الريسوني ل"اليوم 24": تعديلات مدونة الأسرة خالفت الشريعة الإسلامية في مسألة واحدة (حوار)    حملة مراقبة تضيق الخناق على لحوم الدواجن الفاسدة في الدار البيضاء    بوتين يعتذر لرئيس أذربيجان عن حادث تحطم الطائرة    قوات إسرائيلية تقتحم مستشفى بشمال غزة وفقدان الاتصال مع الطاقم الطبي    زياش يضع شرطا للموافقة على رحيله عن غلطة سراي التركي    مرتيل: تجديد المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية للصحة    تشديد المراقبة بمحيط سبتة ينقل المهاجرين إلى طنجة    الاحتفاء بالراحل العلامة محمد الفاسي في يوم اللغة العربية: إرث لغوي يتجدد    غزة تحصي 48 قتيلا في 24 ساعة    الداخلة : اجتماع لتتبع تنزيل مشاريع خارطة الطريق السياحية 2023-2026    وفاة بامبا بعد أسبوع من نيل لقب رابطة الملاكمة العالمية    تأجيل تطبيق معيار "يورو 6" على عدد من أصناف المركبات لسنتين إضافيتين    رصيف الصحافة: موريتانيا تنتبه إلى خطورة البوليساريو وأطماع الجزائر    عملية نوعية تفكك عصابة مخدرات    "العربية لغة جمال وتواصل".. ندوة فكرية بالثانوية التأهيلية المطار    ارتفاع ليالي المبيت بالرباط وسط استمرار التعافي في القطاع السياحي    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع مراجعة مدونة الأسرة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    هذا ما قضت به محكمة عين السبع في حق محمد أوزال    اليابان.. زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب شمال شرق البلاد    حصيلة الرياضة المغربية سنة 2024: ترسيخ لمكانة المملكة على الساحتين القارية والدولية    مدرب الوداد: بالنسبة للمغرب الفاسي كل مباراة ضدنا بمثابة نهائي الكأس    حجم تدخلات بنك المغرب بلغت 147,5 مليار درهم في المتوسط اليومي خلال أسبوع    ترامب يطلب من المحكمة العليا تعليق قانون يهدد بحظر "تيك توك" في الولايات المتحدة    مطالب بإنقاذ مغاربة موزمبيق بعد تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد    فرح الفاسي تتوج بجائزة الإبداع العربي والدكتوراه الفخرية لسنة 2025    مجلس الأمن يوافق على القوة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام في الصومال    فئات هشة تتسلم مساعدات بالرحامنة    عائلة أوليفيا هاسي تنعى نجمة فيلم "روميو وجولييت"    دراسة: أمراض القلب تزيد من خطر اضطراب الخلايا العصبية    سطاد المغربي يهدد صدارة رجاء بني ملال    مونديال الأندية.. الوداد الرياضي يشارك في ورشة عمل تنظمها "الفيفا" بأمريكا    استثناء.. الخزينة العامة للمملكة توفر ديمومة الخدمات السبت والأحد    مبادرة مدنية للترافع على التراث الثقافي في لقاءات مع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب    مباحثات مغربية موريتانية حول تعزيز آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين    وفاة زوج الفنانة المصرية نشوى مصطفى وهي تناشد جمهورها "أبوس إيديكم عايزة ناس كتير تيجي للصلاة عليه"    كيوسك السبت | الحكومة تلتزم بصياغة مشروع مدونة الأسرة في آجال معقولة    حريق يأتي على منزلين في باب برد بإقليم شفشاون    الرئيس الموريتاني يجري تغييرات واسعة على قيادة الجيش والدرك والاستخبارات    أزولاي يشيد بالإبداعات في الصويرة    الكعبي ينهي سنة 2024 ضمن قائمة أفضل الهدافين    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر شمال البلاد إلى 10 قتلى    يامال يتعهد بالعودة أقوى بعد الإصابة    اقتراب مسبار "باركر" من الشمس يعيد تشكيل فهم البشرية لأسرار الكون    لأداء الضرائب والرسوم.. الخزينة العامة للمملكة تتيح ديمومة الخدمات السبت والأحد المقبلين    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    بورصة البيضاء تغلق التداولات بالأحمر    لقاء تواصلي حول وضعية الفنان والحقوق المجاورة بالناظور    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سحر رسول الله.. خرافة يهودية متفق عليها
نشر في هسبريس يوم 08 - 06 - 2015


1/3
استطاع أعداء الإسلام، من الزنادقة واليهود الحاقدين، أن يقنعوا سذج التابعين أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم على الانتحار أكثر من مرة في السنة الأولى من نبوته.
ثم نجحوا في تلقين المغفلين البلهاء أنه صلى الله عليه وسلم خضع للسحر في السنة السابعة بعد الهجرة، مستغلين طغيان الخرافات والأساطير على عقول الناس، بفعل المعتقدات الجاهلية التي عادت للظهور بعد توسع الدولة الإسلامية وانقراض أجيال الصحابة الأعلام.
والنتيجة أن الذي يصاب بالجنون فيعزم على الانتحار مرات وكرات، وتتناقض أقواله مع الحقائق العلمية والبدائه العقلية، ويخضع للسحر الشيطاني قبل موته بسنوات قليلة، لا يمكن أن يكون نبيا مبعوثا، لأن الأنبياء معصومون من الجنون والحمق والسحر...
وقد نجحت خطتهم إلى حد بعيد، فالمغفلون من العلماء والباحثين، لا يزالون يصدقون الأساطير المسيئة لخاتم الأنبياء والقرآن والدين الحنيف كله، بل إنهم يدافعون عنها لمجرد ورودها في الصحيحين، ولو كان معلقة أو بلاغا منقطع الإسناد.
