شكل اللجوء وصمة عار في تاريخ الانسانية، منذ أن لجأ القدموسيين إلى أثينا وحتى نكبة فلسطين على يد الصهاينة. وما نتج عن ذلك من تغيير للأوطان والاديان والعيش. ومع انبلاج ليل الاقتتال من جديد في لب الحضارة العالمية: الرافدين والشام، رمزا التعايش الديني ونبض الانسانية الجياش، تدفقت موجات اللاجئين على اعتاب المقاطعات الاوروبية، باحثة عن ملجأ آمن، بعدما صال وجال قطاع الطرق في المدن والقرى، وصاروا اسياد الوغى. عندها لم يبق إلا امتشاق عباب البحر، واقتحام أسوار بلاد الرومان. ما كان في سجل الاحلام أن ترحل دمشق أو بغداد ويأكل البحر، بكل شراسة، "ضوء القمر" وتحاصر عصابات الموالي حلب. لكن عنف السياسة وعنجهية تتار العصر وتآمر صفوان على محمد وجز رأس الحسين؛ رمز الصمود والإباء، كلها كانت وقود معركة خاسرة. أرادها الغرب الاستعماري لتقسيم الفتات الناشئ، بعد انكشاف عهر اوطان سايكس بيكو وزيف تعايشها. لكن ما لم يخطر على بال ساسة بلاد الغال، هو هذا التسونامي البشري المدمر، الذي يجتاح اسوارهم وسيغير، لامحالة، ملامح وجههم الثقافي ويرغمهم على تغيير أجنداتهم القذرة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا. فإذا كانت البضائع تمر اليوم بسهولة، غير عابئة بالحدود القومية، من جهة ومعلنة عن "تحرر" رأس المال من رقابة الدول من جهة أخرى، حيث تصل الى الناس بدون واسطة سياسية تذكر، فإن موجات اللجوء، التي اصبحت تتدفق عبر الحدود، اضحت هي الاخرى قادرة أكثر من أي وقت مضى، على كسر حواجز السيادة الحديثة، من خلال عدم الامتثال لإجراءات القمع والعزل والحصار. والمتتبع لعبور السوريين والعراقيين وغيرهم، لحدود كرواتيا والمجر ومقدونيا...إلخ، تبدو له القوة الهائلة الكامنة في هؤلاء، رغم بشاعة المشهد ودمويته. هذا المشهد، ساهم في تبلور فعل سياسي شعبي في اوروبا والعالم، سيفضي إلى تشكيل حاضنة اجتماعية لهؤلاء اللاجئين، قد تساعد على تمتيعهم بحق المواطنة الكاملة في المنظور القريب، من ناحية وترغم الحكومات الاوروبية على المساهمة الفعلية في ايجاد حل سياسي، يوقف النزيف في سورياوالعراق واليمن وليبيا، من ناحية ثانية. فمنذ أن بلغ عدد اللاجئين 107 ألف شخص خلال شهر يوليوز 2015، والحكومات الاوروبية تتخبط؛ بين من يدعو إلى ضرب قواربهم في عرض البحر ومن يريد توطينهم واستغلالهم في الانتاج. وما محصلة هذا العبور الكبير والمذهل، إلا نتيجة للعنة الاقتتال الهوياتي – الماضوي، الذي اشتد لهيبه، بعدما فشل حلم الانتقال الديموقراطي في بلاد الشرق الاوسط وشمال افريقيا. حيث عجز "الحطام المفتوح" عن ولادة نماذج سياسية جديدة، تلبي تطلعات شعوب المنطقة. فالثورة المنتظرة تقهقرت بعد تحطم حاملها الاجتماعي وتفككه، وأفق النهضة الشاملة، تبخر في صهيل حماة المعبد وسادته. ومن لا يزال يشك في حر الوجع، أويراهن على ديموقراطية مزورة، قد تأتيه من الاستعماريين، عليه أن يراجع قدراته العقلية، ويتأمل مواقف زعماء المؤامرة وكيف يبدلونها تبديلا؛ من