تكتسي نتائج انتخابات الغرف المهنية أهمية كبرى بالنسبة للأحزاب السياسية التي شاركت فيها، نظرا لما تضمنه للفائزين فيها من صلاحيات في تدبير الغرف واللجن التي ستسفر عنها بعيد تشكيل مكاتب الغرف المهنية بمختلف جهات المملكة، كما ستعطي الحق للأحزاب الفائزة للتنافس من أجل الوصول إلى الغرفة الثانية، حيث تم تخصيص الخمسان من مقاعد مجلس المستشارين لممثلي الغرف المهنية والمأجورين والنقابات المهنية الأكثر تمثيلية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، مما يتيح لمرشحي الأحزاب الفائزين التنافس على 48 مقعدا على اعتبار أن المجلس سيتشكل من 120 عضوا، أما بقية أعضاء مجلس المستشارين فسيتم انتخابها من طرف المستشارين الذين ستفرزهم الانتخابات الجماعية والجهوية المزمع تنظيمها في 4 من شهر شتنبر المقبل. من خلال النتائج الشبه نهائية لانتخابات الغرف المهنية التي جرت أطوارها يوم الجمعة 7 غشت، جاء حزب الأصالة والمعاصرة في الصدارة متبوعا بحزب الاستقلال في المرتبة الثانية والأحرار ثالثا والحركة الشعبية رابعا والعدالة التنمية خامسا فيما جاء الاتحاد الاشتراكي في الرتبة السادسة. العودة القوية ل "البام" في قراءة أولية لنتائج انتخابات الغرف المهنية، يتضح أن الأصالة والمعاصرة "البام" استطاع أن يحصل على نفس المرتبة التي تبوأها في انتخابات عام 2009، وذلك قبل هبوب رياح الربيع الديمقراطي في 2011 ، التي غيرت كثيرا في المعادلة الانتخابية المغربية حيث نال حزب العدالة والتنمية "البجيدي" المرتبة الأولى في أول انتخابات تشريعية بعد دستور 2011 الذي فرضته هبة الشارع التي قادتها حركة 20 فبراير. فوز "البام" يجعل من الحزب يعود بقوة لتصدر المشهد الانتخابي المغربي بعد حصوله على نفس الرتبة التي نالها في الانتخابات المهنية لسنة 2009 وذلك بعيد تأسيس الحزب من طرف صديق الملك فؤاد عالي الهمة، مما تسبب في انتقادات واسعة وجهت آنذاك للحزب من طرف خصومه السياسيين، حيث وصف بالوافد الجديد وحزب التحكم وحزب الدولة الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب. ظروف وسياق انتخابات 2009 تختلف عن 2015، خاصة مع الضمانات التي قدمها رئيس الحكومة وزعيم "البجيدي"، عبد الإله بنكيران ، على مستوى ضمانات نزاهة العملية الانتخابية، خاصة بعد أن أٌسندت لرئيس الحكومة المسؤولية المباشرة للإشراف على الانتخابات من طرف الملك، وشكلت الحكومة في هذا السياق لجنة الإشراف على الانتخابات متكونة لأول مرة في تاريخ الانتخابات المغربية من طرف كل من وزارتي الداخلية والعدل، والمعلوم أن الوزارة الأخيرة يشرف عليها رفيق بنكيران في الحزب مصطفى الرميد. الجديد هذه المرة أن الأصالة والمعاصرة، فاز في انتخابات تم إجراؤها تحث إشراف خصمه السياسي العنيد حزب العدالة والتنمية، مما يجعل من انتقادات بنكيران وبعض قيادييه للتشكيك في نزاهة فوز حزب الأعيان والنخب القروية والمهنية الجديدة، غير ذي أهمية كبرى بالنسبة للمتبع للحقل الانتخابي المغربي. من خلال التوزيع المجالي للمناطق التي اكتسحها حزب التراكتور، يتضح ان الحزب لازال يعتمد على نفس الماكينة الانتخابية، التي جلبها فؤاد عالي الهمة قبل مغادرته للحزب والتحاقه بالقصر كمستشار للملك، والتي تتركز في العالم القروي وعلى هامش المدن الكبرى وتحترف ادارة الانتخابات، يضاف إلى هؤلاء الملتحقون الجدد بالحزب الذين يتكونون من نخب جديدة من المهنيين والتجار والمقاولين الصغار والفلاحين، الذين يعتبرون في غالبيتهم أن سياسة حكومة بنكيران قد أضرت بمصالحهم، خصوصا مع تخفيض الميزانية المخصصة للاستثمار ورفع الدعم عن المحروقات مما أنتج وضعية مزرية لغالبية الفلاحين الصغار والمتوسطين، نظرا لغياب إستراتيجية حكومية للتحكم في أسعار المنتجات الفلاحية، مما دفعهم للنزوح نحو "البام" ومعاقبة الحزب القائد للتجربة الحكومية. وهذا يبدو واضحا من خلال حصيلة حزب العدالة والتنمية على مستوى الغرف الفلاحية والخدمات. "البيجدي" يضرب بقوة في معاقله العدالة والتنمية لم يعترف بهزيمته الانتخابية بل اعتبر من خلال بوابته الالكترونية، احتلاله للمرتبة الخامسة، انتصارا وذلك مقارنة بما حصل عليه الحزب في انتخابات 2009. لكن من خلال أرقام عدد المرشحين الذين قدمهم حزب المصباح في 2015، يلاحظ أنه تضاعف مقارنة