أسدل الستار صباح الاثنين بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن زهر بأكادير عن فعاليات ملتقى الرواية من تنظيم رابطة أدباء الجنوب في دورته الثانية بعد أن عرف السنة الماضية سيطا واسعا بحضور مجموعة أسماء وازنة في حقل الإبداع الروائي حيث عالج إشكالية المكان في الرواية،ليعود هذه السنة بموضوع الرواية العجائبية،بحضور أسماء ذات إشعاع مثل مبارك ربيع ،يوسف فاضل ،طالب الرفاعي من الكويت وعبلة الرويني من مصر ومي خالد،من مصر،ومحمد الويزي،وعبد السلام الفيزازي،عبد الرزاق بوكبة، وغيرهم من الأسماء التي قدمت للإبداع تجارب روائية خصبة تبحث وراء قوالب المعنى ،فشهد الملتقى عدة لقاءات و جلسات حول موضوع الرواية و هواجس الكتابة،ليفتح حوار مع الروائيين للحديث عن تجاربهم و أسئلتهم الوجودية الدافعة للكتابة لتختلف بذلك التصورات و التمثلات لدافع الكتابة، الروائية تكريم روائيين مغربيين و روائي كويتي وقد عرفت أيام الملتقى برنامجا حافلا تمثل في تكريم روائيين مغربيين و روائي كويتي ،اثراه الحضور الفعال والكثيف للمهتمين، من أدباء و نقاد ليشهد يوم الافتتاح الإعلان عن تكريم ثلاثة من المبدعين عن عطائهم و مسارهم الإبداعي الحافل ،وعرف الحفل حضور كل من د. محمد بركات المستشار الثقافي ومدير المركز الثقافي المصري بالرباط، ود. عبد النبي ذاكر الكاتب العام لاتحاد كتاب المغرب فرع أكادير،ليستهل اللقاء بكلمة مدير الملتقى عبد العزيز الراشدي الذي أبرز ضرورة إحداث مثل هذه التظاهرات لدورها في خلق الحراك الثقافي بمدينة الانبعاث لرسم معالم مجتمع واع بالرهان الثقافي وكذا لخلق مجتمع قارئ محب للإبداع والمبدعين، معرفا بدور الرابطة وإسهامها في هذا الرهان الثقافي، مشيدا بجهود اللجنة المنظمة و كذا الجهات المساهمة في إنجاح التظاهرة الأدبية معلنا عن تكريم كتاب مغاربة و عرب أضافوا إلى المشهد الثقافي وأغنوه وهم المغربيان مبارك ربيع و يوسف فاضل والكويتي طالب الرفاعي.ليتم تقديم ورقة في حقهم، فكانت الورقة الأولى للرئيس فرع اتحاد كتاب المغرب بأكادير عبد النبي ذاكر معبرا عن ابتهاجه من الدورة السابقة التي لاقت نجاحا،مشيرا إلى الدورالفعال لرابطة أدباء الجنوب لخلقها لتنوع الموضوعات حيث اختارت هذه الدورة موضوع الرواية العجائيبة مبرزا تقاطع تناول الموضوعة مع كلية بن مسيك بالدار البيضاء التي تحتفل أيضا بالرواية العجائيبة مما يبين يقظة الحس النقدي لرصد ذبيب تحرك الإبداع و تسليط الضوء على موضوعات ترهص المبدعين في جل الأقطار لخلق تواصل فكري ثقافي، لتعطى الكلمة لممثل السفارة المصرية ومدير المركز الثقافي المصري د. محمد بركات الذي أثنى على التعاون المغربي المصري في مجال الثقافة ليقوم بجرد الأنشطة التي يقيمها المركز الثقافي المصري مبرزا الجهود المبذولة من طرف المسيرين من أجل النهوض بالثقافة و فتح الباب أمام الشباب وإبداعهم الخلاق، كما لم يفته الثناء و التنويه بالمبدعات الحاضرات من