موقفنا من السحر:
لا ننكر السحر التخييلي المؤقت، أي الذي يجعل الإنسان يتخيل الشيء على غير حقيقته بفعل الخفة والخداع المحترف، وينتهي بمجرد توقف الساحر وانفضاض مجلس اللعب، فقد حصل مثل ذلك لسيدنا موسى عليه السلام، حيث يقول رب العزة في سورة "طه": ( قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى، قَالَ بَلْ أَلْقُوا، فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِم أَنَّهَا تَسْعَى، فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى، قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى، وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلقف مَا صَنَعُوا، إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ، وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى )
فأثبت الله السحر التخييلي، وسماه كيدا، أي شطارة وخداعا، ولا علاقة له بالتحكم في الشياطين، وقد كشفت كثير من أسراره وحيله اليوم، فما عليك إلا أن تدخل النت وتتعلم فتصبح ساحرا.
ولا نجحد السحر السمي، الذي يسمى "التوكال"، وحقيقته أنه سموم وجراثيم ومكروبات معروفة النتائج عند المحترفين، تقدم للمستهدف بالحيلة والمكيدة، فيأكلها أو يشربها أو يشمها، فتؤثر على قواه الفكرية والعضلية، ويتحول بفعل السم إلى مسكين خانع، أو يصاب بالجنون والحمق، وهكذا.
وهذا النوع من السحر لا علاقة لشياطين الجن به، بل هو صناعة شياطين الإنس بامتياز، وهو من وسائل المخابرات في التخلص من المعارضين وإسكات أصواتهم.
والسحر "السمي" من اختراع سحرة فرعون، فقد كانوا عارفين بأسرار النباتات والحيوانات وغيرهما، بدليل تقنية التحنيط، فالسحرة هم الحكماء والأطباء والكهان أيام الفراعنة، وهم الذين كانوا يتولون تحنيط الموتى، وتحضير العقاقير السامة حسب الحاجة والطلب، وكانوا يحترفون اللعب السحرية من خفة وخداع بصري.
وقد تعلم شياطين الجن من سحرة فرعون قبل إسلامهم كل الفنون السحرية، وبعد استشهاد السحرة المؤمنين، انقطع العارفون بالسحر من بني آدم أو قلوا، وبقيت الشياطين تكتم ما تعلمت من سحرة فرعون حتى كان زمن سيدنا سليمان، حيث حصل نوع من التواصل بين الإنس والشياطين كما جاء صريحا في قوله تعالى من سورة النمل: ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ )، وقوله من سورة "ص": ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ، وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ، وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ).
وبعد موت سيدنا سليمان، استمر الاتصال بين شياطين الجن وأشرار الإنس من المشعوذين والدجالين، فعلمت الشياطين الدجالين أسرار السحر من جديد، وذلك قول الله تعالى في سورة البقرة: ( وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ، وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ، يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ، وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ، وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ، فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ).
فقوله: ( يعلمون الناس السحر ) أي السحر التخييلي والسمي "التوكال".
وقوله: ( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ) أي السموم والمواد التي إذا تناولها المتزوج تغير مزاجه، وضعفت قوته الجنسية، أو أصيب بالجنون والحمق وغيرهما، فاستحالت المعاشرة الزوجية، وانتهت بالانفصال والطلاق وتشرد الأسرة.
هذا هو التفسير المتفق مع النقل والعقل، وكل تفسير يخالف ذلك هو غفلة وجنون مهما كان المفسر الذي قاله.
والعلماء المتقدمون كانوا أبناء بيئاتهم ونتائج مستوى شعوبهم المعرفي، أي أنهم كانوا بسطاء ساذجين، يؤمنون بالخرافات والأساطير كيفما كانت، ويبنون عليها تفسيرهم لكلام الله تعالى، غير قاصدين التحريف والإساءة، بل ذلك مبلغهم من العلم والفهم.
والمفسرون الذين يقلدونهم اليوم، حمقى ومغفلون مهما كانت رتبتهم، ومهما جئتني باسم مفسر كبير فلن تردعني عن موقفي الصادم الصارم، وسأذكر لك خرافة ساقها الإمام ابن جرير الطبري شيخ المفسرين معتمدا عليها في تفسير آيات البقرة في السحر، ليطمئن قلبك، وتعذرني على لغتي القاسية أحيانا، فالغيرة على الدين أحرى من الغيرة على المفسرين.
ولا ننفي سحر الوسوسة، أي إرسال الهواجس وتهييج الخواطر القبيحة في النفوس، فقد يوسوس الشيطان للإنسان فيخيل له أن زوجته تفعل كذا وكذا فيحصل الشك وتتعاظم التهمة حتى يصل بهما الأمر إلى الشقاق والطلاق.
والوسوسة يفعلها شيطان الجن بطريقة سرية خفية، تكون عبارة عن كوابيس وهواجس توحى للنفس المختلة مسبقا، ويفعلها شيطان الإنس بطريقة مباشرة، فيكذب ويتهم حتى يحصل النفور والنزاع.
فالشياطين لا تنفرد بالوسوسة، بل هي من قدرات البشر أيضا، قال الله تعالى في سورة الناس: (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس).
وسحر الوسوسة يبطله ذكر الله، قال تعالى في سورة الأعراف: ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ).
فلا يطول ولا يستمكن منه بحال.
وهناك نوع من السحر ينكره العلم الحديث لأنه لم يكتشفه بعد، وهو المذكور في قوله تعالى من سورة الفلق: ( ومن شر النفاثات في العقد ).
وهو عبارة عن تحالف بين شيطان الإنس الدجال المشعوذ، وشيطان الجن المنفذ.
وحقيقته أن المشعوذ يقوم بطقوس دنيئة ترضي شيطان الجن، فيعقد عقدا معينة، ويتلو عليها كلمات كفرية أو يكتب طلاسم شركية، وينفث عليها من ريقه نفثات محسوبة، فيقوم شيطان الجن مقابل ذلك بتنفيذ خطة شيطان الإنس الهادفة للإضرار بشخص ما، ربطه عن زوجه، أو الوسوسة بينهما حتى يفترقا، أو الإصابة بالحمق والجنون والخمول.
أي أن الدجال الإنسي يستغل خفاء الشيطان عن العيون، وقدرته على الوصول إلى البيوت والأماكن البعيدة، فيضع له خطة معينة، ويزوده بمواد وسموم محددة، ويرسله للقيام بمهمته الحقيرة الظالمة، فيجتهد الشيطان في تنفيذ العمل، وربما ينجح فيضع السموم في الطعام والشراب أو مكان ما.
