نشرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية يوم السبت 19 سبتمبر 2015 وثيقة وزعها موقع "ويكيليكس" الذي ينشر منذ سنة 2006 ملايين الوثائق السرية الأمريكية التي سربها بعض ممن عملوا في المؤسسات الأمريكية مما أحرج إدارة البيت الأبيض وفضح تجسسها وتأمرها على الدول الأجنبية وخلق أزمات سياسية ودبلوماسية. الوثيقة المؤرخة في سنة 2006 تتعلق ب "خطة أمريكية لزعزعة الاستقرار في سوريا والعمل على تقويض حكم الرئيس بشار الأسد"، في عملية مثبتة ومتسلسلة تحاول الولاياتالمتحدة منذ سنوات تدبير نجاحها. انزعاج أمريكي الوثيقة التي قدمها جوليان أسانغ مؤسس "ويكيليكس" وهي منظمة دولية غير ربحية تنشر التقارير السرية، تبدأ بالتعبير عن "انزعاج أمريكي" من استقرار النظام السوري، ومن أن الرئيس السوري بشار الأسد بات "أقوى مما كان عليه قبل سنتين"، وأن ذلك جرى رغم مرور نحو ثلاث سنوات على الغزو الأمريكي للعراق، وتخطيط واشنطن المستمر لتقويض النظام والسوري وأنصاره خاصة في لبنان وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني، كمكافأة للكيان الصهيوني. وذكرت الصحيفة ان "اعتراف الوثيقة الصادرة عن السفارة الأمريكية في دمشق باستقرار الدولة السورية في حينه أقلق واشنطن، لذلك عمدت على استغلال نقاط ضعف دمشق واقتناص "الفرص" للضغط على الأسد، وإفقاده توازنه"، وقد تمثلت الفرصة الأولى، حسب ما ذكرت "ويكيليكس"، بالتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري والمحكمة الدولية التي تلته. وكشفت الوثيقة أن واشنطن أكدت ضرورة استغلال هذا الوضع لمصلحة الخطة الأمريكية، وقالت إنه يجب تكثيف النشر العلني لنتائج ومضاعفات التقرير "على طريقة (المحقق الألماني ديتليف) ميليس"، لإزعاج بشار الأسد ودفعه للتصرف ب"لا عقلانية"، مضيفة أن "اتهامات ميليس لدمشق أحدثت توترا جديا في الدائرة الضيقة حول الرئيس السوري". ويذكر أن المحكمة الدولية حول إغتيال الحريري وبتوجيه من واشنطن رفضت التحقيق في الإتهامات الموجهة إلى إسرائيل وأطراف لبنانية يمينية بالوقوف وراء إغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، وأصرت على توجيه أصابع الإتهام إلى مسؤولين سوريين وأعضاء في حزب الله اللبناني. وتحدثت إحدى فقرات الوثيقة عن عبد الحليم خدام النائب السابق لرئيس الجمهورية السورية الذي إنشق في ديسمبر 2005 عن النظام وانتقل للعيش خارج بلاده متوقعا دعما خليجيا له للوصول إلى سدة الحكم في دمشق، وقالت "أن لا قاعدة شعبية لديه"، مشيرة إلى أن "ظهوره الكثيف في الإعلام يزعج النخبة الحاكمة والأسد شخصيا"، ونصحت الوثيقة بأن "نستمر" -أي واشنطن- في تشجيع الخليجيين والآخرين على إتاحة المجال أمام خدام للظهور في وسائل الإعلام التابعة لهم ومنحه الفرصة للتعبير وإظهار ما سمي بالغسيل الوسخ للنظام". وهنا حسب الصحيفة اللبنانية تظهر أيضا مدى طواعية بعض وسائل الإعلام العربية للحاكم الأمريكي، إذ يستطيع دبلوماسي في السفارة الأمريكية في دمشق أن يحدد هوية وشخصيات الضيوف على بعض قنوات المحطات الفضائية الخليجية. واقترحت الوثيقة إبراز ما سمته "فشل الإصلاح" الاقتصادي، خصوصا