في سنة 2012 دخل نظام المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود، المعروف اختصارا ب«راميد»، حيز التنفيذ على صعيد المملكة كلها. قبل تلك السنة بأربعة أعوام كان الوزير الأول السابق عباس الفاسي قد أعطى انطلاقة العمل بهذا النظام في جهة تادلة- أزيلال كتجربة أولية. كانت الوعود التي أطلقتها حكومة عباس الفاسي في تلك السنة بحجم وطن بأكمله. وزيرة الصحة آنذاك، ياسمينة بادو، قالت إن هذا النظام سيستهدف أساسا 4 ملايين يوجدون في وضعية الفقر، و4.5 ملايين في وضعية الهشاشة، وأن هؤلاء سيستفيدون من الخدمات الصحية، ومن الأدوية المطلوبة خلال مدة العلاج، وسيعفون من مصاريف الولادة ومن الفحوصات المخبرية والاستشارات التخصصية، ومن تكاليف العلاج عن الأمراض المزمنة والمكلفة و..و..و… وعود كثيرة رسمتها بادو لفقراء المغرب وغادرت الحكومة رفقة رئيسها عباس الفاسي. وحين جاءت حكومة بنكيران وعممت «راميد» على بقية المغرب، كررت هي الأخرى نفس اللازمة. الآن وبعد مرور ثلاث سنوات على تعميم هذا النظام هل تحقق شيء من تلك الوعود أم أن ذلك كله كان مجرد فقاعات في الهواء؟ في الندوة الدولية التي نظمتها وزارة الصحة في مارس الماضي لتقديم حصيلة الثلاث سنوات من العمل بنظام «راميد» أبان وزير الصحة الحسين الوردي عن رضاه عن الحصيلة، وكشف أن عدد المستفيدين من هذا النظام وصل 8.4 ملايين، وأن نسبة التغطية بلغت 99 بالمائة، وإن كان أشار في النهاية إلى أنه «يصعب في ظل حصيلة ثلاث سنوات من تعميم هذا النظام الجزم بنجاحه في توفير وتجويد كل الخدمات الصحية المقدمة إلى المستفيدين منه». فيما كان المدير العام للوكالة الوطنية للتأمين الصحي، جيلالي حازم، أكثر تفاؤلا بخصوص الحصيلة. إذ قال في الحوار الذي أجرته معه «المساء» إن التقييم الأولي لهذه التجربة يؤكد أنها كانت «إيجابية جدا» مقارنة بالنظام القديم الذي كان يرتكز بالأساس على شهادة «الاحتياج». جيلالي حازم أضاف أنه «أصبح بإمكان المستفيد من هذا النظام إجراء عمليات جراحية كبرى لم تكن في السابق متاحة لهاته الفئة، فضلا عن عدد من العمليات المتعلقة بزرع الأعضاء والتكفل بالأمراض المزمنة والمكلفة من قبيل تصفية الكلى». ولتأكيد نجاح هاته التجربة قال حازم إن «عددا من المعوزين لم يكونوا من المستفيدين من قبل وأصبح بإمكانهم ذلك». هاته النظرة الوردية لتجربة «راميد» إلى أي حد تعكس الحقيقة، خصوصا إذا وضعناها لصق وجهات نظر أخرى تقول إن التجربة كانت ضعيفة جدا؟. القول بضعف تجربة «راميد» تتقاسمه العديد من النقابات والجمعيات، تجمع كلها على أن هذا النظام لم يفعَّل بطريقة صحيحة، وأن حكومة بنكيران كانت تفتقر إلى رؤية واضحة واستراتيجية، ولم تستفد من التجربة الأولية بجهة تادلة- أزيلال، وما اعتراها من تعثرات واختلالات. وأهم المؤاخذات التي وجهت إلى الحكومة في هذا الصدد كونها أدخلت «راميد» حيز التنفيذ دون أن توفر الشروط اللازمة لذلك، خصوصا على مستوى البنية التحية والموارد البشرية. إذ أن البنية التحتية الاستشفائية ظلت دون تغيير، كما أن النقص في الموارد البشرية كان كبيرا. وزير الصحة نفسه اعترف خلال تقديمه حصيلة الثلاث سنوات من تعميم «راميد» بأن «أهم الإكراهات التي ما زالت تواجه توسيع الخدمات الصحية لفائدة أكبر عدد من مستفيدي نظام المساعدة الطبية تتعلق بقلة الموارد البشرية». وكان هو شخصيا قدم تقريرا صادما عن الوضعية الصحية بالمغرب