الساعة الرابعة بعد الزوال بحي المسيرة 1 بمدينة تمارة، نوجد بمحطة سيارات الأجرة الكبيرة، حيث توجد كذلك محطة أخرى للعربات المجرورة بالخيول، أو "الكوتشي"، كما يطلق عليها بالعامية، سائقوه وأغلبهم شباب، ينتظمون في صف، ينتظر كل واحد منهم أن يحين دوره ليظفر بعدد من الركاب يملأ به عربته لتنطلق رحلته المعتادة من المسيرة 1 إلى حي كيش الوداية أو ما يسمى أيضا "القرية''. فما إن يقترب شخص ما من هذه العربات حتى يتهافت عليه سائقوها ''القرية أخويا، الكيش''، وهناك من السائقين من نفذ صبره وهو ينتظر دوره، فيلجأ إلى استعمال القليل من التحايل، كأن ينادي الأشخاص المتوجهين للعربة الموجودة في الدور الأول بدعوى نفاذ الأماكن أو اجتناب الازدحام، ويصيح ''را عامرا هاديك أخويا أجي هنايا''. العربات المجرورة بالخيول بمدينة تمارة، بعيدة كل البعد عن تلك التي توجد بالمدينة الحمراء، لا تشبهها في شيء، فالثانية تزين وتعرض في أبهى حللها، لأن معظم مستعمليها سياح أجانب، بينما الأولى تبدو في مظهر بشع، أحصنة متسخة، عربات مهترئة حتى سائقيها لا يهتمون بمظهرهم وهندامهم. ثمن الرحلة وخط سيرها يختلفان كذلك، ف"كوتشي" مراكش يركبه السياح بمائة درهم مقابل جولة صغيرة في بعض شوارع المدينة، بينما "كوتشي" تمارة، فثمن الرحلة على متنه لمسافة تقدر بكيلومتر واحد تقريبا هو درهمان فقط، كما أن جل مستعمليه هم أبناء المدينة. حسرة تلميذ بدر، شاب في عقده الثاني، انقطع عن الدراسة من السنة الثانية إعدادي، ليصبح سائق "كوتشي"، يقول "منذ أن كنت في الثامنة من عمري وأنا أجالس أصدقائي سائقي العربات المجرورة بالخيول، من هنا بدأ ارتباطي بهذه المهنة". بسؤال بدر عن سبب انقاطعه عن الدراسة، اتجهت عيناه صوب الأرض، وملامح وجهه يبدو عليها الكثير من الأسف "ماكانش عندي العقل، تبعت الدوران والدراري". يومئ برأسه متحسرا، يبتسم ابتسامة خفيفة ثم يتابع ''حتا دابا الحمد لله هاحنا عايشين''. يشتغل بدر من الساعة الثانية بعد الزوال إلى حدود الساعة التاسعة مساء، وما استطاع جنيه من ربح مادي خلال هذه المدة الزمنية يتقاسمه مع صاحب العربة، في هذا الصدد يقول: ''كل نهار ورزقو(...) لكن غالبا المبلغ يتراوح مابين 150 و180 درهم، نصيبي منها 70 أو 90 درهم''. روائح كريهة الكائن بمحطة العربات المجرورة بالخيول، أو حتى المار بجانبها، يشم رائحة كريهة تصل حد الشعور بالغثيان. روث الخيول مطروح هنا وهناك، على طول الشارع الرابط بين حي المسيرة 1 وكيش الوداية، في منظر مقزز يثير الاشمئزاز، بعض سائقي ''الكوتشي'' لا يستعملون الأكياس البلاستيكية لأحصنتهم، وحتى إن توفرت، يكون بها ثقب يتحول على إثره الشارع إلى مرحاض للخيول. عدم استعمال الكيس البلاستيكي للحصان يعتبر مخالفة، عقوبتها حجز العربة لمدة 15 يوما، كما أن هناك قوانين أخرى منظمة لسير العربات المجرورة بالخيول في المدن، كأن يتوفروا على الرخصة، التأمين، أن لا يتجاوز عدد الراكبين خمسة أشخاص بالإضافة إلى السائق، لكن معظم السائقين يضربون هذه القوانين عرض الحائط، خاصة أيام الدراسة، الفترة التي تعرف فيها العربات إقبالا كبيرا من طرف التلاميذ الذين قد يصل عددهم إلى عشرة في العربة الواحدة. امتهان حرفة محمد، الرجل الأكبر سنا بين مالكي العربات، يبلغ من العمر 58 سنة، جسمه نحيل، على وجهه تجاعيد بارزة خطها الزمن على مر السنين، امتهن سياقة "الكوتشي" منذ سنة 1993، يقول بصوت منخفض، "هاد المهنة عيشات قومان". له ستة أبناء، لكن وضعيتهم المهنية غير مستقرة، ''يعاونو غي راسهم''، يضحك ثم يضيف "أنا والحمد لله، أتمكن بفضل هذه المهنة من التكفل بالاحتياجات الضرورية لأسرتي، أملك شقة أدفع دينها الشهري بمبلغ يقدر ب 500 درهم، بالإضافة إلى مصاريف الأكل والشرب وفاتورة الماء والكهرباء". العربات المجرورة بالخيول، تشكل منافسا قويا لسيارات الأجرة الصغيرة في خط السير الوحيد المسموح لها به في المدينة، ذلك أن ثمن الرحلة لا يتعدى درهمين، بينما سيارة أجرة صغيرة تكلف عشرة دراهم من حي المسيرة 1 إلى كيش الوداية نظرا أن سائقي ''الطاكسي" لا يشغلون الحاسب. فيما يخص التعامل مع الخيول، هناك مكان مخصص لها يتردد عليه سائقو العربات بانتظام من أجل تنظيفها، وعند نهاية كل رحلة، يتم تقديم الطعام للفرس في انتظار أن يحين دوره لبداية رحلة أخرى، أما في حالة مرضه فيتم الاتصال بطبيب بيطري يشتغل بإحدى الثكنات العسكرية الموجودة بالمدينة لتزويدهم بالأدوية، بحسب ما صرح به عادل، أحد سائقي "الكوتشي". تاريخ تليد وبالرجوع إلى التاريخ، فإن دخول العربات المجرورة بالخيول "الكوتشي" للمغرب، بحسب الأستاذ الباحث المتخصص في التراث، محمد أوجمعة، يعود للقرن التاسع عشر، وهي الحقبة التي عرفت استقرار جاليات أجنبية بالمملكة، خاصة التجار البريطانيين، حيث كانت تستعمل هذه العربات في تنقلات الشخصيات المرموقة بالمجتمع والممثلين السامين للسلطات. هكذا، تحولت العربات المجرورة بالخيول إلى وسيلة نقل تستخدم من طرف الطبقات الشعبية، بعدما كانت رمزا للمكانة الاجتماعية المرموقة، فهي الآن تمكن راكبيها من ادخار بعض المال وإنقاذ جيوبهم، وتوفر كذلك لسائقيها مهنة يستطيعون عن طريقها ضمان لقمة عيشهم. (*) صحافية متدرّبة