بالانتخابات السابقة، بالإضافة إلى أن الحزب فتح لوائحه الانتخابية لمجموعة من الكائنات الانتخابية ذات التجربة في المقاولة الانتخابية، وهذا يبدو واضحا من خلال أسماء بعض الفائزين الذين لا تربطهم بالحزب أية علاقة تنظيمية أو فكرية خاصة في العالم القروي. يتبين من خلال الخارطة الانتخابية أن المناطق التي فاز فيها حزب المصباح، هي معاقل الحزب التقليدية التي سبق وحقق فيها الحزب نتائج جيدة في كل مشاركاته الانتخابية منذ 2007، حيث تتميز هذه المدن بتواجد قوي للحركة السلفية التقليدية وجماعة الدعوة والتبليغ السلفية ونشاط وازن لحركة التوحيد والإصلاح الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية، مما يعكس النتائج الجيدة التي حققها الحزب في كل من مراكشوفاس وتطوان وطنجة والرباط والقنيطرة والدار البيضاء.. ماكنات انتخابية حزبية بخصوص حزب الاستقلال، فقد حافظ على نفس الرتبة التي حققها إبان تواجد الحزب في التدبير الحكومي في سنة 2009، مما يطرح تساؤلات كثيرة على جدوى وجود الحزب في معارضة لا تفيده بشيء، مادام أن الحزب يتوفر على ماكينة تنظيمية انتخابية قادرة على تحقيق نفس النتيجة الانتخابية، لكن من خلال خارطة النتائج يبدو أن حزب الميزان سيعاني كثيرا من خصم سياسي اسمه التجمع الوطني الاحرار بجهة فاسمكناس، حيث جاء الأحرار في المرتبة الأولى في قلعة الاستقلال التاريخية، مما يبشر على ما يبدو بانتخابات جماعية، ستحمل الكثير من المفاجئات بجهة فاسمكناس. حزب التجمع الوطني للأحرار حافظ على نفس الموقع الانتخابي، حيث جاء ثالثا، وهذا طبيعي في حزب يميني محافظ راكم تجربة انتخابية على مدى عقود، كجالب للاعيان ورجال الأعمال والباحثين عن السلطة والبرلمان، مما يجعل الحزب لم يتضرر من مشاركته في الحكومة الحالية عكس حزب العدالة والتنمية الذي يتحمل عبء التجربة الحكومية. الحركة الشعبية استطاعت أن تتقدم نسبيا مقارنة بمشاركتها في 2009، كما يبدو من خلال خارطة الفائزين، فالحزب لازال يراهن بشكل كبير على الأعيان والمناطق الامازيغية الأطلسية، حيث حقق فوزا كبيرا بجهة بني ملالأزيلال، مقارنة بتواضع نتائجه في المدن الكبرى. نكسة اليسار بخصوص أحزاب اليسار التي شاركت في الانتخابات المهنية، فقد خسر الاتحاد الاشتراكي رتبته الرابعة التي نالها في 2009 وتراجع للرتبة السادسة، مما يطرح أيضا سؤال جدوى تواجد الحزب في المعارضة، فخلال مشاركته في التدبير الحكومي نال عدد مقاعد اكثر من اليوم وهو في صفوف المعارضة. يبدو أن الانشقاقات التي عرفها الحزب والمشاكل الداخلية التي يتخبط فيها منذ وصول ادريس لشكر لقيادة الحزب ساهمت بشكل كبير في تراجع الحزب على مستوى الغرف المهنية، كما يلاحظ من خلال النتائج المحصل عليها، ان الحزب يعيش مرحلة "البدونة"، حيث نال اغلب المقاعد في العالم القروي، فيما لم يحصل على نتائج طيبة بحواضر المملكة. أحزاب تحالف فيدرالية اليسار التي سبق وقاطعت الانتخابات التشريعية السابقة، لم تحصل في هذه الانتخابات سوى على سبعة مقاعد يتيمة، مسجلة نتائج جد مخيبة للآمال، خصوصا ان نفس التحالف سبق وحقق 18 مقعدا في انتخابات 2009 للغرف المهنية. تراجع فيدرالية اليسار انتخابيا مرده الى ضعف هذه الأحزاب في استقطاب نخب جديدة قادرة على تحقيق الفوز على أرضية المعركة الانتخابية، نظرا لتعقد المساطر الداخلية بهذه الأحزاب بخصوص الترشيحات، بالإضافة الى غياب القوة التنظيمية والرؤية الإستراتيجية لادراة الحملات الانتخابية وضعف الإمكانيات المادية للمرشحين، مما يطرح سؤال الجدوى من المشاركة في انتخابات، لم يراكم فيها التحالف سوى الهزائم منذ مشاركته في انتخابات 2007 البرلمانية الى اليوم. عكس أحزاب اليسار المعارضة، فقد حقق حزب التقدم والاشتراكية تقدما في النتائج المحصل عليها في الانتخابات المهنية مقارنة بمشاركته السابقة، حيث جاء الحزب هذه المرة ثامنا في ترتيب الاحزاب الفائزة متقدما برتبة واحدة على انتخابات 2009. يلاحظ من خلال هذه النتيجة عدم تضرر التقدم والاشتراكية من مشاركته في الحكومة، بالاضافة الى تمرس الحزب على الانتخابات وقدرته على ترشيح مهنين واعيان قادرين على جلب المقاعد في مختلف الغرف للحزب، وكما الاتحاد الاشتراكي يلاحظ حصول الحزب على غالبية مقاعده بالمناطق القروية وانكماش على مستوى المدن