في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية السورية لعام 2006 لإحراج الأسد ونزع الشرعية عنه، كما تقترح مقارنة جهود "الإصلاح السوري" مع إصلاحات أخرى في الشرق الأوسط، وتدعو إلى العمل على ثني دول الخليج العربي عن الاستثمار في سوريا. وفي المسألة الكردية، تقترح الوثيقة إبراز شكوى الأكراد في سوريا عبر تصريحات علنية بما فيها نشر أخبار عن خرق حقوق الإنسان لمضايقة النظام وإظهار الحرص على سلامة السكان الأكراد، لكنها قالت "ان هذا الموضوع يحتاج إلى معالجة حذرة لأن الإبراز الخاطئ للقضايا الكردية في سوريا يمكن أن يشكل نقيصة لجهودنا في توحيد المعارضة بناء على الشكوك السورية في المجتمع المدني إزاء الأهداف الانفصالية الكردية". أما في الفقرة المتعلقة بالحركات الإرهابية، بحسب الوصف الأمريكي في الوثيقة، فإن الحكومة الأمريكية تعترف في الوثائق السرية "لا علنا" بأن النظام السوري يقوم "ببعض الأعمال ضد مجموعات تعلن روابطها مع القاعدة"، لكنها أعلنت شماتتها بحدوث بعض الأعمال "الإرهابية" في سوريا نفسها. أما في السياسة العلنية، فقد اقترحت الوثيقة إعلان وجود ممر لمجموعات إرهابية في سوريا غير محصورة ب"حماس" و"الجهاد الإسلامي"، ورأت أن إعلان الجهود السورية ضد المجموعات الإرهابية يجب أن يكون بطريقة تظهر "ضعف الحكومة وبوادر عدم استقرارها" والنتائج السلبية لسياساتها. وأشارت إلى أنه من الصعب الحصول على "صورة دقيقة للتهديد الذي يشكله الإسلاميون المعادون للنظام في داخل سوريا. لكن الأكيد ان هناك تهديدا بعيد المدى"، وفيما تعترف بوضع الأسد القوي في حينه تخلص إلى ضرورة"استغلال نقاط الضعف" لتكوين "فرص لنا لزعزعة عملية صنع القرار في سوريا ولإبقائه في حالة عدم توازن ولجعله يدفع ثمن أخطائه". فضائح بالجملة بعد أقل من 24 ساعة على نشر وثيقة ويكيليكس، استمر مسلسل فضح الدور الأمريكي في الشرق الأوسط ومسئوليته في نشر الفوضى، والأحداث التي تجري في المنطقة العربية تحت غطاء مسميات عدة أهمها نشر "الديمقراطية" وحماية حقوق الإنسان وضرب الأنظمة الدكتاتورية، موقع "غلوبال ريسيرش" البحثي الكندي كشف في تقرير له يوم 20 سبتمبر دور الغرب المدمر في سوريا فكتب: "خلال الأشهر الأخيرة تحول الوضع في منطقة البحر المتوسط بشكل درامي، حتى وصل إلى زعماء الدول الأوروبية، وأصبح صعب عليهم بشكل لا ينسى الخروج من المتاهة، فقد وصلت الأزمة السورية إلى أوروبا. وأضاف الموقع أنه رغم ارتفاع نسبة اللاجئين السوريين في كل بلد، إلا أننا يجب أن لا ننسى أن هذه الأرقام ارتفعت بفعل الوجه القبيح للسياسة العالمية وخاصة الغربية، موضحا أن خطة الإطاحة بالأنظمة العربية في الشرق الأوسط، تم التخطيط لها في الحرب العراقية الأولى، من قبل الحلفاء الأوروبيين. ويوضح الموقع أنه في خطاب عام 2007، تحدث الجنرال الأمريكي "ويسلي كلارك" عن عام 1991، مع نائب وزير الدفاع "بول وولفوتيز"، وأكد عن وزارة الدفاع الأمريكية وضعت بالفعل خططا من أجل تغير الأنظمة في العراقوسوريا ومصر وليبيا. ويلفت الموقع إلى أن الجنرال "كلارك" كشف أنه بعد ستة أسابيع من الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي في عام 2001، قال مسئول في وزارة