المطالبة برحيل الاسد إلى الابقاء عليه في المرحلة الانتقالية... وحتى أولوية محاربة الارهاب على هذا وذاك. قال قائلا: إن روسيا عدلت بوصلة السقوط؛ واردف أخر بل صمود دمشق وقوة شكيمتها وتلاحم جزء كبير من مكونات شعبها. لكن المحدد الهام للانعطاف الحاصل، يكمن في موجات اللجوء التي اذهلت اوروبا والعالم وبشرت بمستقبل سيخلخل ديموغرافية الغرب ويزعزع آمنه. لذلك بدأت الدعوات إلى مراجعة المواقف العدائية تجاه سوريا تحديدا، من خلال وضع محاربة الارهاب بالتوازي مع تكريس الحل السياسي، الذي يرضي دمشق قبل غيرها، حتى يتم وقف تسونامي اللاجئين أو على الاقل يحد من تدفقه. بناء على ما سبق، يمكن القول إن عوامل بداية نهاية حل المعضلة السورية، قد تتأسس على عامل محدد وعوامل أخرى مساعدة يمكن اجمالها فيمايلي: أولا: العامل المحدد: يمكن حصره في موجات تدفق اللاجئين، التي هزت دوائر القرار الغربي، بعد التعاطف الغير متوقع، الذي تمتعت به الظاهرة داخل اوساط الرأي العام العالمي. رغم المحاولات الفاشلة التي سعت جاهدة لتوظيف ما يحصل ضد النظام السوري. لكن هاجس تبلور حاضنة اجتماعية، من ناحية والخوف من انهيار حواجز التحكم والحجز أمام القوة الكامنة في الجمهور الزاحف، الذي قد يضم ارهابيين محترفين، من ناحية ثانية وما تمثله هذه الموجات من تهديد قد يخل بالبناء الثقافي والحقوقي الغربي، من ناحية ثالثة؛ كلها دفعت صناع القرار/ المتآمرين إلى مراجعة اجنداتهم وتوجيهها صوب محاربة الارهاب، لما أصبح يشكله من تهديد عليهم وعلى حلفائهم في المنطقة أولا، ثم البحث بالتوازي مع ذلك، عن حل سياسي توافقي يرضي دمشق، بعد استعصاء اسقاطها، ثانيا. ثانيا: العوامل المساعدة: يمكن تصنيفها كمايلي: - تماسك البنية السياسية/العسكرية/الامنية، إلى جانب الحاضنة الشعبية، بما فيها السنية، للنظام السوري، رغم المحاولات العديدة لكسرها؛ - صمود الجيش السوري وتمرسه على الحرب الطويلة الامد، بما فيها المزاوجة بين الحرب التقليدية وحرب العصابات؛ - تنامي نهج المصالحات الداخلية؛ - استمرار الدعم الروسي والايراني وباقي فصائل المقاومة، خاصة في الوقت الراهن، واصرار روسيا على عدم تكرار سيناريو طرابلس؛ - تراجع دور ما عرف بالجيش الحر وانضمام بعض مكوناته إلى المتشددين، واستياء البعض الاخر؛ - تنامي قوة جماعات التطرف المذهبي والطائفي، على حساب باقي الجماعات المسلحة، وتهديدها لحلفاء الغرب في المنطقة؛ تركيا والاردن ودول الخليج. - تهلهل قوى المعارضة وانحسار نفوذها العسكري والسياسي. كل هذه العوامل تدفع اليوم، القوى الاقليمية النافذة في المنطقة، إلى المساهمة في بلورة حل سياسي في سوريا، يقود إلى مرحلة انتقالية، سيكون نظام الاسد محورها الرئيسي، بعد "تأثيثه" بمكونات المعارضة السياسية في الداخل والخارج. لكن المعارك ستستمر طويلا، مع تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" و"جبهة النصرة لأهل الشام"؛ نتيجة تعذر أي توافق سياسي محتمل معهما. [email protected]