مراكش/ 2 يوليوز 2014/ ومع/ شكلت العربات المجرورة بالخيول أو كما يطلق عليها المغاربة "الكوتشي" مع مرور الزمن وسيلة عريقة للنقل والاستجمام والتجوال بالمدينة الحمراء واكتشاف ما تزخر به من مواقع أثرية وفضاءات طبيعية تفوح بعبق التاريخ. وتؤثث هذه العربات، التي أضحت رمزا للمدينة الحمراء، على غرار الحافلات الحمراء المكشوفة وسيارات الأجرة السوداء بلندن والمراكب الخشبية بالبندقية بايطاليا ، بألوانها الخضراء وعلى إيقاع صوت حوافر الخيول ، مشهد المدينة فأضحت بذلك فاعلا مهما في قطاع السياحة بمراكش. وتعد المدينة الحمراء ، الوجهة السياحية الأولى بالمملكة وذات الصيت العالمي، من المدن القلائل بالعالم التي استطاعت أن تحافظ على العربات المجرورة بالخيول كتراث لامادي حقيقي جعل من هذه المدينة الضاربة جذورها في التاريخ فضاء ساحرا وأخاذا يسلب العقول والأنظار وتتلاقى فيه الأصالة والمعاصرة في انسجام تام. وحسب الأستاذ الباحث المتخصص في التراث محمد أوجمعة، فإن دخول العربات المجرورة بالخيول "الكوتشي" للمغرب يعود للقرن ال19 وهي الحقبة التي عرفت استقرار جاليات أجنبية بالمملكة وخاصة التجار البريطانيين، حيث كانت تستخدم هذه العربات كوسيلة للنقل ، قبل أن تستعمل في تنقلات الشخصيات المرموقة بالمجتمع والممثلين السامين للسلطات. وأضاف أن "الكوتشي" لم يكن يعتبر فقط وسيلة للنقل بل أيضا رمزا للمكانة الاجتماعية، ليتم فيما بعد استخدامه من قبل الطبقات الشعبية كوسيلة للنقل وإيصال البضائع إلى داخل الأسواق وخاصة بعد عمليات تهيئة الأزقة، ولكن هذه المرة، يقول الأستاذ الباحث، وفق معايير محلية حتى تتلاءم هذه العربات مع خصوصيات دروب وأحياء المدينة الحمراء. وأوضح ، في هذا السياق، أنه بحكم حجم الأزقة بالمدينة في تلك الفترة حدث تغيير على المقاييس التي كانت معتمدة في صنع العربات المجرورة بالخيول بالمدينة، إذ انتقل عرض العربة إلى ما بين 40ر1 متر و5ر1 متر عكس مثيلاتها بأوربا مابين 80ر1 متر ومترين. وإذا كانت العربات المجرورة بالخيول قد اختفت بمدن أخرى بالمملكة وعوضت بوسائل جديدة للنقل (الحافلات ، سيارات أجرة..)، فإن مدينة مراكش حافظت على هذا النوع من وسائل النقل التقليدية في قطاع السياحة وقد ساعد على ذلك انبساط أراضي المدينة، حسب قول الأستاذ الباحث. فلا يمكن لزائري المدينة الحمراء سواء أكانوا مغاربة أو أجانب ، أن يقوموا بجولة بالمدينة دون امتطاء هذه الوسيلة الايكولوجية والتي تعتبر ذاكرة متحركة زاخرة بقيم مضافة كبيرة بالنسبة لقطاع السياحة وتسهم في الإشعاع الدولي للمدينة. وفي محاولة لهيكلة هذا القطاع، اتخذت السلطات العمومية العديد من الإجراءات، تتعلق بإخضاع العربات المجرورة بالخيول للمراقبة اليومية من خلال التأكد من توفر السائقين على رخصة الثقة وحالة العربات والأحصنة. ولتسهيل هذه المهمة تتوفر هذه العربات على شرائح الكترونية وأرقام تسلسلية خاصة بالخيول. من جهة أخرى، تقوم الجمعيات التي تنشط في مجال حماية الحيوانات والطبيعة بتنظيم مسابقات لمكافأة أحسن عربة وأجمل الخيول. من جانبه، أبرز الكاتب العام للجمعية المهنية للعربات المجرورة بالخيول "الكوتشي" حسن لخضر ، أن العربات المجرورة بالخيول تواجه اليوم منافسة غير متساوية من قبل الحافلات المكشوفة والتي تستحوذ على ما يقارب 60 في المائة من سوق الجولات السياحية بمراكش، مشيرا إلى أن الشركة المكلفة باستغلال هذه الحافلات تقترح تعريفات جد منخفضة. وقد أضحت خدمة "مراكش تور" التي تضم أربع حافلات مكشوفة من طابقين مجهزة بنظام صوتي يسمح باكتشاف تاريخ وخصوصيات كل موقع أثري بالمدينة بثماني لغات، تنافس بشكل قوي العربات المجرورة. وتتجلى هذه المنافسة في تسعيرة الجولة عبر هذه الحافلات والمسار الذي تقطعه والممتد على عشرين محطة توقف تشمل أهم نقاط الجذب السياحي والمآثر التاريخية بالمدينة. وبهذا الخصوص، أبرز الأستاذ أوجمعة أن قرار إحداث هذا النوع من الحافلات منذ سنة 2005 أملته اعتبارات تجارية، فقد "شوهت مشهد المدينة وملأت الفضاء بدون جدوى ودون أن تحقق أي قيمة مضافة بالنسبة لقطاع السياحة" على حد قوله. بدوره، دعا لخضر إلى اتخاذ العديد من الإجراءات التي من شأنها صيانة وحماية هذا التراث اللامادي ، وتتعلق بالدرجة الأولى بتقديم إعانات خاصة بعلف الخيول وهيكلة القطاع. وتبقى مهنة العربات المجرورة بالخيول مدعوة إلى أن تتطور حتى تتلاءم مع التحولات الكبرى الذي يشهدها قطاع السياحة. وقد صار لزاما على سائق العربة المجرورة بالأحصنة، والذي يتمتع بروح منفتحة، بحكم علاقته المباشرة مع الزبائن، أن يتقن على الأقل لغتين أجنبيتين وتكوين في قانون السير.