الدفاع الأمريكية أن هناك وثيقة سرية أمريكية تهدف إلى إسقاط أنظمة الحكم في سبع بلدان عربية خلال الخمس سنوات المقبلة وتقسيمها، تبدأ بالعراق، ثم سوريا، وليبيا، والسودان، وأخيرا مصر. ويوضح الموقع أن هذه الأقوال تم تأكيدها من قبل الوزير الفرنسي السابق للشؤون الخارجية "رولان دوماس"، حين صرح للتلفزيون الفرنسي أن بريطانيا العظمى اعتادت على تدريب ودعم المتمردين السوريين، بهدف القيام بثورة لإسقاط الرئيس السوري "بشار الأسد". وذكر الموقع أنه بين عامي 2006، و2010، أنفقت الولاياتالمتحدة نحو 120 مليون دولار، من أجل دعم والتحريض ضد الحكومة السورية، حيث نشر موقع ويكليكس، برقيات دبلوماسية سرية توثق ذلك التمويل، وزاد أن دولا خليجية صرفت أضعاف هذا المبلغ بنفس الهدف. ويشير "غلوبال ريسيرش" إلى أنه في ابريل 2011، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "مارك تونر"، إن وثائق ويكليكس صحيحة، وإن الولاياتالمتحدة دعمت العديد من الحركات المدنية بسوريا، بهدف تعزيز حرية التعبير. ويقول الموقع إنه في عام 2012، سعى وزير الخارجية الفرنسية "لوران فابيوس"، بجانب المملكة المتحدة، إلى تخفيف حظر الاتحاد الأوروبي على الأسلحة إلى سوريا، حتى تصل الأسلحة بسهولة وبشكل سريع إلى مقاتلي المعارضة. وذكر الموقع الكندي أن فرنسا كانت من أول وأقوى الدول الأوروبية التي دعمت الائتلاف الوطني السوري للمعارضة، وما يسمى بالقوى الثورية، وذلك في اجتماعات عقدت في العاصمة القطرية الدوحة، واعترفت تركيا أنه الممثل الشرعي لتطلعات الشعب السوري. ويلفت الموقع إلى أنه في ديسمبر 2012، دعمت الولاياتالمتحدة الائتلاف الوطني كحكومة انتقالية في سوريا، ويوضح الموقع أن في عام 2013، اتهم الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد مدينة الغوطة، ودعا للتدخل العسكري في سوريا، إلا أنه تراجع، ولكن الصحفي الأمريكي "سيمور هيرش" قدم الأدلة التي تكشف استخدام المعارضة لغاز السارين، وقد تم ذلك بمساعدة تركية. ويرى الموقع أن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" اعتقد أن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في سوريا سيؤدي إلى رد عسكري من الولاياتالمتحدة ضد الرئيس "الأسد"، ولكن تقرير "هيرش" أثار الجدل، كما أن صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية رفضت نشره بعد ضغط من المخابرات المركزية الأمريكية. ويعتقد الموقع أن الأمر سيستغرق سنوات عديدة حتى يتم حل النزاع السوري، وسط استمرار فرار اللاجئين، ورغم موت أكثر من 250 ألف شخص، مشيرا أن جثث الأطفال صدمت العالم بالضمير الصامت، الذي لم يغير أي سياسات تجاه الأزمة السورية. تحذير من برلين خلال منتصف صيف سنة 2014 أبلغت برلين واشنطن أن أجهزة الإستخبارات الألمانية وضعت تقريرا مفاده أن تصعيد التدخل الأمريكي التركي في الحرب الدائرة على أرض الشام وتجنيد آلاف من الجهاديين من جنسيات مختلفة وتسليحهم وإرسالهم إلى سوريا بفضل ملايير الدولارات التي تنفقها دول خليجية من شأنه أن يولد رد فعل روسي عنيف لأن الرئيس بوتين لا يمكن أن يسمح بسقوط سوريا وتحويلها إلى نموذج الدولة الفاشلة كما حدث ويحدث في