كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أكبر الخاسرين في انتخابات 7 شتنبر 2007، مما دفع الاتحاديين إلى خوض نقاش سياسي حاد، انطلق من محاولة تحديد أسباب الخسارة، أو بالأحرى أسباب المسار التراجعي الذي انطلق منذ قيادة الحزب لحكومة “التناوب التوافقي”؛ فبعد حصول الحزب على 57 مقعدا في الانتخابات التشريعية المباشرة لسنة 199 تراجع إلى 50 مقعدا في 2002، ثم 38 مقعدا في 2007. ولم تنحصر مظاهر التراجع في عدد المقاعد بل كان من اللافت للنظر في الانتخابات التشريعية الأخيرة فشل عدد من الرموز السياسية للاتحاد الاشتراكي في الفوز بمقعد في مجلس النواب، كما أن أكثر الناجحين أعيان لا تربطهم علاقة تاريخية أو إيديولوجية بالحزب. حاول بعض الاتحاديين اختزال أسباب التراجع في بعض العوامل؛ من أهمها الفساد المالي المهول الذي عرفته انتخابات 7 شتنبر 2007، وأيضا الحضور القوي لحزب العدالة والتنمية في الدوائر الحضرية التي كانت تشكل معقلا للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلا أن اتحاديين آخرين، ومعهم بعض المتتبعين للشأن الحزبي، فسروا التراجع بما أصبح يتخبط فيه الاتحاد من مشاكل تنظيمية وسياسية، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر: عدم التمييز بين أدوار الحزب والمسؤولية الحكومية، وضعف العمل المحلي للحزب، وضعف منظماته الجماهيرية.. وكانت أفضل مساءلة للذات الحزبية في تفاعلها مع الانتخابات ومع العمل السياسي بصفة عامة ما تضمنه تقرير لجنة تقييم انتخابات 7 شتنبر 2007، الذي تم تقديمه إلى المجلس الوطني للحزب، في دورته التاسعة، بتاريخ 11 يناير 2008. لقد وقف معدو التقرير على اختلالات خطيرة يرتبط فيها التنظيمي بالسياسي، وترهن مستقبل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.ومن هذه الاختلالات: غياب تصور استراتيجي متكامل للانتقال الديمقراطي، وغياب وضوح لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين المؤسسة الملكية ومختلف المؤسسات، وتماهي الحزب مع الحكومة، والانغماس في التدبير "التقنو- إداري" على حساب السياسي، والدخول في تحالفات غير طبيعية، وتغييب البعد السياسي داخل الأجهزة الحزبية، وغياب الانفتاح التنظيمي على الجماهير الشعبية وقواه الحية، وضعف الديمقراطية الداخلية.... ومن أجل احتواء الأزمة التي انطلقت، أو بالأحرى استفحلت، مع الإعلان عن نتائج انتخابات 7 شتنبر 2007 أقدم الاتحاديون على بعض الخطوات العملية المحدودة، من مثل استقالة الكاتب الأول محمد اليازغي، وانتخاب عبد الواحد الراضي. وأطلقوا في المقابل العنان لخطاب سياسي، فيه الكثير من الإغراء، لكن فيه أيضا الكثير من التوريط في حالة عدم الوفاء به. فقد ارتفعت أصوات تنادي بعدم المشاركة في الحكومة، وكان رد محمد اليازغي قويا في هذا الصدد إذ اعتبر أن مسألة المشاركة هي مسألة حياة أو موت . وارتفعت أصوات تنادي بإصلاحات دستورية، ليتم في هذا الصدد، وتحت ضغط هاجس انتخابات 2009، تقديم مذكرة إلى الملك بشكل انفرادي. وبلغ الخطاب السياسي للاتحاديين أوجه حين أحيوا في بيان مؤتمرهم الثامن ذلك المطلب الذي سبق أن طالب به الحزب في مؤتمره الثالث سنة 1978. إنه مطلب الملكية البرلمانية، إلا أن ذلك المطلب رغم أهميته لم يحظ بنقاش جدي