أمام مجلس المستشارين قبل سنة واحدة من تعميم نظام «راميد»، كشف فيه وجود مركز صحي واحد فقط لكل 42 ألف مواطن، وأقل من سرير لألف مغربي، وطبيب واحد لكل 1630 مواطنا، إضافة إلى حقائق أخرى صادمة. هذا النقص في الكادر الطبي وضعف البنية التحتية كان لهما تأثير سلبي على مستوى سلة العلاج المقدمة إلى المرضى وجودتها خلال تعميم العمل بنظام «راميد». كما أن التوزيع غير العادل للخدمات الصحية على المستوى الوطني (أغلب المستشفيات تتمركز في المناطق الحضرية، فيما أزيد من ربع سكان القرى يبتعدون عن أقرب مركز صحي بعشرة كيلومترات على الأقل)، وفرض وزارة الصحة على المستفيدين من «راميد» اللجوء فقط إلى المستشفيات الموجودة في إقليمهم، عقّد أكثر عملية الاستفادة. من المؤاخذات التي وُجهت أيضا إلى الحكومة أن المجانية التي وعدت بها كل حامل لبطاقة «راميد» كانت مجرد شعار لا علاقة له بما يحدث في الواقع. علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، قال مرة في أحد تصريحاته لوسائل الإعلام إن نسبة المجانية لا تتعدى 30 بالمائة من نفقات العلاج. فيما البقية يتحملها المستفيد بسبب غياب التجهيزات أو إصابتها بالأعطاب. وهو ما يجعله مضطرا في أحيان عدة إلى اللجوء إلى القطاع الخاص لإجراء بعض الفحوصات والتحليلات غير المتوفرة في المستشفيات وكذا شراء الأدوية. هذا المشكل يرجع بالأساس إلى ضعف تمويل نظام «راميد»، الذي لم يتجاوز 2.7 مليار درهم. مشكل التمويل يعتبره علي لطفي أهم الاختلالات التي يعانيها «راميد». إذ قال في الحوار الذي أجرته معه «المساء» إن «أهم الاختلالات والنواقص التي يشكو منها نظام المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود أو ما يسمى ب«الراميد»، منذ دخوله حيز التطبيق سنة 2012، تكمن في عدم التزام الحكومة بتمويله وتخصيص ما يقارب 2,7 مليار درهم لذلك. إذ إلى حدود اليوم لم يتم رصد أي اعتمادات مالية للمستشفيات العمومية، سواء الجامعية منها أو تلك المدبرة بطريقة مستقلة، علما أن نجاح هذا المشروع المجتمعي رهين بالقدرة على تمويله بغلاف مالي سنوي يحول إلى المستشفيات عبر الوكالة الوطنية للتأمين الصحي وفق قواعد محاسبية علمية من أجل تغطية تكاليف العلاج لكل المستفيدين من هذا النظام مجانا وبنفس الجودة وبنفس سلة العلاجات». هذه الاختلالات كلها هل يمكن أن تؤثر على استمرارية «راميد»، وتعجل بالتالي بنهايته؟ لنتذكر ما قاله وزير الصحة: «إن أكبر تحد يواجه نجاح هذا النظام أو التغطية الصحية الأساسية عموما هو استقراره وديمومته».
اختلالات التمويل وخصاص الأطباء والتجهيزات تهدد استمرار «راميد» حاملون للبطاقة مازالوا يتحملون مصاريف العلاج والتحاليل والأدوية المهدي السجاري بعد ثلاث سنوات من تعميمه، دخل نظام المساعدة الطبية «راميد» مرحلة مفصلية تطرح السؤال حول قدرة الحكومة على ضمان استمرارية هذا النظام بشكل يمكن الفئات الهشة والفقراء من الاستفادة من الخدمات الصحية العمومية بشكل لائق، خاصة أن وزير الصحة وعددا من المسؤولين حذروا في مناسبات مختلفة من الاختلالات البنيوية التي تهدد استمرارية «راميد». عندما أعطيت انطلاقة تعميم نظام المساعدة الطبية سنة 2012، كان أمل الفقراء والمهمشين كبيرا في أن يحدث هذا النظام الطموح نقلة نوعية في استفادة هذه الفئة من الخدمات الاستشفائية العمومية، قبل أن يصطدم هذا المشروع الاجتماعي الطموح بواقع القطاع الصحي الذي لم