بمثابة النظام الأساسي للقضاة صاغ المفكر السياسي الفرنسي مونتيسكيو مفهوم فصل السلط، أحد مبادِئ الديمقراطية. إنه نموذج للحكم الديمقراطى للدول، حيث تم تأسيس أول نموذج له من قبل الرومان القدماء ثم دخل حيز الاستخدام الواسع النطاق في الجزء الأول من عهود الجمهورية الرومانية. تكون الدولة في إطار هذا النموذج، مقسمة إلى فروع أو سلطات، كل سلطة منفصلة ومستقلة في صلاحيات ومجالات المسؤولية. حيث إعتيد تقسيم السلطات إلى السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية والسلطة القضائية. هاته الاخيرة متمثلة في القضاء وفصل النزاعات بين الناس أو المؤسسات1 وتعد أبرز ركائز مأسسة دولة الحق و القانون. هنا لا بد من الإشارة أن الجمعية البرلمانية للأمم المتحدة، إعتبرت فصل السلط من الأهداف التي دعت لتشكيل الجمعية البرلمانية للأمم المتحدة (UNPA). يوضح بهذا الخصوص السيناتور الكندي دوغلاس روتشي إلى أن العولمة تميل نحو تعزيز السلطة التنفيذية مقابل تهميش السلطتين التشريعية و التنفيذية. إن رغبة تهميش السلطة القضائية في المغرب، يستقرؤها المتمعن من قراءة مسودة مشروع القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة، وتتجلى فيما يأتي: محاولة السيطرة على الجمعية العامة للمحاكم كالية تدبير تشاركي. تعويض التدخل في القضاء من قبل وزير العدل عبر الية الانتداب، إلى تدخله تحت ستار الرؤساء الاولين الذين يعينهم و الوكلاء العامين الذين يعينهم و يقيم أداءهم 2. تعيين جميع الملحقين القضائيين في النيابة العامة، لتطبيع القضاة الناشئين على تلقي التعليمات3. تكريس الترقية بإعتبارها امتياز و الحرمان منها كعقوبة و الرفع من سن التقاعد بطريقة تخالف قواعد المنطق و الحقوق المكتسبة و الوضعية الصحية للقاضيات و القضاة بالمحاكم. التضييق على العمل الجمعوي و حق الاضراب في مخالفة صريحة للدستور و القوانين الكونية. التضييق من حقوق القضاة في رخص المرض و التغيب السنوية و غير السنوية. توسيع دائرة الأخطاء الجسيمة بشكل يهدد سير المرفق العمومي بجعل الخطأ المسطري من موجبات التوقيف، دون تدقيق كيفية استنباط العمد من عدمه. التوسع في تفسير مفهوم واجب التحفظ و التضييق على حق التعبير لإعادة حقبة تربية القضاة على الصمت. الإلزام بالإقامة داخل الدائرة الاستئنافية دون التزام بتوفير السكن اللائق مع ما سيترتب عنه من أثار وخيمة على الاستقرار الأسري و الاجتماعي للعديد من القضاة. الحرمان من الضمانات التأديبية و أساسا الحق في الطعن أمام مجلس الدولة تكريسا للممارسات غير الفضلى المسجلة حاليا التي أثارت احتجاجات القضاة 4. عدم إعتماد الانتخاب و المباراة كالية اختيار أساسية في تدبير مرفق القضاء5. لكل هذه الأسباب و غيرها أعتقد صادقا أن أمل المواطنين في إصلاح مؤسساتي حقيقي يبقى مرتبطا ب: اﺳﺘقلاﻝ ﺍﻟﻨﻴﺎﺑﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻋﻦ ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻟﻌﺪﻝ؛ إﻟﻐﺎﺀ ﺳﻠﻂﺔ ﺍلإﻧﺘﺪﺍﺏ ﺍﻟﻤﻘﺮﺭة ﻟﻠﻤﺴﺆﻭﻟﻴﻦ ﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ؛ ﺗﻔﻌﻴﻞ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌامة ﻓﻲ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺑﻂﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﺼﻮﻳﺖ و ﻟﻴﺲ ﺍﻟﺘﻌيين ﺍﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ؛ إعتماد الإنتخاب في إختيار القضاة الثلاثة الكبار و المباراة في إختيارالمسؤولين القضائيين؛ اقرار حق الطعن في المقررات