يبدو أن أعضاء حزب العدالة والتنمية ومن يتعاطف معهم داخل مدينة فاس أو خارجها ،قد انتشىوا بمافيه الكفاية ،وأنهم ناموا كما يقول المغاربة على جنب الراحة، بعد انتصارهم الباهر على خصمهم في انتخابات 4شتنبر في عقر داره .فكل الخطب وردود أفعال المنتمين إلى هذا الحزب أو المتعاطفين معه تصب كلها في اتجاه التيقن والحسم من أن ضربتهم لحزب الإستقلال كانت ضربة قاتلة ، لا نهوض بعدها لأحفاد علال في هذه المدينة . والحقيقة أن من يعرف تاريخ مدينة فاس السياسي والنضالي ،منذ مطلع السبعينات إلى اليوم على الأقل ، سيميل إلى القول معنا أن ما وقع في إنتخابات 4شتنبر لم يكن كما يتصوره البعض فتحا عظيما أوغزوة تاريخية بطولية لا قيام بعدها ، وإنماالذي وقع هو ضربة سياسية ، نعم موجعة لأصحابها ، تظافرت عدة عوامل ذاتية وموضوعية لجعلها كذلك ، لكنها ليست بالضربة القاضية أو النهائية . فمدينة فاس بنضالاتها وصراعاتها المريرة عبر التاريخ على أكثر من مستوى غنية دائما بالمفاجآت ، ومن يعتقد أنه باستطاعته أن يُدخل الثور الفاسي الحر إلى حظيرته بسبب نتائج هذه الإنتخابات ويقفل عليه الأبواب من كل الجهات فهو واهم .وهذا ما يجب على المنتصرين وحتى على المنهزمين أيضا أن يعوه جيدا .فالنجاح في الإنتخابات داخل مدينة فاس أو غيرها من المدن المغربية الكبرى كما حصل مع حزب العدالة والتنمية هذه المرة كحالة استثنائية قابلة للتحليل والمناقشة ، لا يعني وضع فاس في الجيب مثل موشوار ، ولا يعني أيضا نهاية السياسة وتوقف ساعة فاس عند مؤشر هذا الإختيار .فكثيرة هي الطاقات المحلية في مجالات عديدة داخل مدينة فاس و خارجها بل وفي ديار المهجر لم تقل كلمتها بعد .فصمت هذه الطاقات الهائلة وحيادها وتراجعها في الميدان السياسي وما يطبخ في الكواليس من أجل توزيع كعكة فاس بالسكين والشوكة لا يعني موتها . فهذه الطاقات عينها على ما يجري وقابلة للعودة وبقوة كلما كانت الظروف مناسبة . كما أن مشاكل حزب الإستقلال وما نتج عنها من تداعيات وتراجعات، و التي ساهمت بقسط وافر في ما حققه حزب العدالة في هذه الإنتخابات الأخيرة بمدينة فاس، لا يعني أن هذا الحزب الكبير سيستسلم لهذه النتيجة/الفاجعة ، وسيربع يديه يتفرج في لاعبي العدالة والتنمية وهم يحنقزون أمامه فوق گازون الملعب الإصطناعي الجديد يقذفون بالكرة على هواهم .وما نقوله عن الإستقلال نقوله كذلك عن الإتحاد الإشتراكي ، وكل القوى الحية في المدينة ، من مناضلين أصلاء ومثقفين وفنانين وصناع وأساتذة وطلبة وجمعيات المجتمع المدني وتجار الذين لا نعتقد أنهم سيقبلون بالحياد ويدعون السلطات الجديدة تقرر ما تريد بالشكل الذي تريد لمستقبل مدينتهم من دون نقد بناء ولا متابعة مكثفة وموضوعية . إن من المخفيات في طبيعة فاس العالمة ، فاس التاريخ والسياسة بَقْواعَدْها، وليس فاس القطيع و الإرتجال ، فاس اليأس والتيئيس ، فاس الجمود و الإنتظارية ، فاس التنابذ والمصالح الخاصة ، فاس العصبية والعنصرية : فاسي /عروبي/شلح/ جبلي /فاس الكسل والدروشة، فاس النعاس والتغييب والغياب ،ما يمكن أن يخفف من غلواء تداعيات انتصار العدالة والتنمية في انتخابات 2015 بهذه المدينة في الإتجاه السلبي ، ويحد من مدها وامتدادها وطمعها في انتخابات 2016. وما بعدها ، لجعل المدينة في مأمن من كل هيمنة مطلقة أو تسييج للطموحات والحريات الفردية منها والجماعية . ليس معنى هذا أننا نحرض ضد نجاح العدالة والتنمية في فاس وفي غيرها من المدن المغربية، ففاس مدينة الجميع والمدن المغربية الأخرى كلها على مسافة سياسية وتنافسية واحدة من باب الإكبار والإعتزاز بتجربتنا الديمقراطية الفتية التي يحاول البعض خنقها في مهدها أو تحريف مسارها . .