العيد مناسبة دينية حنيفية ابراهيمية إسلامية؛ عيد التضحية وليس عيد الذبح والسلخ. الكثير منا تغيب عنه القراءة السيميائية لتسمية "العيد الكبير" بعيد "الأضحى". فالتضحية هي إيثار بالموجود والمقدور. وليس في الذبح إلا معنى قدحي هو الاعتداء والجور. سنت التضحية أول الأمر بالرؤيا النبوية، ورؤيا الأنبياء وحي إلهي وليست أضغاث أحلام. ومما يؤكد معنى الاعتداء في الذبح مخاطبة الخليل ابنه عليهما السلام بقوله: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك"، ولم يحك القرآن عنه أنه قال: "إني مضح بك". وعموما فالذبح في حق "إسماعيل" اعتداء، وهو من طرف ابراهيم الخليل "تضحية .قد ننعت بالسفسطة في هذا الكلام، وليكن ذلك، فأنا لا أنقل ما قيل، وإنما أكتب فهمي وتأويلاتي مسقطة على الواقع المعيش... فالتضحية هي بذل النفيس في سبيل من تهوى. وقد عرفت الأديان كلها بما فيها الوثنية التضحية بتقديم القرابين؛ والقربان في بعض الديانات الوثنية كان هو الإنسان، قد يكون ذكرا أو أنثى حسب معتقد الأتباع. اقرأ إن شئت "ملحمة جلجامش" المنتوج الديني والأدبي لحضارة ما بين النهرين، واقرأ عن القربان في الديانة المصرية القديمة أو الهندية وغيرها كثير، وقد يلخص لك الأمر في هذا الشأن الأنثروبولوجي الإسلامي، أبو الريحان البيروني في كتابه الموسوم ب"الآثار الباقية". ومما يغيب عنا في التكاليف الشرعية، هو ربطها بالقدرة والاستطاعة، فلم نكلف بتضحية فوق طاقتنا؛ لأننا إن فعلنا أخرجنا التضحية المقدور عليها في علم المشرع إلى تضحية بمعنى الاعتداء والتعدي، "ومن يتعدى حدود الله فقد ظلم نفسه". ومن يقرأ واقع الناس اليوم، وهم على مقربة من عيد الأضحى، يجدهم يتكلفون ويتحملون ما لا يطيقون، منهم من يبيع أثاث منزله ليشتري كبش الأضحية بقرون كبيرة ترحل عما قريب إلى الديانة اليهودية بإسرائيل، ومنهم من يذبح نفسه داخل مجزرة الأبناك المالية ليفرح ساعة العيد، وبعدها يعيش مشقة رد السلف،... فالذين هذا هو صنيعهم في عيد الأضحى قد اعتدوا على النفس؛ حيث ذبحوها بتكليفها ما لا تطيق. يكفيك يا فقير أنك نويت التضحية، ومسوغ ذلك هو سماعك للأثر الذي يجري على الألسنة:" النية أبلغ من العمل". ويكفيك أن ولي الأمر يضحي نيابة عنك، ولا داعي لذبح نفسك وسلخها بالسلف وبيع أثاث المنزل وأفرشته وأنت على مقربة من فصل الشتاء.