دعا الصحافي نور الدين اليزيد، وزير العدل والحريات المصطفى الرميد، إلى فتح تحقيق مع رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، بعد أن كشف هذا الأخير في إطار حملة حزبه الانتخابية، بأنه يشعر بخطر على حياته. في ما يلي نص مقال نور الدين اليزيد كما توصّلت به هسبريس: على الرميد أن يفتح تحقيقا مع بنكيران ! الأمر ليس فيه مزحة ولا إثارة تحركها هواجس إعلامية، ولكنه كلام المعقول الذي لا يحتاج إلى مواراة أو تأخير في البحث في دوافعه والتحقيق فيها، لاسيما أن الأمر يتعلق برجل دولة يصرح أمام الملأ وأمام الكاميرات وبوجود آلات التسجيل، وقبل هذا وذاك أمام التاريخ الذي يحصي أنفاسه، بأنه مهدد في حياته ويشعر بأن عزرائيل يتقفى خطاه منذ أن تقلد هو وحزبه مقاليد تسيير الشأن العام ! الكلام المباح الصراح الذي يلح علينا جميعا كمواطنين الجهر به عاليا وبقوة اليوم وليس غدا أو بعده، يخص رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وأمين عام حزب العدالة والتنمية، الذي ألمح أو خطب في الناس بأماكن عمومية، أكثر من مرة، يخبرهم أنه مهدد في حياته، بل أكثر من ذلك كشف مؤخرا بمدينة تطوان، في عز الحملة الانتخابية، بأنه يشعر بخطر على حياته وبأنه لا ضير أن يموت "في سبيل الله" (لاحظوا استعمال الدين في حملة انتخابية على اعتبار أن العبارة تحيل على "الشهادة" وهو شيء ممنوع لكن ليس هذا موضوعنا !). كان مقبولا أن يتحدث قيادي حزبي ليست له صلاحيات عمومية سامية، بهذه الطريقة، دون أن يكترث به أحد، ويعتبر ذلك من باب المزايدات السياسية لاسيما إذا ارتبط هذا النوع من الحديث بمناسبة انتخابات، لكن أن يتفوه به رئيس حكومة، وأكثر من هذا أن يقترن الحديث باستحضار روح الراحل عبدلله باها الذي فارقنا إلى دار البقاء قبل نحو سنة، بل وقبل أن يكشف عن "الخطر" الذي يتهدد حياته، يقسم بأغلظ الأيمان (والله العظيم)، فهذا ما لا يبعث على الارتياح ويشير إلى أن بلادنا كلها في خطر، ما دام أن ثاني مسؤول في الدولة لا يشعر بالأمان وهو يتجول في بلاده، فما بالك بمواطن عادي، بالرغم من أن بلادنا يعمها الأمن ولسنا في حرب مع أحد إلا مع القوت اليومي. وكم هو مثير للاستغراب حقا أن لا تُحرك الجهات الرسمية ولاسيما منها الجهات القضائية والأجهزة الأمنية ساكنا أمام هذا الإصرار الغريب والعجيب، المثير للخوف وعدم الاطمئنان على مستقبل البلاد، عدا عن البلبلة والإشاعة بين المواطنين، الذي تسببه تصريحات رئيس حكومتنا، وهو ما لن يقود إلا إلى مزيد من الضبابية والشك والقلق حول ما إذا كانت هناك "جهات" يشدها الحنين إلى زمن سنوات الرصاص وتريد عودة عقارب الساعة إلى الوراء؛ هذا على الأقل ما قد يوحي به لكل ذي بصيرة كلامُ السيد بنكيران في أكثر من مناسبة عن الموت أو بالأحرى عن "القتل" الذي يتهدده ! قد يقول قائل إن الأمر هو مجرد كلمات وأحاديث تدخل في إطار الجدال السياسي أو ما يعرف بالبوليميك، أو