لم تكن تتوقع هذه الفتاة ذات الخامسة والعشرين ربيعا تحلم يوما بأن صرختها التي أطلقتها منذ أيام عبر موقع اليوتوب ستحدث تحولا تاريخيا في مسار بلدها مصر، لا يماثله سوى انقلاب الضباط الأحرار على نظام الخديوي ونصر السادس من أكتوبر المجيد. نداء 25 يناير الذي تجاوب معه آلاف الشباب سيبقى خالدا في أذهان كافة المصريين في ذكرى أولى شرارات ثورة الفل. أسماء طالبة بإحدى الجامعات الخاصة، وناشطة بحركة شباب 6 أبريل، فتاة شابة في مقتبل العمر ذكية، وواعية، بدأت نشاطها السياسي من شبكة الإنترنت وتحديدا من علي موقع الفايسبوك الاجتماعي حيث التحقت بمجموعة إضراب 6 أبريل سنة 2008. تحكي بالعامية المصرية على أحد مواقع الانترنت عن أولى نشاطاتها الاحتجاجية فتقول:"فضلت شويه أشارك من بعيد لغاية ما نزلت أول مظاهرة..طبعا كنت خايفه جدا كانت المظاهرة أمام نقابة الصحفيين ومكنتش عارفه حد، بس نزلت وشاركت واتعرفت علي الناس ورجعت أوصف للناس علي الفيس بوك ما حدث وأشجعهم ينزلوا للواقع، في الأول بابا كان خايف عليّ أوي وأهلي حاولوا يمنعوني كتير..كنت عارفه كويس الأمن بيعمل ايه وبيقدر يخوف البنات أزاى..بس كنت بقول لنفسي لو أنا خفت وغيري خاف هنفضل زي ما أحنا ومش هنتغير ولا هنعمل أي حاجه ويبقى عليه العوض في البلد دي". رغم حداثة عهدها بالسياسة إلا أنه من خلال لغتها البسيطة والمؤثرة يظهر جليا أنها تعرف جيدا ما تريد، لا تملك خطابا مأدلجا كباقي الشباب الثائر غير أن صدق مشاعرها ووضوح أفكارها جعلها تتميز عنهم وتخطف منهم الأضواء. تم استدعاؤها على قناة المحور المصرية بوصفها "منظمة الثورة" في محاولة يائسة لثنيها هي ورفاقها عن المضي في المسيرة المليونية التي نظمت يوم أمس. حاول المحاوران بإلحاح إقناعها باختيار عدد من المتظاهرين معها في ميدان التحرير والقدوم الى القناة في اليوم لإجراء محادثة مباشرة بينهم وبين المسؤولين. بذكاء ثاقب لم تعترض أسماء، وأبدت حماسها للفكرة لكنها رفضت أن تعدهم بذلك قبل أن تعود الى رفاقها وتأخذ رأيهم، لأنها لا تريد القفز كغيرها على انتفاضة هؤلاء وتنسب كل شيء لنفسها، أو تدعي أنها مخولة للحديث باسمهم، أسماء وضحت أن مطالبهم سهلة التحقيق، وأنهم يدركون تماماً أن الفراغ ليس بمصلحة البلاد، وأنهم يمكن أن يقبلوا بحكومة إنتقالية شرط أن يعرف عمرها بالضبط، وبشرط وجود لجنة يختارها المتظاهرون تشرف على هذا الانتقال السلمي للسلطة وعلى تنفيذه. في حوارها التلفزيوني استطاعت أن تحرج عتاة ورموز المشهد المصري الحديث عندما أكدت بأنهم لا يشترطون أن يكون أعضاء الحكومة من المعارضة وطرحت أسماء أحمد زويل، وحمدي قنديل، وهيكل، وعمرو موسى... هذا الأخير صرح بعد ذلك بساعات بأنه يدعم الانتقال السلمي للسلطة وبأنه لن يستمر في منصبه الحالي في أمانة جامعة الدول العربية. رغم كل محاولات جرها نحو تسلق الزعامة والركوب على الحدث. بكل تواضع وثقة في النفس تعتبر نفسها بأنها ليست مؤهلة للقيام بدور قيادي، لأنها بكل بساطة لا تمتلك الخبرة الكافية، وأنها مثلها مثل غيرها من الشباب الذي يريد لنفسه ولمصر مستقبلاً أفضل. أسماء تؤمن بدور الشعب في حماية الثورة وتعهدها، وهذا ما دفعها وشباب التظاهرة المليونية إلى اعتماد آلية اللجان الشعبية لحماية المرابطين في ميدان التحرير. وفي المقابل تحمل النظام الحالي مسؤولية انسحاب الأمن في الأيام الماضية، وتستغرب تزامنه مع إحراق أقسام الشرطة، وإطلاق سراح البلطجية الذين هم بدون شك على حد تعبيرها يده السوداء المساهمة في تزوير الانتخابات. أسماء لا تنوي التوقف عن السياسة، وذهبت لتستقبل الدكتور البرادعي في مطار القاهرة عند عودته للمساهمة في الثورة. منذ ما يقارب السنة وهي تجمع التوقيعات من الشارع لعمل توكيلات للدكتور البرادعي لتغيير الدستور، تصر على تجميع كل رموز المعارضة من إخوان ووفديين ويسار مسلمين وأقباط والعمل في تنسيقية مشتركة لتحصين الثورة وتعبئة الرأي العام الوطني في بلدها. لا هم لها الآن سوى إسقاط الرئيس والبحث في المستقبل القريب عن طريقة تستطيع بها مراقبة الانتخابات في شتنبر 2011. رغم كل مضايقات رجال الأمن لها، وتخوف أبويها عليها كلما نزلت إلى ميدان التحرير، إلا أنها تظل صامدة في وجه كل التحديات مستلهمة من ثورة الياسمين نموذجا متنورا وخارطة طريق لصنع ثورة بيضاء ستظل خالدة في تاريخ مصر بل وفي ذاكرة العالم أجمع.