ولا ينجح الشيطان في شيء من ذلك إذا كان المستهدف إنسانا مؤمنا تقيا، وكان بيته منورا بذكر الله وتلاوة القرآن، لأن الشياطين يعجزون عن اختراق الأنوار الإيمانية وتجاوزها، وممنوعون من التسلط على عباد الله المتقين.
قال الله تعالى في حواره مع إبليس كبير الشياطين من سورة الحجر: ( هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ).
وقال له أيضا كما في سورة الإسراء: ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجلِكَ، وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُم، وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ، وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً ).
فإذا كان جد الشياطين وأميرهم، أعاذنا الله شره، عاجزا عن التسلط على واحد من الناس، إلا أن يكون مشعوذا دجالا غاويا تابعا لإبليس، فإنه أعجز من التسلط على مؤمن مبتدئ في الإيمان فضلا عن عبد صالح فضلا عن ولي صديق فضلا عن نبي رسول من الله.
وفي السنة النبوية أحاديث كثيرة تدل على دور ذكر الله في إحباط سحر الشياطين، كحديث: ( إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له: حسبك قد كفيت وهديت ووقيت، فيلقى الشيطان شيطانا آخر فيقول له: كيف لك برجل قد كفي وهدي ووقي ) رواه ابن حبان في صحيحه.
هذا، وإن شئت الدليل على أن شيطان الجن ما هو إلا منفذ لخطة شيطان الإنس فإليك قول الله تعالى في سورة سبأ: ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ، وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْر،ِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ، وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِي، وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ، اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ، فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ، فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ المهين ).
فقوله: ( يعملون له ) إشارة إلى أن الخطة من سليمان عليه السلام أو خبرائه ومهندسيه البشريين، والتنفيذ من قبل الجن، لأنهم أسرع من الإنسان لا أذكى وأعقل.
وهذا شبيه باستغلال الإنسان للدواب والآلات، فهي أقوى منه وأسرع، لكنه أدهى وأشطر.
ومن أدلة ذلك أيضا، قول الله سبحانه في سورة الإسراء: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا }
وقد يكون الإنسان أقدر وأسرع من الجن في بعض الأحيان، بدليل قوله تعالى في قصة سيدنا سليمان من سورة النمل: ( قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ، قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ، قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ، فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ: هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ، وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غني كريم، قَالَ: نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ، فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ: أَهَكَذَا عَرْشُكِ؟ قَالَتْ: كَأَنَّهُ هُوَ، وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ).
فالذي عنده علم من الكتاب، رجل رباني، وتفسيري للآية مخالف للمشهور عند المفسرين، أقوله من باب: (وأما بنعمة ربك فحدث)، وإبطالا لمقولة: " لم يترك المتقدم للمتأخر قولا "، والحق قد يجريه الله على لسان أحقر عبيده، فلا تعالم ولا خيلاء، فأقول وبالله التوفيق:
لا يوجد في قصة سيدنا سليمان ما يدل على أن عرش بلقيس ملكة سبأ قد تم نقله بنفسه من اليمن إلى القدس الشريف عاصمة سيدنا سليمان.
ولا يعقل أن يحمله العفريت فيأتي به قبل أن يستوي سيدنا سليمان قائما، إذ لو كانت الجن تقدر على ذلك لسرقت كل أثاث بيوتنا وحوائجنا وتركتنا حمقى هائمين.
وإذا كان الرجل العالم سيدعو الله باسمه الأعظم حتى يستجيب له، كما قال المفسرون، فإن ذلك سيستغرق وقتا أطول من إغماض العين وفتحها، ومن قيام سيدنا سليمان، فلا يكون أسرع مما ذكره العفريت، وبالتالي فلا فضل للرجل العالم على الجني.
وإذا فرضنا أن العرش حمل من اليمن إلى فلسطين في ذلك المجلس، فهذا يعني أنه نقل قبل أن تغادر بلقيس قصرها لمبايعة سيدنا سليمان.
وهذا يستلزم أن تعلم بلقيس باختفاء عرش ملكها وينتشر الخبر، فلا تتفاجأ حين تدخل على سيدنا سليمان وتقول: (كأنه هو)، بل بمجرد ما ترى عرشها ستعرفه مهما أدخل عليه من تغيير وتنكير فتقول: (إنه هو).
فما هو التفسير المقبول المعقول للواقعة؟
قول العفريت: ( قبل أن تقوم من مقامك ) أي قبل أن ينتهي الاجتماع وينفض المجلس وتقوم يا أيها النبي الملك من كرسي الحكم.
وقول الإنسي: ( قبل أن يرتد إليك طرفك )، أي قبل أن تغلق عينيك وتفتحهما.
إلى هنا لا جديد، فالتأويلان معروفان عند المفسرين.
فما الجديد؟
إن الذي طلبه سيدنا سليمان هو صورة العرش وشكله وصفته، والعفريت يحتاج إلى مدة زمنية ليقطع المسافة الفاصلة بين "سبأ" و"القدس" حتى ينظر إلى العرش ويحفظ شكله ونعته، ثم يعود إلى سيدنا سليمان ويرسم له العرش.
أما الإنسي الرباني فيملك بصيرة تتكشف لها الأشياء البعيدة، أي أنه مزود بكاميرا روحية تسمى البصيرة، فتكفيه طرفة عين من الوقت لينظر بعيني قلبه فيشاهد العرش ويضع له صورة مماثلة.
ومثل هذا، ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم صبيحة الإسراء، طالبه المشركون بتقديم صفة بيت المقدس، فكان يراه من مكة وينعته لهم بدقة متناهية حتى قالوا: " أما النعت فقد أصاب ".
والنتيجة أن "آصف بن برخيا" رأى ببصيرته عرش بلقيس، فنعته ورسمه، وقام الحرفيون بصنع مثال شبيه بالعرش الحقيقي مع تعديلات وتنكيرات، فلما رأته الملكة قالت: (كأنه هو)، ثم أدركت مدى قوة ملك سليمان وتقنياته المتطورة، فهو يملك مهندسين بارعين، وصناعا متفننين، وهذا ما أشار إليه قوله عليه السلام: ( وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ) أي علم الصناعة المتقنة، وهو ما يفيده أيضا قول الله المتقدم: ( يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِي وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ).