أن ما يتفوه به رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران من حديث، لم يسبقه إليه أحد لا رئيس حكومة ولا حتى وزير، يدخل في إطار البروباغندا التي يلوذ إليها السياسيون بكثرة ولاسيما منهم الذين تنهل أحزابهم من ينابيع ذات حساسية كالفلسفة والدين، بغية دغدغة مشاعر الناس واستقطابهم إليهم وتأليبهم عن من هم سواهم من باقي المنافسين، لكن أن تتحول المسألة إلى ديْدَن وعادة، فهذا ما لا يقبله عاقل خاصة وأن هدف أو غاية الظهور بمظهر المظلوم أو الباحث عن مبررات لفشل سياسي، يصبح (الهدف) مردود لصاحبه وعليه، باعتبار أن كل الأمور تهون في مجال السياسة من باب كونها "فن الممكن" إلا أن يُتخذ استعمال "القتل" وسيلة لذاك الهدف! وبالرغم من أن بنكيران قد يعود ويتراجع عن ما قال به في تطوان قبل يومين ويعتبر ذلك من تأويل الأمور لدى بعض الناس، فإن رصيده في هذا الخضم لا يشفع له بذلك، خاصة وأنه سبق له في شهر مارس الماضي أن قال نفس الشيء تقريبا، حين ألمح في مهرجان خطابي في مدينة الدشيرة الجهادية إلى "احتمال" أن يكون المرحوم باها قد مات ميتة غير طبيعية، بحسب ما نقلته عنه وقتها صحيفة مقربة من قيادات حزبه ! وهو ما جعل أحد الفرق البرلمانية المعارضة تتوجه بسؤال كتابي إلى رئيس مجلس النواب لرفعه لوزير العدل والحريات مصطفى الرميد، قصد "فتح تحقيق نزيه حول ملابسات وفاة الرجل (باها)، بناء على الخطاب الأخير لرئيس الحكومة بالدشيرة". وللتذكير فقد نقلت الصحيفة نفسها(أخبار اليوم) عن بنكيران قوله: "يلا مات سي بها، فنحن مستعدون جميعا للموت في سبيل الله. راه كاين اللي كيهدد وحنا كانعرفو نقراو، غير مبغيناش نفضحو الأمور". وإذا كان بنكيران قد تراجع عن تلك التصريحات ونبه الناس إلى عدم العودة للخوض في موت نائبه وكاتم أسراره الراحل، مبديا رضاه على نتائج التحقيق القضائي الذي أرجع موت باها إلى اصطدام القطار، فإن ما لا يمكن تقبله أو التراجع عليه والسكوت عنه هو الإلحاح في التعبير عن خوف محدق يتهدد الرجل في حياته؛ وإذا كان هو شخصيا يتنازل عن حقه في فتح تحقيق قضائي في الموضوع ربما طمعا في "شهادة" يشعر بقرب أجلها، فإن على النيابة العامة، انطلاقا مما يفرضه عليها القانون أن تتحرك لدرأ هذا الخطر ! بمعنى على وزيره في الحكومة المكلف بقطاع العدل والعضو في حزبه أيضا، السيد مصطفى الرميد، بصفته رئيس النيابة العامة (قبل انتقال هذه المهمة إلى رئيس النيابة الوكيل العام في محكمة النقض بمقتضى التعديلات الجديدة المتعلقة بإصلاح منظومة العدالة)، أن يُفعل مقتضيات القانون ويأمر مصالح النيابة العامة بالبحث في المسألة، لأن المصلحة العامة تلزمه بذلك، ما دام أن السيد رئيس الحكومة لم يعد يجد داخل حزبه من يلجم لسانه ويكبحه عن قول الكلام على عواهنه بما فيه الكلام الذي فيه "قتْلٌ". لا تتحسسوا الرقاب فالمغرب بلد الأمن والأمان ووحدهم المرتعدون من الشعب يفعلون !! [email protected]