للمرة الثانية على التوالي، يحقّق حزب الأصالة والمعاصرة صدارة الانتخابات المهنية، مُحققًا هذه المرة زيادة طفيفة في عدد المقاعد ب16 مقعدًا، ليصل إلى المقعد رقم 408 بعدما حقق عام 2009 رقم 392 مقعدًا، لتتناسل الأسئلة حول أسباب استمرار هذا الترّبع لحزب أثار الكثير من الجدل بسبب ظروف نشأته عام 2008، ومدى إمكانية تكرار السيناريو ذاته التي شهدته الانتخابات الجماعية عام 2009. ففي "جماعيات 2009" حل "حزب الجرار" المرتبة الأولى ب6032 مقعدًا، دعمتها الرتبة الثالثة التي حققها في انتخابات مجالس العمالات والأقاليم، "الأولى لغير المنتمين والثانية لحزب الاستقلال"، عندما فاز ب325 مقعدًا، ثم تحقيقه الرتبة الأولى في مجالس الجهات ب212 مقعدًا، وهو ما أدى في النهاية إلى ترؤسه لمجلس المستشارين في أوّل عام انتخابي يخوضه، بعدما تشكّل من خمسة تنظيمات حزبية كانت قد اجتمعت في إطار ما عُرف ب"حركة لكل الديمقراطيين" التي أطلقها فؤاد عالي الهمة. التأطير الجيد والأعيان أسباب فوز حزب الأصالة والمعاصرة في انتخابات السابع من غشت 2015، تعود، حسب المحلّل السياسي محمد ضريف، إلى أنه كان الحزب الأكثر تغطية للوائح الغرف المهنية، إذ "كلما كانت نسبة التغطية أكبر، كانت حظوظ الفوز أكبر"، زيادة على انتشار الحزب الكبير في جلّ المناطق المغربية وقدرته على إقناع الآخرين بالانتساب إليه، دون الدخول في أسباب هذا الانتساب، يستطرد ضريف، في ظل استمرار ممارسات سياسية "يجب أن تُقوّم". غير أن هذا الانتصار، لا يعني تحقيق إنجاز كبير على المستوى السياسي، يقول ضريف، مضيفًا في تصريحات لهسبريس: "تصنيف الأحزاب في المشهد السياسي يرتبط أساسًا بما يتحقق من نتائج في الانتخابات التشريعية. كما أن الكثير من الأحزاب المغربية لا تهتم للانتخابات المهنية أو حتى الجماعية. بيدَ أن حزب "البام" يحرص على تقديم أكبر نسبة من الترشيحات في الانتخابات المهنية للاستمرار في رئاسة مجلس المستشارين". واستبعد ضريف أن تؤثر النتائج المحصّلة يوم أمس الجمعة على الانتخابات الجماعية والجهوية المقرّرة يوم الرابع من شتنبر القادم، وذلك لاختلاف المنطق الانتخابي بين الاستحقاقين، مشيرًا في الجهة المقابلة، إلى أن "الاعتماد على الأعيان أكثر من المناضلين، ليست سمة خاصة بحزب الأصالة والمعاصرة ، بل إن الكثير من الأحزاب المغربية، ترى في الأعيان طريقة سهلة للفوز في مثل هذه الاستحقاقات الانتخابية". وإن كان منطق الانتخابات المهنية يختلف بشكل كبير عن منطق الجهوية والجماعية وخاصة التشريعية التي يكون فيها منسوب النقاش السياسي مرتفعًا، فإنها تبقى مؤشرًا حقيقيًا على ما يمكن أن يحدث شتنبر القادم، يؤكد أحمد مفيد، أستاذ العلوم السياسية، ومن الوارد جدًا أن يحقق حزب الأصالة والمعاصرة المرتبة الأولى مجددًا في الانتخابات الجماعية كما حصل ذلك عام 2009، وإن كان ذلك غير محسموم تمامًا، حسب قول الباحث. وُيجمل أحمد مفيد أسباب فوز حزب الجرار بالانتخابات المهنية في