"المشعل" تسلط الضوء على الجنرالين الحاملين لمفاتيح خزائن المملكة وتكشف أسرار ثقة الملك بهما أسرار مثيرة عن أقوى جنرالات الملك - الثابت والمتحول - أسرار ومصالح وتوازنات - الجنرال حسني بنسليمان مسار رجل القصر بالدرك الملكي أسرار الثقة العلوية الجنرال الذي لايقول لا جثة بنبركة التي تطارد الجنرال - 54ألف درهم راتب الجنرال شهريا - "لائحة" جمعية حقوق الإنسان التي أحرجت الجنرال - مهام وأدوار الدرك الملكي - الجنرال عبد العزيز بناني جنرال سيدنا صاحب النياشين الثقيلة - كيف حظي الجنرال بناني بثقة محمد السادس - الجنرال بناني والوفاء للملك الراحل - بناني وزير الدفاع مع وقف التنفيذ - الجنرال بناني الخبير بدروب الصحراء - الجنرال بناني تراث عسكري للمملكة - لأول مرة في التاريخ العسكري بالمغرب: برلمانيون يزورون الجدار الأمني - بناني وبنسليمان أقوى الجنرالات لحراسة المملكة خبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية - حسني بنسليمان: من حارس مرمى إلى جنرال دوكوردامي حارس أسرار - عبد العزيز بناني: ثعلب الصحراء الذي لا تتحرك الرمال إلا بإذنه. - إنه السر ظل يحيط برجل يكتنز آلاف الأسرار، فمن يكون عبد العزيز بناني؟ أسرار مثيرة عن أقوى جنرالات الملك لحظة احتضار الحسن الثاني، كانت هناك أربع شخصيات وازنة تحيط بسرير الملك الراحل: حسني بنسليمان، عبد العزيز بناني، عبد الحق القادري وإدريس البصري... ثلاثة جنرالات ومدني... لم يكن يوصيهم بجنازته فقط، بل يسلمهم مفاتيح خزائن الدولة. مع مجيء محمد السادس إلى الحكم، كانت الحلقة الأضعف في زوايا هذا المربع هو إدريس البصري، الذي كان يبدو قويا لدى الرأي العام، وارتبطت به كل أشكال الفساد في الماضي، لأنه كان في الواجهة، ضعيفا بدون امتدادات في الدولة، لا جيش ولا قوات، ولا ارتباطات خارجية، وبدأ كموظف بسيط في هرم السلطة... ابتلعته صراعات انتقال الدولة... بقي حسني بن سليمان وعبد العزيز بناني، وبينهما الجنرال القادري الذي اشتغل كمدير للأمن الوطني بين 1981 و1983 إلى جانب إدريس البصري، كان عليه أن يتخذ موقفا بين العسكري والمدني، ولأنه انتصر لإدريس البصري، فقد وجد نفسه يوم 26 يوليوز 2004 محالا على التقاعد، ليتقلد الجنرال بناني مهمته كمفتش عام للقوات المسلحة الملكية، كان هرم السلطة يحتاج إللا رجل يلعب دور التوازن بين المدني والعسكري، ولم يكن أفضل من الجنرال حميدو العنيكري، رجل المهمات الصعبة من لادجيد إلى ديستي (إدارة مراقبة التراب الوطني) إلى الأمن الوطني... على خلاف بن سليمان الذي لا توجد لديه أي أجندة خارجية كان العنيكري، وهو أحد المحققين في المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين، وفاؤه للتكوين الأمريكي جعله في قلب القضايا الشائكة بين الصقور الكبار... حسني بن سليمان وعبد العزيز بناني: إسمان حارقان في المسار السياسي للمغرب، إنهما أشبه بالخطوط الكهربائية العالية الضغط... الكثيرون لم يحاولوا الاقتراب من الشخصين الوازنين إلا ابتغاء لحماية ظلهما من حر هجير السياسة ودسائس مربع صناعة القرار. ظل الرجلان يحتفظان بكامل نفوذهما على أقوى مؤسستين في الدولة المغربية حتى بعد انتقال الحكم من الراحل الحسن الثاني إلى خلفه محمد السادس. أقصد الجيش والدرك الملكي. الثابت والمتحول منذ نهاية غشت 1999، تم التبشير بعهد جديد بالمغرب، كان كل الحرس القديم يضع يده على قلبه، بعضهم انزوى إلى الظل اختيارا، لأنه فهم السياق التاريخي وإشاراته، وبعض الرؤوس قطفتها رياح التغيير مع الملك الشاب، من الداخلية إلى الأمن والمخابرات... وحدهما الجنرالان بن سليمان وبناني ظلا ثابتين مثل شجر السنجيان في وجه العاصفة التي أطاحت بأكبر وزير داخلية في المغرب الحديث: إدريس البصري، وبأسماء كثيرة في مخالف أجهزة الدولة، بما فيها تلك البالغة الحساسية، مثل المخابرات بكل تفرعاتها... وقد جرت محاولات عدة، ولو بدسائس صغيرة، من طرف فاعلين كبار في مسار العهد الجديد، للتشويش على حظوة حسني بنسليمان وعبد العزيز بناني في خارطة النظام السياسي، ليس أقلها حكاية قناص تارجيست حول فضيحة ارتشاء رجال الدرك الملكي، أو الترويج، بعد انسحاب الجنرال القوي من الجامعة الملكية لكرة القدم، بأن الأمر يتعلق ببداية العد العكسي لنهاية الجنرال دوديفزيون، لكن حارس المرمى القديم في فريق الجيش الملكي، الذي التفت إلى قدراته المبكرة الروماني كليزو، كان يعرف جيدا كيف يصد التمريرات العالية للكرات السياسية ليبعدها عن إصابة شباكه أو إنزالها إلى الأرض وركلها بقدم واحدة إلى ملعب الخصوم، ليثبت نفسه في موقع حارس أركان النظام... نفس الأمر حدث مع الجنرال عبد العزيز بناني، وإن بصيغة مختلفة ومن طرف ذات الخصوم، لقد تم اللعب على حكاية القبطان أديب، الذي سقط في مصيدة الأمير هشام بعد أن كان مجرد قشرة موز، موجهة بإسم النزاهة الأخلاقية، تجاه عبد العزيز بناني، أو عبر ورقة ما سمي بحركة الضباط الأحرار، التي ابتلعها إعلاميون وديمقراطيون، وكانت اشترت مساحات شاسعة في الإعلام الغربي، واتضح أن الخيوط كلها محركة من الداخل وأصبحت ككرة ثلج بيد المخابرات الأجنبية، وأبرز تقرير سري للمخابرات العسكرية المغربية، منبع هذه الحركة التي كانت تمتلك كل مقومات وجودها في الساحة الإعلامية فقط، أما سيناريو اختراعها فلم يكن سوى تصفية حسابات موجهة نحو نفوذ عبد العزيز بناني الذي لا يقاوم... بالإضافة إلى التسريبات الإعلامية المخدومة بدقة، لكنها ظلت مثل الضربة التي كان يردد فيها بناني حكمة إبن حزم: "الضربة التي لا تقتلني تقويني". أسرار ومصالح وتوازنات من أين أتى الجنرالان حسني بن سليمان وعبد العزيز بناني بكل هذه القوة في القلب النابض لنظام الحكم؟ هل هو محض وفائهما كخدام للعرش أم لأنهما مفتاحان أساسيان لعلبة أسرار الدولة المغربية؟ هل هو غياب البديل، أي عدم وجود خلف صالح في كل من القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي، بإمكانهما شغل نفس المنصب وصد ثغرات غيابهما؟ الجهازان ليسا عقيمين كما يتبادر إلى الذهن، بالعكس هناك أطر كثيرة معدة منذ زمن لتدارك أي غياب، حتى ولو بفعل عامل الطبيعة لا الإرادة السياسية.. إنه اللغز المحير! دولة كلها تجدد ومؤسساتها، وتقضي على جل الخلايا النائمة لحراس العهد القديم، وتبقي ضمن أجهزتها الحساسة، رمزين كبيرين بحجم حسني بن سليمان وعبد العزيز بناني في مكانهما، بل تتم ترقيتهما مع ولاية العهد الجديد إلى منصب "الجنرال دوديفزيون"؟! هل الأمر مرتبط فقط بأن محمد السادس يريد أن يزكي بعد التغيير ضمن الاستمرارية؟ أم أن العاهل المغربي لا يريد أن يمس مصالح عملاقة أضحى يجسدها كل من حسني بن سليمان وعبد العزيز بناني في مؤسستي الجيش والدرك الملكي؟ قد يمنحنا الجواب بنعم، نوعا من الاطمئنان الكسةل، لكن لنتذكر حكاية إعداد المخابرات المغربية لتقرير سري قدم للملك محمد السادس حول ممتلكات بعض الجنرالات، وحكاية إسراع نافذين في الجيش والدرك الملكي لبيع ممتلكاتهم من سفن الصيد في أعالي البحار، والتي تم تسريبها إلى الصحافة المستقلة، نفس الشيء جرى في فبراير 2005، مع ترويج اختفاء قذيفتين من نوع الإربيجي من مستودع الأسلحة بثكنة عين حرودة المخصصة لسلاح النقل العسكري، والمغرب حديث عهد بجراح التفجيرات الإرهابية ل16 ماي بالبيضاء، وقبلها كان قد تم تداول سرقة سبعة رشاشات من نوع كلاشينكوف، و15 علبة خرطوشات من ثكنة عسكرية بمدينة تازة في صيف 2004، وعملية الربط بين الجيش ووجود عناصر سلفية في وسط ضباط الصف وضباط القوات المسلحة الملكية... كان يصعب يومها تمييز الحقيقة من الشائعة، لأن المعلومات المروجة جاءت من مصادر نافذة وتمتلك صدقية كبرى لدى مختلف مدراء ورؤساء تحرير الصحف المستقلة بالمغرب، على ذلك الزمن... لقد تم خلط الكثير من الأوراق، بعض مصادرنا، اعتبرت كل ما تم ترويجه بهذا الخصوص، "هو توجيه وقائع صغيرة حدثت وتهويلها عبر الزيادة والنفخ لتضخيم الحدث، قصد إبراز الضرر الذي أصبح يهدد المؤسسة العسكرية، والاخترقات المتوالية في صفوفها، ولإبراز حجم الفساد الذي ينخر الجيش، وهو ما يستدعي تدخلا عاجلا من القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، يصرح ل"المشعل" مصدر نافذ في الدولة، لدفع الملك نحو تغيير الرمزين اللذين ارتبطت المؤسستان بهما حد التصاق الجلد بالعظم"، حسب هذا التحليل، الذي لا يعدم حجية، "فإن العاهل المغربي لم يبتلع الطعم الناتج عن حروب معقدة بين نخب العهد الجديد ورموز الحرس القديم، إنه سعي نحو السيطرة وبسط النفوذ وإزالة المتنافسين، لكن محمد السادس ظل ممسكا بخيط التوازن الذي سمح له ليس فقط بانتقال سلس للسلطة، بل بحفظ الاستقرار المؤسساتي للدولة" يعلق ذات المصدر، فيما فسرت مصادر أخرى في تصريح ل"المشعل"، أن جميع التسريبات التي تمت حول وجود ثغرات في حراسة العتاد، أو في الرشوة والمتاجرة بالبنزين، ليست بعيدة عن الحقيقة، بل تافهة قياسا إلى اختلاسات كبرى موجودة على أرض الواقع على اعتبار أن المؤسسة العسكرية، جيشا أو دركا ملكيا، مثلها مثل المؤسسات المدنية، لا تخلو من سلوكات الانحراف، لكن في ظل السياق التاريخي للوقائع المذكورة (سلا، تازة، عين حرودة...) جاءت من مستويات عليا... لنتذكر، يقول نفس المصدر، أن هذه التسريبات وقعت بعد تعيين مدني على رأس مؤسسة عسكرية (يقصد تعيين ياسين المنصوري على رأس لادجيد)، ليبرز المهيمنون على المؤسستين، أنه بدونهما لا يمكن للأمور أن تسير لى ما يرام، وهو ما يعني تأبيد نفسيهما في مناصبهما، خالدين أبدا. الجنرال حسني بنسليمان مسار رجل القصر بالدرك الملكي يتمتع بقامة وجسد رياضيين، رغم تجاوزه سن السبعين. يمتطي دراجته العادية كل صباح، ونادرا ما ينزع نظارته السوداء ليرى شمس صباحه العسكري بمقر مكتبه الخاص بالقيادة العامة للدرك الملكي. "المشعل" تقدم فصولا مثيرة من مسار الدركي الأول بمملكة محمد السادس بعد 38 سنة من ترؤسه لأخطر جهاز عسكري بالمغرب. أسرار الثقة العلوية يوم 25 يوليوز 1999، تزفي الملك الحسن الثاني، فدشن الجنرال مسارا جديدا في "مسلسل" خدمة العرش العلوي. بدأه بتقديم البيعة والولاء للملك الجديد. "الرجل ما شاف منو غير الخير"، يشير مصدرنا. فالجنرال لم يكن من أولئك الذين ينقلون الأخبار المزيفة والشائعات للملك عن إبنه، عكس ما كان يدبره إدريس البصري وزير الداخلية الأسبق، كما كان يعتني جيدا بأميرات وأمراء العائلة الملكية. ولم يشغل باله بصراعات المربع الملكي. بقات سيرتو نقية مع الملك الذي احتفظ للجنرال بكل صلاحياته ورمزيته ووضعه الاعتباري، في المقابل استغنى الملك عن خدمات إدريس البصري ليكتب بذلك خاتمة مسار الوزير المغبون الذي اشتهر بدسائسه وألاعيبه وصلت سهامها لتصيب حتى "ولي العهد" في عهد الملك الراحل، ويبدو أن الحبر الذي كتب به نهاية رجل، كان هو نفسه الحبر الذي كتب به بداية مرحلة دركي أول لا بصري. الجنرال الذي لايقول لا الجنرال بنسليمان، كان فيما جاتو المسؤولية كايقبل بيها. ولو كانت بعيدة كل البعد عن اختصاصاته ومجال اهتمامه. سنة 1994 سيكلفه الملك الراحل بمهمة رئاسة "الجامعة المغربية لكرة القدم"، ماكالش لا، وهذه أحد العوامل التي عززت موقعه لدى الملك الراحل، يؤكد مصدرنا. ورغم كل ما يمنحه المنصب العسكري من إغراءات، تجعل جنرالات المملكة في غنى عن تحمل مسؤوليات لا تغني ولا تسمن، "فيها غير وجع الراس الذي ينجم –عادة- عن ضغط جماهير عاشقة حتى الموت للكرة المستديرة"، بل "إن الجنرال وضع نفسه في متاعب خدمة عناصر الفريق الوطني، وكثيرا ما كان يسهل لهذا اللاعب الحصول على تذكرة سفر، ولآخر الحصول على جواز سفر في ظرف وجيز. وزيد وزيد، فالجنرال كان يتدخل لحل المشاكل العائلية لبعض اللاعبين" يؤكد أحد الأطر التقنية- كما حدث ذات مرة مع حارس المرمى بادو الزاكي، عندما تدخل ليسهل عملية إنجاب زوجته بإحدى أرقى المستشفيات، بل واتصل به هاتفيا ليطمئن على حالتها ويبلغه "سلاما ملكيا"، كان ذلك بمكسيكو 1986، مما كان دافعا معويا للاعب الذي تألق في الدفاع عن شباك المنتخب أمام أعتد المنتخبات العالمية. جثة بنبركة التي تطارد الجنرال مع بداية حكم الملك الشاب، سيسقط إسم الجنرال في ملف التحقيق حول اغتيال المعارض المهدي بنبركة الذي جرى اختطافه يوم 25 أكتوبر 1965 وكان بنسليمان حينها قائد القوات المساعدة. القضية بدأت مباشرة بعد أن أعطت اللجنة الاستشارية الفرنسية الخاصة بالأرشيف السري موافقتها على نزع الشمع الأحمر عن ملفات من أرشيف المخابرات أدرج في خانة "سري جدا" ذي صلة مباشرة بعملية اغتيال بن بركة بعد إلحاح من القضاة المكلفين بالتحقيق في هذه القضية. وهكذا وجد الجنرال بنسليمان نفسه متورطا في دوامة المطالبة بالتحقيق معه، وهي الدوامة التي تصيدها القاضي الإسباني الشهير "باتريك رامائيل"، وخرج منها بنسليمان الذي يعتبر أحد دعائم النظام سالما، رغم وابل الأصوات التي طالبته بتقديم شهادته في النازلة. بالتأكيد، فإن وجود العاهل المغربي في باريس ووزبر العدل الفرنسي "باسكال كليمون" بالرباط لعب دورا في تبديد التوتر الذي كان مرشحا للتصاعد، وهو ما كان سينعكس سلبا على سمعة المغرب ما حققه في ميدان حقوق الإنسان. ويوم 22 أكتوبر 2007، وخلال زيارة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، صرح القاضي باتريك راماييل، بأنه أصدر مذكرة توقيف دولية ضد خمسة مغاربة. من ضمنهم شخصيتان نافذتان في النظام المغربي. أولهما حسني بنسليمان، لكن ظل كل هذا مجرد كلام فارغ. 54ألف درهم راتب الجنرال شهريا رسميا تصل رواتب الجنرالات دوبريكاد ودودفيزيون إلى 54 ألف درهم شهريا، وتنضاف إليها امتيازات من قبيل السكن وسيارات العمل والخادم والطباخ والهاتف والمكافآت وأشياء أخرى لا يحفظها المكتوب. كان الملك الحسن الثاني قد قام باستحداث نظام بكامله يخص المعاشات التي استفاد منها كبار ضباط الجيش ومنها: رخص الصيد والنقل، وكذا المزارع. تعتبر هذه الامتيازات من بين عدة أمور أخرى أحد الإغراءات الأساسية لحفظ المصالح والإبقاء على الولاء. كما يمكن للجنرال أن يستفيد من سكرتارية وفرقة من الضباط في