ومسؤول، مما يؤكد الاستعمال "التكتيكي" لمقولة الملكية البرلمانية من أجل احتواء الأزمة ليس إلا. لقد كان من المنتظر أن يدفع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في اتجاه إصلاحات سياسية ودستورية عميقة، ليس فقط استجابة لنداءات بعض مناضليه، وليس فقط تفاعلا مع مطالب الشعب وقواه الحية، ولكن أيضا لتجاوز الكثير من مشاكله التنظيمية. فالدرس الذي لا تريد أن تستوعبه بعض الأحزاب المغربية بعد، ومنها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو أن الأفق السياسي المحدود يمثل العدو الأول للفاعلية التنظيمية. لم يدفع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في اتجاه إصلاحات سياسية ودستورية عميقة، بل وعلى العكس من ذلك، أصبحت تشكل بعض تصوراته وممارساته التفافا على تلك الإصلاحات لصالح مقاربات تنظيمية وتقنية تهم بالأساس الإطار القانوني والتنظيمي للانتخابات وقانون الأحزاب. فإذا أخذنا على سبيل المثال لا الحصر، الورقة التي قدمها إدريس لشكر في اليوم الدراسي المخصص للإصلاحات السياسية والانتخابية، الذي نظمه الحزب بتاريخ 4 دجنبر2010 نلاحظ ما يلي: - استغراق الحديث عن الإصلاحات الانتخابية لأربعة أخماس الورقة، وتخصيص الخمس الأخير فقط للحديث، بشكل عام وفضفاض، عن باقي الإصلاحات السياسية(قانون الأحزاب، الجهوية...). أما الإصلاحات الدستورية فلم تتم الإشارة إليها إلا في خاتمة الورقة. - رغم التأكيد على أن نمط الاقتراع اللائحي لم يحقق المتوخى منه، ورغم التأكيد على أهمية الاقتراع الأحادي الاسمي في دورتين، فإن ذلك لم يمنع من الدعوة إلى تأجيل تغيير نمط الاقتراع إلى الانتخابات الجماعية لسنة 2015، دون شرح دواعي هذا التأجيل. - التركيز على اقتراح مجموعة من التغييرات التقنية في مدونة الانتخابات. هذه التغييرات المقترحة، وإن كانت متأخرة، لا يمكن الاختلاف عن أهمية بعضها من مثل ضرورة اعتماد البطاقة الوطنية عند التسجيل في اللوائح الانتخابية وعند التصويت، إلا أنه لا يمكن الرهان عليها وحدها لتحقيق انتخابات تنافسية. كما أن بعضها يثير إشكالا، إما دستوريا أو واقعيا، من مثل عدم قبول لوائح الترشيح التي تضم أكثر من مرشحين ينتميان إلى نفس الأسرة، فبالإضافة إلى التساؤل عن مدى دستورية هذا المنع، فإن ذلك الأمر لا يشكل بالفعل ظاهرة تستوجب التقنين. وإذا كان من المحمود "توسيع منع الحملات الانتخابية يوم الاقتراع حتى ولو كانت على شكل إلكتروني بواسطة الرسائل الإلكترونية أو الرسائل الهاتفية كيفما كان نوعها، أو بواسطة الشبكات الاجتماعية أو التجارية العنكبوتية"، فإن السؤال الذي لم يجب عليه السيد لشكر هو كيف يمكن تحقيق ذلك في الواقع. وهل تحقيق ذلك ممكن أصلا. وإذا كان تحديد معدل معين لإحداث مكاتب التصويت يجد وجاهته في تمكين الهيئات السياسية والمرشحين من مراقبتها فإنه قد يسهم في ضعف المشاركة، التي تعد الهاجس الأكبر في انتخابات 2012. لا شك أن تلك الورقة لا تشكل إلا أرضية أولية للتأمل والنقاش، لكن مجرد تقديمها من قبل إدريس لشكر، وتكرار ما جاء فيها على لسان عبد الواحد الراضي في افتتاح المجلس الوطني للحزب بتاريخ 26 دجنبر2010 يحمل الكثير من الدلالات، ولعل هذا ما يفسر ردود الفعل الغاضبة من قبل بعض المناضلين الاتحاديين.