يشهد تطورا بالموازاة مع تنزيل «راميد» على أرض الواقع. نظام المساعدة الطبية يواجه اليوم اختلالات جوهرية تهدد استمراريته كما سبق لوزير الصحة أن صرح في أحد اللقاءات. أول هذه الاختلالات مرتبطة بالنموذج المالي لهذا النظام، وعدم التزام مختلف المساهمين بالميزانيات التي يتوجب عليهم تقديمها. فنظام التمويل يعتمد على 75 في المائة من التحويلات التي تقدمها الدولة، و6 في المائة تساهم بها الجماعات المحلية، على أساس 40 درهم عن كل مستفيد في وضعية الفقر، إلى مساهمة تقدر ب19 في المائة من طرف المستفيدين في وضعية هشاشة، على أساس أداء 120 درهما سنويا عن كل شخص مؤهل، على ألا تتعدى 600 درهم سنويا للأسرة. بيد أن المعطيات الصادرة عن وزارة الصحة كشفت عن وجود اختلالات في أداء مساهمات الجماعات المحلية الخاصة بتمويل النظام، إذ تم خلال سنة 2014 تحصيل 19 مليون درهم من أصل 291 مليون درهم تمثل عدد الحاملين للبطاقة في وضعية فقر خلال هذه السنة. وما يزيد في تعقد إشكالية التمويل هو الارتفاع السنوي للنفقات، إذ عرفت النفقات المتحملة من طرف المراكز الاسشفائية الجامعية في إطار «راميد» خلال سنة 2014 ما يفوق 950 مليون درهم، بزيادة 40 في المائة مقارنة مع سنة 2013. أما نفقات الخدمات الصحية المقدمة في المستشفيات العمومية فبلغت خلال الفترة نفسها 750 مليون درهم، مسجلة ارتفاعا بنسبة 45 في المائة. هذه الاختلالات التي تشوب عملية التمويل، تخللتها إشكالات ارتبطت باستفادة فئات منخرطة في أنظمة تأمين أخرى من الخدمات التي يوفرها «راميد». فحسب معطيات سبق للوكالة الوطنية للتأمين الصحي أن كشفت عنها، تم رصد حوالي 220 ألف شخص يحملون بطائق مزدوجة للتأمين، وهو ما دفع وزارة الداخلية إلى تشديد المراقبة، فيما أكد وزير الصحة على أنه ستتم مباشرة الإجراءات القانونية لاسترجاع نفقات العلاج. وفي هذا الخضم، يظل المواطن الحامل لبطاقة «راميد» الحلقة الأضعف. فاختلالات تمويل هذا النظام تجعل المؤسسات الصحية تقدم الخدمات الصحية بنفس عدد الموارد البشرية والتجهيزات التي كانت تتوفر عليها، وهو ما جعل المستشفيات العمومية والمراكز الاستشفائية الجامعية تعيش حالة ارتباك، خاصة في برمجة مواعيد إجراء التحاليل المخبرية والعمليات الجراحية غير الاستعجالية، حتى أن عددا من المواطنين وجدوا أنفسهم أمام مواعيد تتجاوز السنة الواحدة. وعلى مستوى الموارد البشرية مازال القطاع الصحي يعاني من نقص حاد في الأطر الطبية وشبه الطبية، إذ أن المستشفيات المغربية بحاجة إلى 7000 طبيب و9000 ممرض للقيام بواجبها في وضع يليق بظروف العمل في هذا القطاع الحساس. وضع يزداد تعقدا سنة بعد أخرى في ظل إحالة الآلاف من الأطر على التقاعد، بل ورفض بعضها الاشتغال في القطاع العام. وهكذا فقد كشفت دراسة حديثة عن استمرار تحمل المستفيدين من نظام المساعدة الطبية لنفقات الاختبارات الوظيفية خصوصا التصوير الإشعاعي الطبي، والفحوصات المخبرية، علاوة على الأدوية غير المتوفرة بالمستشفيات. كما خلصت هذه الدراسة أيضا إلى أنه رغم مجانية الولادة في المؤسسات الاستشفائية، إلا أن المستفيدين مازالوا يتحملون بعض النفقات سواء بالنسبة للأمهات أو المواليد. وأشارت إلى الضعف الحاصل على مستوى النقل الصحي في الجهات الثلاث. تعقد هذا الوضع يوازيه ضعف تأقلم المنظومة الصحية الوطنية مع التغيرات الديمغرافية والوبائية، في ظل الارتفاع المتزايد لحاملي الأمراض المزمنة