الصومالوالعراق وليبيا، وأضاف التقرير أن الكرملين يدرك أن ما يجري من فوضى في منطقة الشرق الأوسط هدفه استكمال طوق الحصار الأمريكي حول روسيا من الجنوب الغربي وإستغلال التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها داعش لتصدير الفوضى إلى الجمهوريات السوفيتية السابقة في وسط آسيا. وأكد التقرير أن رد فعل الكرملين سيصل إلى التدخل العسكري المباشر لمساندة الجيش السوري حتى مع المخاطرة بمواجهة عسكرية مباشرة مع القوات الأمريكية. التحذيرات الألمانية التي كررتها المستشارة الألمانية ميركل للرئيس الأمريكي أوباما وتضمنت معلومات دقيقة عن الإستعدادات الروسية العسكرية لم تلق آذانا صاغية في دوائر القرار الأمريكي، بل استبعد عدد من العسكريين والسياسيين في الدائرة المقربة من البيت الأبيض وقوع تدخل عسكري روسي في سوريا وأشاروا أن الرئيس الروسي بوتين يركز جهوده على الأزمة الأوكرانية ومواجهة زحف حلف الناتو نحو حدود روسيا في شرق وشمال أوروبا وتكثيف قدرات ما يسمى الدرع الصاروخي الغربي. قبل أن يكتمل عام على التحذير الألماني بدأ التدخل العسكري الروسي. فيوم الأربعاء 16 سبتمبر 2015 تحدث مسئول أمريكي لمراسلي شبكة "سي إن إن" الإخبارية العملاقة عن وصول أربع طائرات هليكوبتر عسكرية روسية إلى قاعدة جوية في سوريا، إضافة إلى نشاط القوات العسكرية الروسية هناك. وظهرت أربع طائرات هليكوبتر أيضا في صور الأقمار الصناعية التي قدمتها شركة تحليل المعلومات القائمة على التصوير التجاري "أول ريسوس أنالسيز". وقالت الشركة إنها أخذت هذه الصور يوم الثلاثاء 15 سبتمبر، وتظهر مناطق مرصوفة حديثا ودبابات وغيرها من المعدات في مطار باسل الأسد الدولي في سوريا. التحرك الروسي أربك مخططي البنتاغون، وفي حين تنقل روسيا الدبابات والمدفعيات المحمولة والعربات المدرعة إلى سوريا، فوض وزير الدفاع الأمريكي، اشتون كارتر، المحادثات مع روسيا إلى وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، لقيادة حوار الولاياتالمتحدة مع وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، عن التحركات العسكرية الروسية في سوريا، وفقا للبنتاغون الذي قدر أن مواجهات مباشرة قد تحدث في سوريا. كيري صرح يوم الاربعاء إنه أوضح في محادثته الثالثة مع لافروف في أقل من أسبوع، "أن دعم روسيا المستمر لبشار الأسد قد يصعد الصراع ويقوض هدفهم المشترك المتمثل بمكافحة التطرف". وقال كيري لمراسلة شبكة "سي إن إن" إن لافروف أكد له أنهم يخططون لمحاربة داعش، ولكن كيري أعرب عن عدم تصديق ذلك كليا، لأن أنواع الطائرات والذخائر والمعدات العسكرية التي تنقلها روسيا إلى سوريا "تثير أسئلة أكثر جدية عما يحدث". وأضاف أن الروس يقترحون حوارا مباشرا بين الجيش الروسي والجيش الأمريكي بهدف ضمان عدم "تصادم القوات الروسية مع قوات التحالف في الجو أو على الأرض". وقال مسئول بوزارة الدفاع إن كبار المسئولين العسكريين الأمريكيين يتفقون مع اقتراح الروس، لأنه إذا بدأت القوات البرية الروسية في التحرك، فعلى الولاياتالمتحدة معرفة مواقع تلك الوحدات للتأكد من أنها لن تستهدف عناصر الروس عن طريق الخطأ. وبالمثل، إذا بدأت روسيا بنقل