على هامش ملتقى الرواية، المنظم بأكادير من طرف رابطة أدباء الجنوب ، تحت شعار"الرواية العجائبية"، أجرينا حوارا مع الكاتب المغربي مبارك ربيع، للحديث من منطلق الملتقى الذي اختار موضوعة ال"فنتاستيك"، والتي من خلالها سنجوب مع المبدع عوالم وإشكالات الثقافة والإبداع، ونكتشف عن القالب المناسب للمرحلة الجديدة في مسارات سياسات البلدان العربية في ظل التحولات الراهنة. س: بداية من هو/ أو من يكون مبارك ربيع؟ ج: يقولون عني أنني كاتب، وأعتقد أني في الطريق إلى ذلك، أستاذ و باحث جامعي، وهذا ألمسه في طلبتي، رب لعائلة، و هذا أراه مجسدا في أسرتي وزوجتي، وإذا جمعنا هذا، نقول إن مبارك ربيع إنسان عادي. س:اختار ملتقى الرواية الذي شاركتم و كرمتم فيه موضوع ال"فنتاستيك"، - في نظركم- هل هذه الموضوعة هي القالب الإبداعي المناسب للمشهد العربي الحالي لقيام هذا النوع الروائي على التنافر بين الواقعي والمتخيل، والبحث معه في طيات المشكل عن الحل السحري والبطل الأسطوري المنقد؟ ج: كمقدمة أقولها في البداية، فالمبدع لا يجب أن يقع في فخاخ التنظير أو النقد الأدبي، إذ أن هذا فن من فنون الأدب المختلف عن الإبداع رواية وقصيدة، هذا من جهة، أما من جهة ثانية ف"الفنتاستيك" كان دائما موجود قبل - هذا- الواقع العربي أو الغربي، فهناك النموذج الأدبي الذي يستوعب ملحمة أو قصة أو قصيدة أو رواية، كما أن هناك "الفنتاستيك" الذي يأتي كالتماعات من خلال العمل الأدبي. الواقع يعرف "فنتاستيكا" لإنفلاته عن التحديد الظاهري المألوف وغير "الفنتاستيكي" هو المنطقي العقلاني المنمط المنظم، وهذا المصطلح لا يجب أن يكون موجة أو توجيها، لأن المبدع لا يتقبل التوجيه، فلو تساءلنا عن توظيف "الفنتاستيك" فكأننا تساءلنا عن وجود جل الأجناس الإبداعية مثلا، لأن ما يخلقها هو السعي وراء الجمالية، فكما أن هناك جمالية لغوية، توجد أيضا جمالية "فنتاستيكية". س: كثيرا ما يقع الخلط عند المتلقي حول تشابك مفاهيم الغرائبي والعجائبي فهل هناك فرق بينها بحسبكم؟ ج: هي مفاهيم متقاربة والتمييز ممكن أن يكون وممكن ألا يكون حيث إن المبدع لا تهمه التصنيفات أو المفاهيم، بل يهمه العمل الروائي وروائية الرواية واكتمال سمات ما يجعلها رواية، ف "الفنتاستيك" مكون احتمالي، وأحيانا تضليلي حسي يختلف سياقه حسب استعمالاته، ولا فرق عند المبدع بين الغريب و"الفنتاستيكي"، لأن مهمته خلق أشكال وقوالب فنية، فهو لا يكتب و في وعيه جنس أو نوع أو موضوعة ما، لأن التصنيف و التنظير عمل النقاد، و"الفنتاستيك" مكون احتمالي تفضيلي حسب نوعية اشتغال المبدع في عمله. س: وهل توافق الطرح القائل بأسبقية التنظير الغربي "للفنتاستيك"؟ ج: "الفنتاستيك" موجود في تراثنا العربي، فنجد غرائب الأسفار وبعض أعمال بدر زمانو ومواقع الأبصار وغير ذلك من الكتب القديمة، لكنه لا يدخل في سياق التنظير الحالي الغربي "للفنتاستيك"، بل في سياق وصفي، فالظاهرة "الفنتاستيكية" موجودة في الرواية والتنظير اكتشفها ولم يصنعها. لكن لا يستطيع منظروا "الفنتاستيك" خلق هذا الأخير من غير أن يوجد في أي عمل أو رواية أو قصيدة فمادة الدراسة موجودة، والظواهر النقدية مصدرها العمل الإبداعي وليس العكس، فالأصل هو العمل الإبداعي، من تم وجب الإذعان بأن كل القوالب والتصنيفات التي تنظر للأدب تستقي وتجعل من العمل الروائي حقلا للإشتغال و الخلق. س: هل يمكن الحسم في معايير موضوعة ما مثل "الفنتاستيك"؟ ج: صورة العمل الإبداعي لن تكتمل أبدا، لأن تحديد المفاهيم من أصعب الأشياء، و"الفنتاستيك" هو ما يخرج عن المألوف، ومنطق الأشياء هو المبهر والخروج عن اللامعقول، فهو إذن ليس مقياس يقاس به. فمثلا لو حددنا العمل وفق موضوعة ما، وجاء المبدع مجملا كل المعايير ليطبقها على أحد الكتاب في عمله الإبداعي لما استطاع، لأن الكاتب يكتب بعفوية غير آبه بالمعايير، فقد يكتب عملا يمتزج فيه الواقعي باللامعقول مثلا، والكل في تناغم و انسجام في حياة العمل الإبداعي، فليست هناك فائدة من تحديد المفاهيم وفق إطار معين. فمهمة الكاتب هي كتابة رواية والعمل على تأثيثها بأساليب ومعايير وفضاءات فيها "الفنتاستيكي" والواقعي واللامعقول، الأهم هو تحديد العمل كونه روائيا محضا وليس "فنتاستيكا" فقط. س: انسجاما مع موضوع "الفنتاستيك" الذي يعبر عن التنافر، هل تعتقدون أن الواقع العربي اليوم غدا أكثر تنافرا؟ ج: الواقع العربي دائما كان متنافرا، إذا كان الواقع العربي اليوم يبدو متنافرا فإنه لم يكن يوما من الأيام غير ذلك، بل كان دائما متناقضا و صاخبا؛ ليس عند العرب فقط، بل في العالم بأسره، وهذه سنة الحياة، الإنسجام ضد قانون الحياة والصراعات موجودة دائما، وهي حركية الطبيعة. س: ماهو تقييمكم للوضع الثقافي بالمغرب؟ ج: للعصر الحالي عدة مزايا على مستوى الثقافة من ناحية وفرة الإبداع نتيجة التقدم التكنولوجي وتوفر الكتاب، وأيضا على مستوى التجارب الروائية اليوم؛ فهناك فيض في الرواية، علاوة على توفر بحوث في نهضة الشعرية، لكن الإشكال الذي يطرح أمام هذا الزخم من الإبداع يكمن في البحث في مستوى القراءة، والمواكبة النقدية المحللة المحاورة التي تبقى باهتة، فهي الشيء الغائب والذي نفتقده، لتبقى المتابعة مقتصرة على تكتلات صغيرة وصداقات تجمع المبدعين مثلا بمتتبعيهم من قراء أو نقاد ليس بمستوى الظاهرة الأدبية، وللأمية أيضا نصيب في تردي القراءة والوعي بالإبداع والثقافة، كما أننا نجد نسبة كبيرة من المتعلمين بالمداس لا يقرؤون. على اعتبار أن القراءة عادة تربي هيئات المجتمع المدني، فمشكلنا نحن المغاربة هو غياب العناية بإنتاج بعضنا البعض، لأنه لدينا نزوع كبير نحو إنتاجات مشرقية وغربية. أشد على أيدي الباحثين والأساتذة الذين بدؤوا بإحياء الإنتاج المحلي المغربي في الدراسات والأبحاث الجامعية. س: هل ساهم الفاعل السياسي فيما يشهده المشهد الثقافي الحالي؟ ج: عبرت سبعينيات القرن الماضي عن اتصال قوي بين الثقافي والسياسي، حيث كان سائدا نوع من استثمار السياسي لصالح الثقافي، وهذه براغماتية سياسية؛ حيث اشتغلت الثقافة كمتنفس للسياسي للتعبير غير المباشر، مستعملا اللغة الثقافية لتجاوز الضغوط السياسية، لكن من مرحلة التناوب التوافقي تغير الوضع، حيث أصبح السياسي هو السائد، فكان الثقافي - مبدئيا في تلك الفترة- في صف المعارضة، معارضة أغلبها مثقفون وذلك تحكمه أيضا عوامل خارجية ومحلية. لكن بعد أن تولت المعارضة السياسية الحكم، حدثت خلخلة ورجة، حيث و جد المثقفون أنفسهم في موقع السلطة، فلم يشتغلوا وفق مبادئهم الثقافية؛ من تم لم يخدموا الثقافة ولا المثقف. نحن اليوم في مرحلة مخاض جديد، وما يميزه أنه جديد ويوازي الحراك الشبابي والربيع العربي، ولابد لهذه التحولات أن تنعكس وتثمر في الثقافة، حيث لا تعدو المؤسسة ثقافية معزولة، بل لتصبح الثقافة في ترابط مع باقي المجالات -ومنها السياسي- لغاية تحقيق وعي عند الجميع؛ والجميع يشارك و يساهم. أما على مستوى الدولة، فهي تجعل الشأن الثقافي في آخر اهتماماتها، وهذا يبدو من خلال عدة مؤشرات مادية مثل البرامج المقدمة مثلا على مستوى المشهد الإعلامي التلفزي أو الإذاعي، و كذا غياب التحليل و النقاش الثقافي الفعال على مستوى الصحف. من تم فلابد للمجتمع المدني من القيام بدوره لتستعيد الثقافة مكانتها ضمن البرامج الحكومية، من خلال العمل على رعايتها واحتضانها عبر تكثيف الأنشطة على مستوى الجهات لكي لا يبقى الثقافي مقتصرا على المركز، ونشيد في هذا الصدد بمبادرة رابطة أدباء الجنوب التي تحاول خلق حراك و فسحة ثقافية بالجنوب المغربي.
س: هل الصحافة والإعلام يقصران في تجاوبهما و انفتاحهما على الثقافة؟ ج: ساهم الإعلام الثقافي في خدمة الثقافة المغربية في فترة معينة، كما ساهم في تدجينها للسياسي من جهة أخرى، حيث أن الفترة السبعينية مثلا خدم فيها الإعلام والصحافة الثقافة؛ والدليل على ذلك هو الملاحق الثقافية التي كانت تابعة لأحزاب سياسية، أما اليوم فقد تغير هذا الواقع، ويجب مسايرته بما يتناسب مع درجة تغيراته وتحولاته، بمعنى أن يكون الإعلام للجميع حسب اقتناعاته في النظر وفق رؤية تقييمية للمستقبل بعيدا عن مظلات تجعل من الإعلام خادما لمصالحها، أو يخضع لأي جهة ينتظر منها التوجيهات. س: هل يمكن القول بأن الإعلام بخس الثقافة حقها؟ ج: لا يمكن القول بأن الإعلام يبخس الثقافة بالمطلق، لأن التعميم صعب، وهناك منابر تحرص على البعد الثقافي، كما أن هناك ظواهر إعلامية لم تخدم الثقافة المغربية، وإذا نظرنا برؤية إيجابية لما ينبغي أن يكون؛ فالإعلام الثقافي يجب أن يغير أدوات اشتغاله حتى يستوعب متطلبات العصر ثقافيا، من تم فالذي يجب أن يفعل، هو تظافر الجهود بين ما هو سياسي وإعلامي لاستيعاب متطلبات العصر ثقافيا.