يشكل عيد الأضحى المبارك بالأقاليم الجنوبية للمملكة مناسبة لاستحضار عدد من العادات والتقاليد والمظاهر الاحتفالية التي يتميز بها المجتمع الصحراوي المغربي المحافظ، حيث يكتسي الاحتفال بهذه المناسبة الدينية طابعا خاصا ينهل من المظاهر الدينية والثقافية والاجتماعية. من المعتقدات والعادات الشعبية التي تميز جميع القبائل المكونة لسكان الصحراء، بدءا باقتناء أضحية العيد إلى ذبحها وتقطيعها، قيامهم، بعد صلاة العيد، بزيارة القبور للترحم على أرواح أقاربهم، بالإضافة إلى اقتناء أضحيتين للأسرة الواحدة، حيث يفضل الميسورون نحر جمل لما لهذا الحيوان من مكانة في المجتمع الصحراوي. وفي المقابل، تجتهد النساء في تحضير ما لذّ وطاب من أطباق وحلويات تقدم للزائرين والمهنئين، ويعتبر طبق الشواء أهم الأطباق التي تقدم في عيد الأضحى، ويخصصون فترة ما بعد الظهر والمساء لتبادل الزيارات العائلية. تعتبر هذه العادة، التي تسمى ب"الواجب"، تقليدا أصيلا توارثه الصحراويون وحرصوا عليه لإشاعة المودة والرحمة بينهم، رغم التحولات الاجتماعية التي أثرت سلباً على الكثير من العادات. وفي هذا الصدد أوضحت "عزة بيروك" أستاذة باحثة في التراث الحساني "أن المجتمع الحساني يتميز بعاداته الفريدة بسبب ظروفه التاريخية والعرقية والبيئية". وأضافت بيروك، ضمن تصريح لهسبريس، أن هذه الظروف جعلت المجتمع الحساني يزخر بتنوع وتشعب في عاداته ومعتقداته التي لابد أن تتقاطع في معظمها مع عادات المجتمعات الأخرى المجاورة، أما بالنسبة لعيد الأضحى كان الحسانيون يضحون بخرفانهم دون الحاجة إلى شرائها بسبب رعوية المجتمع. عملية الذبح تتخللها عدة طقوس، تبرز بيروك، منها إطعام الأضحية قليلا من الحناء والشعير والملح قبل الذبح مباشرة، وبعد الذبح يتم أخذ دم الأضحية قبل أن يصل التراب والاحتفاظ به في إناء ليتم تيبيسه ثم يستعمل للعلاج من بعض الأمراض كالأورام والبثور. مباشرة بعد الذبح، يتم تهييئ الرأس وذلك بوضعه على الجمر لإزالة شعره، وتتولى المرأة هذه المهمة، ثم يتم وضع المرارة في مكان ما لتجف فتستعمل هي الأخرى في المداواة، إذ توضع على رأس الحلمة لكي يعافها الرضيع فيفطم بسهولة، كما توضع على رأس أصبعه إذا كان يرضعه فيتخلص من هذه العادة. وأكدت الباحثة أن جلد الأضحية يقلب مباشرة على الجهة الداخلية ويوضع فوقه دقيق الشعير والملح والشبَّة، وبعد أن يجف يتم فركه بحجارة خشنة لكي يستعمل كفراش، وتتم هذه العملية بما يسمى "التويزة"، إذ تجتمع النسوة على تهييئ جلد أضحية كل واحدة منهن. ومن أهم ما يطبع هذه العادات، تقول المتحدثة للجريدة، أن عموم الصحراويين يقومون بتقطيع لحم الأضحية في اليوم الأول، يتصدقون ببعضه ثم يطهون بعضه ويقومون بتجفيف جزء منه مستعملين في ذلك الزيت والملح، وما بقي من اللحم يتم إعداده في وليمة ودعوة الأهل والجيران لتذوقه. القلة القليلة من الحسانيين لا "تجرح" الأضحية إلا بعد ثلاثة أيام، تشرح بيروك، إذ يأكلون الكبد المشوي ويطهون "الكرشة" في اليوم الأول، وفي اليوم الموالي يطهون الرأس والأرجل، وتوصي المرأة سبع أسر بأن يتركون لها لسان الأضحية في حال كان لديها ابن بلغ سن النطق ولم ينطق بعد أو كان كلامه متلعثما وغير مفهوم، اعتقادا منهم أن ذلك من شأنه أن يساعده على التكلم جيدا، إذ تقوم المرأة بطهي تلك الألسن وإطعام طفلها منها. تستقبل جميع الأسر الصحراوية الزوار بمشروب يسمى "أزريك" وهو الشراب المفضل لمختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية في الصحراء. يتكون هذا المشروب من الحليب الممزوج بالماء والسكر، وبعد تبادل التهاني تعد ربة البيت "أتاي" وفق الطريقة الصحراوية، وتقدم الأسرة لضيوفها المقبلات وتحرص على إعداد "شواء الكتف" مع طبقي "الكسكس المبروم" أو "الأرز مع اللحم". وخلصت الأستاذة بيروك إلى القول إن الكثير من هذه العادات في الوقت الحاضر قد قلت أو زالت بشكل نهائي، فالطقوس المصاحبة لعملية الذبح اندثرت، وتم الاستغناء عن عملية تهييئ الجلد بشكل تدريجي، لأنه لم يعد مرغوبا فيه كفراش، وتم الاستغناء عن الدم والمرارة المجففين لأن الطب العصري حل محل الطب البديل، أما بالنسبة للحم المجفف فقد تم تعويضه باللحم المثلج.