الطائرات المقاتلة إلى سوريا، فإن البنتاغون بحاجة لمناقشة كيفية إدارة الصراع المحتمل في المجال الجوي مع الروس. يشار إلى أن صحفا فرنسية وبريطانية ذكرت أن موسكو زادت كثافة التزامها العسكري في سوريا، وأن وحدات مشاة البحرية الروسية تستعد للتحرك ضد جهاديي الدولة الإسلامية. ونشرت صحيفة "الغارديان" أن قافلة كبيرة من الاليات الروسية تحركت مؤخرا وسط سوريا، ونقلت عن مجموعات من المعارضة أن القافلة ضمت جنودا روسا كانوا متجهين إلى ضواحي مدينة حماة. وانطلقت الشاحنات المدرعة وناقلات الجند من اللاذقية على الساحل حيث تحدثت التقارير عن توسيع القوات الروسية مطار المدينة وبنت مرابط مغطاة إضافية لاقامة وحدات سكنية واستقبال لطائرات نقل. وحماة خاضعة مبدئيا لسيطرة الجيش السوري، ولكن المدينة شهدت كثيرا من الكر والفر بين المتقاتلين، والتقدم كما التراجع فيها يحتسب بالامتار. الطيران السوري يقصف داعش التحرك الروسي إنعكس سريعا على الساحة فيوم الجمعة 18 سبتمبر ذكر المرصد السوري الذي يوجد مقره في لندن والذي يعتبره البعض منبرا لخصوم حكومة دمشق، إن طائرات الجيش السوري شنت يوم الجمعة مالا يقل عن 25 غارة على مدينة تدمر التي يسيطر عليها تنظيم داعش في ثاني قصف مكثف لأراض يسيطر عليها التنظيم المتشدد خلال يومين. وقال المرصد إن الغارات كانت من أكثر عمليات القصف المتواصل الذي نفذته الحكومة في تدمر. وكانت الطائرات السورية قد شنت يوم الخميس ما لا يقل عن 12 غارة جوية على مدينة الرقة معقل ما يسمى الدولة الإسلامية في الشمال. وقال مصدر لرويترز إن القوات السورية بدأت استخدام أنواع جديدة من أسلحة جوية وبرية "بالغة الدقة" أمدتها بها روسيا. يذكر أن واشنطن ترفض فكرة التعاون مع الجيش السوري في قتال تنظيم الدولة الإسلامية وحذرت دمشق من التدخل في حملتها الجوية، ولذلك كان القصف السوري مؤشرا على ثقة الطيران السوري بأن الدفاعات التركية والأمريكية لن تستهدفه. مرتزقة يوم الجمعة 18 سبتمبر نقل عن النائب الأول لمدير جهاز الأمن الاتحادي الروسي سيرغي سميرنوف قوله، إن حوالي 2400 روسي يقاتلون مع تنظيم داعش. ونقلت "وكالة الإعلام الروسية" عن سميرنوف قوله إن "حوالي ثلاثة آلاف من مواطني آسيا الوسطى في المجمل يقاتلون في صفوف داعش". وذكر سميرنوف في تصريحات إلى الصحافة أن "مشكلة اللاجئين الفارين من الشرق الأوسط إلى أوروبا ستزيد على الأرجح، ما سيمثل تهديدا كبيرا محتملا على روسيا". ورأى أن "التشديد على أن دعم موسكو يؤثر سلبا في الوضع في سوريا وتدفق اللاجئين على نحو خاص ليس صحيحا، والسبب هو توسع داعش في المنطقة". وقال إن هناك دولاً تحاول تفادي "التعاون الدولي لمحاربة الإرهاب"، في تلميح إلى الولاياتالمتحدة، مضيفا: "هناك تعاون، لكن ليس بالمستوى المطلوب، خصوصا مع الولاياتالمتحدة". وكان سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، قد اتهم واشنطن بأن لديها معلومات عن مواقع تنظيم "داعش"، لكن مقاتلاتها لا تقصف هذه المواقع كما تمنع طائرات حلفائها من المس بهذه المواقع، وأكد أن هدف بلاده من تجهيز الجيش السوري بالأسلحة والمعدات العسكرية وإرسال خبراء روس لمساعد القوات السورية هو مكافحة