من الحيل الماكرة والتي إستطاعت أن تجد لها مكان الصدارة عند "مدرسةالخلفاء"- وذلك من خلال تسلط الحكام- تلك الحيلة التي جمعت الحديث و أهل الحديث في عضوية واحدة . بحيث أصبح الإقتراب من بعض "أهل الحديث" بالنقد والتمحيص يعتبر من المحرمات. ذلك لأن بهذ الدمج بينهما تم إدخال رجال الحديث ضمن تقديس الحديث نفسه،ومن ثم أصبح الإقتراب من نقد بعض "المحدثين" نقدا للحديث نفسه. و يتجلى هذا بوضوح عند الحديث عن "البخاري" الذي حظي بقداسة تتساوى مع قداسة إمام معصوم. وأصبح نقده بالذات محرما عند الكثيرين، لأنه قد وصل إلى مكانة تقرب من مكانة نبي مرسل، أو ملاك كريم. مع أن النقد الموضوعي يظهره بشرا له أغراضه و أهواءه ، ولربما كان أمينا في نقل ما سمع، ولكنه في نفس الوقت ،أغفل ما لا يتسق وأغراضه و أهوائه. و الأكيد أن هذه الأغراض و الأهواء كانت واضحة من خلال في إنتقاء البخاري الأحاديث التي يرغب في إشهارها بالرغم من مناقضتها للعقل و النقل. و تلك التي يرغب في إخفائها بالرغم من موافقتها للعقل و النقل إلى درجة أنه خالف الشروط التي قيد بها طريقته في تصحيح الأحاديث أو كما يطلح عليها ب : "شرط البخاري " كما نسمع في كذا حديث مثلاً أنه صحيح على شرط البخاري. و ما إغفاله لبعض الفضائل إلا مقياس دقيق لمدى الهوى الكامن. و إغفال الفضائل في الواقع، تعتيم على الرؤية بحيث يتم التقليل من عظمة الشخص العظيم لصالح الخصم. فهي بشكل ما إخفاء شهادة، و إخفاء الشهادة إثم د يني و تاريخي. و ينعكس هذا الموقف إلى حد ما على موق البخاري من الإمام علي عليه السلام وشيعته. ولهذا يفجع المرء عندما يجد البخاري لم يروي في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام غير ثلاثة أحاديث، إختتمها بحديث عن ابن سرين الذي قال : (إنه يرى عامة ما يروى عن علي هو الكذب ) ! أي يعني ضعف تلك الأحاديث الثلاثة التي روى. فحين نجده قد روى ستة أحاديث في مناقب معاوية،تتحدث عن فضائله و تقواه ! وهذه "المناقب" هي ما تستغلهمدرسة الخلفاء لمجابهة علماء الشيعة. لذلك لا يستغرب أن يصبح البخاري من أعظم المقدسين من رجال الحديث عند مدرسة الخلفاء.. ولقد قال المقبلي في كتابه - العلم الشامخ-: " إن البخاري روى لعتبة بن سعد بن العاص وهو جليس الحجاج بن يوسف ؛ لمروان بن الحكم الذي رمى طلحة ، وهو المتسيب في خروجه على علي و فعل كل طامة " و قال: " أنظر عمن رضي بقتل علي و عمن قتل الحسين و توثيقهم ، و أما علماء الأمة و حفاظها كحماد بن سلمة الإمام ، و مكحول العالم الزاهد ، فتجنبهم مثل البخاري و مسلم أيضا ، سبحان الله"0. ولقد إشترط الفقهاء في رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلمأن يكون الراوي خاليا من الأهواء. و بالإستناد الى ذلك لم يروي البخاري لأي شيعي ولو كان صحابيا بحجة أنهم أصحاب هوى. فحين نجد قد روى للخوارج ، وروى لعمران بن حطان السدوسي الذي وصف الشقي عبد الرحمن بن ملجم -قاتل الإمام علي عليه السلام- بقوله كان " تقيا " ! لو أن هذا البيت الشعري قاله ابن حطان "هذا في قاتل عمر فماذا يكون موقف البخاري حينذاك من قائله؟ ولمعرفة الهوى الأموي الذي شرب البخاري منه حد الثمالة ، إكثار البخاري من الحديث عن الإمام الحسن عليه السلام دون أخيه الإمام الحسين عليه السلام . ولقد أصاب صاحب كتاب " تدوين السنة " إبراهيم فوزي لما قال:" ولا يخفى مافي هذا المديح من تأييد و دعم لمعاوية في إضفاء الشرعية على خلافته بعد أن تنازل الحسن عنها ،أما الحسين فقد وقف موقفا معاديا لمعاوية ، ورفض مبايعة يزيد و أعلن الثورة عليه ، ولذلك لم يحظ الحسين باي حديث في صحيح البخاري بالثناء عليه ". ولهذا نجد هواه السياسي و العقدي واضح في كل ما كتب ، حيث لم يسلم كل من وقف في وجه الظلمة ، من الطعن فيهم فقد شن هجوما لاذعا على المعتزلة و تحامل عليهم حتى قال المقبلي:" ليته صان تلك المكرمة التي فاز بها في الحديث ". وذلك فقط أن المعتزلة كانوا أعداء السلطة بصفة عامة ، بل و لم يسلم منه حتى أبو حنيفة و الشافعي و ذلك لأنهما قد أيدا الثورات التي قامت ضد ظلمة بني أمية و العباسيين. هذا ماجعل البخاري يدمج -برفع الياء- مع الحديث كأنه عضوية واحدة ، و يحظى بكل هذه القداسة عند فقهاء التسلط و عند السلطة الحاكمة. إضافة الى تلك المكانة التي حظي بها البخاري عند مدرسة الخلفاء ، نجد أن الصحابي الجليل أبو هريرة قد فاق شهرة ، لدرجة أن البخاري نفسه قد روى له وحده حوالي 4640 حديثا، حتى أصبح من أشهر رواة الحديث على الإطلاق، بل و يكاد يعتبر عند مدرسة الخلفاء علامة زمانه ، و وحيد قرنه ، و فريد عصره ، الذي لا يقارن به أحد. كيف وقد أصبح فوق الخضوع للبحث العلمي و التاريخي. إذن ، من هو " أبوهريرة "هذا الصحابي الجليل ؟ و كيف تيسر له أن يحظى بهذه المكانة من دون باقي الصحابة ؟0 يقول عن نفسه: "قدمت و رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر ، و أنا قد زدت على الثلاثين و غزوة خيبر كانت لتسع من الهجرة". لذا فصحبته لا تزيد عن ثلاث سنوات على الأكثر ، أما مجموع ما رواه من الأحاديث فهو 5374 حديثا ،هذا من غير الوعاء الآخر الذي لم يبثه و إحتفظ به ، لأنه لو بثه لقطع بلعومه ، و رجم بالحجارة! و نحن لا نعرف كمية هذا الوعاء من الأحاديث ! و لا شك أنه واسع و فضفاض..و بالمناسبة ، أليس ذلك كتم للشهادة ؟ والله عزوجل قد أخذ العهد -لتبيننه-، أم أن ذلك تقية ! ؛ وهذا إذا علمنا أن أبوهريرة كان لا يكتب..- ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحد مني حديثا إلا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص فإنه يكتب و أنا لا أكتب- فكيف روى ذالك و عبد الله بن عمرو بن العاص لم يروي إلا 700 حديثا ؟0 وهذا ما جعل الصحابة يقولون " أكثر ابوهريرة " كما هو معلوم بدرجة الإستفاضة ، بل وهناك من إتهمه بالكذب مثل عائشة التي كانت أكثر فطنة من أبي هريرة . وكان الصحابة يسألونها عن الفرائض و هي قد تزوجت قبل إسلامه بعشر سنوات ، ومع ذلك فقد روت فقط 1210 حديثا ..0 بعد أن حاولنا عرض أهم الخطوط العريضة ، لهذه الشخصية المثيرة للجدال ، دون الخوض في الجزئيات [ في التفاصيل يكمن الشيطان !!!] ، لنا أن نطرح سؤالا بسيطا: إذن ما السر في هذه المكانة و الحظوة 0 يقول أبو جعفر الإسكافي:" إن معاوية حمل قوما من الصحابة ، وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في "علي" تقتضي الطعن فيه و البراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله ، فأختلقو له ما أرضاه منهم أبوهريرة و عمروبن العاص و المغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير" و قال :" لما قدم أبوهريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ، جاء الى مسجد الكوفة فلما رأى كثرة من إستقبله من الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارا ،وقال:" يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب على الله ورسوله و أحرق نفسي بالنار ! والله لقد سمعت رسول الله يقول : إن لكل نبي حرما ،و إن المدينة حرمي فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله وملائكته و الناس أجمعين". وقال :" و أشهد بالله أن عليا أحدث فيها"؛ فلما بلغ معاوية قوله أجازه و أكرمه و ولاه إمارة المدينة. و هذا ما جعله دائما كان يقول:" الحمد لله الذي جعل الدين قواما ، و أبوهريرة إماما، الحمد لله الذي أطعمني الخمير ، و ألبسني الحرير، و زوجني بنت غزوان بعد ما كنت أجيرا لها بطعام بطني " بالإضافة إلى " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن الله إئتمن على وحيه ثلاثة أنا وجبرائيل و معاوية " و " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن في السماء الدنيا ثمانين ألف ملك يستغفرون لمن أحب أبابكر و عمر ؛ وفي السماء الثانية ثمانين ألف ملك يلعنون من أبغض أبابكر و عمر ".. ولا نعرف ماذا أيضا في السماء الثالثة و الرابعة !!!! هذا و قد دافع عن منافقي بني أمية الذين لعنهم الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله وسلم بترويجه لحديث:" اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر ، فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته ،فاجعل ذلك كفارة له و قربة تقربه بها إليك يوم القيامة ". أما عامة أحاديث فإنها تكاد تضحك الجاهل قبل العاقل مثل :" خلق الله عزوجل لآدم على صورته ،طوله ستون ذراعا!.." لا تمتلئ النار حتى يضع الله تعالى رجله فيه" وقصة طواف سليمان(ع) بمائة إمرأة في ليلة !و- لطم موسى(ع) لعين ملك الموت و سهو النبي صلى الله عليه و آله وسلم عن ركعتين ونومه عن صلاة الصبح .. وطوام أخرى كثيرة !!!0 الخلاصة التي يمكن قولها : أن الصحابي الجليل " أبو هريره" لما إحتل بنو أمية سمعه و بصره و فؤاده ، فكان لسان دعايتهم في سياستهم.