راميد أو نظام التغطية الصحية لذوي الدخل المحدود في المغرب هو مبدئيا مشروع جيد ومطلوب، لكن هذا لا يعفي هذا النظام من المرور تحت مجهر النقد والتحليل. سنحاول أن نجعلكم ترون هذا النظام من زاوية أخرى، بنظارات أخرى مقتناة من متجر غير حكومي. وحتى أكون صريحا معكم، إنها نظرة محايدة جدا لأنها منحازة كليا لفقراء هذا الوطن. تهدف هذه الأفكار إلى المساهمة في رصد الفروقات بين التخطيط والتنفيذ، حيث أن الأجرأة الفعلية على مستوى المراسيم التطبيقية والميزانيات والبرامج المخصصة، والتأخر الكبير، وسلوكات منفذي القوانين، وتقاليد الإدارة الصحية المغربية، كلها عوامل تكالبت على المشروع، وجعلت الواقع أقرب إلى الانقلاب على التغطية الصحية للفقراء. هذه نقط أولية للتأمل لعلها تغني النقاش العام وتسعف في إعادة قراءة تموقفنا وتموقعنا من المشروع، في انتظار أن يستدرك السياسيون ما يمكن استدراكه. تتفاخر الحكومة المغربية بأن راميد يستهدف حوالي 8،5 مليون مغربي. نفس الجملة تعني أن 8،5 مليون مغربي يعيشون بأقل من 15 أو 10 دراهم في اليوم على الأكثر. أي حكومة هذه التي تتفاخر بتعاظم أعداد فقرائها؟ تقول الحكومة أنه يجب تمويل راميد من المستفيدين والجماعات الترابية والحكومة من أجل ضمان ديمومة النظام. بينما الحقيقة هي أن الغاية الأسمى من راميد هي أن يزول وينتهي وتنفي أسباب نزوله بصعود آخر مواطن مغربي فقير عبر المصعد الاجتماعي إلى الطبقة المتوسطة. تقول الحكومة أن الهدف من راميد هو الحماية من الفقر. لا تقول الحكومة أنها تفرض تراتبية العلاج عبر فرض العودة إلى المركز الصحي من المستوى الأول التابع لعنوان المستفيد للاستفادة من العلاجات. هذا الفرض يعني ببساطة أن المستفيد القاطن في أزيلال إذا مرض في مراكش يجد نفسه أمام احتمالين: إما أن يدفع أو أن يعود إلى أزيلال من أجل أن يستفيد من المجانية. هكذا يساعد "راميدهم" في إعادة صناعة الفقر. تدعي الحكومة أن راميد سيمكن المغاربة من الولوج إلى العلاج. لا تقول الحكومة أنها تقصد العلاجات متى توفرت في المستشفيات العمومية. تقول الحكومة أن راميد سيمكن من الولوج إلى العلاج المجاني. لا تريد الحكومة أن تنتبه إلى أن شعب راميد كثيرا ما يضطر لشراء بعض الخدمات الصحية من القطاع الخاص على غرار التحاليل الطبية وصور الأشعة والأدوية والمستلزمات البيوطبية. وهي مصاريف لا يقع استردادها كما هو الحال بالنسبة للخاضعين للتغطية الصحية الأساسية من العاملين بالقطاعين العام والخاص. تقول الحكومة أن راميد جاء بالمجانية. تتناسى الحكومة أن المجانية هي مكسب تاريخي وأن المغاربة كانوا يلجئون لشهادة الاحتياج (الضعف) حين يحتاج الأمر الأداء. لقد انتهى عهد شهادة الاحتياج التي كان يمكن لجميع الفقراء الحصول عليها، دون أن يتمكن جميع الفقراء من الحصول على بطاقة راميد. إنها إحدى الكوارث المترتبة عن حملة تواصل محدودة في الزمان والمكان، وغير ملائمة للفئة المعنية. جاء راميد ليرتكز على قوانين وإجراءات واضحة ومحددة لتفادي الخروقات التي كان يعرفها توزيع شواهد الاحتياج، لكن الواقع العنيد أثبت أن راميد لم يسلم من الخروقات، 200 ألف حالة غش على الأقل مكتشفة حسب الوكالة الوطنية للتأمين الصحي. علما أننا لم نقم بعد بفحص جميع حالات الغش الممكنة في التصاريح بالشرف. تقول الحكومة أن راميد سيمكن الفقراء من تلقي علاجات جيدة. ربما حكومتنا لا تعرف أن الفقراء يتواجدون في قرى وجبال ومجالات ترابية معطوبة تنمويا ومتصحرة صحيا، فاستمرار التفاوتات الصحية بين المجالات والفئات يعني أن الفقراء يستفيدون من القوى العاملة الصحية الأقل تدريبا والأقل عددا وغير محفزة، وذلك في مراكز صحية قليلة العدد وسيئة الانتشار وغير مجهزة كفاية غالبا. هذه الموارد تخضع لإدارة صحية هاوية وفاسدة ولا تمتلك من أدوات الإصلاح والإصحاح غير حسن النية في أحسن الحالات. استمرار التفاوت الصحي يفرغ راميد من محتواه وهدفه الأسمى، وهو أن لا يواجه الناس صعوبات مالية لدى ولوجهم للعلاجات الصحية. في هذه الحالة، صحيح أن شعب راميد لا يدفع تكاليف العلاجات الصحية في المستشفيات العمومية، لكنهم يدفعون تكاليف التنقل والمأكل والمبيت والاتصال ويتوقفون عن العمل. لذلك هناك علاقات متبادلة بين المرض والفقر، تتضاعف مع انعدام العدالة المجالية في للعرض الصحي الوطني. معنى ذلك أن ما نبنيه بنظام راميد نهدمه بالتفاوت المجالي في الصحة. في الختام، إذا كان واجب المواطنة يفرض علينا احترام القوانين، لكن لا شيء أخلاقيا يفرض علينا أن نحسن الظن بواضعي القوانين والسياسات والميزانيات. لذلك، ندعوك ربنا الذي في السماوات، لتسامح قوم السياسة في هذا البلد حين يعتقدون أن لا حرج في أن يستفيد الفقراء من خدمات صحية غير جيدة، غير مقبولة ومن الصعب الوصول إليها.. هذا إذا توفرت أصلا، وأرزقهم الهداية إلى سياسات صحية عادلة تقطع مع القبول الاجتماعي والسياسي لرداءة الخدمات الصحية للفقراء. آمين.