليق الظرفيّ لحُكْمٍ شرعيّ يَقتضي نَسْخَه إلى الأبد، ثُمّ إنّ الإسلام لم تُحاصره النّصرانيّة ولم يَتوسّع فيه "التّشيُّع" إلّا من خلال العناية "بالمُؤلَّفة قُلُوبهم" بواسطة كل الإغراءات، وهو ما يُفيد أنّ "سهم المُؤلَّفة قُلُوبهم" يَستمرّ قائمًا ما دام على الأرض مُسلمٌ أو كافرٌ في حاله من الضّعف والهشاشة ما يُمْكن أن يَدْفعه إلى الانخراط في هذا الحزب أو ذاك من أحزاب الشّيْطان. وفوق ذلك، فإنّ "عُمر ﭐبن الخطّاب" لم يَكُن معصومًا من الخطإ في ﭐجتهاده، إذْ هو صاحب حادثة المهر حينما ﭐعترضت عليه ﭐمرأةٌ من المُسلمين بقولها «كيف تُحرِّم ما أَحلّ الله؟»، فأجابها: «أصابتْ ﭐمرأة وأخطأ عُمر!»؛ ثُمّ هو صاحب القول المأْثور: «الرُّجوع إلى الحقّ أَوْلَى من التّمادي في الباطل». واللّه وحده يَعْلَم أنّ الذين يُريدون أن يُحرِّمُوا ما أحلّ اللّه أو يُحِلُّوا ما حَرّم هُم مَنْ يَبحث عن سابقةٍ لدى من كان أشدّ منهم حرصًا على العدل وأشدّ خوفًا مِمّن سيَقْتصّ من كُلّ ظالمٍ ولو بعد حين! أخيرًا وليس حقيرًا، لو سلّمنا لهم بما يَزْعُمون وﭐعْتبرنا "عمر ﭐبن الخطّاب" (رضي الله عنه) قد نَسَخ حُكْمَيْن في كتاب الله، فلَنْ يَكُون لنا سوى شَرْطَيْن فيمن سيُرشِّحُونه لتَكْرار الفعل الذي يَنْسبُونه زُورًا إلى "عُمر ﭐبن الخطّاب": أوّلُهما أنْ يَثْبُت أنه شخصٌ مُحدَّثٌ مثلُه ("المُحدَّث": «الصّادق الظنّ كأنّه يُحَدَّث به إلهامًا»؛ و"عمر ﭐبن الخطّاب" من المُحدَّثِين [البُخاري: 3689؛ مُسلم: 2398]؛ وقد وافق ظنُّه حُكْم الوحي في أكثر من مَرّة)، وثانيهما أن يَكُون في مثل وَرَعه وزُهْده بحيث يَظْهَر على النّاس بلباسه المُرَقَّع ويَخاف على نفسه أن يَكُون من المُنافِقين أصحاب الدَّرْك الأسفل في النّار. وجُهاداكم، يا أدعياء "العَلْمانيّة"، أن تَجِدُوا في حُكّام المُسلِمين اليوم، وحتّى بين عُلمائهم، من هو أحقّ بمَقام "عُمر ﭐبن الخطّاب" لكي نُسلِّم له أنْ يَسْتدرك على اللّه فيما أَكْمَلَه للنّاس من الدِّين فيَنْسَخ كُلَّ أحكام الشّرْع التي لا تُرضي أَهْواءَكم!