التاديبية و احداث مجلس الدولة6؛ تمتيع القاضيات و القضاة بحقوقهم الدستورية كاملة و عدم المس بحقوقهم المكتسبة؛ تغيير مقاربة التعامل مع اعضاء السلطة القضائية كعمال و موظفين إلى اعضاء سلطة دستورية محاسبة امام الله و الملك و الشعب؛ إقرار مبدا الاستقلالية عن المال و السياسة و هوى النفس كمبدأ اساسي في التعاطي مع الشان القضائي؛ أملي كبير ان يتحلى نواب الامة ببعد نظر و يتجردوا من ذواتهم الحزبية و الحسابات الضيقة الشخصية و ان يراعوا لا مصالح القضاة و لكن مصالح الوطن و التي تتجلى في التمكين لقضاء مستقل شرعي مؤهل ماديا و بشريا لا يخضع لسلطة وزير و لا سياسي و لكن للقانون و ضميره. أمل ايضا ان تأخير التصويت على مشروع القانون التنظيمي أعلاه من يوم الاثنين 29 يونيو2015 الى اجل غير مسمى هو بهدف الاستجابة لمطالب نادي قضاة المغرب المتكاملة. طبعا اؤمن كذلك بان "ماحك جلدك سوى ظفرك" و ان ما سيتخذه القضاة و القاضيات من اشكال احتجاجية للدفاع عن مصالح المواطن في قضاء مستقل عن سلطة السياسة و المال كفيل بإحداث التوازن الضروري لدينامية تشريع القاعدة القانونية . 1 - منشور على موقع ويكبيديا : https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D8%B5%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%AA 2 - selon la décision de la cour de Strasbourg en date du 13 aout 1993 le droit de mener une vie familiale normale qui trouve sa source selon le conseil constitutionnel dans le 10 alinéa du préambule de la constitution de 1946 en s'inspirant directement de la cour de Strasbourg – décision n° 93-325 D c du 13 aout 1993 , Recueil, p.224. 3 - Dans l'arrêt des raffineries grecques Stran et Stratis Andreadis/ Grèce (CEDH, 9 déc.1994, série A301) la cour européenne des droits de l'homme a jugé que le pouvoir législatif ne doit pas s'ingérer. 4 - هشام العماري، ملاحظات حول مشروع النظام اﻷساسي للقضاة رقم 106-13، 10 نقط مضيئة و 10 نقط مظلمة، 5 - Voir à titre d'exemple les dispositions de nomination du médiateur européen qui se fait à travers un appel à des candidatures qui doivent être soutenues par un minimum de quarante députés ressortissants d'au moins deux états membres. La commission parlementaire compétente peut organiser des auditions des candidats auxquels tous les députés peuvent assister. Le vote a lieu en séance plénière au scrutin secret. Si aucun candidat n'est élu au terme des deux premiers tours, seuls peuvent se maintenir les deux candidats ayant obtenu le plus grand nombre de suffrages au deuxième tour. Dans tous les cas d'égalité des voix le candidat le plus âgé l'emporte (règlement intérieur du parlement européen du 24 mars 2011, JOUE n° L116, 5 mai, art.204, V. procès-verbal de la séance du 3 juillet 2013 ; voir aussi décision. N° 2013/377/UE du parlement européen du 3 juill. 2013 portant élection du médiateur européen, JOUE, n° L193, 16 juill.2013. 6 - le principe du respect du droits de la défense qui résulte de l'article 16 de la déclaration de 1789 implique l'existence d'une procédure juste et équitable garantissant les droits de défense – décision n°89-260 DC du 28 juillet 1989, Recueil, page 71.