تتسارع الأخبار حول أعلى المعدلات التي يحصل عليها التلاميذ في شواهد البكالوريا. تأتي أخبار من أكادير بأن المعدل الأكبر هو 19.13، وبعد ساعات يأتي معدّل من الجديدة وصل إلى 19.46، ثم نتعرّف على معدل آخر من صفرو وصل إلى 19.41، ونكتشف معدلًا آخر مرتفع بمدينة طنجة هو 19.02. تتكرّر الأرقام الكبيرة، وخلفها الكثير من الإشادة بمستوى التلاميذ المغاربة واجتهادهم في سبيل تحصيل نقاط مشرّفة. غير أن هذا التسابق في إعلان المعدلات الكبرى، ومعه حجم التنافس الذي صار يطبع الفضاء التعليمي في سبيل تحصيلها، قد يطرح بعض الإشكالات التربوية وجدلًا حول وقع التسابق نحو المقدمة على نفسية التلاميذ، خاصة منهم من لم ينجحوا في الحصول على نتائج متفوقة، واكتفوا بميزة مقبول في شواهدهم، بينما يتذكر المغاربة كيف كان مجرّد الحصول على البكالوريا، بأيّ ميزة كانت، شرفًا يسعد الأسرة والعائلة لسنوات، وحدثًا يرفع مكانة التلميذ في حيّه ومدينته. ويزداد النقاش حدة مع استمرار فتح أبواب المدارس والمعاهد العليا وبعض الشعب في الجامعة أمام المتفوقين فقط، بينما تتقلص الاختيارات عند أصحاب ميزة "مقبول" وحتى "مستحسن"، ليقبل هؤلاء في الكثير من الأحيان على تخصصات جامعية لمجرّد الدراسة دون أن تعبّر عن طموحاتهم، وهناك منهم من يوقف مساره الجامعي اعتقادًا منه أن لن يمكّنه من مستقبل مهني مضمون. يشير الباحث في علوم التربية، رشيد جرموني، إلى أن "النظام التعليمي المغربي صار يتخبط في مجموعة من الأعطاب البنيوية، منها تقزيم العملية التربوية وحصرها في النقط العالية. وهي الظاهرة التي انتشرت في الأوساط الأسرية منذ سنوات قبل أن يزكيها الإعلام مؤخرًا"، معتبرًا أن النقط لا تعكس على الدوام حقيقة مستوى التلاميذ، فأحيانًا تكون ظروف معيّنة وراء عدم حصول التلميذ على نقطة مرتفعة. ويزيد جرموني في تصريحاته لهسبريس أن هناك الكثير من المؤسسات الخصوصية التي تحاول "الترويج لاسمها باستغلال النقاط المرتفعة لتلامذتها، رغم أن بعض هذه النقط يتم النفخ فيها باستعمال آلية المراقبة المستمرة"، لافتًا في جانب آخر إلى أن السهولة تعمّ بعض مواد الامتحان، عكس ما كان عليه الأمر سابقًا. ويتابع جرموني أن حصول تلميذة على 19 في النتيجة النهائية يخفي وراءه مستوى متوسط أم متدنٍ لمجموعة من التلاميذ: "في السابق كانت مستويات التلاميذ جد متقاربة، إلّا أننا اليوم نرى كيف نصنع نخبة متفوقة في نتائجها، مقابل أغلبية حاصلة على ميزة مقبول أو لم تحصل على البكالوريا أصلًا"، مناديًا بضرورة التفكير في طرق جديدة للتقييم، بدل الاعتماد بنسبة كبيرة على الاختبارات المكتوبة، مقترحًا المقابلات الشفوية كتدعيم للامتحان، بما أنها تتيح التعرّف على قدرات التلميذ بشكل أكبر. ويظهر أن إشكالية تأثير النقط العالية على ولوج مؤسسات التعليم العالي ستحتد في السنوات المقبلة، وذلك بعد إعلان جميلة المصلي، الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي، عن توجه الوزارة إلى إلغاء امتحانات ولوج هذه المؤسسات، والاكتفاء بانتقاء التلاميذ عن طريق النقط العالية المحصل عليها في البكالوريا، ممّا سيزيد من الضغط على التلاميذ. ويربط مصطفى تاج، رئيس الشبيبة المدرسة، تنامي هذه الظاهرة بالشروط التي تضعها المدارس والمعاهد العليا أمام التلاميذ بضرورة الحصول على أعلى المعدلات لاجتياز مبارياتها، زيادة على ربط التعليم بسوق الشغل، إذ صار الهدف من الحصول على البكالوريا هو ولوج المؤسسات التي تضمن التخصص في مهن لديها مستقبل بالمغرب، وما يترتب عن ذلك من خوف الأسر من النقط المتوسطة كنتيجة منتظرة للبطالة. ويزيد تاج في تصريحات لهسبريس أن التنافس بين التلاميذ في إطار التحصيل الدراسي يجب ألّا يتوقف عند حدود النقاط العالية، بل يجب أن تفكر الدولة في طرق أخرى للتنافس بينهم تبيّن قدراتهم ومؤهلاتهم عوض الاعتماد الكلي على نتائج النقاط، مبرزًا أن الواقع يشهد تخرّج الكثير من التلاميذ بمعدلات متوسطة أو حتى عدم تخرّجهم من الأصل، إلّا أن ذلك لم يمنعهم من شأن عظيم في مستقبلهم، أحيانًا أفضل حتى من أصحاب الميزات العالية.