ثلاثة أسباب: الأول هو تكوينه لكتلة انتخابية تتكوّن من الأعيان من جهة ومن أصحاب الكفاءات من جهة ثانية، خاصة وأنه استقطب نخبًا جديدة لم تمارس العمل السياسي من قبل. الثاني هو اعتماده لسياسة القرب، عبر مختلف مواقع التراب الوطني، إذ يعدّ من الأحزاب القليلة المؤطّرة بشكل جيّد. الثالث هو اعتماده تقنية مهمة كان لها أثر إيجابي، إذ دفع بعض أعضائه إلى الترّشح في لوائح المستقلين وليس لوائحه الخاصة، ممّا يجعل المقاعد المحققة للحزب، أقلّ ممّا ناله من الناحية العملية. غير أن هذا الفوز، يطرح تحديين أساسيين: الأول هو تحدي الفوز في الانتخابات الجماعية القادمة وتأكيد ما حققه عام 2009، والثاني هو تحدي الخروج من جدل المشروعية والتأسيس وما دار عن قربه من دوائر معيّنة في القرار السياسي، وبالتالي أن يثبت للمغاربة أنه حزب عادي كبقية الأحزاب التي تدخل للانتخابات بمشاريع سياسية واضحة، يقول أحمد مفيد لهسبريس. بين المصباح والجرّار ويظهر أن المعارك السياسية والإيديلوجية المستمرة بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة ستجعل من نتائج الانتخابات المهنية مساحة جديدة للصراع، فالقيادي بحزب المصباح، يلخّص أسباب فوز حزب الأصالة والمعاصرة بصدارة الانتخابات المهنية في "الاعتماد على أصحاب المصالح ورجال الأعمال"، مشيرًا إلى أن الأرقام المحققة في هذه الانتخابات لا تحمل دلالة كبيرة، بما أن "الهيئة الانتخابية تبقى محدودة، ويمكن التأثير فيها بواسطة المال والابتزاز السياسي" على حد تعبيره. وأضاف حامي الدين في تصريحات لهسبريس أن الغرف المهنية ليست مجالًا للتنافس السياسي، ولا تؤثر في الاستحقاقات التي تليها، بل هي "صراع لمصالح اقتصادية"، وحتى تأثيرها يبقى ضعيفًا في تكوين مجلس المستشارين، أما التنافس المذكور، فيكون في الانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية، حيث "يصعب جذب المصوّتين بالمال"، وحيث "تنزل كل الأحزاب بثقلها السياسي"، معتبرًا أن حزب العدالة والتنمية حقق الأهم في انتخابات أمس، عندما تمكّن من نيل 196 مقعدا، مقابل 81 في 2009. بينما في الجانب الآخر، يربط القيادي بحزب الجرار، المهدي بنسعيد، بين هذا والفوز وسبين اثنين: الأول هي القاعدة السياسية القوّية التي شكّلت الحزب عند تأسيسه، ثم انفتاحه على طاقات جديدة لم تمارس العمل السياسي من قبل، نافيًا أن يبقي الحزب على النموذج التقليدي للأعيان، فأعضاء الحزب "مناضلون جميعًا، ينضبطون لقراراته، ويؤمنون بتوجهاته، ويضعون مصلحته فوق مصالحهم الشخصية". وفي رده على من يُرجعون قوة حزب الجرار إلى قربه من الدولة، قال بنسعيد لهسبريس إنها "اتهامات لا سند لها وتحاول إخفاء فشل بعض الأحزاب في الوصول إلى نتائج انتخابية مشرّفة". متحدثًا أن من يقول إن المال كان الفيصل في انتخابات المهنيين، عليه أن يلجأ إلى القضاء كي يثبت كلامه، بدل أن يحاول "تبرير خسارته"، فالفيصل على حد قوله هو "تصويت المواطنين في إطار عملية ديمقراطية".