الكاتب الفلسطيني زياد جيوسي ل: العرب اليوم المثقف الفلسطيني مُغيب في ظل ازدهار الحركة الثقافية في رام الله الكاتب والمصور والناقد السينمائي زياد جيوسي, عاشق لمدينتي عمان ورام الله, يحمل كلتيهما في عيونه أينما ارتحل, يلجأ إلى شوارعهما وبيوتهما القديمة ليحتفظ ويخزن في ذاكرته أماكن ومشاعر حنين آخذة بالاختفاء جراء الزحف العمراني وتغير أساليب الحياة الاجتماعية بين البشر, فحين يكتب مقالته يدرج عينه وعدسته لتشهد بمصداقية حروفه. استضافته "العرب اليوم" على هامش توقيع كتابه الأول "فضاءات قزح" وكان هذا الحوار. - لتكن البداية من كتابك "فضاءات قزح" وهو نتاج أحد عشر عاما من الحصار والعصف الذهني, فكيف وجدت ردود الفعل الثقافية والفنية حوله? - مجموعة مقالات معظمها نشر خلال السنوات الماضية في الفترة ما بين 2004 وحتى الآن, وذلك سواء في موقعي الشخصي أو موقع كتاب الانترنت العرب, بوجود الثورة الرقمية والشبكة العنكبوتية. أشير إلى ان مدونتي التي تبلغ من العمر سنتين ونصف, عدد زوارها تجاوز المئتين وثمانين ألف زائر, وغالبيتهم ليسوا من رواد المدونات, وحجم ردود الأفعال على المقالات كانت ايجابية جدا, وبالتالي عندما نشر الخبر عن الكتاب, كان حجم التعليقات والتبريكات في غالبيتها من كتاب معروفين على المستوى العربي. على المستوى النقدي, إضافة للذي قدمه احمد أبو صبيح في حفل توقيع الكتاب, قراءة نقدية للكتاب وهناك أكثر من مقال نقدي ايجابي حول "فضاءات قزح" وخصوصا ان الكتاب تناول بعض الموضوعات التي تتجاوز بعض الخطوط الحمر, عملية التركيز على ما هو غير معروف ومألوف وهو الجانب الفلسطيني, إذ ان مشكلة الكاتب, والمخرج والمسرحي والموسيقي الفلسطيني, ان نشاطه محصور في الداخل. وخصوصا أننا الان في فلسطين ثلاثة أقسام, الضفة الغربية, قطاع غزة و فلسطين الداخل ال ̄ .48 كل له معاناته في الخارج, هناك الكثير غير المعروفين في الخارج, لذا ركزت على الجانب الفلسطيني في الداخل, لنشر الكاتب في الخارج, من خلال تقديم القراءات النقدية لأكثر من خمسين فيلما فلسطينيا, وأنا في الحقيقة لم اكتب بشكل متخصص قراءة نقدية, لأي أفلام أخرى سوى الفيلم الفلسطيني. وهذه المسألة أثارت ردود فعل ايجابية عند الكتاب والنقاد, أطلعتهم على جانب مجهول. وبالتالي هذه الفضاءات حلقت بهم إلى الواقع الفلسطيني الداخلي. - عن ماذا يبحث زياد الجيوسي في عالم التصوير الفوتوغرافي ? - رافقني القلم والكاميرا منذ الطفولة, لكن حقيقة رافقني القلم بداية وذلك لأنني لم أكن املك آنذاك ثمن الكاميرا, بينما القلم موجود معنا منذ أيام الدراسة. واحتفظ بالعديد من الصور التي التقطتها منذ صغري, وباستخدام كاميرات بدائية, لمناطق بعمان ورام الله. وحتى الصور الخاصة بالأسرة, وحافظت على هذه الهواية إلى جانب نظيرتها الكتابة, وأؤمن بان العدسة الفوتوغرافية تنقل اللحظة بإحساسها وجمالها وما تعبر عنه, وهذا ما أشير إليه دائما في كتاباتي النقدية عن المعارض الفوتوغرافية التي ازورها. الفارق ما بين المصور والفنان الفوتوغرافي, ان الأخير يضع روحه في اللقطة بينما المصور الفوتوغرافي يضع إبداعه التقني باللقطة. واذكر حادثة قديمة, حين كنت طالبا في بداية السبعينيات في بغداد رافقتني الكاميرا باستمرار, وفي أحد الشوارع وفجأة اشتعلت إحدى الأشجار القديمة واذكر أنها نخلة بسبب الجفاف, من حرارة الجو وقمت بتصويرها, ولم تمر لحظات حتى قام الدفاع المدني بإطفائها, وعند حضور الصحافيين عرضوا علي شراء الفيلم, وفعلا كانت المرة الأولى للحصول على دخل مادي من وراء التصوير. - أقمت معرض صور فوتوغرافي لمدينة رام الله بمناسبة مئويتها عام ,2008 فما هو سر ارتباطك بهذه المدينة? - حين عدت إلى رام الله عام 1997 