أعلنت الكاتبة الفلسطينية، نجوى شمعون، في أكثر من منبر عربي عن انسحابها من المشروع الأدبي المشترك مع الكاتبة المغربية المقيمة في فرنسا، فريدة العاطفي، الموسوم بعنوان "ورد وقنابل"، والذي يضم رسائلهما الإبداعية خلال فترة الحرب الأخيرة على غزة. العاطفي ردت على انسحاب الشاعرة الفلسطينية، من خلال مقال ورد إلى هسبريس، تحدثت فيه عن تجربتها مع شمعون، وعن المشروع الأدبي الذي قالت إنها قامت بأكبر الجهد لإنجاز الكتاب، قبل أن تخلص إلى أن "الكتابة أخلاقيات، والكاتب أخلاق"، منتقدة "استغلال فلسطينيين تعاطف آخرين مع قضاياهم". وهذا نص مقال فريدة العاطفي: حين يستغل البعض تعاطفنا مع قضاياهم جمعتني تجربة كتابة مشتركة عن الحرب في غزة مع كاتبة فلسطينية اسمها "نجوى شمعون". وحين وصلنا إلى مرحلة النشر، قرّرَتْ بشكل منفرد أن توقف العمل، لأقرأ الخبر كغيري على الإنترنت بعدما نشرَته وعمّمَته. هذا النوع من السلوكات يتطلب توقفا عند أخلاقيات الكتابة المشتركة، وغوصا في نفسية بعض الذين يأتون إلينا عبر مواقع التواصل الاجتماعي مرتدين ثوب الضحية مستدرِّين التعاطف معهم. أقول أولاً: إن 90 في المائة من الجهد المبذول لإنجاز الكتاب أنا من قمت به. إضافة لردّي على رسائل نجوى شمعون، وتصميمي للكتاب، واختياري للعنوان. كتبت فصولا عاشقة تحدثت فيها عن أهمية تجديد الوسائل الثقافية والتعبيرية للتضامن مع القضية الفلسطينية، منها كتابة تاريخ منجز من الضحية والمتعاطف معها مضاد لما ستكتبه إسرائيل مستقبلا. لأنهي بخاتمة فيها دعوة للأمل والبناء مستلهمة تجربة الفلسطيني عز الدين أبو العيش في كتابه "لن نكره"، وباليهود أنفسهم الذين حولوا تاريخهم مع هتلر إلى مصدر قوة. كما أشرفتُ على رسائل نجوى شمعون، أفرزت منها ما يصلح للنشر وما لا يصلح، وطعمتها أحيانا بمقاطع من دردشاتنا. وكنت أوجّه كاتبتها في معظم الخطوات، لأنها تكتب بطريقة تجريدية تنشغل باللغة وتهمل أحداث الواقع. حتى ما نشر من هذه الرسائل في مجلة أوراق الفلسطينية أثناء الحرب، أنا من اخترته، ونقحته، وبعثته. ولم يحصل بيننا أي نوع من الخلاف كما ادّعت، باستثناء حدث افتعلتْهُ دقائق قبل نشرها لمقالها على الإنترنت، المقال التي حاولت أن تتملص فيه من مشروعنا، أو بالأحرى مني لتستأثر بالعمل دوني. ومن حسن الحظ أنّي تعلمت من تجربتي في الغرب أن أحتفظ بأثر كل عمل أقوم به، فاحتفظت على مدار العام وبالتدرج والتوثيق بكل الإيميلات التي تؤكّد عملي وسجلتها كحقوق ملكية فكرية في المؤسسات المعنية بفرنسا. ولم أسلمها النسخة النهائية للعمل. ومن ثمّ، لم يعد من حقّها أن تستعمل عنوان الكتاب، أو تصميمه وكل ما له علاقة بمجهوداتي بما فيها اشتغالي على كتابتها. لها الحق فقط أن تستعمل كتابتها في صيغتها الأولى، وإن حدث العكس سألاحقها قانونيا. بدأت قصة هذا الكتاب حين بادرتني هذه الإنسانة برسائل حرب كلها استجداء وبحث عن