بعيداً عن "الكوتشي" السياحي الذي تمتاز به المدينة الحمراء مدينة مراكش، يظهر "الكوتشي" البيضاوي، وخاصة ذلك الخاص بعمالة مقاطعات مولاي رشيد سيدي عثمان، ممتلكاً لرونق خاص، إنه يحمل هموم زبون أتعبته الزيادات المتتالية في أسعار وسائل النقل الأخرى، وهموم سائق يحفظ بفرسه ماء وجهه من عطالة منتشرة بهذه المنطقة كالنار في الهشيم، ويحفظ جزءاً من مدينة شرسة إسمها الدارالبيضاء تجتمع بها كل الفئات. على امتداد شارع إدريس الحارثي الذي يجمع عدداً من الأحياء البيضاوية، تتسابق عدد من عربات الخيل فيما بينها من أجل أن تقل أكبر عدد من الزبناء، قد يصل العدد إلى عشرة حتى وإن كان القانون ينص على خمسة. مشهد "الكوتشيات" في هذا الشارع بات مألوفاً، وصار عادياً أن تتنافس مع سيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة، بل وحتى الحافلات، سلاحها في المنافسة: الثمن الذي لا يتجاوز درهمين للزبون الواحد، والرحلة التي تضمن حداً من الاستمتاع. إلا أن متعة الرحلة تصطدم أحيانا بجشع سائق عربة يكدس الزبناء داخل عربته لدرجة أن هناك من لا يقف حتى حيزاً للوقوف، وهناك من يكتفي بالإمساك من تلك القطع الحديدية الصدئة التي تكون بالجانب وهناك من يركب الجزء الأعلى للكوتشي، دون الحديث عن تحوّل المتعة أحيانا إلى زيارة لأقرب مستشفى، خاصة وأن حوادث "الكوتشيات" تتعدد بين الفينة والأخرى. و هناك بعض "الكواتشا" تعرف بموسيقى صاخبة يصدر صوتها من مكان بعيد، بحيث يختار سائق العربة "أغاني راي" كالسرحاني و بلال و الشاب فيصل المعروف بأغنية "أمول الكوتشي جمع كولشي لبضاض يرشي". وأحيانا أخرى الزبائن هي من تفرض نوعية الأغاني على سائق العربة، فمثلا أبناء المدارس كمدرسة ادريس الحارثي، يركبون بنات الثانوية الكوتشي في وقت الذروة، على الساعة الثامنة صباحا و يختارون بالإجماع أغنية راي و يطلبون من سائق العربة أن يلبي طلبهم و يرفعون من صوتها حتى يصبح الصوت مرتفعا بشكل مزعج و يرددونها جميعا. غير أن الدرهمين اللّتين يربحهما الزبون، تؤدي ضريبتها بشكل مستمر أرضية الشارع، فروث الخيول يزكم الأنوف، والمرور من جنباته يفرض عليك الحذر كي لا تطأ ما يخدش حذائك، فلا وجود لشيء اسمه الأكياس البلاستيكية المفروض على كل سائق "كوتشي" استعمالها، والنتيجة أن صار الشارع مرحاضاً للأفراس. كان المجلس الجماعي لمدينة الدارالبيضاء قد أشار منذ بعيد إلى ضرورة اتخاذ تدابير زجرية مالية يتحملها أرباب العربات المجرورة، سواء بواسطة الحيوانات أو اليدوية، داخل النطاق الترابي لمدينة الدارالبيضاء، وذلك بسبب الآثار السلبية على البيئة وجمالية المدينة وتهديد سلامة السير والجولان والمساس بالصحة العامة نتيجة تكاثر الضوضاء والإزعاج وانتشار الأوبئة والأمراض. كما أن عمدة المدينة السابق، محمد ساجد، والذي أصبح وزيرا للسياحة الآن، كان قد وقع قراراً جماعياً يقضي بمنع وقوف العربات المجرورة بواسطة الحيوانات داخل المدار الحضري، وكذا سيرها بعدد من الشوارع. غير أن التدابير لم تتخذْ بعد، وعربات الخيول لا زالت نشيطة للغاية دون احترام المعايير المنصوص بشأنها:" حْنا على الأقل كنخلصو لاسورانسْ وكنعوانو المواطن فالتنقل ديالو بلا ما يضر يجيبو..أما راه كاينين صحاب الكرويلات لي مكيخلْصو والو".