جاء في أحد الردود حول مقال نشرته بالجريدة الالكترونية هسبريس الغراء، تحت عنوان " تساؤلات حول إقصاء التربية الاسلامية في تدبير عتبات الانتقال". " كن مع الله". هذا الرد على إيجازه، وبلاغة تعبيره، قلب كياني، واستشعرته في وجداني، وكأنما ناداني مُنادٍ ملائكي ورمى بي في رحاب أهل الله، والعبارة الوجيزة "كن مع الله"، عنوان قصيدة شعرية صوفية جميلة للشيخ عبد الغني النابلسي (1050 ه 1143 ه 1641م- 1731م) وهو حنفي المذهب، قادري التصوف، العارف بالله والولي الصالح. قال عنه الزركلي في الأعلام: " عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي: شاعر، عالم بالدين والأدب، مكثر من التصنيف، متصوف. ولد ونشأ في دمشق. ورحل إلى بغداد، وعاد إلى. سورية، فتنقل في فلسطين ولبنان، وسافر الى مصر والحجاز، واستقر في دمشق". لعبد الغني النابلسي مؤلفات كثيرة نوردها على سبيل التعريف بها منها: " الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية ، وتعطير الأنام في تعبير المنام و"ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث ،و " فهرس لكتب الحديث الستة، و"نفحات الأزهار على نسمات الأسحار " و " إيضاح الدلالات في سماع الآلات " و " حلة الذهب الإبريز، في الرحلة إلى بعلبكّ وبقاع العزيز - مخطوط " و " الحقيقة والمجاز في رحلة الشام ومصر والحجاز - مخطوط " و " قلائد المرجان في عقائد أهل الإيمان - مخطوط ، و " جواهر النصوص في شرح فصوص الحكم. لابن عربي، و "شرح أنوار التنزيل للبيضاوي - مخطوط " و " كفاية المستفيد في علم التجويد - مخطوط " و " الاقتصاد في النطق بالضاد - محطوط " ، و " مناجاة الحكيم ومناغاة القديم - مخطوط " ، و " خمرة الحان شرح رسالة الشيخ أرسلان"، و " ديوان الحقائق " ، و " الرحلة الحجازية والرياض الأنسية " و " كنز الحق المبين في أحاديث سيد المرسلين مخطوط " و " شرح المقدمة السنوسية - مخطوط " و " رشحات الأقلام في شرح كفاية الغلام " في فقه الحنفية، و " ديوان الدواوين - مخطوط " مجموع شعره، و " كشف الستر عن فرضية الوتر ، و " لمعات (أو لمعان) الأنوار في المقطوع لهم بالجنة والمقطوع لهم بالنار. يقول رحمه في قصيدة له بعنوان كن مع الله: كُنْ مَعَ اللهِ تَرَى اللهَ مَعَكْ وَاتْرُكِ الْكُلَّ وَحَاذِرْ طَمَعَكْ وَالْزَمِ الْقَنْعَ بِمَنْ أَنْتَ لَهُ فِي جَمِيعِ الْكَوْنِ حَتَّى يَسَعَكْ والمُرَادُ هو أن نكون مع الله في حركاتنا وسكناتنا، وإن كل هم أهل الله عبر تاريخ التصوف، هو في جعل المُرِيدِ يكون مع الله، ويتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسير في الناس بالنور الإلهي. يقول تعالى: (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام /122. قال البيضاوي في تفسيره: " مَثَّلَ به من هداه الله تعالى وأنقذه من الضلال، وجعل له نور الحجج والآيات يتأمل بها في الأشياء، فيميز بين الحق والباطل، والمحق والمبطل". ويقول ابن عجيبة في تفسيره الماتع، البحر المديد: "الروح تكون أولا على الفطرة التي فطرها الله عليها، من العلم والإقرار بالربوبية، فإذا بلغت قد تطرأ عليها مَوْتَاتٌ، ثم تحيا من كل واحدة على حسب المشيئة، فقد تموت بالكفر، ثم تحيا بالإيمان، وقد تموت بالذنوب والجرائم، ثم تحيا بالتوبة، وقد تموت بالحظوظ والشهوات، ثم تحيا بالزهد والورع والرياضة، وقد تموت بالغفلة والبطالة ثم تحيا باليقظة والإنابة، وقد تموت برؤية الحس وسجن الأكوان والهيكل، ثم تحيا برؤية المعاني وخروج الفكرة إلى فضاء الشهود والعيان، ثم لا موت بعد هذا إلى أبد الأبد ". فإذا كنت مع الله، ستمشي في دنيا الناس بنور الإيمان حيثما توجهت تبصر، ولا تقطف من الثمار إلا أحسنها وأجملها، فتأخذ ما فيه رضا الله، وتبتعد عما يؤدي إلى سخطه، وهذه أخلاق المؤمن. وقد يكون هذا النور علما يَهْدِي الساري إلى الرشاد، يُبدد به ظلام الجهل، والعِناد. فَكُن مع الله ترى الله معك.