التضامن، وحين لم أردّ عليها في البداية، قالت أنني أهملتُها، فتعاملتُ معها بقدر كبير من الرقي والتعاطف والنبل. حتى أنه حين عبّر بعض الأصدقاء المغاربة عن رغبتهم في ترجمة الكتاب إلى لغات أخرى تضامنا مع غزة، فكّرتُ أن أتنازل لها عن حقوق الترجمة. وكنت أنا من سيتحمل التكاليف المادية للنشر بشهادة الروائي الفلسطيني الكبير يحيى يخلف الذي أوجّه له تحية شكر وامتنان لمساندته لمشروع هذا الكتاب. وإذا كنت قد قبلت أن أدخل في علاقة غير متكافئة العطاء، بمنطقها البرغماتي، فذلك فقط اقتناعا مني بضرورة أن ننخرط جميعا، كل من موقعه، في النضال من أجل فلسطين. لكن للأسف بينما كنت مشغولة بالتفكير في كيفية استثمار هذا الكتاب والتنسيق مع جمعيات عربية في المهجر للقيام بمعارض وندوات وأنشطة تضامنية مع أطفال غزة، كانت نجوى شمعون منشغلة بكيفية استغلال تعاطفي مع قضيتها. فانتظرَتْ حتى انتهيتُ من الكتاب، وقامت بحركة مسرحية تسمى في التحليل النفسي "بقلب الأدوار" وكتبَتْ مقالا ملمّحة فيه إلى أشياء لا وجود لها في محاولة للركوب على مجهوداتي والاستفراد بالكتاب لنفسها، وقد تعمّدَتْ أن تنشر الخبر على الإنترنت للاستفادة من الشوشرة التي خلقتها للترويج لاسمها على حسابي. أقول أيضا أن الكتابة أخلاقيات والكاتب أخلاق. وحين يرغب كاتب أن يدخل في تجربة كتابة مشتركة مع كاتب آخر عليه أن يتحلّى بالاحترام والمسؤولية في العلاقة بالآخر مع الوعي بقواعد وأصول الكتابة المشتركة .من حق أي طرف أن ينسحب، ولكن حين ينتظر حتى يصبح الكتاب مكتمل الفصول متماسك البناء جاهزا للنشر ليعلن عن انسحابه يكون الأمر مشبوها ويعبر عن انتهازية كبيرة. كما أن الإنهاء يكون عادة بالاتفاق بشكل ودّي ومباشر وليس باتخاذ قرارات منفردة والتعبير عنها على الإنترنت. موقف كهذا يعبّر عن افتقار مؤلم لاحترام الآخر وجهل فاضح بقواعد وأصول الكتابة المشتركة. ومن حسن الحظ أن هذا النوع من السلوكات غير منتشر في الأوساط الثقافية العربية وإلا لما وثق الكُتاب في بعضهم البعض، ولما أثمرت هذه الثقة والكرم في العطاء والتفاعل الخلّاق كتابات مشتركة ناجحة عرفها أدبنا العربي الحديث منذ عالم بلا خرائط لجبرا ابراهيم جبرا وعبد الرحمان منيف وجواشن قاسم حداد وأمين صالح وأسرار مراكش المعلنة لياسين عدنان وسعد سرحان إلى مراسلات محمود درويش وسميح قاسم، وأيضا محمد برادة ومحمود شكري على سبيل المثال لا الحصر. وإذا كان لي أن أبعث برسالة أخيرة إلى نجوى شمعون فلتكن كالتالي: أنا وكثيرون مثلي ممّن يؤمنون بعدالة القضية الفلسطينية، سنظل ندافع عنها بحب كبير واستعداد أكبر للعطاء، لا نملك سوى إمكانيات صغيرة وصدق قلوبنا التي قد يفكر البعض في استغلالها، لكن ذلك لن يفُت من عضدنا، بقدر ما سيعلّمنا الحذر والنضج للدفاع بشراسة أكبر عن هذه القضية إلى جانب الفلسطينيين الشرفاء ضدّا على إسرائيل ومن يؤذي فلسطين حتى ولو كان من أبنائها.