وهي المدينة التي درست فيها الأربع سنوات الأولى في المرحلة الابتدائية, وأنا اعشقها, واسميها في كتاباتي "مدينة العشق والفنون" كما اسمي عمان " عمان الهوا". عندما رجعت إلى رام الله, وجدت الكثير من المباني التي خزنتها ذاكرتي مهدمة, ومنها التي اختفت بهدف التطور الحديث وبناء الأسواق التجارية, بدأت بعملية توثيق ما تبقى في رام الله من خلال الكاميرا, وعندما بدأت اكتب سلسلة مقالات " صباحكم أجمل" مزجت فيها معاناتي داخل رام وأرفقت الصور للمباني القديمة والتراثية الموجودة في رام الله لتترافق مع المقال الذي اكتبه. وبعد حصولي على الحرية ومغادرتي رام الله, وصلت إلى عمان 30/3/2008 وكان أول مقال لي في عمان بعنوان "قهوة في روابي عمان" وأرفقت صورة لعمان من نافذتي وأصبحت الصورة كذلك وسيلة تعبيرية. وأقمت في مركز رؤى معرضا للصور الفوتوغرافية بعنوان "صباحكم أجمل رام الله ". واعمل الان على إقامة معرضي الثاني وسيكون في رام الله بعنوان "صباحكم أجمل عمان" بحضور السفير الأردني في رام الله وذلك بعد شهر رمضان, في مركز خليل السكاكيني. -ما رأيك بالمستوى الثقافي في مدينة رام الله? - تميز الوضع الثقافي في مدينة رام الله عن باقي المدن الفلسطينية والضفة الغربية, في ظل الانتفاضة الأولى والاحتلال, حيث كانت تعاني الثقافة من مجموعة كبيرة من الضغوط التي وصلت حتى المكتبات العامة, إذ كان الاسرائيليون يستقصدون الإغارة على المكتبات لضمان عدم وجود أي كتب مخالفة, ناهيك عن منع تمرير أي كتب عبر الحدود, لكن في مدينة رام الله منذ عودة السلطة الفلسطينية بدأت الحركة الثقافية بشكل كبير بوجود : المركز الفني الشعبي, المركز الثقافي الفرنسي والألماني, مركز خليل السكاكيني الثقافي, مسرح عشتار, مسرح وسينما القصبة, مؤسسة عبد المحسن القطان, وقصر الثقافة الذي تأسس بدعم ياباني, وبالتالي هناك نشاط فني وثقافي وسينمائي شبه يومي في رام الله. لكن المشكلة انه في ظل نمو الثقافة وزيادة حركتها, ما زال المثقف غائبا, عن دوره في الوضع العام والوضع السياسي بعمومه. إذ في ظل الصراع السياسي والتركيز على الشأن الداخلي, لايوجد لهم دور كرافعة لعملية الوعي والتوجيه في أوساط الشعب. - "أطياف متمردة" متنفذ لكتاباتك ومقالاتك التي نشرت ولم تنشر, ما رأيك بقضية النشر الالكتروني ومدى مساهمتها بالتعريف بالكاتب, بعيدا عن صفحات الورق? - اسم "أطياف متمردة" هو حقيقة اسم كتاب لي لم ينشر بعد, وهو جاهز تقريبا للنشر ومكون من ثلاثة أجزاء, كتبته عبر سنوات طوال من منتصف السبعينيات في القرن الماضي, مجموعة من المقالات المشابهة للخاطرة, ما بين المقال والخاطرة, أخاطب بها الطيف البعيد والحلم والمرأة التي تتجسد في الوطن والوطن الذي يتجسد بالمرأة, لكن قسم منها صوّر بعض الأحداث التي مررنا بها, اذكر في إحدى المقالات التي كتبتها, في تاريخ 12/3/ 2002 كان في اجتياح استمر لمدة ثلاثة أيام في مدينة رام واعتقلت ووضعني جيش العدو كدرع بشري لمدة خمس ساعات أمام الدبابات, والطريف في ذلك انه كان يصادف عيد ميلادي, كنت مقيد اليدين ومغطى العينين, وانتظر الرصاصة التي ستقتلني في أية لحظة, وبنوع من الأمل ذهبت بفكري إلى ان هذا احتفال متميز بعيد ميلادي, وعندما جرى الانسحاب الإسرائيلي وأطلقوا سراحنا, كتبت في هذا الموضوع. وأنا الان استعد لإصدار الجزء الأول من هذا الكتاب خلال الشهور المقبلة. أما فيما يتعلق بالنشر الالكتروني والنشر الورقي, نقر جميعا بوجود الثورة الالكترونية والرقمية, وهو عملية تطور للكتابة ذاتها, والان يستطيع أي كاتب وصاحب رأي ان ينشر كلامه خلال دقائق في جميع أنحاء العالم. أنا بقناعتي, كوني نائب رئيس اتحاد كتاب الانترنت العرب, لم نصل إلى مرحلة إلغاء الكتاب