الإرهاب وتحقيق نتائج جدية في القضاء على تنظيم "داعش"، باعتبار أن الجيش السوري هو القوى الوحيدة المؤهلة لمواجهة "داعش"، ما دفع خبراء روس للقول إن موسكو أصبحت تلعب دور واشنطن في تسليح وتدريب القوات التي تواجه الجماعات الإرهابية، تطبيقا لمبدأ ملء الفراغ. وليس من باب المصادفة أن يتقارب موقف بريطانيا مع رؤية موسكو، وتتحدث بريطانيا عن استعدادها للقبول بوجود بشار الأسد في هيئة الحكم الانتقالي والتحاور معه. وأضاف هذا الفريق أن سياسات الكرملين نجحت في إنهاء العالم أحادي القطب، وكسرت الاحتكار الأمريكي لتسوية أو التحكم في مسار أزمات البؤر الساخنة. قوات روسية للقتال في تسارع للأحداث صرح دميتري بيسكوف الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي يوم الجمعة 18 سبتمبر ردا على سؤال حول احتمال موافقة روسيا على مشاركة قوة من الجيش الروسي في عمليات الجيش السوري ضد الإرهاب: "إذا تسلمنا طلبا بهذا الشأن، فسندرسه طبعا، وسنناقشه في إطار اتصالاتنا وحوارنا الثنائي. أما الآن، فمن الصعب الحديث عن هذا الموضوع بصورة تجريدية". وجاء تأكيد بيسكوف ردا على تصريحات وزير الخارجية السوري وليد المعلم الخميس، الذي أعلن أن بلاده ستطلب قوات روسية لتقاتل إلى جانب قواتها عند الضرورة، نافيا أي وجود لقوات روسية هناك حاليا. وأضاف المعلم في كلمة للتلفزيون السوري الرسمي أنه ليس هناك قتال مشترك على الأرض مع القوات الروسية، لكن إذا دعت الحاجة فإن دمشق ستدرس الأمر وتطلب ذلك. بدورها عادت موسكو لتشكك في جدية ما تعلنه الولاياتالمتحدة عن حربها ضد داعش، وهكذا أكدت هيئة الأمن الفيدرالية الروسية أن موسكو منفتحة للتعاون الاستخباراتي مع دول أخرى من أجل مكافحة تنظيم "داعش" الإرهابي. ووصف الجنرال سيرغي سميرنوف نائب مدير الهيئة التعاون بين استخبارات دول منظمة شنغهاي للتعاون من جهة، وهيئات الاستخبارات في الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية من جهة أخرى، بأنه سيء جدا. وأكد الجنرال أن أنشطة "داعش" التجنيدية تمثل خطرا كبيرا على أمن دول شنغهاي، مشيرا بالدرجة الأولى إلى المخاطر التي تنطوي عليها عودة عناصر التنظيم إلى دولهم بعد اكتسابهم خبرة قتالية في مناطق النزاع. وتطرق الجنرال أيضا إلى قضية اللاجئين من سوريا ومن الشرق الأوسط بشكل عام، مضيفا أن روسيا ليست معرضة لهذه القضية بالدرجة نفسها التي تعاني منها أوروبا، لكنه أكد استعداد موسكو لاحتمال تنامي أبعاد هذه القضية في المستقبل. مصادر روسية وألمانية أشارت إلى أن نجاح الجيش السوري بدعم مباشر أو غير مباشر من جانب القوات الروسية في القضاء على قوات تنظيمي داعش والنصرة من شأنه إنهاء الحرب على أرض الشام، حيث أن التنظيمين يسيطران على أكثر من 92 في المئة من الأراضي السورية الخارجة عن سلطة حكومة دمشق في حين أن نسبة 8 في المئة الباقية فهي تحت سيطرة مبعثرة لما يوصف في الغرب بالمعارضة السورية المعتدلة. اغلاق كافة منافذ المناورة الأمريكية جاء في تحليل نشرته قناة "سي إن إن" الأمريكية: الاستراتيجية الروسية الحالية تبنى على فكرة الركض إلى الأمام وإغلاق كافة منافذ المناورة الأمريكية المستقبلية في احتماليات