كالسكري وقصور الكلي، وهو ما يكلف ذلك من نفقات مرتفعة ترهق ميزانية الدولة والمواطن. المنتظر العلوي، الكاتب الوطني للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، اعتبر في تصريح ل«المساء» أن نظام «راميد» يشكل مشروعا وطنيا اجتماعيا لا يمكن للأطباء إلا تثمينه والاعتزاز به وما عليهم إلا إنجاحه، خاصة أنه يحظى بالدعم المولوي، لكن تعترضه في الآن ذاته مجموعة من المشاكل كعدم تقديم المساهمات الخاصة بتمويله. وأوضح في هذا السياق أن «راميد» يعاني من اختلالات على مستوى تمويله، وذلك باعتراف وزارة الصحة، حيث سجل أن «راميد فتح باب مضاعفة أعباء العمل على الأطباء بما يشكل من ثلاث مرات أو أكثر في الوقت الذي تتناقص فيه الأطقم الطبية وشبه الطبيبة سنة بعد أخرى بسبب الإحالة على التقاعد، في مقابل تزايد الطلب على الصحة». ويرى العلوي أن «النقص الحاصل في الموارد البشرية يطرح مشاكل على مستوى مواعيد إنجاز التحاليل والفحوصات المخبرية، والتي يتم منحها على مدد تصل إلى شهرين أو ستة أشهر أو سنة في بعض الحالات، باستثناء الحالات الاستعجالية، وهو ما يجعل المواطنين غير راضين عن هذه الخدمات». ويضيف الكاتب العام للنقابة موضحا: «حصول المواطن على بطاقة «راميد» يعني بالنسبة إليه الاستفادة من الخدمات الطبية، وبالتالي فعندما لا تتم تلبية هذه الطلبات فإنه يصب جام غضبه على الطبيب ويتهمه بكونه المسؤول الأول على التعثر، رغم أن السبب هو غياب الموارد البشرية والبنيات التحتية اللازمة لتلبية طلبات المواطنين في حينها أو في مدة قصيرة». وأكد أن «الاشتغال بالأجهزة نفسها ومنح مواعيد لا تستجيب لرغبة المرضى يتسبب في تهجمات لسانية يومية على الأطر الطبية وشبه الطبية، وفي أحيان أخرى اعتداءات جسدية تستلزم تدخل الأمن». وسجل المتحدث ذاته أنه «من الناحية النوعية، فقد مكن هذا النظام من تحقيق عدد من الإنجازات، من خلال إجراء عمليات جراحية نوعية لحاملي بطائق «راميد»، لكن من الناحية الكمية، التي تعكس العمل اليومي بهذا النظام، فالنتائج لن تكون جيدة في حال عدم التغلب على المشاكل المطروحة». واعتبر أن «المواطن لم يحس بتغير ملموس بفضل «راميد»، رغم أنه تم إنجاز عمليات جراحية يفتخر بها، وفي المقابل فالمشاكل المرتبطة بالموارد البشرية والتجهيزات مازالت مطروحة، وتمت إضافة أعباء جديدة على الأطباء وباقي الأطر». وخلص العلوي إلى أن أكثر من نصف المواطنين المغاربة لا يتوفرون على التغطية الصحية سواء الإجبارية أو «راميد»، وهو ما يستوجب الاعتناء بالقطاع العمومي وتوفير الأرصدة المالية الكافية، على اعتبار أن المغرب بعيد عن المستويات التي تفرضها منظمة الصحة العالمية. اليوم يواجه نظام «راميد» تحديات مختلفة، لعل أبرزها بالنسبة للمواطن المستفيد من هذه البطاقة، هو توفير الموارد البشرية الكافية والمنتشرة بشكل متكافئ على مختلف أجزاء الخريطة الصحية في البلاد، مع توفير التجهيزات الضرورية لإجراء التحاليل والفحوصات المخبرية، حتى لا يضطر الكثيرون للجوء إلى القطاع الخاص أمام مواعيد تصل إلى سنة وأكثر».