الورقي, والكثير منا الان حين يستلمون مقالا على الانترنت, يطبعونه على ورق ليتمكنوا من قراءته, لكن حجم الانتشار من خلال الشبكة العنكبوتية أقوى بكثير. - ما هي المواضيع والهموم التي تمنحها اهتمامك في باب "صباحكم أجمل"? - "صباحكم أجمل" ليس حديثا يوميا أو سيرة ذاتية, إنما نتج عن لحظة الشوق لعمان, بما تعنيه عمان المدينة والناس, إذ ان اغلب أهلي وأقاربي موجودون هنا. ومن المحزن انه قبل عامين, تزوجت ابنتي الوحيدة في عمان, ولم أتمكن من حضور الزواج, بسبب الحصار, وكتبت في مقالتي " انه الاحتلال يا ابنتي" عملية رفض للواقع المؤلم الذي نعيشه تحت الاحتلال من خلال الأمل, والتفاؤل والحلم بالصباح الأجمل, لكن هذه المقالات تراوحت ما بين الحدث اليومي ورصد الحركة الثقافية التي أتتبعها, وفي نفس الوقت كانت تركز على موضوع الذاكرة منذ الطفولة, منذ كان عمري ثلاث سنوات, وإقامتي آنذاك في عمان وشوارعها القديمة. وأنا أؤمن بان الشعب بلا ذاكرة يسهل شطبه, وبالتالي ما يكتب من ذاكرة الشعوب دائما هو الأحداث التاريخية, لكن الذاكرة الشفوية نادرا ما تكتب, وأنا أؤمن بان ذاكرتي الفريدة جزء من الذاكرة الجماعية, وتمثل بمجملها ذاكرة شعب, ومن هنا لا بد من المحافظة على ذاكرتنا عبر التسلسل وعبر تاريخنا, من اجل ان نحافظ على كينونتنا. ومن هنا "صباحكم أجمل" يضم ممازجة من أدب الرحلات وسيرة الراوي. - يشكو العديد من النقاد المختصين, طغيان القراءات النقدية الصحافية السريعة, سواء بخصوص المسرح أو الفن التشكيلي أو الأدب بكل صنوفه, فما قولك في هذا? - نحن الان في مرحلة جديدة لا تتطلب القواعد القديمة لممارسة النقد, والمتمسك بقواعد متوارثة عبر القراءات التي نصل إليها عبر النقد, يلجأ إليها, وأية خروج عن هذا الأسلوب يعتبر اعتداء على علم النقد, وللأسف ان النقاد المتزمتين لهذا المنطلق, حين يريدون نقد أي عمل أدبي, يحملون السيوف ويبدأون عملية تشريح الكتاب والبحث عن ثغرة, وكأنه يفترض بالأديب ان يخرج كاتبا من رحم أمه. "فضاءات قزح" أول كتاب يصدر لي وأنا في الخامسة والخمسين من عمري, واشعر باني استعجلت في إصداره. صنف آخر من النقاد, من يركز في عملية النقد على الجماليات, ويشير في النهاية إلى نقاط الضعف من دون المساس أو التحقير, وهذا قراءات نقدية وليس نقد, وفي الحقيقة هذا ما ألجأ إليه, البحث عن عالم الجمال في النص الموجود أمامي, وأؤمن بان ذلك كله جهد أنساني لا بد وان يحوي بعض الضعف. ولا بد من التمييز بين القراءة الصحافية والنقد الفني, إذ أصبح هناك مزج بين التغطية الصحافية. - تتميز بمفرداتك وتحليلك الأدبي والنقدي للأفلام, حدثنا عن تجربتك في هذا المجال, وما هي طبيعة الأفلام التي تجذبك لحضورها وتقديم قراءة لها? - أسلوبي يبدأ بمقدمة, في كثير من الأحيان لها علاقة بحدث ما في حياتي, وأشير إلى ما يثير في من مشاعر وحنين, وخصوصا إنني لا انقد سوى الأفلام الفلسطينية. ما أركز عليه ويلفت نظري في كل فيلم, ما هو هدف ورسالة الفيلم, والرمزية المستخدمة في الفيلم. اذا وجدت هاتين المسألتين بشكل واضح, بحيث يترك انطباعه وتأثيره, سأكتب عنه. وللأسف كثير من الأفلام تفتقد هذه العناصر, مجرد مجموعة من المشاهد, "ممنتجة" مع بعضها البعض. يعاني المخرج من عدم وجود مؤسسات حكومية تدعم السينما, غالبية المخرجين, يلجأون إلى الدعم الخارجي, الذي يضع بدوره مجموعة من الاشتراطات, وهم بتلبية هذه الاشتراطات, يخرجون عن الرمزية المفروض تواجدها. ويأتي هنا دور المخرج الناجح الذي يستخدم الرمزية, ليعبر عن القضية الفلسطينية ويقدم الهدف الحقيقي للفيلم ولو بشكل رمزي ويوصل الرسالة.0 .......................... العرب اليوم - آيه الخوالدة تصوير: عاطف العودات 25/8/2009