التلويح بالحرب أو التدخل العسكري المباشر او فكرة المناطق العازلة لكن في المقابل تبقي على نافذة الحل السياسي مفتوحة وبالتالي تصر ان تكون مراحل هذا الانتقال مدروسة بعناية ويتم تنفيذها بحذر شديد حتى لا تتكرر السيناريوهات المأساوية التي يستحيل التعامل معها لاحقا. الاستثمار الروسي الحالي يأتي في خضم حالة من التحولات في المواقف لدى كثير من الدول. فاستمرار الأزمة وتوسعها بدأ يقود الكثيرين إلى خلاصة مفادها استحالة التعامل مع الأخطار الارهابية الحالية وشكل انتشارها والنتائج المترتبة عليها بنفس الطريقة التي تم التعامل بها في السنوات الأخيرة مما يستدعي تغييراً حقيقيا في أسلوب التعاطي مع الوقائع على الأرض. إطالة أمد الأزمة في سوريا وعدم الوصول إلى نقطة انطلاق الحل السياسي يضع كثير من علامات الاستفهام على طبيعة السياسات التي تتخذها الدول المعطلة للحل التي قد تمثل أيضا اليوم في فكرة معاقبة أوروبا عبر الدفع بموجات كبيرة من اللاجئين كرد فعل على إفشال او عدم دعم مشاريع المنطقة العازلة أو التدخل العسكري المباشر في سوريا، او الانسياق مع سياسات الضغط باتجاه انهيار الدولة السورية او حتى الاستثمار الكبير بالجماعات المسلحة التي لا يمكن التمييز بينها اليوم. كل هذه المعطيات تشير ان الطرح المنطقي للحل لا بد ان يبدأ عبر تفاهمات حقيقية لحجم الأخطار المترتبة على استمرار التعامل مع الأزمة بهذه الطريقة، فالقراءة المنطقية تشير أن التعنت ورفض الحلول المقترحة منذ "جنيف 1" جعل كثير من الدول الرافضة لتلك الطروحات تتقبلها مرغمةً اليوم، لهذا يبقى السؤال الأبرز: "هل تضيع الولاياتالمتحدة فرصة أخرى وتقبل مستقبلا بكل ما ترفضه اليوم؟". سوريا.. حيث "نجح" بوتين وأخفق الغرب تشير تطورات المشهد السوري إلى أن التدخل العسكري المباشر لروسيا في سوريا مسألة وقت فقط، بينما لم تعد الدول الغربية تطالب بتنحي الأسد كشرط أساسي لحلحلة الأزمة بسوريا". هناك في دوائر القرار بواشنطن قوى وهي نفسها التي لم تأخذ التحذيرات الألمانية بجدية، من يشكك في مدى قدرة القوات الروسية على تغيير موازين القوى في الميدان. ومن هذا المنطلق يحذر بافيل بايف الخبير العسكري للقضايا المتعلقة بروسيا في معهد بريو للسلام بأوسلو، من مبالغة القوات الروسية في تقدير ما يمكنها فعله على الأرض. ولكن خبراء عسكريين آخرين يردون بالقول أن الحرب التي تقول واشنطن أنه تشنها على داعش تتميز باللطف الذي يوحي أن البيت الأبيض لا يريد فعلا القضاء على التنظيم المتطرف ويسعى لجعله أداة أساسية لإسقاط النظام السوري. ومع ذلك يبقى الطلب السوري الموجه إلى روسيا ورقة ضمان سياسية للنظام السوري. فبغض النظر عما إذا كانت موسكو جادة في نيتها بالتدخل العسكري المباشر في سوريا أم لا، إلا أن التصريح عنها هو نجاح لنظام الأسد، إن لم يكن عسكريا، فسياسيا ودبلوماسيا. وكان وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند قد صرح بداية الأسبوع الثاني من سبتمبر أن حكومة بلاده راضية عن تقديم تنازلات أمام روسيا لحلحلة الأزمة السورية. وكانت تصريحات لاحقة لنظيره النمساوي سيباستيان كورتس منصبة في هذا الاتجاه. وكان قد أكد أن الحرب ضد