وقبل أن نغادر قصة سيدنا سليمان، فمن علامات غباء الجن وضعف عقولهم مقارنة بالإنس، جهلهم بموته رغم طول الفترة التي بقيها ميتا وهو فوق كرسيه، قال تعالى: ( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ، مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ، فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ المهين ).
وقد ذكر المفسرون هنا خرافات وأساطير إسرائيلية، فزعموا أنه ظل مئة عام ميتا، وفي هذه الحال سيكون أقاربه ووزراؤه أغبى من الجن وأتفه عقولا.
والصواب أن سيدنا سليمان كان في موضع ليس معه إلا عماله من الجن، بدليل تركيز الآية عليهم وعدم إشارتها لوجود البشر، وإلا فما وجه قوله تعالى: ( فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ )، فلو كان معه بشر واحد لصدق عليه ما قيل في الجن.
ولما مات سيدنا سليمان، بقي ساعات قليلة على كرسيه كأنه نائم، وسلط الله تعالى حشرات الأرض آكلة الخشب على منسأة نبيه أي عصاه، فقرضتها وسقط على الأرض، فتحققت الجن من موته عليه السلام، وتأكد لديهم أنهم لا يستطيعون إدراك الحقائق كلها رغم خفتهم وسرعتهم الخارقة مقارنة بالبشر.
وما قلناه هنا من أفكار جديدة، هي فضل الله وفتحه، استنتجناها بعد تدبر عميق لآيات كتاب الله في الموضوع، ولم نفعل حتى أقصينا أقوال العلماء المتقدمين حول السحر وطلقناها، ونظرنا إليها بعين الشك والريبة والتكذيب، لأنها بقايا الثقافة الجاهلية، أو مدسوسات الأساطير الإسرائيلية.
خلاصة خرافة السحر اليهودية:
مضمون هذه القصة المفبركة هو أن ساحرا تمكن من اختراق بيت النبوة، فحصل على مشط النبي صلى الله عليه وسلم ومشاطته أي شعره الشريف العالق بالمشط، فأخذ ذلك وقرأ عليه طلاسم سحرية، وعقد عليه بعض العقد، ثم وضع كل ذلك في قعر بئر، وبذلك تمكن الساحر من تسليط شيطان جني على عقل النبي المعصوم ووعيه، فكان حسب الأسطورة الشيطانية يظن أنه فعل الشيء وهو لم يفعل، وأنه باشر أزواجه وهو لم يأتهن أبدا، وتزعم الأكذوبة أنه ظل كذلك قرابة ستة أشهر، وهذا أشد السحر كما قال الإمام ابن عيينة رحمه الله.
أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، ثم من حكاية هذا الإفك العظيم.
وتنتهي الأسطورة بأن النبي رأى في المنام رجلين أو ملكين، فأرشداه إلى مكان السحر، فذهب مع بعض أصحابه لإخراجه، وهنا يضطرب هشام بن عروة، فيخبر مرة أنه أخرج السحر ويفيد مرة أنه رجع فزعا من لون ماء البئر وبشاعة النخل الذي يحفها، لكنه صرح بشفاء النبي من السحر.
الخرافة رواها الشيخان في الأصول فلا تقبل النقاش عند المقلدين مقدسي الصحيحين:
حديث سحر حبيب الله متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، وكتاب الطب، وكتاب الأدب، وكتاب الدعوات، ورواه مسلم في كتاب السلام من صحيحه، فالإمام البخاري معجب بالأسطورة كثيرا.
والشيخان رحمهما الله تابعان مقلدان، في تصحيح هذا الحديث لا محققان، فالبخاري تابع لإمام مذهبه الشافعي رحمه الله الذي رواه في كتاب الأم (1/256)، وبنى عليه رأيه في حكم الساحر وهو عدم القتل، ومسلم بن الحجاج مقلد لإمام مذهبه أحمد بن حنبل الذي خرجه في مواضع من المسند.
ولعلك تنكر علينا جراءتنا في تضعيف حديث قبله أمثال الشافعي وأحمد والبخاري ومسلم رحمهم الله.
والجواب: إن القواعد أحق بالاتباع من الأئمة، وما انحرفت الأمة إلا بتهيب اللاحق تخطئة السابق، وقد وجدنا إمامين كبيرين، أعرف بالملة من هؤلاء مجتمعين، يشككان في صحة حديث السحر، وهما مالك بن أنس وسفيان بن عيينة رحمهما الله، فنحن بهما مقتدون.
أما إمامنا مالك، فقد عقد في كتاب الموطأ بابا للسحر أسماه: (مَا جَاءَ فِي الْغِيلَةِ وَالسِّحْرِ)، ولم يذكر فيه خرافة سحر النبي صلى الله عليه وسلم، رغم أنه كان رائجا بين علماء عصره، أي أنه لم يصح لديه، ولم يتقبله عقله وقلبه لبشاعته.
ولا يقال في مثل هذا الموضع: إن الإمام لم يكن يعلمه، فإن الإمام مدني كهشام بن عروة وأحد تلامذته الكبار، وقد سمعه جماعة كبيرة من هشام، وجلهم من غير أهل المدينة، أي أنه كان يحدث به كثيرا، فكيف يخفيه عن أقرب تلامذته كالإمام مالك؟
وإلا فهشام بن عروة كان يعرف ضعف الحديث، ويدرك أنه سينكر عليه إذا رواه بين علماء المدينة، وربما يتهمونه في عقله، فخص أهل العراق به، ولم يسمعه منه أصحابه المدنيون كمالك بن أنس.
إذا كان كذلك، وهو ما تؤكده نوعية رواته عن هشام، فإن سلوكه أقوى برهان على نكارة الحديث، إذ محال أن يكون صحيحا عنده، ثم يخشى روايته بين أهل بلده.
ثم نقول: حديث خطير الشأن مثل خبر السحر ولا يعرفه مثل الإمام مالك لا يمكن أن يصح بحال.
وإذا استغربتم هذا الكلام، فأنتم تزعمون أن كل حديث لا يعرفه ابن معين أو ابن تيمية رحمهما الله باطل لا أصل له.
