ها هم رفقاء الراحل السي محمد العربي المساري وأصدقاؤه ومحبوه أبنونه بمناسبة أربعينيته التي حلت يوم الخميس 17 شتنبر 2015 ، من الإعلامي إلى الدبلوماسي إلى الشاعر وفق ما جادت به خواطرهم وقرائحهم ،وهم بهذا التأبين يثيرون الإنتباه مرة أخرى، إلى أن الحديث عن الفقيد السي العربي المساري و التذكير بشخصيته الفذة و بشمائله هو رسالة واضحة موجهة إلى كل الذين يدعون اليوم وبشكل كاريكاتوري محض صناعة الحدث في مشهدنا السياسي و الإعلامي و الدبلوماسي . فالكل بعد موته أجمع أن المغرب افتقد فيه هرما ومؤسسة إعلامية وثقافية جريئة ، حظيت باحترام وتقدير الجميع ،في الداخل و الخارج .فالرجل قد سجل إصابة تاريخية وخالدة في مرمى فريق الإعلام المخزني ، عندما أدرك بحسه الوطني العالي -رحمة الله عليه - ما يحاك لمؤسسة الإعلام والصحافة الوطنية بصفة عامة باعتبارها مرآة الحقيقة ، بسبب التصادم الذي كان في مرحلة من المراحل، بينه وبين موظفي الداخلية في عهد البصري، الذي استحوذ على كامل المشهد وبات يفرض وجهة نظره على الجميع، فقدم استقالته من ىهذا المطبخ بمحض إرادته، وليس تحت ضغط أية جهة كما يروج لذلك البعض .وهو أمر من النادر أن تجده في مسؤولينا القدامى و الحاليين الذين أصبح بعضهم اليوم رغم فضائحه وإجماع الرأي العام ضده ،يُطرَد من الباب الرسمي وأمام الملأ ليعود بلا أدنى خجل أو حساب من النافذة ، طالبا راغبا في المزيد . لقد اجتهد المرحوم في تشكيل صورة المواطن السياسي المسؤول بعيدا عن التظاهر والتباهي والتدافع والتلاسن والنفاق . كتبت له الأقدار أن ينتمي إلى حزب سياسي هو حزب الإستقلال ، ولم يكن في يوم من الأيام رغم ثقله المعرفي والسياسي ذلك النجم المترنح الذي تصنع ضوءه المصابيح البراقة المزيفة والبروجيكتورات الخفيفة و الرخيصة التي ينطفئ بريقها وشعاعها سريعا عند أول رجة .فحضوره العقلي داخل نشاطه السياسي رسم له في ذاكرة الناس من كل الأطياف السياسية في المغرب الصورة النظيفة الأبهى والأبقى . لقد غادرنا السي العربي والمشهد السياسي والحزبي يبكي على مآله بعد نخوة الزعماء الكبار الأموات والأحياء ،فهو يتربع على عرشه سياسيون يُلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون ، يُشعلون الفتيل ويؤججون اللهيب كلما لاح في الأفق شعاع نور يبشر بالخلاص، أو ما يوحي بالتقدم إلى الأمام ، يلعبون بعقول الأفراد والجماعات يتصارعون على الكراسي لتتدفق ملايين أخرى في حساباتهم البنكية ، فهم لا يشبعون ولا يرعوون ،يحاولون عبر الخطب والبرامج والإستجوابات والمواقف والقرارات إقناع الناس لا بالبرهان العلمي والمنطقي المبني على الحساب والمحاسبة والسياسة بقواعدها بل بالمغالطة والجدل العقيم . لقد غادرنا السي العربي تاركا الحقل الثقافي كذلك بدوره مضطربا ممزقا ، تبدلت مواقف قامات طالما عُرِفََ عنها الثباتُ على المبدأ مهما اشتدت الرياح العاتية ، لم يملك المتتبع الذي كان يهتف بها ويستشهد بإبداعها ومواقفها ورجالاتها إلا أن يُقَلِِّب كفيه على ثقته في أصحابها . اتحاد كتاب المغرب المؤسسة الثقافية التي ناضلت بجانب الأحزاب الوطنية منذ مطلع الإستقلال والتي لازال صدى من تعاقبوا على رئاستها من الكبار يتردد في جنبات الزمان ، هي الأخرى أغلب أعضائها يروجون لثقافة المنفعة الفردية فقط .بل طال الشك الرؤى السياسية الحالية في دور هذه المؤسسة الثقافية ومدى حاجة المجتمع المغربي إلى خدماتها . لقد قال لي أحد الشعراء يوما عندما بدأ مرض الطاعون يدب في أوصال الجسد الثقافي مطلع التسعينات :كيف لي يا أخي أن أبقى على هذه الحال أكتب وأمزق ..أكتب وأمزق.. أحفي دماغي الليل كله بحثا عن شطر جميل لبيت واحد من الشعر ، ولا أنال ولو كلمة اعتراف بسيطة صغيرة من المجتمع ،في وقت يبحث فيه آخرون من نفس فصيلتك ودمك شعراء، فنانون، مثقفون عن شطر آخر لبقعة أرضية جديدة في الشوكة بالهرهورة وبمناطق أخرى هادئة لبيتهم الإسمنتي الثاني الجديد ؟ كثيرون طلقوا الثقافة والسياسة والنقابة في أبعادها الجميلة كوقود للتغيير وحماية المستضعفين من ضربات الجلادين وارتموا في أحضان ثقافة البيزنيس والمدافئ والمعارض والسفريات والمهرجانات في فنادق خمسة نجوم . وما نقوله عن السياسة والثقافة كما تركهما الفقيد نقوله وبشكل آخر عن الحقل الإعلامي .اليوم وبعد مضي أربعة أعوام ماذا تحقق في المشهد الإعلامي ؟وهل هناك حرية إعلامية حقيقية تنشط الحقل الصحافي تنجز وتقدم لنا بكفاءة عالية وجرأة منتوجا إعلاميا مغربيا حرا في ظل دستور يضمن الحقوق ويحدد الواجبات من دون أن تتدخل جهات عليا لكبح جماحه ؟ لماذا لم يتخلص إعلامنا من سياسة الولاء والإنتهازية ؟ أين الثقافة في الإعلام، نقول الثقافة وليس الشقافة ؟ نقط ضوء ثقافية قليلة نعم ، لكنها لا تسمن ولا تغني من هذا السغب. أين المفكرون والباحثون والفلاسفة والشعراء والفنانون المغاربة الرواد والشباب بطوابقهم ومستوياتهم وقناعاتهم وجرأتهم ؟ لذلك ليس من باب تضخيم المسار السياسي والإعلامي والثقافي للمرحوم السي العربي المساري ،أن نبالغ في القول مرة أخرى بمناسبة أربعينيته أنه كان -رحمات الله عليه- وسيظل بصمة بارزة وخالدة في الإعلام والثقافة والسياسة والدبلوماسية يتحول معها يوما بعد يوم إلى علامة مضيئة قوتها ليس في شعاع ضوئها الباهر فقط وإنما في عمقها العميق كذلك .