خدمته. "لائحة" جمعية حقوق الإنسان التي أحرجت الجنرال في بداية الانفراج السياسي الذي سيعرفه المغرب في عهد الملك محمد السادس، والذي فتح عهدا جديدا قائما على المصالحة وكشف حقيقة الانتهاكات الجسيمة التي شهدها المغرب في سنوات الجمر والرصاص، ستصدر جمعية حقوق الإنسان تقريرا ضم لائحة بأسماء المسؤولين المتورطين في قضايا هذه الانتهاكات. كان بنسليمان من بين الأسماء ال44 التي وردت في اللائحة وسط دعوات مدوية بالمحاسبة الذي وصف المتورطين ب"جلادي الأمس". إلا أن الحضور القوي للجنرال في دواليب السلطة والحكم بالمغرب، سيقلل من أهمية وفاعلية هذا التقرير. مهام وأدوار الدرك الملكي - يؤلف الدرك الملكي جزءا من القوات المسلحة وتكون عناصره مصطفة على يمين الجيوش كيف ما كان سلاحها (الفصل 2 من قانون الدرك الملكي). - وتطبق عليه المقتضيات العامة للقوانين والضوابط العسكرية ما عدا التغييرات والاستثناءات التي يستلزمها اختصاص نظامه ومهامه. - الدرك الملكي قوة عمومية مكلفة بالسهر على الأمن العمومي والمحافظة على النظام وتنفيذ القوانين، وقد نظم المشرع مجالات عمل ومهام وعلاقة أفراده... - كما يشارك جنود الدرك الملكي في مهام الشرطة القضائية سواء بصفتهم ضباط للشرطة القضائية يعملون بمقتضى قانون التحقيق الجنائي أو بصفتهم أعوانا للشرطة القضائية يكتفون بتتبع ومعاينة مخالفات القوانين التي عينوا بوجه صريح لتطبيقها أو بصفتهم أعوانا للقوة العمومية عندما يشعرون وكيل الدولة بمخالفة قوانين لم يكلفوا بتنفيذها، بكيفية خاصة وتكون مصلحة موظفي الدرك الذين لهم صفة ضابط الشرطة القضائية في نطاق نفوذ وزير العدل. - إن ضباط الدرك الجدد بعد تخرجهم يلتحقون بالمدرسة العليا للدرك الملكي للتخصص في مهام الشرطة القضائية، ويعتبرون ضباطا للشرطة القضائية بحكم القانون (الفصل 20 من قانون المسطرة الجنائية). - أما رجال الدرك الذين قضوا ثلاث سنوات على الأقل في خدمة الدرك والمعنيين رسميا بعد تأدية امتحان بموجل قرار يصدره كل من وزير الدفاع الوطني ووزير العدل. فيحصلون على صفة ضابط الشرطة القضائية. بعد فترة التمرين التي تمتد حوالي 6 أشهر. - تنظيم الدرك الملكي: إن الدرك الملكي إلى جانب انتمائه إلى القوات المسلحة الملكية، فهو تابع إلى: - وحسب بعض الإحصائيات، فإن أكثر من 90 بالمائة من عمل الدرك الملكي ينجز لفائدة وزارة العدل، مقابل 2 بالمائة لفائدة وزارة الداخلية و2 بالمائة لفائدة وزارات النقل و2 بالمائة لفائدة إدارة الدفاع الوطني والمالية و4 بالمائة لفائدة الوزارات الأخرى. ويتكون المجال الترابي للدرك الملكي من القيادات الإقليمية، السريات والمراكز المحلية. - وقد حدد الظهير الشرف رقم 1.57280 الصادر بتاريخ 14 يناير 1958 اختصاصات الدرك الملكي وكيفية مزاولة مهامه، وعلاقته بباقي السلطات العسكرية والقضائية والإدارية وحالات التسخير وإنجاز المحاضر، ومزاولة الشرطة القضائية والإدارية والعسكرية. - دور الدرك الملكي: بالإضافة إلى مزاولة الشرطة القضائية تتحدد المهام الجوهرية لمصلحة الدرك في السهر على العمل المباشر الذي تقوم به للشرطة القضائية والإدارية والعسكرية أو مده للسلطات بالمساعدات المنصوص عليها في الظهير الشريف السالف الذكر أو في نصوص خصوصية. وزارة العدل، فيما يخص مباشرة الشرطة القضائية وزارة الداخلية، فيما يخص مباشرته لأعمال الشرطة الإدارية. كما يمد يد المساعدة للوزارات الأخرى القيادات الإقليمية: تشكل هذه القيادات تقسيما خاصا بالدرك الملكي لا علاقة له بالتقسيم الإداري، إذ يمكن أ، تشمل قيادة إقليمية واحدة عدة أقاليم إدارية ويرأسها رائد أو عقيد تساعده عدة مصالح من بينها، فصيلة قضائية مختصة في الشرطة القضائية تمارس نشاطها داخل دائرة اختصاص القيادة الإقليمية، وتنقسم القيادة الإقليمية إلى عدة سريات. السريات: يرأس السرية ملازم أو ملازم أول أو نقيب، وتتكون السرية من عدة مراكز محلية ومركز قضائي "BRIGADE JUDICIARE" تعمل داخل دائرة اختصاص رئيس السرية، وتكلف بالبحث في القضايا الجنائية المعقدة والتي تتطلب كثيرا من الوقت بحيث يتعذر على المراكز المحلية التفرغ لها. المراكز المحلية: يترأس المراكز المحلية رقيب أول أو مساعد أول، وتقوم بعدة مهام تتعلق بالشرطة القضائية والشرطة العسكرية والشرطة الإدارية. الجنرال عبد العزيز بناني جنرال سيدنا صاحب النياشين الثقيلة رغم بلوغه سن التقاعد، ظل الجنرال عبد العزيز بناني الرجل الأول في الجيش المغربي، فإبن تازة أصبح تراثا عسكريا للمملكة، بعد أن نجح في قلب موازين حرب الصحراء لصالح المغرب، وهو ما جعل صحفا أجنبية تلقبه بثعلب الصحراء، وذلك كان من الأسباب التي جعلت الملك محمد السادس يعمل على ترقيته إلى أعلى درجة في الجيش، أخرست الألسن التي كانت تنتظر أفول نجمه بشغف كبير. لعب انتماء بناني إلى تازة دورا كبيرا، وتمت ترقيته بعد انقلاب 1971، ولأن المذبوح من الريف، فقد تم استقدام بناني باعتباره من نفس الجهة، ليبرز الحسن الثاني أن ليس كل أبناء هذه الجهة خونة وانقلابيون! كيف حظي الجنرال بناني بثقة محمد السادس ليس من السهل أن ينال أي مسؤول مدني مهما كانت درجته في سلم الدولة ثقة المؤسسة الملكية، فبالأحرى جنرال داخل الجيش المغربي، فلا إجادة طقوس البيعة ولا المبالغة في ممارسها، ولا وصاية أو ضمانة المقربين من محيط الملك قد تشفع لأي كان بأن يكون من حاشية الملك الخاصة، لكن أن ينال جنرال عسكري يأتمر بإشارة واحدة من يده، ثلثا الجيش المغربي ثقة العرش، يبقى أمرا يدفع إلى البحث عن سر هذه الثقة التي لن يكفي القسم على المصحف الشريف قصد تطويرها. فجنرالات المغرب ظل ينظر إليهم على مدى سنوات عديدة بنظرة الشك والريبة، حيث لازالت أحداث المحاولتين الانقلابيتين شاخصة في الذاكرة المغربية، إذ كادت أن تضع حدا لمسار الدولة العلوية الذي تجاوز ثلاثة قرون، لولا الألطاف الربانية أو لنقل معجزة خفية تحدث فقط في زمن الأنبياء، لأن الملك الراحل الحسن الثاني كانت تفصله عن الموت جرعة زائدة في فطنة من قام بهذه العمليات سواء عندما كان في قصره في الصخيرات أو في الطائرة الملكية، والغريب أن من غدر بالملك الراحل هم من حاشيته الخاصة جدا، لهذا فهم الأمر عندما اقتصر الحسن الثاني على ترقية جنرالات معدودين جدا على أطراف الأصابع، وأصبح المشرف العام على كل أجهزة الجيش والمراقب لتحركاتها من خلال إلغاء وزارة الدفاع وإحداث إدارة للدفاع الوطني. وعندما تولى الملك محمد السادس عرش المملكة سنة 1999، الكل تنبأ بسقوط مدوي لرجالات الحسن الثاني، بعد إقالة إدريس البصري وزير الداخلية الأسبق، بل تجرأ الجميع على الحديث المباشر عن سقوط رموز عسكرية اعتقدوا أن رؤوسها قد أينعت، غير أن الملك وجه صفعة لكل التنبؤات ذ، ليرقي أعمدة الجيش حسني بنسليمان وعبد العزيز بناني إلى أعلى رتبة عسكرية في المغرب، وهي جنرال دوكور دارمي، بل وجه صفعة أخرى عندما عين الجنرال بناني مفتشا عاما للقوات المسلحة الملكية مكان الجنرال المحال على التقاعد القادري، هنا تناسلت العديد من الأسئلة