ونرى الإمام مالكا أولى بذلك إذا تعلق الأمر بمثل خرافة السحر، لأنه مدني حيث كان هشام وعروة وأم المؤمنين عائشة المطهرة، وكان أقرب عهدا بزمن النبوة والصحابة والتابعين.
وفي "تهذيب الكمال" عن مُحَمَّد بن أَبي حاتم الوراق، قال: سمعت محمد بن إسماعيل يَقُول: ذاكرني أصحاب عَمْرو بْن علي بحديث، فقلت: لا أعرفه فسروا بذلك، وصاروا إِلَى عَمْرو بْن علي، فقالوا له: ذاكرنا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَارِيّ بحديث فلم يعرفه. فقال عَمْرو بن علي: حديث لا يعرفه مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل ليس بحديث.ه
قلت: وحديث خطير المحتوى، رواته مدنيون، ثم لا يعرفه الإمام مالك بن أنس ليس بحديث، بل هو أسطورة.
ولو تأمل العقلاء هذه المسألة وحدها، أي إعراض الإمام مالك عن خرافة سحر النبي، والتي لم أر أحدا من المنكرين للقصة انتبه لها، لاستحوا من الدفاع عن خبر ملفق يطعن مقام النبوة.
ومن مضحكات القوم، أنهم ردوا أحاديث متعلقة بجزئيات فرعية كسنن الطهارة ومكروهاتها بحجة إعراض كبار الأئمة عن روايتها، أو بدعوى جهالتهم بها، والإعراض أو جهل الكبار علامة الشذوذ توجب الاستنكار.
لكنها هيبة الصحيحين مرة أخرى تعشي البصائر وتعمي الأبصار، وتنحرف بالكبار قبل الصغار.
وأما سفيان بن عيينة، ففي صحيح البخاري ح5432 أن ابن عيينة قال: أول من حدثنا به ابن جريج يقول: حدثني آل عروة عن عروة، فسألت هشاما عنه فحدثنا عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن. قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر، إذا كان كذا.ه
قلت: لم يطمئن قلب ابن عيينة رحمه الله للقصة فقال: (إذا كان كذا)، وهي عبارة تفيد التوقف والتشكك، ولو صح عنده الخبر ما شك فيه.
والعجيب أن العلماء لا يقفون عند عبارة ابن عيينة عند شرح الحديث، بل يتجاوزونها خوفا من وقعها على خرافتهم، رحمهم الله وغفر لنا ولهم.
والمعاند بإمكانه أن يزعم أن تلك العبارة لا تعني التوقف والريبة، فنتجاوزه ونخاطب أهل الإنصاف والعقل.
اهتبال أعداء الإسلام وخصوم المذهب السني بالخرافة:
استغل المستشرقون أكذوبة السحر، ويستغلها النصارى اليوم، فيحتجون بها على انتفاء نبوة مولانا الرسول، لأن الأنبياء معصومون من السحر، ومحمد خضع له، فلا يكون نبيا.
ويعتمد عليه الشيعة لإثبات بطلان معتقدات أهل السنة والجماعة، إذ يعتبر عندهم من أقوى الأدلة على سوء أدب السنة مع النبي، وعلى تمكن الروايات المكذوبة من الرواج بينهم، وعلى صدور الخيانة من إحدى زوجات الرسول...
ويحتج به العقلانيون والملاحدة على وجود الخرافات والأساطير في معتقدات الإسلام، وبالتالي فهو دين وضعي كغيره من الأديان.
ورغم كل ذلك، فإن العلماء يستميتون في الدفاع عن صحة الحديث لمجرد وروده في كتابي البخاري ومسلم، ويتطرف بعض الحمقى فيتهمون منكره بالزيغ والضلال، ناسين أن التصديق به لا يزيد الإيمان، والتكذيب به لا يغضب الرحمن، لأنه واقعة تاريخية لا تدخل في العقائد.
والناظر في المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية المختصة في مهاجمة الإسلام أو المذهب السني، يجد حديث السحر من جملة مرتكزاتها، فوجب بيان حاله نصحا للأمة، وتحصينا لشبابها ومثقفيها.
موقف المتقدمين من الحديث:
كان الحديث محصورا بين المحدثين، فجاء الإمامان البخاري ومسلم وأدخلاه في الصحيحين، بناء على عدالة رجاله وضبطهم والاتصال بينهم فقط، فنال الدرجة العليا من الصحة بذلك، وتلقاه جماهير العلماء بالقبول، وروجوه بين الناس، واستدلوا به على تأثير السحر، وكانوا يواسون به المرضى، فيقولون لهم: إن أفضل الخلق تعرض للسحر ولكم فيه أسوة، فلا تجهلوا وتضجروا.
إنها السذاجة والطيبوبة مرة أخرى يا قوم، واليد اليهودية المحرفة يا أمتي.
وضعوا قصة الانتحار، فشككوا في بداية البعثة، ثم اخترعوا خرافة السحر فدنسوا نهاية النبوة، ونسبوا لما بينهما أخبارا منتنة، وتمكنوا من استغفال سذج الرواة بالمكر والحيلة، ومنها ادعاء الإسلام والصلاح، فأسمعوهم تلك الأخبار الملفقة، وأقنعوهم أنهم سمعوها من الصحابة أو التابعين فصدقوهم، ثم نسي السذج أو تعمدوا إسقاط شيوخهم اليهود المتأسلمين من الأسانيد، وصاروا يروون تلك الأكاذيب عن شيوخهم الأتقياء الأنقياء، وما كان للشيخين وغيرهما من الحفاظ إلا أن يستسلموا أمام صحة السند في الظاهر، وأن يغتروا بقبول مشايخهم لتلك الأساطير، ويا ويل من يطعن في حديث متفق عليه، ولو تضمن الكفر البواح.
والنتيجة التي خطط لها اليهود هي: من كانت بدايته مجنونا ونهايته مسحورا، فهل يستحق أن يسمى نبيا؟
الجواب المنطقي: كلا وألف كلا.