كماأننا لا نريد من وراء مقالنا هذا النيل من نضالية هذا الحزب وتفانيه وانضباط أطره وذكائه الشعبي في التعامل الإنساني اليومي (المدرح) بثوابل خيرية وبهارات دعوية إسلاموية على طيلة السنة مع الشرائح الإجتماعية الهشة خاصة العنصر النسوي النشيط والمؤثر والمواظب والطموح والمنضبط في هوامش فاس ونواحيها ومركزها كذلك . كما لانفهم أيضا وهذا دفاع واضح منا عن كل التجارب السياسية الجديدة الحقيقية وليس المفبركة أو الممخزنة - لماذا يصر البعض على إبقاء بعض المدن مثل فاس ، مراكش ، الدارالبيضاء أو غيرها من المناطق بحلتها السياسية القديمة وبشكلها أو لونها السياسي المعروف عنها تحت الوصاية الأبدية أي هذه قلعة استقلالية ، وهذه قلعة .. اشتراكية تقدمية..حركية مثل fonds de commerce ...ضدا على الإرادة الشعبية .فهذا أمر مرفوض وضرب من ضروب الغباء والغرور الملازم للذوات السياسية المفعمة بحس الإدعاء و الخلود .فالمغرب قلعة واحدة للجميع في حاجة إلى كفاءات وإرادات موحدة (بكسر الحاء) وموحدة (بفتح الحاء ) تنهض بأحوال الناس .ثم إن القلاع أينما كانت وكيفما كان شكلها إذانخرها دود الفساد ماذا تنتظر من الناس أن يجعلوا منها هل يجعلوا منها قبلة لصلاتهم أو زاوية أبدية يتبركون بأوليائها غير الصالحين ؟ . إن الذي ينبغي استخلاصه من كلامنا هو إلى أين سيقود حزب العدالة مدينة فاس ؟ هل سيقودها كما أقر بذلك السيد الأزمي إلى الرفاه والأمن و يستطيع بفلسفته وعزيمته أن يقهر القوى المحتجزة للنور والأحلام والحرية فيها ويعري التناقضات الطبقية والعقارية وينجب نموذجا تنمويا عصريا محليا يضيف لبنة أخرى لما تم إنجازه سابقا ،( ينبغي الإعتراف بذلك ) محافظا على مدينة فاس كقطب اقتصادي وسياحي وروحي منفتح ومتجدد؟ أهل فاس الآن ليسوا في حاجة إلى ربيبات يختلقن لهم في كل مرحلة سياسية قصصا وخرافات لتهدهد خيالهم مثل الأطفال حتى يناموا . أهل فاس في حاجة إلى شغل واستشفاء ونقل وسكن وأمن وتعليم وترفيه وحدائق ، وثقافة وفن وتحرير الشوارع والمدينة وضواحيها من قبضة المشعوذين وبائعي الأوهام وقطاع الطريق العام وناهبي المساحات الخضراء وتماسيح العقار . إن التطرف في الإنحياز إلى الفكر السياسوي الهوياتي الضيق و المتشنج أثناء تسيير شؤون مدينة فاس مستقبلا بعد تسلم مقاليد السلطة رسميا من طرف العدالة والتنمية ، ستكون له تبعات على مستقبل الجهة برمتها .لذلك الأيام والأسابيع المقبلة ستكون حافلة وساخنة ،نتمنى أن يبتعد المسؤولون الجدد عن تقمص نوع من البطولة فيها لإثبات الذات ،وألا يركنوا إلى الخطابات اللاهوتية التي تخفي مصالحهم الإنتخابية المقبلة فيفرطوا في الوعود الآنية ويجعلوها مقايضة أو tremplin لها فيصبحوا على ما فعلوا نادمين .