حول السر الذي دفع بالملك إلى الاحتفاظ، مثلما يذهب ذلك بعض المحلين في الشؤون العسكرية، بالجنرالات الكبار. الجنرال بناني والوفاء للملك الراحل صحيح أ، الجنرال عبد العزيز بناني ارتبط اسمه فقط بحرب الصحراء المغربية التي اندلعت سنة 1976 وانتهت باتفاقية وقف إطلاق النار سنة 1991، مقارنة مع جنرالات سابقين شاركوا في حرب الرمال أو في الحروب العربية – الإسرائيلية، إلا أنه استطاع في مدة قصيرة تسلق المراتب العسكرية الكبرى بسرعة كبيرة، وحسب المتتبعين، فإنه استفاد، على الخصوص، من فقدان المغرب لعدة من جنرالات وضباط سامين أداروا حرب الرمال بكفاءة كبيرة، إما بسبب إعدام كل من تورط فيهم خلال العمليتين الانقلابيتين، أو مقتل بعضهم نتيجة تصفية حسابات شخصية خلال تلك العمليتين. وتبعا لبعض المحللين، فإن الجنرال بناني اشتهر بولائه للملك الراحل الحسن الثاني، وكاد هذا الوفاء أن يكلفه حياته بعد سقوط مروحية كانت تقله مع مجموعة من الضباط، وبعد اغتيال الدليمي، حل محله الجنرال بناني قائدا للقوات الجنوبية، ليكشف بشكل لا يدع مجالا للشك عن حنكة عسكرية كبيرة، جعلت الجيش المغربي في عهده يستعيد توازنه وسيطرته على مجريات الأحداث في الصحراء. بناني وزير الدفاع مع وقف التنفيذ لم يقتصر دور الجنرال بناني على قيادته للجيش المغربي المرابط في الصحراء، بل وبحكم الرتبة العسكرية الجديدة والتي تعد أعلى رتبة في الجيش، أصبح يمثل القوات المسلحة الملكية خلال زيارة وزراء الدفاع ووفود عسكرية واستخباراتية لكثير من البلدان الصديقة، وهذا ما يبرز الدور الهام أو المكانة الخاصة التي أضحى يحتلها داخل الجيش ولدة الملك، ومنها استقباله سنة 2009 وزير الدفاع البوركينابي الذي كانت بلاده تسعى إلى توقيع اتفاقية تعاون عسكري مع المغرب، واستقباله لوفد يمني برئاسة نجل الرئيس اليمني الجنرال دوكوردارمي أحمد علي عبد الله صالح رئيس الحرس الجمهوري والفرقة الخاصة العسكرية في هذه السنة، كما قام الجنرال بزيارات شملت العديد من الدول كان أهمها الزيارة التي قادته إل دولة البحرين في أبريل الماضي. ناهيك عن اللقاءات الأمريكية والفرنسية وتلك التي لم يتم الحديث عنها. الجنرال بناني الخبير بدروب الصحراء بعد رحيل أحمد الدليمي سنة 1983، رقي عبد العزيز بناني إلى رتبة جنرال من طرف الملك الراحل الحسن الثاني الذي عينه قائدا على المنطقة الجنوبية والتي كانت تضم أغلب القوات المغربية منذ بدء حرب الصحراء، وجد الجنرال بناني نفسه حرا ووحيدا في الإشراف على القوات الجنوبية، وتمكن بحنكته من إدارة المعارك في الصحراء، سيما وأنه عندما قلد المسؤولية على المنطقة الجنوبية، كانت لم تكتمل بعد عمليات بناء الجدار الأمني لمنع عناصر بوليساريو من شن هجكات خاطفة ضد القوات المغربية والتي كلفت الكثير، بحكم أن القوات المغربية وخلال مشاركتها في معارك سابقة سواء حرب الرمال أو حرب أكتوبر اعتادت على المواجهة الميدانية لا حرب العصابات، هنا سيظهر التفوق العسكري للجنرال، عبر وضع خطط عسكرية مدروسة حدت من فعالية حرب العصابات التي تبنتها بوليساريو، وقللت من فاليتها في العديد من الهجمات، مقارنة مع ما كان عليه الحال في أواخر السبعينيات من القرن الفائت، عندما تكبدت القوات المغربية، والتي كان مشكلة في أغلبها من عناصر القوات المساعدة، خسائر فادحة في الأرواح، لتنقلب طاولة الخسائر على مقاتلي بوليساريو وتحبط عزائمهم القتالية. الجنرال بناني تراث عسكري للمملكة يسعى الملك إلى الاحتفاظ ببناني لمونه أشرف على حرب الصحراء منذ بدايتها، حين كان عقيدا تحت إمرة الجنرال الدليمي، وما يؤكد هذا الطرح أنه كانت هناك محاولة إعادة النداء على كل الجنود والضباط الذين أحيلوا على التقاعد للعودة للجيش، للاستفادة من خبراتهما القتالية ومعرفتهم بطبيعة المناطق الصحراوية، ويرى العديد من المتتبعين للشأن العسكري المغربي كون الجنرال يعلم الصغيرة والكبيرة في ما وقع من أحداث في الصحراء، بل أكد بعض الضباط السابقين في الجيش المغربي أن بناني إلى جانب قلة قليلة من جنرالات الجيش، من يعلم الأرقام الحقيقية أسرار حرب الصحراء، واتبر أن التفريط في الجنرال بناني هو تفريط في أحد مفاتيح الانتصار العسكري للقوات المغربي، سيما ما أبداه من حنكة وتخطيط محكم في شل هجمات بوليساريو عندما كان يشرف على العمليات العسكرية، وبالتالي فهو يعد إرثا عسكريا للقصر، كما أنه بحكم علاقاته مع جنرالات من دول حليفة للمغرب، استطاع الجيش المغربي أن يطور إمكانياته العسكرية وتكتيكاته الحربية عبر مشاركته في مناورات عسكرية في الصحراء إلى جانب القوات الأمريكية والبريطانية، هذه المناورات جعلت أغلب المحللين العسكريين الدوليين يعتبرونه أقوى جيش في المنطقة. لأول مرة في التاريخ العسكري بالمغرب: برلمانيون يزورون الجدار الأمني أول مرة في تاريخ المغرب، تنفتح المؤسسة العسكرية على الرأي العام المحلي، وتسمح بزيارة وفد برلماني مغربي للجدار الأمني في الصحراء، كما حضر هؤلاء البرلمانيون للمناورات العسكرية التي تمت تحت إشراف الجنرال دوكوردارمي عبد العزيز بناني قائد المنطقة الجنوبية. وتمكن 90 برلمانيا ينتمون إلى مجلس النواب ومجلس المستشارين من معاينة الواقع اليومي والظروف الاجتماعية التي يعيشها الجنود المغاربة المرابطون على خطوط الجبهة العسكرية، بالإضافة إلى ظروف اشتغالهم في هذه الأوضاع، بداية من مدينة السمارة ومرورا بالعيون ووصولا إلى أوسرد والداخلة، إذ تمكن الوفد البرلماني الذي يضم ما بين خمسة وسبعة برلمانين عن كل حزب في الغرفتين، من الاطلاع على مختلف الشروحات التي قدمها ضباط سامون بالقوات المسلحة الملكية منها شروحات حول مهمة هذه الوحدات المتمركزة قرب الجدار الأمني، وكذا حول الوسائل والتجهيزات المتطورة التي تتوفر لها للدفاع عن الوحدة الترابية لمملكة. واعتبر توقيت هذه الزيارة التي تمت في أبريل الماضي، حدثا كبيرا في التاريخ العسكري للمغرب وتطورا ملحوظا من ناحية بسط معطيات عسكرية أمام ممثلي الشعب، خصوصا وأنها جاءت في ضوء تطورات يعرفها ملف الصحراء سواء على المستوى الأممي أو الإقليمي، كما أنها تتماشى مع قرار السلطات المغربية بانفتاح المؤسسة العسكرية على الرأي العام. بناني وبنسليمان أقوى الجنرالات لحراسة المملكة خبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية - عندما نتحدث عن مؤسسة الجيش يبرز اسمان اثنان، الجنرالان عبد العزيز بناني وحسني بن سليمان، في نظرك، ماذا يشكل الاثنان معا في هرم النظام؟ - السؤال يطرح دائما بخصوص هذين الجنرالين، على اعتبار أنهما مكثا طويلا داخل جهازين حساسين، الرغم مما يقال عن إمكانية التخلص منهما، وفي بعض الأحيان عن مطالبة بعض الدول الأجنبية، إضافة إلى أجهزة ومنظمات حقوقية وغيرها، بالاستماع إلى الجنرالات القدامى الذين تحوم حولهم شكوك بخصوص إمكانية مساهمتهم في القمع القديم، لذلك فهناك انتقادات موجهة للجنرالين عبر الصحف وخطابات الجمعيات المهتمة... ورغم كل هذا لا زالا حاضرين بقوة، وهذا يفسر بأن الجنرالين حسني بنسليمان وعبد العزيز بناني، هما أقوى الجنرالات في المغرب، إذ لهما وضعية متميزة، ماديا ومعنويا، ولهما كذلك علاقة وثيقة وخاصة مع العرش، وهما أهم من لم يتغير وضعهم بعد وفاة الحسن الثاني، خصوصا وأن الملك محمد السادس تخلص تقريبا من جميع من كان قريبا من والده الراحل، إلا في حالتي حسني بنسليمان وعبد العزيز بناني، حين زكى بعد الاستمرارية، رغم المطالبة برأسيهما والانتقادات الداخلية والمطالبة الخارجية بمساءلتهما أو الاستماع إليهما، فهما لازالا في وضعية متميزة، رغم تجاوزهما سن التقاعد. لذلك فالمشكل هو أكبر من أن يكون متعلقا بجانب إداري أو قانوني، وإنما هو متعلق أساسا بجانب سياسي استراتيجي بكل ما تحمله الكلمتان من معنى. - هذه صورة عامة عن وضعية الجنرالين، لكن ماذا عن حسني بسليمان؟ - فيما يتعلق بحسني بنسليمان، فالأمور تبدو واضحة، فهو كان منذ حداثة سنه يشغل مراكز مهمة، حيث كان يشتغل داخل المخابرات العسكرية، وحينما كان بدرجة قبطان حلت قضية المهدي بنبركة، ولم يتم الحديث عن أنه كان في فرنسا بمعية أوفقير والدليمي أثناء القيام بالعملية، وإنما لما تخلص أوفقير من بن بركة بعث برسالة هاتفية، وكان الذي تلقاها هو حسني بنسليمان، إذن فقد كان على علم بتفاصيل القضية، ولهذا كانت فرنسا ولا تزال تطالب به إلى يومنا هذا، إذ تعتبر بأن أهم إنسان عليها الاستماع إلى إفادته هو بنسليمان، بقدر ما يتشبث به الملك، ولشدة ما ينتقد في الداخل يهتم به الملك أكثر، لأنه كنز غال، ومن الصعب أن يتخلص منه، ثم إن الجنرال حسني بنسليمان، حسب ما يظهر، أكثر شخص له فاعلية في المن الداخلي بالمغرب. إدريس البصري وهو في منفاه الطوعي صرح بهذا أيضا، وقال لبعض الصحافيين المغاربة الذين حجوا إلى فرنسا قصد استجوابه بأن حسني بنسليمان هو الشخص الوحيد المتحكم في الوضع. - المستشف من حديثك، أنه بعد الإطاحة بإدريس البصري، أخذ حسني بنسليمان يلعب نسبيا نفس أدواره، أليس كذلك؟ - تماما، فحسني بنسليمان كان مهتما بالداخل، لاسيما بالبوادي وأمور أخرى بما في ذلك مراقبة الجيش نفسه، وبخصوص التحكم في الأمن فالدرك الملكي لعب دورا مهما في الانقلابات العسكرية، لذلك فوسط عدة أحداث كان الدرك الملكي هو الجهاز الذي يعول عليه، علما أن حسني بنسليمان هو الذي يعود له الفضل في تنظيم جهاز الدرك وفق ما يريده النظام، وبالتالي فهو جهاز ملكي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومن أجل ذلك يتشبث به الملك. ونضيف إلى كل ذلك أن بنسليمان مقرب من العائلة الملكية، بحيث أن أسرته كانت على علاقة وثيقة مع القصر منذ القدم، وينظر إليه كأنه مقرب من العائلة، إذن فثقة القصر بالرجل لا نقاش حولها، وهو ملكي إلى حد النخاع، ففي الانقلاب الأول الذي حدث سنة 1971، كان حسني بنسليمان عاملا على مدينة طنجة، وكان أحد الذين ساهموا في إنقاذ النظام، لأن إذاعة طنجة آنذاك كانت تمحو وتفند ما تقوله إذاعة الرباط التي كانت قد وقعت تحت سلطة الانقلابيين في تلط الظروف، خصوصا وأنه كان مسيطرا على هذه الإذاعة التي كانت تذيع خطابات عكس ما كان يقوله الانقلابيون، وهي في العمق أشياء لا يمكن أن تنسى، لا من طرف الملك أو العائلة، بحيث ينظر إليه كالابن "المرضي"، لذلك فإزاحته تبقى أمرا مستحيلا، وخروجه يجب أن يكون خروجا جميلا ورائعا ومستساغا، ولن يكون إلا شكليا، أما عمليا وأخلاقيا وعاطفيا سيظل حاضرا دائما في الميدان. - هذا فيما يخص الابن "المرضي" للقصر، ماذا عن الجنرال عبد العزيز بناني؟ - بالنسبة لعبد العزيز بناني، فأنا اعتبره "شرطي الجيش"، ورجل المخابرات والأمن الداخلي لهذا الجهاز، كما أن دوره في قضية الصحراء كان مهما واستخباراتيا محضا، يحكم أنه يعد قائدا للمنطقة الجنوبية، وحتى حينما كان الجنرال أحمد الدليمي هو أهم رجل في الجيش، كان كل ما يتعلق بالمخابرات والمعلومات والأسرار التي تهم النظام، سيما في الجانبين السياسي والعسكري الداخلي بيد الجنرال عبد العزيز بناني، هذا الأخير يتكلم مباشرة مع الملك، إذ كانت جميع الأمور الحاسمة تمر عبد عبد العزيز بناني، قبل أن تصل إلى الملك والعكس صحيح، وعندما يعطي الملك جوابا، فإن أول من يتلقفه هو بناني، لآنذاك يوزعه على باقي الجنرالات. - يلاحظ أنه بالرغم من الانتقادات الموجهة للرجلين، إلا أن الملك محمد السادس لازال متشبثا بهما، ما السر في ذلك، هل لأنهما يتوسدان صندوق أسرار الدولة أم هناك دوافع أخرى؟ - الملك ينظر إلى الجنرالين من زاوية خاصة، كعنصرين بحوزتهما أسرار الدولة، لأن لهما مسؤوليتين ومكانتين مهمتين، فبناني مهتم بكل ما يتعلق بالصحراء والأمن الداخلي للجيش، أما بنسليمان فمسؤول عن الأمن في المغرب (داخل البوادي والمدن)، وكذلك بعض الأمور السرية المتعلقة بالجيش، إذن فللرجلين أهمي كبرى فيما يتعلق بأسرار وأمن الدولة. - هل يمكن القول إن مسؤولية الرجلين تتقاطعان في حدود معينة، أم أن كلا منهما يكمل الآخر؟ - مسؤولية الجنرالين متكاملتان، فعبد العزيز بناني مثلا، مطلع بشكل واسع على كل ما يجري في الجيش، وهو مرآة لهذا الجهاز، إذ يكفي الملك النظر حوله ليعرف الصورة الحقيقية للجيش، بحيث يطبق حرفيا أوامر الملك ثم يقدم له صورة عن نتائج تلك الأوامر، وهذا ما جعله عنصرا أساسيا، فهو مرآة يرى من خلالها الملك كل ما وقع في الصحراء منذ بداية "المشكل" إلى الآن، بالإضافة إلى أنه يختزن معلومات عن جميع الضباط الذين عملوا في الصحراء، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فالملك لا يتوقع أبدا المفاجأة من طرف الضباط في المنطقة الجنوبية، لأ، له جنرالا يحيط بكل شيء، ولهذا فالملك يمتلك معلومات دقيقة جدا بفضل جنراله الوفي عما يريده ضباط الصحراء، الأمر الذي يفسر تمتع هؤلاء بامتيازات جمة، ومع ذلك فهذه الأمور يجري قبولها، سواء من طرف الراحل الحسن الثاني أو الملك محمد السادس، سيما وأنه لم يكن هناك انفلات في الجنوب، خصوصا وأنه بعد رحيل الدليمي، كان من الممكن أن تقوم انتفاضة في صفوف الجيش، غير أنه بفضل عبد العزيز بناني وضلوعه في الجانب الاستخباراتي غدا الدليمي أقل منه حجما، رغم أنه كان في واقع الأمر هو زعيم الجيش، وبالتالي جعل بناني الجيش يظل وفيا للملك، رغم وفاة الدليمي الذي كان نافذا في المنطقة. - أين تجلت حوادث السير بين عبد العزيز بناني والجنرال أحمد الدليمي؟ - إن نفوذ الجنرال الدليمي كان يذهب باتجاه منافسة عبد العزيز بناني وإدريس البصري. فهذان الرجلان كانا يعتبران ملكيين إلى أبعد الحدود، حيث كانا ينظران إلى الدليمي بنوع من الحذر والاحتراس، ويتابعان خطواته ويرتابان بشأنه. ولهذا فإن خطة الرجلين هي التي كانت تنجح في بعض الأحيان. وإذا كان إدريس البصري رجلا مدنيا وليس له جيش يدير أموره، وربما كذلك نظرا لعلاقته بالملك حينما كان وليا للعهد، إلى جانب نداءات جمعيات المجتمع المدني بإبعاده عن الميدان، فإن هذا الأمر هم الذي دفع بالملك إلى التخلص منه، كما أن إبعاده ليس مؤثرا، خلافا لعبد العزيز بناني، فهذا الأخير لم يكن في نزاع مع الأمير وقتها وظل بعيدا عن مثل هذه الجزئيات، أضف إلى ذلك انه كان يخدم الضباط الآخرين حتى يتشبثوا بالملك، وفي ذات الوقت بقي يدافع عن حقوقهم. - كان الجنرال حسني بنسليمان يجمع بين الدرك الملكي ورئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، لكن تم سحب هذه المهمة الأخيرة من تحت إقدامه. البعض رأى آنذاك أن الأمر يتعلق بخطوة أولى نحو تجريده من مسؤوليته داخل جهاز الدرك الملكي، غير أنه سرعان ما اتضح نقيض هذه التأويلات، إذ أضحى بنسليمان أقوى ربما أكثر من أي وقت مضى. ما السر في هذا الأمر؟ أليس هناك بديل للرجل، أم أن إبعاده سيكون بمثابة تفريط في كنز يندرج ضمن أسرار الدولة؟ - يمكن أن يكون هناك بديل للرجل، خاصة إذا أخذنا بعي الاعتبار، أن أمن المغرب تتدخل فيه عوام خارجية، غير أنه لا يمكن التخلص من حسني بنسليمان، لأن الموضوع يخضع لحساسية ما، ولأن كل ما يقوم به يحظى بإعجاب الملك، سواء محمد السادس أو والده الراحل، ومثالا على علاقة الرجل بالملك، فالحسن الثاني لم يكن يناديه "ببنسليمان"، كان يقتصر على مناداته ب"حسني"، وهذا يبرز مكانته لدى الملك، أضف إلى ذلك أن كل ما اقترحه بنسليمان من معدات وتقنيات لتحديث جهاز الدرك، كان بهدف ضمان أمن الملك، والأمن الاجتماعي الداخلي في المغرب، وفوق كل ذلك، فإن الثقة الموضوعة في الدرك الملكي، هي في واقع الأمر ثقة في حسني بنسليمان، ففي الدول النامية تكون أشياء من هذا القبيل مشخصة، إذ أن كل مصلحة إدارية أو أمنية لا توضع فيها الثقة إلا بناء على الثقة في رئيسها. - هل ملأ حسني بنسليمان الفراغ الذي تركه إدريس البصري بعد عزله من طرف الملك محمد السادس؟ - الجهاز الذي كان بيد البصري، كما هو معلوم، له علاقة وطيدة مع الدرك الملكي، لأن هذا الجهاز يعمل – خصوصا في البوادي- مع وزارتي الداخلية والعدل، ولما توفي البصري سياسيا بعزله، تقمص حسني بنسليمان شخصيته، سيما وأن الدرك يلعب أيضا دور "أمن إداري"، وكما ترى الآن فبنسليمان يشتغل حاليا في المدن والبوادي وكأن البصري لم يمت. - أين تكمن نقاط القوة لدى الجنرالين بناني وبنسليمان، هل في المراكز التي يشغلانها أم في شخصيتيهما؟ - هناك فرق بين الجنرالين فبنسليمان رجل عسكري- دركي وسلطوي، لأن الدرك الملكي لا يمكن أن يتحرك بدون قائد سلطوي، خصوصا وأن هذا الجهاز يتسم بالخطورة، علما أن الرجل بدأ مساره كرياضي، حيث كان حارسا للمرمى في صفوف فريق الجيش الملكي، هذا المعطى منحه شهرة نوعا ما، الأمر الذي جعله يتلقى تزكيات بسهولة دون تمرسه في العمل العسكري، فبمجرد ما أصبح كوماندان أسند له منصب عامل على مدينة طنجة، مع العلم أن هذه المدينة كانت منطقة دولية وأصبحت مغربية، إذ سبق لها أن شهدت أوضاعا صعبة للغاية، فالرجل، إذن، يتمتع بشخصية قوية وسلطوية في نفس الآن، ويعرف كيف يدبر شؤون إدارته بنوع من السلطة، ولكن لا يمس مصالح البعض. - عموما فإن بنسليمان يدير بشخصيته القوية جهازا صارما، ويتمتع بثقة مطلقة من طرف النظام الملكي، أما عبد العزيز بناني، فهو ليس تلك الشخصية العسكرية التي لها نوع من الكاريزماتية، حيث بقى كشرطي داخل الجيش، والشخص الذي يتوفر على كل الأخبار والوقائع داخل هذا الجهاز، كما ينقلها إلى الملك وقتما طلب منه ذلك، زيادة على أنه يراقب بدقة كل ما يمكن أن يكون ضد النظام، دون أن يواجه هذا الضابط أو ذاك ناهيك عن كونه على علاقة متميزة بالملك، من هنا فهو ليس ذلك الضابط السلطوي، وإنما يمكن القول بأنه ذو حدة قوية، ولا يمكنه أن يصغي لأي كان، سيما إذا كان يقول أشياء ضد النظام. - كيف يمكن أن تصف، بحكم خبرتك في المجال الاستراتيجي، موقع بناني داخل هرمية الجيش، سر قوته، ودهائه الاستراتيجي ومعرفته بمنطقة الصحراء؟ - معرفته بمنطقة الصحراء، هي قطب الرحى في مهمته، حيث راقب المنطقة بجدية منذ بداياته الأولى، بحكم أنه كان متحكما في كل الأشياء، كما أنه ليس مفكرا استراتيجيا كما ينبغي، لكن كل الوقائع والأحداث التي جرت في الصحراء ومواقف الضباط وكذا سلوكاتهم تظل في قبضة يده، لذلك فهو كان يراقب رفقة إدريس البصري الجنرال الدليمي، الذي كان يشتغل مع الضباط القدماء والآخرين الذين تغيرت مواقفهم، هذا العامل منحه شهرة واسعة وأصبح نفوذه قويا في الصحراء، وحين كان عبد العزيز بناني في ال"إيطاماجور"، كان الضباط ينقلون إليه الوقائع والأحداث المتعلقة بالجيش وكأنه لا وجود للدليمي، إذ قبل أن تصل الأخبار للملك فهي تسلك مسار ال"إيطاماجور" حيث يتواجد بناني، آنذاك كان هذا الأخير يلعب دور الوساطة بينه وبين الضباط. ومن جانب آخر، فهو لا يتخذ أي قرار إلا بناء على قرارات الملك، وحتى إذا أصدر هذا الأخير قراره إلى الدليمي، فيكون ذلك بشكل عام، أما الأوامر الدقيقة فكان يتلقاها الجنرال بناني، الذي يصدرها إلى ضباط المناطق الجنوبية، وأحيانا لا يكون الدليمي على علم بها، لذلك ظل بناني في منصبه كقائد للمنطقة الجنوبية إلى يومنا هذا، وأسندت له مهمة الجنرال عبد الحق القادري، بعد إحالته على التقاعد، كمفتش عام لقوات المسلحة الملكية، غير أن مراقبته للجيش، سيما في مهمته القديمة، تعتبر مراقبة تكنوقراطية تفتقر للتفنن السياسي والاستراتيجي. - ما هي الأشياء التي تظل في حوزة الجنرالين بنسليمان وبناني، والتي على ضوئها لازالا في منصبهما؟ - الأسرار تكمن في كون الرجلين يعدان من الجيلين القديم والجديد، بحيث جاءا عبر مسار مهم ليتوقفا عند منتصف الطريق، فقد كانا ضابطين شابين حين كان ضباط آخرون مقربون من الملك، لكن حضرت الانقلابات بثقلها كما هو معروف. فهاذان الشابان –إذن- لم تكن لهما مسؤولية كبيرة، ولم يشاركا في الانقلابات، عكس ذلك، فقد لعب حسني بنسليمان دورا مهما آنذاك في الدفاع عن النظام، مثلما أن بناني لم يبد أي تعاطف مع الانقلابيين، مع أنه لم يكن يشغل منصبا حساسا، مثلما هو عليه الحال اليوم. - من ناحية أخرى، فحسني بنسليمان ظل مقترنا بملف المهدي بنبركة، بينما أصبح دور الجنرال بناني مهما في قضية الصحراء نظرا لتحمله مسؤولية كبرى، فإلى جانب مراقبة الجيش، كان يراقب أيضا الحرب الدائرة آنذاك، كما يعرف من هم الضباط المهمون في الصحراء، عقليتهم، سلوكهم وماذا يمكن أن ينتظر منهم، ويقف حتى على الأخطاء التي تم ارتكابها في الصحراء، إلى جانب اطلاعه على جل الأحداث التي جرت منذ خروج الإسبان من المنطقة، بحيث يعتبر بمثابة أرشيف ضخم لمرحلة مهمة في تاريخ قضية الصحراء، ولهذا فعبد العزيز بناني يمتلك أسرارا عن كل ما قام به الملك في الصحراء مع حرصه على كتمانها. - ما هي نقاط التقاطع بين الدرك الملكي والجيش؟ - يعد الدرك دائما جزءا من الجيش، إذ يظل محسوبا عليه إداريا، كما أن الضباط الذين يتحكمون في الدرك تخرجوا من الأكاديمية العسكرية، بحيث مروا من الجيش، علما أنه عادة ما يجري اختيارهم من طينة أحسن الضباط، سيما المتمكنين من اللغات بشكل جيد، لإدماجهم في الدرك الملكي على أساس كتابة التقارير، لذلك فالدرك يعد كنخبة الجيش، ثم هناك علاقة بين هذا الجهاز ووزارتي الداخلية والعدل، هذه هي أهم نقاط التقاطع بين الجهازين، خصوصا وأن ميزانية الدرك لا تأتي إلا من ميزانية الجيش، ويظهر أنه يشتغل بنوع من الاستقلالية، ولهذا قد تسند له مهمة مراقبة الجيش من طرف الملك عندما تكون هناك أحداث خطيرة، أضف إلى ذلك أن الدرك يعد من أفضل أبناء الجيش، سيما وأنه إلى جانب مهامه يضطلع بمهام اجتماعية، كدخوله على الخط وقت الكوارث والنكبات، وهذا ما يجعله يحظى بوضع اعتباري لدى المواطنين، على اعتبار أنه يمثل الوجه الأنيق للجيش. حسني بنسليمان: من حارس مرمى إلى جنرال دوكوردامي حارس أسرار هل كان الطفل "حسني" وهو يلعب رفقة أقرانه بدروب وحواري مدينة الجديدة أو عندما كان يحك لوحه بالسمق والصلصال بالمدرسة الإسلامية بالدار البيضاء، يعلم أنه يوما ما سيصبح رقما صعبا في معادلة السلطة داخل المملكة؟ وهل سقط بذهنه ذات مرة، أن طموحه كشاب سيتعدى شباك مرمى فريق الجيش الملكي، ليتحول إلى أحد أقرب المقربين للملك الراحل؟ لا أحد يمكنه الإدلاء بإجابة بشأن هذبن السؤالين، سوى رجل واحد هو حسني بنسليمان، أو "مون جنرال" كما يحلو للبعض مناداته، فهو، حسب سيرته الذاتية الظاهرية، تعلم فنون القفز على الحواجز مهما كانت عالية، من خلال تمرسه في رياضة القفز العلوي، لذلك عرف الرجل كيف يستثمر مهاراته ليقفز عاليا، وبالتالي أضحى الأعلى رتبة في هرمية الجيش بعد نيله لقب جنرال دوكوردارمي، والتي تعني عند ذوي الاختصاص، السلطة المطلقة في جهاز الدولة بعد سلطة ملك البلاد. يقول أحد الخبراء في الشأن العسكري متحدثا عن إبن دكالة: "ليس سهلا أن يتخلص القصر من رجل مخضرم عرف كيف يتماهى داخل نظامي الحسن الثاني ووريثه على العرش"، وذلك راجع بالأساس إلى كونه يتوسد صندوقا عاجيا من أسرار الدولة التي تراكمت خلال عهدين متناقضين، بينما يقول آخر، إن بنسليمان، الذي هو "ذو حظ عظيم"، يعد بمثابة ورقة "الجوكر"، إذ يضطلع بحكم صلاحياته وسلطاته الواسعة على أدق التفاصيل الأمنية، سواء داخل المدن أو البوادي، بما في ذلك منطقة الصحراء، حتى أنه مسك بقفازه المخملي، بعضا من مهام الراحل إدريس البصري الأمنية بعد عزلة مع انطلاق شعلة العهد الجديد. وزن حسني بنسليمان، حسب بعض المحللين، يبقى ثقلا بالقدر الذي جعله مصدرا لثقة الملك محمد السادس، فهو إلى جانب الجنرال عبد العزيز بناني قائد المنطقة الجنوبية، يعتبر عينا أخرى للملك على ترسانته الحربية (جيش – جنود – ضباط – أسلحة – لوجيستيك...) وإن كانت المهام المنوطة به خلال المرحلة الراهنة جعلته لا يزور الصحراء إلا لماما، لكن بالرغم من ذلك فإن ظله لازال حاضرا بقوة في المنطقة العسكرية بحكم تمتع جهازه (الدرك الحربي) بصفة المراقب العام للجيش. يرى بعض المهتمين ب"مون جنرال" أن الفيالق والوحدات العسكرية في المنطقة الجنوبية، لا تشغل محركات شاحناتها أو تغادر ثكناتها إلا بضوء أخضر من قيادة الدرك الملكي، وحتى إذا تأتى لها التزحزح من مكانها، فذلك لن يكون إلا خلف رجال دوكوردارمي حسني بنسليمان، كان يتعدى إبن دكالة ذلك حين يكون أبناؤه حاضرين في عملية نقل الذخيرة والقيادة من مكان لآخر، بل لا يمكن لطائرة أو مروحية أو مقاتلة من ترسانة الصحراء أن تقلع إلا بترخيص صادر عن قيادة الدرك الملكي الذي يجلس بنسليمان على عرشها بكل أريحية منذ زمن بعيد. بينما يجزم آخرون بالقول إن يد بنسليمان تكون هي الأبرز بين يدي أغلب الجنرالات أثناء إبرام الصفقات المتعلقة بالإنفاق العسكري، "إنه بحق فرد يختزل الكل"، يقول أحد معجبيه. ولد حسني بنسليمان في 15 دجنبر 1935 بعاصمة دكالة (الجديدة). درس بالمدرسة الإسلامية بالدار البيضاء ومن ثمة تابع مشواره الدراسي في هذه المدينة إلى أن توجه رفقة بعض المتفوقين إلى فرنسا، حيث تلقى بإحدى مدارسها (سانتسير) تكوينا خاصا في المجال العسكري، وعند عودته إلى أرض الوطن، وجد باب القوات المسلحة الملكية مفتوحا في وجهه، سيما وأنه، إضافة إلى تكوينه، يعد أحد أبناء عائلة نافذة، عرفت بعلاقتها القوية بالقصر. عين حسني بنسليمان، حسب بعض المصادر، قائدا لوحدات التدخل السريع بعد أربع سنوات من حكم الملك الراحل، وبعدها بثلاث سنوات أصبح نائبا للمدير العام للأمن الوطني، بيد أنه لم يعمر طويلا في هذا المنصب، إذ أسند إليه الملك الحسن الثاني منصب عامل على مدينة طنجة، أعواما بعد ذلك عين عاملا على إقليمي القنيطرةومكناس، وتبعا لذات المصادر، فإذا كان الانقلابيون الفاشلون ضد نظام الملك الراحل قد رسموا بالسواد صفحة من صفحات المغرب، فإنهم بالمقابل، فسحوا مجالا جديدا أمام طموح إبن دكالة، لاسيما وأنه أبان عن علو كعبه خلال الحدثين البارزين كخادم أمين للأعتاب الشريفة، آنذاك عينه الملك الراحل قائدا للدرك الملكي، وهو المنصب الذي لازال متحكما في خيوطه منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي. يصفه البعض، بكبير الدركيين، وذلك لأن الرجل، وإن كان يطل من تحت قبعته العسكرية على منتصف عقده السابع، فقد ظل شامخا بطول قامته كمتربع على عرش الدرك الملكي، الجهاز الذي وصفه بعض المحللين ب"الوجه الأنيق للجيش"، في حين يرى بعض خصومه أن بنسليمان، رغم حرصه على التماهي في صورة الحمل الوديع، إلا أنه يظل أحد رموز عهد قديم، خصوصا وأنه كان يشتغل في جهاز ملغوم إلى جانب الجنرال أوفقير، لذلك يظل هذا الرجل رقم حظ لدى القضاء الفرنسي، الذي يعتبره مسلكا للوصول إلى حقيقة اختطاف واغتيال الهدي بنبركة، بحكم أنه تلقى اتصالا هاتفيا من الجنرال أوفقير ساعة اغتيال زعيم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الأسبق. إلى جانب مهامه العسكرية، يبقى الجنرال حسني بنسليمان رجل الرياضة بامتياز، كما أن مساره كرياضي حافل بالإنجازات والإخفاقات، حيث أنه قبل حصول المغرب على استقلاله من قبضة الفرنسيين بثلاث سنوات، كان حسني بنسليمان بطلا في رياضة القفز العلوي، إذ حقق مع الجمهورية لقب بطل فرنسا وهو إبن الثامنة عشر، عقب تحقيقه قفزة تجاوزت مترا و93 سنتمترا، كما كان نجما في رياضة الفروسية وكرة الطائرة، وسبق له أن لعب في صفوف فريق "شارل نيتر" ليصبح "بيفو" متميزا داخل تركيبته البشرية التي كانت تضم عناصر من مختلف الديانات، أضف إلى ذلك أن قامته الفارعة أهلته، حسب بعض المهتمين بسيرته الرياضية، لأن يغدو متخصصا في الجري السريع، صنف المائة متر، لكن بعد عودته إلى المغرب تخص بنسليمان في حراسة المرمى بمجال كرة القدم وتقلد مركز حامي عرين فريق الجيش الملكي، خلال حقبة الستينيات من القرن الفائت، قبل أن يصبح رئيس النادي إلى يومنا هذا. هذا الرصيد الرياضي كان عاملا حاسما –حسب كثيرين- في أن يدخل الجنرال إلى عالم كرة القدم من جديد سنة 1994 كرئيس للجامعة الملكية لكرة القدم عقب إخفاق المنتخب الوطني في مونديال الولاياتالمتحدةالأمريكية، إذ جرى انتخابه خلال ولايتين، ليرفض في آخر المطاف الترشح لولاية ثالثة، فاسحا المجال لعلي الفاسي الفهري المدير العام للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب والمكتب الوطني للكهرباء، ومن ثمة كان ابتعاده قد وضع حدا لما سمي ب"عسكرة كرة القدم". كان هذا، إذن، مسارا مختصرا لرجل عرف كيف يتموقع داخل المربع الضيق للسلطة، وأحد أبرز رجالات الملك محمد السادس في الظرف الراهن، وإن كانت جل العوامل البيولوجية تستدعي تغييره بطاقة شابة، من شأنها نفث روح جديدة في جهاز الدرك الملكي، فإن حساسية الرجل داخليا وخارجيا، جعلته أحد مصادر الثقة لدى الجالس على العرش وعلبة أسرار تؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ المغرب. عبد العزيز بناني: ثعلب الصحراء الذي لا تتحرك الرمال إلا بإذنه كم مرة فكر فيها محمد السادس في إعفاء الجنرال عبد العزيز بناني من منصبه؟ وكم هي الحالات التي أمعن فيها الملك ينظر حواليه، في محاولة لإيجاد بديل لعسكري مخضرم داخل جهاز القوات المسلحة الملكية الذي يخضع لحساسية مفرطة؟ أسئلة وغيرها جثمت بكل ثقلها على أذهان كثيرين، بالنظر إلى الظروف البيولوجية التي تلازم رجلا رفض أن يكبر أو يشيخ، أو بالأحرى أن يخضع لإكراهات سن التقاعد، ليبقى خالدا في منصبه كقائد للمنطقة الجنوبية، بل إنه حتى في ظل الأسئلة المتناسلة حول إمكانية العزل والإعفاء، سيعزز الملك محمد السادس مكانة الجنرال، موسعا سلطاته، إثر تعيينه سنة 2004 مفتشا عاما للقوات المسلحة الملكية. إنه السر ظل يحيط برجل يكتنز آلاف الأسرار، فمن يكون عبد العزيز بناني؟ في عز الصيف، وتحديدا يوم 23 يوليوز 1999 –عشية وفاة الملك الحسن الثاني- وجد وريثه في العرش، نفسه أمام "تركة بشرية" مخضرمة، وصفت بأقوى رجالات الملك الراحل، مستشارون، عسكريون وسياسيون ممن هندسوا لمرحلة انتقالية في تاريخ مغرب كان آنذاك مهددا ب"سكتة قلبية" وشيكة، ولأن "الرجل هو الأسلوب"، كما كان يقول الحسن الثاني، و"أنا أنا وهو هو" كما وصف وريث عرشه أوجه التقارب بينه وبين والده، ولأنه لكل مرحلة في الحكم فلسفتها ورجالاتها أيضا، فقد "غربل" الملك محمد السادس تركة والده، ليحتفظ لنفسه في آخر المطاف برجالات اعتبرهم البعض بمثابة "لي بوات سوكري"، أبرزهم الجنرالان عبد العزيز بناني وحسني بنسليمان. خلافا لحسني بنسليمان الذي يتمي لعائلة نافذة ضمن شبكة عنكبوتية عهد إليها بصناعة القرار في المغرب لعقود سابقة، يظل عبد العزيز بناني، أحد الشخصيات البارزة الذي شق مساره المهني – العسكري دون خلفية الانتماءات العائلية، إذ ينتمي لأسرة بسيطة بتازة، المدينة التي كانت تعتبر حمل أبائها سلاح الجيش مفخرة لها، حيث من رحم التعليم الأولي، انطلق التلميذ عبد العزيز من عمق التضاريس الوعرة لمدينة تازة صوب العاصمة الإسماعيليةمكناس، هناك تدرج في أكاديميتها العسكرية، ليجد نفسه مضطرا إلى صقل مواهبه، فكان أن حلق عاليا نحو فرنسا، حاطا رحاله بعاصمة الأنوار باريس، التي تابع بإحدى مدارسها دراسته العسكرية، ومن ثمة قفل راجعا إلى وطنه الأم، لكن ببزة خولت له التمركز في مواقع حساسة داخل جهاز ملغوم، خاضع لسطوة صقور الجيش. يعتقد كثيرون أن عبد العزيز بناني، الذي بدأ مساره العسكري في سلاح المدفعية، لم يبرز نجمه إلا بعد الحادثة الملغومة لجنرال القوي آنذاك أحمد الدليمي، حيث يذهب بعضهم إلى أن إبن تازة كان مغمورا خلف نفوذ الدليمي المتحكم وقتذاك في كل حبة من رمال الصحراء، وأنه إلى جانب الانصياع لأوامره، كان يهاب مزاجيته المتقلبة، وإن كان قد تتلمذ على يديه، بحكم أنه كان مرؤوسا للدليمي أو نائبه على المنطقة الجنوبية، غير أن البعض الآخر يرى أنه –بالرغم من التراتبية التي كانت ترسم حدود تحرك الرجلين- إلا أن الجنرال الدليمي، كان دائم الحيطة من مرؤوسه بناني، سيما وأنه أضحى آنذاك- خصوصا في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماشي –ندا له داخل الرمال الصحراوية التي لا تتحرك إلا بأمر منه، على اعتبار أنه راكم من التجربة ما يخول له أن يسترعي انتباه الراحل الحسن الثاني الذي اعتبره بمثابة احتياط استراتيجي، إذ عرف طيلة مشواره العسكري إلى جانب الدليمي، كيف يصغي لأوامر جنراله ويتفاعل مع نصائحه، بل أخذ عنه حنكته في جمع المعلومة وتوظيفها في الوقت المناسب، لذلك عرف كيف يزاوج بين مهام الاستخبار وتمرسه على شتى أنواع السلاح، ومن ثمة أضحى ظلا للدليمي الأكثر شهرة في صفوف الجيش. ولأن يدي عبد العزيز بناني ظلتا بيضاويتين مثل قفازه الذي لا يفارق بزته العسكرية، خصوصا خلا المحاولتين الانقلابيتين (1971-1972)، فقد وجه فيه الملك الراحل ضالته، بعد أن أخذ ينظر إلى جيشه بنظارات سوداء ليجعله، حسب أحد الخبراء في المجالي العسكري والاستراتيجي، وسيطا بينه وبين باقي مكونات ضباط القوات المسلحة الملكية التي كان الملك الراحل ظل إلى غاية وفاته مرتابا في جيش كاد أن يعصف بعرشه خلال مناسبتين. شارك الجنرال عبد العزيز بناني مثل قادة آخرين في حرب الرمال التي دارت رحاها بين المغرب والجزائر سنة 1963، كما كان أحد الذين أحبطوا تاكتيكات عناصر بوليساريو المستمدة من حرب العصابات، إبان حرب الصحراء التي دامت 15 سنة (1991-1976) قبل بناء الجدار الأمني والتوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار. غير أنه بعد وفاة الجنرال الدليمي في الحادثة الملغومة بمدينة مراكش بتاريخ 22 يناير 1983، كان على إبن تازة أن يستعد لمرحلة قادمة، وأن يتأنق أكثر من أي وقت مضى، مع الحرص على تلميع نياشين بزته العسكرية وترك مكان شاغر لأخرى، لأنه سيمثل أمام ملك البلاد وقائد أركان القوات المسلحة الملكية، ولأن موت الدليمي ترك ثقبا في قيادة جيش الصحراء، فلم يكن الملك الراحل يرى رجلا متمرسا في عالمي الاستخبار وضبط الأمن الداخلي بحجم ومكانة عبد العزيز بناني، العسكري الذي لعب دورا مهما في الوساطة بينه وبين باقي ضباط الصحراء، آنذاك، عينه قائدا للمنطقة الجنوبية مع توشيح بزته بنيشن رفيع إلى جانب نياشينه المصقولة، آنذاك خطا بناني مسيرته بتأن إلى أن أصبح "سيد الصحراء". يصفه البعض بشرطي الجيش، في إشارة إلى خبرة الجنرال دكوردارمي عبد العزيز بناني في مراقبة الجيش وجمعه معلومات دقيقة حول جل ضباطه، فيما لا يتردد آخرون في نعته ب"ثعلب الصحراء"، نظرا لكونه، من منظور هؤلاء، يعتبر أكثر شخص في مملكة محمد السادس على دراية عميقة بالمنطقة الجنوبية، يعرف مسالكها وتفاصيل مجهرية عن ثكناتها، بل يعرف ما قد يوجد تحت وسائد ضباطها، وهمسات ووشوشات جنودها، والبعض الثالث يذهب إلى أن الرجل أشبه ما يكون بصقر يفرد جناحيه على ترسانة أسلحة لا يعرف عددها ونوعيتها وما امتصته من ملايير ميزانية الجيش، إلا أن عناصر قليلة داخل مثلث ضيق، يعتبر الملك ضلعه الرئيسي، لذلك، سارع محمد السادس، فور إحالته للجنرال القوي، عبد الحق القادري على التقاعد، إلى وضع عبد العزيز بناني مكانه كمفتش بديل للقوات المسلحة الملكية، وبالتالي أضحى الرجل برأسين أحدهما لا يغمض عينيه على منطقة حساسة إسمها الصحراء، والآخر على الترتيبات المرتبطة بعلاقات المغرب في المجال العسكري. إنه ابن تازة، مرآة الملك في الصحراء، ولن تستطيع –حسب أحد المحللين- عاصفة رملية أن تزحزحه من مكانه إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. عدد 157