حقق حزب العدالة والتنمية الإسلامي مكاسب انتخابية ثابتة في الانتخابات المحلية المغربية الأخيرة، فهذا الحزب أضاء "بقنديله" صناديق الاقتراع في المناطق الحضرية في أول اختبار انتخابي له منذ فوزه بأغلبية الأصوات في الانتخابات التشريعية عام 2011. في منطقة فشلت فيها الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في إحكام قبضتها على الدولة والمجتمع، استطاع الحزب الإسلامي المغربي تحقيق اختراق انتخابي، حتى وإن كان يعمل ضمن مجال سياسي محدود ومتحكم فيه من قبل حكومة الظل التي يشكلها مستشارو الملك، وفي ظل احتفاظ القصر الملكي بصلاحيات واسعة. خلافا لغيرهم من الإسلاميين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الإخوان في مصر وحزب النهضة في تونس، لا يسعى إسلاميو العدالة والتنمية إلى تغيير النظام، بل يركزون على ممارسة أسلوب عملي وشامل جديد للحكم يقوم على التغيير المجتمعي والدولة الثورية بشكل تدريجي. أفضل طريقة لتوضيح حجم الاختراق الانتخابي الذي حققه حزب العدالة والتنمية، عكس أدائه في انتخابات عام 2009، ستكون عبر مقارنة النسبة الضئيلة من المقاعد التي حصل عليها خلال الانتخابات السابقة، والتي لم تتجاوز 5.5 في المائة، بعدد المقاعد التي فاز بها في انتخابات 4 شتنبر، حيث تمكن من مضاعفة الرقم ثلاث مرات في ظرف ست سنوات. وعلى الرغم من ذلك، يبقى فوز حزب العدالة والتنمية رمزيا في دلالاته، خاصة في مدينة فاس التي ظلت معقلا لحزب الاستقلال لمدة طويلة. هذه الانتصارات الانتخابية تسجل بوضوح حصول قطيعة مع الركائز الأساسية للنظام الانتخابي القديم الذي كان يعتمد على ممارسات فاسدة. تحقيق مكاسب انتخابية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، يرجع الفضل فيه إلى آلة هائلة وتنظيم متقن خلال الحملة الانتخابية في المراكز الحضرية، إذ نظم الحزب حملة شعبية نظيفة ومهيكلة، بدعم من شبكة التعبئة الجماهيرية العظمى التي قادها المؤيدون والمتعاطفون. في المقابل، أبرزت بعض التقارير أن كلا من حزب الأصالة والمعاصرة الذي حل بالمركز الأول، وحزب الاستقلال الذي احتل المرتبة الثانية، قد مارسا سلوكيات غير سوية، من بينها: تقديم الأموال والهدايا للناخبين، بالإضافة لشنهم حملات شرسة على وسائل الإعلام الاجتماعي على خصومهم السياسيين بشكل مفضوح. حملة حزب العدالة والتنمية ركزت في مجملها على التذكير بالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والشفافية التي تساهم فيها الحكومة التي يقودها، وجعلت شعارها "صوت لتكون لدينا الفرصة لمواصلة الإصلاحات". وكان الحزب جيدا للغاية في استخدام أشرطة الفيديو على "يوتيوب"، بالإضافة إلى حسن تدبير مشاركات المحسوبين عليه عبر "فيسبوك" و"تويتر"، كما استعملوا غير ما مرة رسومات بيانية يوضحون من خلالها لمستعملي الفضاء الافتراضي خططهم لخفض التضخم، وخفض العجز في الموازنة العامة للدولة، والعمل على مكافحة الفقر والبطالة. في الأيام التي سبقت الانتخابات المحلية، استطاع حزب العدالة والتنمية خلق ضجة كبيرة عبر الحملة الاستثنائية التي قادها مرشحوه، ويتعلق الأمر بالحشود الغفيرة التي كانت تحج لمهرجاناتهم الخطابية، خاصة منها تلك التي يحضرها زعيم الحزب ورئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الذي يتفرد بخطاباته السياسية المختلفة عن خصومه، ويثير إعجاب أنصار الحزب الذين يحلون بالآلاف لمتابعته. حزب العدالة والتنمية ألحق بالمشهد السياسي المغربي تغييرا واضحا، وقدم بديلا مختلفا عما كان سائدا من حيث الأسلوب والمضمون، فإستراتيجيته المعتمدة على المدى الطويل تمثل ثورة سلبية، تعمل ضمن نظام وقواعد اللعبة السياسية التي وضعها النظام الملكي من أجل التخفيف من الميزات الاستبدادية للدولة، دون إغفال العمل على القضايا الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية التي تعاني منها البلاد. صلاحيات حزب العدالة والتنمية في إطار المجال الدستوري مقيدة نوعا ما، ومع ذلك فأهدافه ترمي إلى خلق تغيير مجتمعي تدريجي من خلال إصلاحات داخل مؤسسات النظام الحالي، بدلا من الهجمات التمردية على الدولة والمجتمع التي فضلها الإسلاميون في دول أخرى. فإستراتيجيته لا تنطوي فقط على الظفر ببعض السلطات، لكن أيضا التأثير على المجتمع من خلال الوسائل المؤسساتية والفكرية والأخلاقية. على الرغم من أن الصرح السياسي المغربي قد شيده مهندس بعناية يصعب على إثرها زعزعته، إلا أنه حدث تغيير ملموس على مستوى المشهد والخطاب السياسي، فحزب العدالة والتنمية قد تمكن من استرجاع بعض الثقة الشعبية في قدرة الأحزاب السياسية على تقديم حلول حقيقية للمشاكل المجتمعية، خاصة بين الشرائح المهمشة من سكان المغرب، وهو ما شكل استفادة بالنسبة له قبيل الانتخابات التشريعية في عام 2016، التي ستكون اختبارا أكبر من الانتخابات المحلية.