مصر،ليدعو الرابطة لخلق تشارك بين الرابطة و المركز الثقافي المصري لمد جسور التواصل الثقافي بين البلدين متمنيا الاستمرار و التألق لرابطة أدباء الجنوب، ليعلن المنشطين بتناعم عربي أمازيغي لإبراز غنى و تنوع الثقافي للجنوب عن لحظة تكريم التي امتزجت فيها لحظات من البوح الصادق و الفرحة و الابتهاج من طرف المكرمين الذين أعطيت لهم الكلمة للتعبير من وحي اللحظة ،لتفتتح التدخلات بكلمة المبدع القدير مبارك ربيع الذي شكر و نوه بجهود الرابطة ناسجا كلمات فرح وابتهاج من مبادرة تكريمه،نافذا إلى العوالم الطبيعية للمنطقة التي وصفها بالخصبة من جل النواحي لما لشجرة الأركان و ماتحمله من رمزية للمنطقة و التي شكلت محيطا ومجالا خصبا للإنتاج الثقافي الإبداعي مشيرا إلى التجارب الغربية الإبداعية التي كتبت عن سحر طبيعة المنطقة، ليفتح باب الشهادات حيث استهلت مع د.عبد النبي ذاكر الذي قدم ورقة برزت فيها معالم الإبداع و عمق الرؤية من خلال ترسانة مفاهمية ممنهجة في حق الروائي مبارك ربيع الذي وصفه بالروائي و المبدع المجدد الذي متح من معين حقول معرفية متنوعة منها علم النفس و الادب و السوسيولوجيا و الفلسفة مبرزا تنوعه الثقافي مما طبع كتابته بالجمع بين الحيوية والإمتاع في الأسلوب ،أما عن سحر لغته فوصفها بالفنية عالية، لجمعها بين الفصحى والعاميّة، فهو ذاك المبدع المؤسس الذي استطاع لفت نظر النقاد والباحثين مغاربة وعرب، فحبروا عن أعماله بحوثا وأطاريح جامعية رصينة أعادت الاعتبار للأدب المغربي عموما، ولمبارك ربيع على وجه الخصوص، سيما وأنه يكتب «بأناة بالغة وبضمير روائي وقصصي»، على حد تعبيره هو نفسه. بعدها تلتها شهادة أحمد بوزفور عن يوسف فاضل مقدما تحليلا ورؤية نقدية لعمله الجديد»قط أبيض جميل يسير معي»منطلقا من العنوان الذي يعكس العجائبي بالرواية ، مقدما قراءة عميقة تأويلية لعمله نافذا برؤية مبدعة إلى ثنايا النص وفق آلية تشريحية لمفاهيمه و منها المنطلق وهو العنوان ليفتح فرضيات عديدة لقراءة النص، مبرزا انفتاح النص الأدبي على تأويلات عديدة للقراءة وزخم التأويل . أما المكرم الثالث فهو المبدع و الروائي الكويتي طالب الرفاعي الذي عبر عن سعادته بالمشاركة في الملتقى و تمثيل بلده و مبدعيه، ليدلى الناقد عبد الرحمان تمارة بكلمة في حقه امتزجت فيها الكلمة الصادقة بالشعر وهو يتحدث عن التجربة الروائية الرفاعية في: «سمر كلمات»، «الثوب»، «رائحة البحر»، «ظل الشمس»، وعن بعض المجاميع القصصية الباذخة للمحتفى به مثل: «أبو عجاج طال عمرك»، «أغمض روحي عليك»، «مرآة الغبش»، «حكايا رملية».ليبرز خصوصيات الكتابة عند المحتفى به. في ا للحظة الأخيرة من الحفل و كالتفاتة من المركز الثقافي المصري قدم ممثل السفارة د.