الإرهاب لها الأولوية القصوى، وهذا "لا يمكنه أن يحدث دون إشراك قوى مثل إيرانوروسيا، وبالتالي هناك حاجة إلى تضافر الجهود بشكل برغماتي، يقضي بإشراك الأسد في الحرب على الإرهاب". عودة إلى الشرق الأوسط يكاد أغلب الملاحظين يجمعون على أن الرئيس بوتين بتحركه في الساحة السورية بالذات قد نجح في تقوية نفوذ بلاده. ويشير الخبير العسكري أليكساي مالاشينكو، لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن ما تقوم به روسيا "في وحول سوريا يدل على أن موسكو قادرة على العودة إلى الشرق الأوسط، بالطبع ليست كقوة عظمى وإنما كقوة قادرة على خلق التوازن أمام القوى الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة". من جانبه يقول مدير قسم الشرق الأوسط في معهد يورازياغروب الاستشاري، إن "بوتين ربما أدرك أن الولاياتالمتحدة وأوروبا، لم تعد متحمسة لتغيير النظام في سوريا بسبب صموده زهاء خمس سنوات والتكلفة الكبيرة التي تحملها خصومه، والخوف من ظهور معطيات جديدة بشأن تشكيل وتمويل تنظيم داعش". إسرائيل تريد سوريا مقسمة المعادلات المتغيرة للحرب متعددة الأطراف على أرض الشام فرضت على العديد من الأطراف التي راهنت على إسقاط نظام دمشق مراجعة حساباتها. إسرائيل تحاول الخروج بأقل الخسائر وتسعى لتقسيم سوريا. وزير الداخلية الإسرائيلي السابق غدعون ساعر، من حزب الليكود الحاكم والمرشح للعودة إلى الحلبة السياسية والتنافس على منصب رئاسة الوزراء في تل أبيب وضع دراسة مع الجنرال المتقاعد غابي سيبوني من مركز أبحاث الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، ونشرتها صحيفة "معاريف"، تكشف للمرة الأولى ما يفكر فيه صناع القرار في الكيان الصهيوني ومعهم أنصارهم في واشنطن. الدراسة رأت أن تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية هو الحل. وأضافت أنه حتى مع أزمة اللاجئين والكشف عن التدخل الروسي العسكري، ما يزال من غير الواضح ما إذا كان سيتبلور جهد دولي يقوم بشيء من أجل إيجاد حل مناسب. وبرأيهما، فإن كل جهد سيبذل من أجل حل الأزمة يجب أن يقر بأن سوريا كدولة ذات سيادة لم تعد موجودة، وأنه لن تنشأ على أراضي هذه الدولة في المستقبل المنظور دولة مستقلة موحدة ذات سلطة مركزية فاعلة. وذكرت الدراسة إن الأمل الذي يدفع أطرافا عربية مثل مصر أو في المجتمع الدولي إلى التفكير بأنه من الممكن إعادة العجلة إلى الوراء وبناء سوريا "القديمة" من جديد حول سلطة موحدة، لا أساس له في الواقع. بناء على ما تقدم، يجب التركيز على البحث عن بديل عملي للدولة السورية، وبلورة خطة قابلة للتطبيق، تكون خطوطها العامة متفقًا عليها ومقبولة من جانب الأطراف في المنظومتين الإقليمية والعالمية، مشيرة إلى أن كل خطة إستراتيجية توضع من أجل إعادة الهدوء إلى سوريا وتحديد مستقبلها يجب أن تنطلق من افتراض أساسي واضح هو أن سوريا المفككة والمقسمة لا يمكن توحيدها من جديد". وساقت الدراسة موضحةً أن للفكرة المقترحة جذور في التاريخ السوري، فخلال حكم الانتداب في المشرق أقام الفرنسيون على أراضي سوريا خمس مناطق شبه دولة على أمل تطويرها كي تصبح سلطة ذات سيادة في المستقبل. عمر نجيب [email protected]