وهكذا تستميل القنوات والحركات التبشيرية عقول فلذات أكباد المسلمين، وتصد الراغبين في الإسلام من الغربيين، وعلماؤنا في غفلة معرضون، بل للشبهة مؤيدون، ولإخوانهم من العلماء الغيارى مهاجمون.
إنني أعلنها مدوية، ولست الأول: يجب أن نعيد النظر في صحة إسلام اليهود المتأسلمين مثل كعب الأحبار، فإنهم وفدوا على الحجاز معلنين إسلامهم، وقاموا بترويج الآلاف من الإسرائيليات، ثم شاركوا التابعين في الرواية عن الصحابة السادات، وثبت للمحققين أن صغار الصحابة كعبد الله بن عباس رضي الله عنه، والمتأخرين إسلاما كأبي هريرة رضي الله عنه، كانوا يستفيدون من كعب الأحبار، وأنهم رووا عنه الإسرائيليات، فأسقط تلامذتهم اسمه من بعض الأخبار، وجعلوا مكانه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن يدري أكان كعب الأحبار مسلما حقا أم محتالا يريد إفساد الدين، خصوصا وأنه اتهم بالكذب من قبل معاوية بن أبي سفيان رحمه الله؟
والثناء الذي كاله التابعون ثم العلماء من بعدهم للرجل لا يغني من الحق شيئا، فهم كانوا يحكمون بالظاهر، وكعب كان يعلن إسلامه ويصلي ويحج مع المسلمين، فلم يتجرأ الناس على القدح في إسلامه، لأن مروياته لم تكن مشهورة ولا مجموعة.
ونحن لا نكفره، لكن من حقنا أن نتوقف في إسلامه وصدقه نظرا للكم الهائل من الأباطيل والخرافات التي بثها بين معاصريه، واستنادا لقدح بعضهم فيه، ونظرا لكثرة المنافقين في الجيل الأول.
والسؤال الآن: حديث السحر يعلي من شأن اليهود فيؤكد قدرتهم على النيل من عقل النبي صلى الله عليه وسلم ووعيه، ويؤدي إلى الشك في نبوته، ويتعارض مع العصمة، ويشكك في سلامة الوحي، ويتناقض مع العلم والعقل، ولم يتواتر أو يشتهر أيام الصحابة والتابعين رغم أنه خبر عظيم، فهل يمكن أن يكون أحد اليهود المتأسلمين وراء وضعه، ثم تلقينه لهشام بن عروة المتفرد بروايته عن أبيه عروة بن الزبير؟
ألا يجوز أن يكون هشام سمعه من إسرائيلي محتال، أخبره أنه سمعه من أبيه عروة، ثم خجل هشام من روايته بالواسطة عن أبيه، فأسقطها وروى الأسطورة عن أبيه بالعنعنة، أي أنه لم يصرح بسماع الخبر من أبيه؟
إن هشاما لم يصرح بالسماع في أي طريق من طرق الحديث، لا في الصحيحين ولا في غيرهما رغم تعدد الطرق والأسانيد إليه، أقول هذا وقد استفرغت جهدي كاملا فلم أجده يقول: سمعت أو حدثنا أو أخبرنا ونحو ذلك.
إن هذا الاحتمال أقرب للتصديق، ومعاذ الله أن ندنس مقام النبوة، ونترك كتاب ربنا، ونهجر العقل والمنطق لعنعنة رجل من الرجال، يبدو أنه سمع الخرافة من كذاب دجال، لا من أبيه عروة سليل الأبطال.
فنصرح مطمئنين أن حديث السحر خبر موضوع مكذوب، دسه أحد اليهود على التابعي الجليل هشام بن عروة، فصدقه عقله واستحسنه، حيث نظر لنهايته الدالة على النبوة، وغفل عن بدايته الناقضة لها، ولم يدر أن الوضاع قد يكون ذكيا داهية يتقن الاختلاق.
وما قلناه عن هشام بن عروة نقوله عن الذين رووه بعده وصولا إلى الشيخين.
أما من جاء بعدهما، فإضافة إلى الاغترار بنهاية الأسطورة المعجزة كهشام، فإنهم كانوا مخدرين بمقولة: "الصحيحان أصح الكتب بعد القرآن"، ومستغفلين بمسلمة: "كل حديث رواه الشيخان أو أحدهما في الأصول، فهو صحيح مقبول مهما رفضته العقول".
وأكثر من ذلك، فقد وضع بعضهم قاعدة حمقاء تقول: إذا تعارض الحديث الصحيح سندا مع آية من القرآن، وجب الجمع بينهما ولو بتأويل الآية وتحريف معناها الواضح الظاهر، وإلا فالآية منسوخة بذلك الحديث، لأن السنة حاكمة على القرآن باعتبارها مبينة وشارحة ومقيدة ومخصصة... نسأل الله العافية من كل بلية.
والحق أن القرآن هو المهيمن على السنة، وهو الميزان الذي توزن به الأحاديث، فما وافقه قبلناه، وما عارضه كان منسوخا أو منقولا بالمعنى الخطأ أو مكذوبا، لكن المحدثين أرهبوا الفقهاء بالكم الهائل من مروياتهم، فتسلطت بعض قواعد المحدثين السقيمة على مبادئ الفقه المنطقية القويمة.
وهكذا، فإذا صحح المحدثون رواية ما، خشي الفقهاء والمتكلمون والمفسرون من تهمة عصيان السنة، بل والزندقة، فرفعوا راية الاستسلام إلا نادرا.
وإذا استبشع غير المحدثين خبرا، ثم وجدوا محدثا شجاعا شاذا عن التيار يضعفه، كان بمثابة الرسول المنقذ لهم من سيوف المحدثين وإرهابهم، فطاروا بكلامه فرحا، واتخذوه راية في معارضة محتكري الرواية والدراية.
والعكس صحيح، إذا ضعف المحدثون حديثا يوافق اختيار الفقهاء، ثم صححه حافظ محدث، كان ملجأ أهل الفقه وركنا ركينا.
وادرس علاقة المحدثين بالفقهاء في العراق زمن الإمام أحمد بن حنبل، وقبل وصول الإمام الشافعي الأصولي الفقيه إليهم، تصدق ما نقوله إن كنت من المتشككين الحائرين.