محمد بركات درع الشرف للمبدع القدير مبارك ربيع عن عطاءه و مساره الإبداعي الحافل. أيام الملتقى جمعت أيام الملتقى بين روائيين و نقاد و أكاديميين من أقطار مختلفة بغاية فتح نقاش نقدي بين المبدع و المتلقي حول هواجس المبدع و خصوصيات الإبداع من خلال اختيار زاوية الموضوع والمتمثلة في الرواية العجائبية بتمثلاتها الملتبسة و مفاهيمها المتشابكة وهي العجائبي،الغرائبي،الفنتاستيكي،لتتراوح الجلسات بين الوقوف بموضوعة الملتقى ألا وهي الرواية العجائبية رصدين أهم اشكالاتها عند المتلقي لما تثيره من لبس لتفتتح جلسة نقدية في الموضوع صبيحة يوم السبت تحت عنوان «الرواية العربية والفنطاستيك» من تسيير د.عبد السلام أقلمون، حيث افتتحت الناقدة و الروائية عبلة الرويني الحديث بتعريف الرواية العجائبية كمزيج من الفكر والخيال مع حضور عنصر التنافر ،و خلق بعد المفاجئة والدهشة في العمل الروائي عبر تجاوز المألوف،منطلقة من نمودج الواقع المصري مثلا في توظيف السياسي لخدمة الخيال وكسر رتابة المعتاد في الصورة الواقعية، لتطرح إشكالا يعتبر الفنطازيا هروبا من الواقع،لتصوغ موقفها المعارض حيث اعتبرت الفنطازيا إحالة على الواقع ورؤية عميقة له،مبرزة خصوصية الفنطازيا المصرية من منطلق التساؤل هل لكل بلد فنطازيته الخاصة؟ لتجعل من عناصر الدهشة و التفاؤل و البهجة أحد مميزات الكتابة الفنطازية المصرية. لتتوالى التدخلات كل من الناقد المغربي عبد اللطيف محفوظ الذي عد الفنتاستك استراتيجية في الكتابة مشيرا إلى السياق التاريخي الغربي الذي نتج عنه،باحثا وراء الدوافع التي تجعل الروائي ينحاز لهذا الموضوعة والتي قد تنقسم إلى تغيير في رؤية العالم أو الذات وكذا إلى لحظة التباس الهوية ممثلا لها بعمل نجيب محفوظ بعد النكبة في عمله «تحت المظلة»و هو عمل روائي عجائبي للواقع العربي المتردي لتلك الفترة، واقفا أيضا عند التمييز بين مفهومي العجيب الذي عده ينتهي بالسعادة و تحقق التصالح مع العالم ،وبين الفنتاستيك الذي قال عنه أنه ينتهي بمآل مؤلم للإنسان كالإعدام أو الاغتيال أو النفي، لينتهي بتصور تودوروف الذي يعد من بين محددي الرواية الفنتاستيكية و التي أجملها في تحقق عملية التصادم بين معيار المتلقي الذي يجعل ادراك النص عجيب وغريب. أما الناقد المغربي ابراهيم الحجري فربط الفنتاستيك بالتلقي أي عد عملا ما فنتاستيكيا بمدى خلخلته لبنيات المتلقي الاعتيادية،مشيرا إلى غنى الموروث الثقافي العربي بالفنتاستيك من خلال الحكايات القديمة ألف ليلة وليلة مثلا، ليخلص أن الرواية استعانت بالتراث وحورته. كانت بعض اشكالات الرواية الفنتاستيكية التي وقف عند بعضها المتدخلون مشيرين إلى بعض الأعمال التي تناولت الملمح الفنتاستيكي ليشير مصطفى الغتيري إلى ضرورة النزوح للتراث المغربي لاستخلاص حضور هذا البعد، لتتواصل تدخلات المبدعين و النقاد التي أغنت النقاش و انطلقت من ضرورة التمييز بين الحقل المفاهيمي للموضوعة التي تلتبس على المتلقي مشيرين إلى إسهام الترجمة في خلق هذا الالتباس الاصطلاحي للمفهوم.