جيلالي حازم: هناك نواقص كبيرة لازالت تعتري نظام المساعدة الطبية حاورته – خديجة عليموسى أكد جيلالي حازم، المدير العام للوكالة الوطنية للتأمين الصحي، أن هناك نواقص تعتري وتعترض نظام المساعدة الطبية «راميد» من ضمنها العرض الصحي الذي اعتبر توزيعه غير منصف وغير عادل على مستوى التراب الوطني. وأبرز حازم أن من بين المشاكل التي تعترض النظام عدم مراقبة مدى صحة «التصريح بالشرف» الذي يتم اعتماده من أجل تمكين المواطن من بطاقة «راميد»، وهو ما يجعل عددا من الميسورين يستفيدون من خدمات موجهة للفقراء والمعوزين. وتحدث المدير العام للوكالة الوطنية للتأمين الصحي عن أن شهادة «الاحتياج» كانت تحط من كرامة المواطنين، عكس نظام «راميد» الذي يدخل ضمن الحقوق الدستورية للفقراء الذين تتكفل الدولة بأداء مصاريف علاجهم. – من المرتقب أن تعقدوا المجلس الإداري للوكالة الوطنية للتأمين الحصي يوم 18 من الشهر الجاري، وسيكون هناك تقييم لتنفيذ نظام المساعدة الطبية «راميد»، هل يمكن أن تكشفوا لنا عن المعطيات الأولى الخاصة بهذا التقييم؟ لدينا حاليا، حوالي 8،4 من المستفيدين يتوفرون على بطاقات توفر لهم خدمات صحية بالمجان سواء بالمراكز الصحية أو بالمستشفيات العمومية أو بالمستشفيات الجامعية. طبعا خلال انعقاد المجلس الإداري يوم 18 من شهر ماي الحالي سنقدم تقييما لهذه التجربة، ونرى من خلال التقييم الأولي أن هذه الآلية «إيجابية جدا» لكونها تحل عددا من المشاكل، إذ أنه أصبح بإمكان المستفيد من هذا النظام إجراء عمليات جراحية كبرى التي لم تكن في السابق متاحة لهذه الفئة، فضلا عن عدد من العمليات المتعلقة بزرع الأعضاء والتكفل بالأمراض المزمنة والمكلفة ماديا من قبيل تصفية الكلي، حيث أن عددا من المعوزين لم يكونوا من بين المستفيدين من قبل، وأصبح الآن بإمكانهم ذلك، بل حتى في حالة عدم توفر المستشفى العمومي على هذه الخدمة فإنه يقتنيها من القطاع الخاص، وبالتالي فهناك إيجابيات كثيرة التي تبدو جليا عندما نقارن هذا النظام «راميد» بالنظام القديم الذي كان يعتمد على شواهد الاحتياج. عموما لقد أصبح لهذه الفئة آلية تستفيد منها في مجال الصحة، غير أنه يمكن الحديث عن مدى توفر الخدمات الصحية وهل هي كافية أم لا؟ ومدى جودتها وهذا يدخل في إطار الإمكانيات البشرية والمالية التي تتوفر عليها المستشفيات بصفة عامة. – وجود الإيجابيات من خلال تقييمكم لتطبيق نظام المساعدة الطبية «راميد» لا يعني أن تطبيق هذا النظام لا يخلو من مشاكل واختلالات سبق أن تم تشخيصها من لدنكم والشيء ذاته من قبل وزير الصحة. بصفة شمولية هناك إيجابيات كثيرة، فبلادنا كانت تعتمد على شواهد الاحتياج التي لا تحفظ كرامة الإنسان، أما الآن فأصبح للمواطن المعوز بطاقة تعتبر بمثابة تأمين عن مخاطر المرض، بطبيعة الحال فنحن في بداية تطبيق هذا النظام الذي لم يمر عليه سوى ثلاث سنوات، إذ لا زالت بعض النواقص تعتريه وتعترضه، من ضمنها العرض الصحي الذي ما زال غير موجود، لأن توزيعه غير منصف وغير عادل على مستوى التراب الوطني، إذ لا توجد مستشفيات جامعية بكل الجهات ولا توجد مستشفيات إقليمية كافية، ولا يوجد الأطباء والممرضون بالمراكز الصحية بالشكل الكافي، هناك أيضا قلة الموارد البشرية التي يشكو منها النظام الصحي بالمغرب، لأن هذه الفئة لا يمكن أن تستفيد من مجانية العلاج سوى في القطاع العمومي، هذا الأخير الذي يعرف عددا من النقائص وحتى وزير الصحة يقر بذلك. ويمكن القول إن المستشفيات تشكو من إشكاليتين أساسيتين أولهما: النقص في التدبير بطريقة عصرية يتم فيها اعتماد آليات حديثة ومتطورة، ثانيهما إشكالية عدم توفر القطاع العام على تمويل كاف لتوفير هذه الخدمة بشكل مستمر وبجودة عالية. ويمكن الحديث عن أنه من النقائص أيضا عدم خضوع «راميد» لمنطق المراقبة، إذ أنه عندما يتسلم المستفيد بطاقة فإنه يمكن له أن يطلب أي خدمة أو أي علاج دون معرفة ما إذا كان ذلك ضروريا أم لا. – معنى هذا أن المستفيد يرغب في إجراء الفحوصات والعلاج بغض النظر عما إذا كان في حاجة لها أم لا. طبعا فالمؤمن له سلة علاجات محصورة، وله أدوية يمكن أن يسترد مصاريفها وأدوية لا يمكن له ذلك، وهناك فارق يؤديه المستفيد من جيبه حوالي 30 في المائة، بينما المستفيد من نظام المساعدة الطبية لا يمكن له أن يؤدي أي شيء، لأن لديه بطاقة تمكنه من الحصول على جميع العلاجات، ولذلك فإن الآلية المجانية بشكل مطلق لا يمكن لها سوى أن تحدث بعض المشاكل. – من بين الاختلالات التي عرفها نظام «راميد» والتي سبق أن أعلن عنها وزير الصحة وجود 220 ألف مستفيد من نظام المساعدة الطبية يتوفرون في الآن ذاته على بطاقة التأمين عن المرض، وهو ما يعني أن هناك استفادة من علاجات على حساب الفقراء والمعوزين، أين وصل هذا الملف؟ هذا المشكل تم حله وتحكمنا فيه عبر نظام المراقبة القبلية، التي قمنا بها بتنسيق مع وزارة الداخلية، وخلال يناير 2014 قمنا بوضع لوائح لهذه الفئة ووضعنا آليات متعددة للقضاء على هذا المشكل من خلال التنسيق المحكم مع الهيئات المدبرة للتأمين وتم تبادل المعطيات والمعلومات ولا يمكن أن تمنح البطاقة إلى الذين يتوفرون على ازدواجية النظام. – لكن هناك أغنياء وميسورون لا يتوفرون على أي نظام للتأمين، لكن يتوفرون على بطائق «راميد» إن هذا سببه عدم مراقبة مدى صحة التصاريح، التي تستند على التصريح بالشرف، ليست الوزارات المعنية أو الوكالة الوطنية للتأمين الصحي أو السلطات المحلية هي التي تقرر في من هو مؤهل للاستفادة، بل إن تصريح المعني بالأمر هو الذي يقرر في أهليته للحصول على البطاقة، وإذا «كذب» فهو من يتحمل المسؤولية، وبالتالي فمراقبة صدقية التصريح ما زالت لا تتم، فقد تكون هناك حالات مستفيدة لا تستحق ذلك، ولكن هذا يتطلب أن يقوم الجميع بلعب دورهم، إذ أن القانون يفرض نشر لوائح المستفيدين على مستوى المقاطعات، فينبغي لجمعيات المجتمع المدني والمواطنين أن يبلغوا عمن لا يستحق الاستفادة. – من بين المشاكل التي تعترض المستفيدين من «راميد» تعدد المتدخلين، فضلا عن اشتراط القرب الجغرافي من المستشفيات وهو ما يحرم عددا من المواطنين من العلاج، ما تعليقكم؟ هذا نابع من عدم تجانس العرض الصحي على مستوى الأقاليم والجهات، فلا توجد مراكز استشفائية على جميع الجهات، فمثلا مستفيد من النظام يقطن بالعيون وكانت حالته الصحية تقتضي ولوج مستشفى جامعي، فإن ذلك يتطلب انتقاله إلى مدينة مراكش، وهذا مكلف بالنسبة له، عكس مستفيد ينطلق من مركز صحي بالرباط ويلج المستشفى الجامعي بالمدينة نفسها، وهذا راجع إلى عدم العدل في العرض الصحي بالمغرب وعدم الإنصاف في الولوج الجغرافي. فهذا مشكل قائم، ولكن الأهم هو توفير الخدمة لأن المواطن يتحمل التنقل مقابل أن يتوفر له العلاج اللازم. – هناك مواطنون يشتكون من العامل السيئ لبعض الأطر الطبية مع المستفيدين من نظام المساعدة وهو ما يعتبر نيلا من كرامتهم، هل تتوصلون بهذا النوع من الشكايات؟ توصلنا ب3500 شكاية خلال مدة سنة ونصف، غير أنه لم نتوصل بأي شكاية من هذا القبيل، هناك شكايات تتعلق بتأخر تسليم البطائق، وشكايات تتعلق بالمساهمة الرمزية المالية التي تقدمها بعض الفئات، وشكايات تتعلق بالمواعيد، وشخصيا لم يسبق أن توصلت بهذا النوع من الشكايات التي تفيد أن هناك تعاملا يسيء لمهنيي الصحة مع المستفيدين، يمكن أن تكون وزارة الصحة تتوصل بهذا النوع من الشكايات، ولكن نحن كوكالة وطنية لم يسبق أن بلغنا بمثل هذه السلوكات، بل بالعكس هناك شبابيك خاصة بهذه الفئة داخل المستشفيات، ويمكن القول إن التعامل مرتبط بالتربية، والمواطن عندما يتوجه إلى مرفق آخر غير المرفق الصحي فقد يجد تعاملا من هذا النوع. وحاليا لا توجد نظرة دونية لهؤلاء المواطنين، عكس النظام السابق الذي كان يعتمد على شواهد الاحتياج التي كانت تحط من كرامتهم، أما حاليا المواطنون يعون جيدا أن مجانية العلاج بالنسبة للمعوزين حق دستوري، وأن بطاقة «راميد» بمثابة بطاقة تأمين، فالدولة هي التي تؤدي بدلهم مصاريف العلاج، وهناك فئات تساهم وكذلك الجماعات المحلية تساهم بدورها في الأموال المرصودة لنظام المساعدة الطبية، هناك مشكل في التواصل، ولقد وقعنا اتفاقية مع وزارة الصحة من أجل التواصل والتكوين لمواكبة بعض المصالح المعنية بالأمر من مهنيين وغيرهم.
التعاطي السيئ مع حاملي «راميد» يدفع الوزارة إلى تغييرات كبرى للمسؤولين وزير الصحة يأمر باعفاء وتنقيل 61 مسؤولا بسبب نظام المساعدة الطبية إسماعيل روحي خلافا للأهداف المنتظرة من نظام المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود لتحسين المؤشرات الصحية وتغطية النفقات الصحية والتقليص من تحمل الأسر المغربية للنفقات الصحية، فإن هذا النظام لم يحقق الأهداف المرجوة منه مثل التخفيف عن الفئات الفقيرة والهشة وضمان الولوج إلى العلاج المجاني لها. وانطلق النظام كفكرة متقدمة تروم توفير العلاج المجاني لملايين المغاربة الذين ظلوا لأزيد من 50 سنة خارج أنظمة التغطية الصحية، غير أن المشاكل التي صاحبت تنزيل النظام المذكور على أرض الواقع أدت إلى عدم الوصول إلى النتيجة التي كانت منتظرة منه. حيث عرف تمويل نظام المساعدة الطبية لدوي الدخل المحدود منذ سنته الأولى اختلالات وتعثرات كبيرة وتجميدا للنفقات المبرمجة له، والتي لم يتم تحويلها إلى يومنا إلى المستشفيات العمومية رغم مصادقة البرلمان على الغلاف المالي المرصود للنظام في إطار ما يسمى بصندوق دعم التماسك الاجتماعي، كما ساهم تعقيد المساطر المتبعة في الوصول إلى العلاج من محدودية نجاعة النظام. هذه المشاكل التي يعرفها نظام المساعدة الطبية لخصها وزير الصحة الحسين الوردي في عاملين أساسيين أولهما كثرة المتدخلين، إلى جانب ما وصفه بالحسابات السياسوية التي أثرت على تطبيق النظام المذكور. وعجلت الاختلالات التي عرفها النظام والتي وقف عليها وزير الصحة خلال زيارات ميدانية لمجموعة من المؤسسات الصحية موزعة بين مستشفيات ومراكز صحية بمختلف مدن المملكة، وخاصة داخل أقسام المستعجلات التي يعاني داخلها حاملو بطاقة الراميد مشاكل كبيرة مع التعقيدات الإدارية بحملة إعفاءات في صفوف مسؤولي تلك المستشفيات والمراكز الصحية. حيث اتخذ الوردي شهر غشت الماضي قرارا يقضي بإعفاء وتنقيل 61 مسؤولا يتوزعون بين مندوبين للوزارة ومدراء مستشفيات عمومية ومراكز صحية، بناء على تقارير لجان تفتيش قامت بافتحاص خدمات المؤسسات الصحية المذكورة وفي مقدمتها الخدمات التي تقدم إلى حاملي بطاقة «الراميد». واحتلت جهة الدارالبيضاء باعتبارها أكبر مركز اقتصادي وتضم المراكز الاستشفائية الكبرى النصيب الأكبر في حركة التغييرات التي عرفتها مناصب المسؤولية بوزارة الصحة، من