طعن العقلاء في أكذوبة السحر:
إن حكماء الأمة وعقلاءها لا يجتمعون على ضلالة، وربما شذ أفراد عن الجميع برأي صائب، فكان شذوذهم نورا يمنع ظلمة الضلالة من الإطباق على الأمة، ويبقى ذلك النور خافتا إلى أن يأذن الله فيكبر ويتقوى بكثرة المؤمنين به حتى يصير شمسا وضاءة تنسخ ليالي قرون التقليد والتعصب المقيت.
وبالنسبة لأسطورة السحر التي تقبلها جماهير العلماء تبعا للمحدثين وخوفا، وأنكرها قلة من العلماء العقلاء الشجعان، فإن عقول جماهير مثقفي المسلمين اليوم ترفضها وتمقتها بالفطرة السليمة، وتستشنع نسبتها لنبي الأمة الكريمة.
وسيأتي اليوم الذي تصبح فيه نسيا منسيا، وتلهج الألسن بالاستغفار لمن رواها وصدقها وشرحها مدافعا عنها، ويتعجب بسطاء المسلمين من رواجها بين العلماء، ويحوقلون من إمعان المحدثين في تصحيحها بل والتبرك بروايتها.
لقد طعن في أسطورة السحر كل المعتزلة، وهم مسلمون عقلاء، نتفق معهم في بعض المسائل الفرعية، ونخالفهم في الأصول الاعتقادية، ولا نراهم ضالين ولا زائغين كما فعل ويفعل محتكرو الإيمان والعلم، بل نعتبرهم مخطئين معذورين فيما نعارضهم، وأنهم ظلموا وأرهبوا من قبل رجال الدين وحلفائهم كما يفعل بالحداثيين أو القرآنيين اليوم، فكفروا بقواعد الفقهاء ومرويات المحدثين، واعتمدوا القرآن وحده مصدرا ودليلا، وذلك كاف للشهادة لهم بالإسلام والإيمان.
ويتحمل علماء السلف، الذين ابتدعوا الإرهاب الفكري، وحرضوا الحكام على اضطهاد أسلاف المعتزلة وغيرهم، أوزار تمزيق وحدة الأمة وإزهاق آلاف الأرواح عبر التاريخ.
ويتحمل العلماء، المحرضون اليوم على المسلمين العقلانيين، إثم أي إذاية مادية أو معنوية تلحق بهم، وجريرة استمرار التبديع والتفسيق والتكفير.
وهناك جماعة من غير المعتزلة أنكروا أكذوبة سحر المصطفى نذكر منهم:
الإمام أبو بكر الجصاص الحنفي السني المتوفى عام 370 ه، قال في تفسير آيات "هاروت وماروت" من كتابه أحكام القرآن: وَقَدْ أَجَازُوا مِنْ فِعْلِ السَّاحِرِ مَا هُوَ أَطَمُّ مِنْ هَذَا وَأَفْظَعُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ سُحِرَ، وَأَنَّ السِّحْرَ عَمِلَ فِيهِ ... وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنْ وَضْعِ الْمُلْحِدِينَ تَلَعُّبًا بِالْحَشْوِ الطَّغَامِ، وَاسْتِجْرَارًا لَهُمْ إلَى الْقَوْلِ بِإِبْطَالِ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَالْقَدْحِ فِيهَا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُعْجِزَات الْأَنْبِيَاءِ وَفِعْلِ السَّحَرَةِ، وَأَنَّ جَمِيعَهُ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَجْمَعُ بَيْنَ تَصْدِيقِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَإِثْبَاتِ مُعْجِزَاتِهِمْ وَبَيْنَ التَّصْدِيقِ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ فِعْلِ السَّحَرَةِ مَعَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} ، فَصَدَّقَ هَؤُلَاءِ مَنْ كَذَّبَهُ اللَّهُ وَأَخْبَرَ بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ وَانْتِحَالِهِ.
الإمام أبو بكر الأصم، قال رحمه الله: جاء في المجموع للنووي (19/243): قال الشهاب: نقل في التأويلات عن أبى بكر الأصم أنه قال: إن حديث سحره صلى الله عليه وسلم المروي هنا متروك، لما يلزمه من صدق قول الكفرة أنه مسحور، وهو مخالف لنص القرآن حيث أكذبهم الله فيه، ونقل الرازي عن القاضي أنه قال: هذه الرواية باطلة، وكيف يمكن القول بصحتها، والله تعالى يقول: (والله يعصمك من الناس) وقال: (ولا يفلح الساحر حيث أتى)، ولأن تجويزه يفضي إلى القدح في النبوة ولأنه لو صح ذلك لكان من الواجب أن يصلوا إلى ضرر جميع الأنبياء والصالحين، ولقدروا على تحصيل الملك العظيم لأنفسهم، وكل ذلك باطل، ولكان الكفار يعيرونه بأنه مسحور، فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صادقين في تلك الدعوى ولحصل فيه عليه السلام ذلك العيب، ومعلوم أن ذلك غير جائز.
الإمام محمد عبده، قال رحمه الله في تفسير جزء عم ص180: نعلم أن البخاري أصدق كتاب بعد كتاب الله، وأنا لا أشك أن البخارى سمع هذا من أساتذته، والبخاري يشترط في أحاديثه المعاصرة واللقاء، إلا أنني أرى أن هذا لم يحدث مع النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد دس من الإسرائيليات إلى مشايخ البخاري الذين أخذ منهم، وإلا فإننا إن صدقنا أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد سحر فقد صدقنا كلام الظالمين الذي حكاه القرآن عنهم، { وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحورا }... ثم قال: وأما الحديث على فرض صحته فهو آحاد، والآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد، وعصمة النبي من تأثير السحر في عقله عقيدة من العقائد، لا يؤخذ في نفيها عنه إلا باليقين، ولا يجوز أن يؤخذ فيها بالظن المظنون على أي حال، فلنا بل علينا أن نفوض الأمر في الحديث، ولا نحكمه في عقيدتنا، ونأخذ بنص الكتاب، وبدليل العقل، فإنه إذا خولط النبي صلى الله عليه وسلم في عقله - كما زعموا - جاز عليه أن يظن أنه بلغ شيئاً، وهو لم يبلغه، أو أن شيئاً نزل عليه، وهو لم ينزل عليه، والأمر هنا ظاهر لا يحتاج إلى بيان... أحب أن أكذب البخاري، من أن أنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه سحر".