وشارك في الجلسة كل من فاطمة البودي ناقدة مصرية وثلة من النقاد و الباحثين المغاربة نذكر ابراهيم ايت خالد وعبد السلام دخان وعبد الرحمان تمارة، اما الجلسة الثانية فكانت مساء السبت بتسيير محمد بوشيخة ،عرفت فتح حديث عن التجربة الروائية الأخيرة للمبدعين ليفتح كل روائي لحظة صدقة للخوض في سرد علاقته بالكتابة و العمل الروائي لتختلف التمثلات بين الكتابة كمتعة و مهارة عند مبارك ربيع،وبين الكتابة كعون لعيش الحياة، ليتواصل البوح وأسئلة القلق الإبداعي الروائي مع كل من المبدع عبد السلام الفيزازي،و العمانية جوخة الحارثي عن عملها سيدات القمر،و المبدعة مي خالد التي قالت «بأن الحكي قدري منذ قررت أن أكون دمية نفسي» منطلقة من مبدأ كون الكتابة رصد لتطور الإنسان،أما الروائية وفاء مليح التي أجملت القول عن حاجة الفرد للكتابة معتبرة إياها حاجة لتبحث الأنا عن هويتها ،أما مصطفى لغتيري فعد الكتابة فرصة لعيش حياة ثانية كما تتيح فرصة لفهم ذاته. أما جلسة يوم الأحد فعرفت شهادة بقية المبدعين المشاركين في الملتقى حول تجاربهم الروائية ،ونذكر كل من الروائي المغربي يوسف فاضل الذي قدم قراءة في عمله الأخير قط أبيض جميل يسير معي ،وكذا المبدعة و الروائية المصرية ميرال طحاوي حيث ضمت مداخلتها الكتابة وعبئ الأنوثة متحدثة عن الكتابة النسائية واصفة إياها بضآلة القيمة ومجلبة لفضول الرجل لتناولها لموضوع الجسد،مبرزة منطقها في اعتبار الكتابة موازية للتمرد على المعتاد،ليليها المبدع عبد العزيز الراشدي الذي تعكس كتاباته هموم الشباب المغربي و العربي عموما وهذا ما برز من خلال تجربته الروائية الأخيرة «مطبخ الحب» وكذلك أعماله السابقة، مضيفا أن الكتابة نابعة من المكان ،معتبرا البيئة الصحراوية هبة وملهمة للحكي،لينقلنا المبدع الجزائري عبد الرزاق بوكبة عبر عوالم حكيه التي امتزج فيها الواقعي بالمتخيل من خلال عمله الأخير»رقصة اليعسوب»والتي تجسد تجربة ذاتية للكاتب ليصرح بقوله عن الكتابة «أكتب لأعرقل موتي» بينما المبدع المغربي أحمد الويزي فتحدث عن البعد التراثي في عمله»من حمام العرسة إلى دار برارج»، كما كان للتجربة الروائية الأمازيغية حضور أيضا لرصد التنوع الثقافي المغربي من خلال الكتابة أيضا،ليمثلها الكاتب الأمازيغي عبد الله صبري،أما المبدع الشاب يوسف البورقادي فقد لخص تجربته الروائية «وشوم الذاكرة»،منطلقا من كون الإبداع تكريس لقيم ثقافية حيث لا يجب بحسبه التفكير فقط في البعد الجمالي للإبداع بل الإبداع كوظيفة مكرسة لقيم ثقافية.ليختتم اللقاء بالمبدع محمد كروم الذي يبرز من خلال كتابته تحولات البادية المغربية وفق سير وتحول المدينة. ليشكل بذلك الملتقى فرصة وفسحة ثقافية تساهم فيها رابطة أدباء الجنوب جاهدة على خلق حراك ثقافي بالجهة من خلال الأنشطة التي تعمل على إقامتها،وهذا نابع من الإقصاء الذي تعرفه الثقافة و الحقل الإبداعي، ليعبر بذلك مدير الملتقى و رئيس رابطة أدباء الجنوب عبد العزيز الراشدي عن ابتهاجه و ارتياحه من الملتقى الذي يراهن كل سنة على التجديد و جلب أسماء وازنة للجمهور و المتلقي المغربي.