العلامة جمال الدين القاسمي في تفسيره محاسن التأويل حيث قال: ( ولا غرابة في أن لا يقبل هذا الخبر لما برهن عليه، وإن كان مخرجاً في الصحاح، وذلك لأنه ليس كل مخرج فيها سالماً من القدح والنقد سنداً أو معنى كما يعرفه الراسخون )
أصل خرافة السحر:
كان شياطين اليهود دهاة بالنسبة للمغفلين السذج من التابعين وأتباعهم، فكانوا يأخذون واقعة حقيقية مشهورة بين العارفين بأخبار النبي وسيرته الشريفة، ثم يدخلون عليها تحريفاتهم الهادفة للطعن في مقام النبوة والتشكيك في الوحي، ويعيدون نشر ما كتبت أيديهم بين الحمقى والمغفلين، المتلهفين لرواية الأخبار الغريبة الأسطورية مهما كانت خطورتها على العقيدة الصحيحة.
وتذكر ما قلناه سابقا أن بعض أحبار اليهود تظاهروا بالإسلام، فعاشوا بين المسلمين يبثون الإسرائيليات ويخترعون الروايات المنكرات، وينسبونها لخير خلق الله.
وبخصوص أسطورة السحر، فإن الزنادقة وجدوا واقعة ثابتة، تفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم مرض كما يمرض غيره من الناس، فجاءه سيدنا جبريل ورقاه ودعا له بالشفاء فارتفع الألم:
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ قَالَ: نعم، قال: «بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ، بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ وَاللَّهُ يَشْفِيكَ».
رواه مسلم في صحيحه (5829) والنسائي والترمذي وابن ماجه. وصححه البخاري في علل الترمذي.
وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَقَاهُ جِبْرِيلُ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ يُبْرِيكَ وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ. أخرجه ابن وهب في الجامع ومسلم في الصحيح (5828)
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعُودُهُ، وَبِهِ مِنَ الْوَجَعِ مَا يَعْلَمُ اللهُ شِدَّةً، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْعَشِيِّ، وَقَدْ بَرِئَ أَحْسَنَ بُرْءٍ فَقُلْتُ لَهُ: دَخَلْتُ عَلَيْكَ غُدْوَةً وَبِكَ مِنَ الْوَجَعِ مَا يَعْلَمُ اللهُ شِدَّةً، وَدَخَلْتُ عَلَيْكَ الْعَشِيَّةَ وَقَدْ بَرِئْتَ. فَقَالَ: " يَا ابْنَ الصَّامِتِ، إِنَّ جِبْرِيلَ رَقَانِي بِرُقْيَةٍ بَرِئْتُ، أَلَا أُعَلِّمُكَهَا؟ " قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: " بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ حَسَدِ كُلِّ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ، بِاسْمِ اللهِ يَشْفِيكَ". رواه عبد بن حميد وابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي الدنيا والنسائي وابن ماجه، وابن حبان، والبيهقي في الدعوات، وهو صحيح لغيره.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: دخلت أنا وأبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه حمى شديدة، منصوب على فراشه. قال: فسلمنا عليه فما رد علينا، فلما رأينا ما به خرجنا من عنده، فما مشينا إلا قريبا حتى أدركنا رسوله، فدخلنا عليه وليس به بأس، وهو جالس، فقال: « إنكما دخلتما علي، فلما خرجتما من عندي نزل الملكان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رجلي: ما به؟ قال الذي عند رأسي: حمى شديدة. قال الذي عند رجلي: عوذه. قال: بسم الله أرقيك، والله يشفيك، من كل داء يؤذيك، ومن كل نفس حاسدة، وطرفة عين، والله يشفيك، خذها فلتهنك. قال: فما نفث ولا نفخ، فكشف ما بي، فأرسلت إليكما لأخبركما». رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/48)، والطبراني في الدعاء1/343، وابن السني في عمل اليوم والليلة(3/93)، والرافعي في تاريخ قزوين4/85.
وإسناده حسن.
هذا ما حصل، مرض النبي ليوم واحد، أصابته الحمى الشديدة، شفي منها صلى الله عليه وسلم بمجرد رقية جبريل عليه السلام كما جاء صريحا في حديثي سيدنا عبادة ومولانا عمر.
وقد أخذ الزنادقة هذه القصة الصحيحة المشهورة، فحرفوها وجعلوا السحر مكان الحمى، ولكي يصدقه المغفلون، جعلوه من صنع اليهود، ثم نسبوه لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مستغلين شهرتها برواية القصة الحقيقية.
وقد راجت هذه الأسطورة الشيطانية على بعض التابعين، غفر الله لهم، وأسهموا في نشرها بنفس باردة، لأنهم كانوا أقرب إلى البداوة متأثرين بأساطير الجاهلية، معتقدين وجود السحر بكل أنواعه، بل كانوا يعتبرون بعض الأمراض العضوية سحرا أو مسا من الجن.
نص الأسطورة المتفق عليها:
روى هشام بن عروة عن أبيه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سُحِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَحَرَهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ: " يَا عَائِشَةُ، أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ، أَتَانِي مَلَكَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ مَطْبُوبٌ بِهَذَا، فَقَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ فَقَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ، قَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ نَخْلٍ طَلْعَةِ ذَكَرٍ، قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ " قَالَ: فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَكَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أَسْتَخْرِجُهُ، فَقَالَ: «قَدْ عَافَانِي اللَّهُ فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ شَرًا».
انظر إلى مدى التحريف والتشويه المقصود الذي لحق بأصل القصة عند سيدنا عمر وإخوانه.
وسيأتي إن شاء الله إبطال الخرافة بالصنعة الحديثية التي لا تحابي أحدا، وبالقواعد الشرعية والعقلية التي لا تتهيب إماما.
- خريج دار الحديث الحسنية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.