خلال تنقيل 28 مسؤولا، وجاء تعليل وزارة الصحة قاسيا لقرارات الإعفاء من خلال التأكيد على أنه لا يمكن تطوير العرض الصحي والنهوض بالخدمات الصحية، باعتبارها إحدى الخدمات الأساسية والحيوية دون موارد بشرية كفئة ومؤهلة للقيام بمسؤولياتها بكل تفان وحزم وانضباط، في إشارة إلى عدم الرضا على الطريقة التي كانت تدار بها الأمور في السابق. وانطلاقا من الوضعية المزرية التي تعاني منها المستشفيات العمومية يتبين أن حامل بطاقة الراميد يتحمل لوحده نفقات العلاج ومن جيبه وما يترتب عن ذلك من أثار ومخلفات سلبية منها عدم متابعة العلاج وتحمل مضاعفات المرض المزمن، هذا الوضع يؤكده التقرير الأخير للشبكة المغربية للحق في الصحة الذي أظهر أن ما يقارب 70 في المائة من المرضى يجابهون المصاريف المرتفعة للصحة والتي يمكن أن تتسبب في تفقيرهم، على اعتبار أن أكثر من 54 في المائة من الإنفاق الكلي على الرعاية والخدمات الصحية هو إنفاق ذاتي مصدره من جيوب الأفراد والأسر المغربية وتدفع بطريقة مباشرة من قبل المواطن. فبسبب التحمل الثقيل على الدخل الضعيف أصلا لشريحة واسعة من المواطنين المغاربة، فإن 20 في المائة من المواطنين الفقراء وذوي الدخل المحدود يضطرون لبيع ممتلكاتهم من أجل العلاج ولشراء الأدوية.
وزير الصحة يأمر باعفاء وتنقيل 61 مسؤولا بسبب نظام المساعدة الطبية تأخير المواعيد واشتراط القرب الجغرافي عطلا الاستفادة من خدمات «راميد» هيام بحراوي إذا كان نظام المساعدة الطبية قد مكن شرائح واسعة من المواطنين المصنفين في وضعية هشاشة، من الاستفادة من الخدمات الصحية المجانية، فإن الممارسة المهنية تكشف حقائق صادمة يعاني منها المواطن المغربي المستفيد من خدمات بطاقة «راميد» الذي يقضي يومه يبحث عن العلاج، متكبدا مشقة التنقل من مستشفى إلى آخر، احتراما للمسالك التي نص عليها النظام والتي بسببها أصبح المستفيدون من البطاقة يجدون صعوبات جمة في الاستفادة من الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية. تحكي السيدة سمية «اسم مستعار» يعاني زوجها من ألم فظيع على مستوى الكلية تطلب إجراء عملية جراحية، إذ تقول إن المستشفى الجامعي ابن رشد بالدارالبيضاء رفض استقبال زوجها في البداية رغم توفره على توصيل الاستفادة من بطاقة راميد، إذ طولب بأداء مبلغ العملية المكلف، الذي لا تستطيع تدبره نظرا لفقر الزوج وتوقفه عن العمل، مضيفة أنه بعد تدخل أحد معارفها تمكنت من الدخول برفقة زوجها متحملة عناء «الصعود والنزول» لتحضير الوثائق اللازمة احتراما للإجراءات المعمول بها التي تستدعي من المرضى الوقوف في صف طويل منذ الخامسة صباحا للحصول على ختم من الإدارة المكلفة، هذا الطابور الطويل تؤكد المتحدثة يتجاوز عدد المتواجدين به 300 مريض جاءوا من كل حدب وصوب للاستفادة من الخدمات التي تتشدق –على حد تعبيرها- بالمجانية لكنها في حقيقة الأمر لا علاقة لها بها لا من قريب ولا من بعيد. سيدة أخرى تحدثت إليها «المساء» تعاني من مرض في الغدة الدرقية، تتوفر على بطاقة راميد، لكنها مع ذلك تقول مطالبة بإجراء أحد التحاليل من مالها الخاص لأن المستشفى لا يتوفر عليه، متسائلة عن جدوى راميد إذا كان الإنسان سيدفع من جيبه، مؤكدة أن هناك تعقيدات فيما يخص الإجراءات بحيث أن المواطن «تيسخسخوه مزيان عاد يدخل عند الطبيب»، كما فضحت المتحدثة مظاهر مثل «المحسوبية والزبونية» التي مازالت متفشية في مجموعة من المراكز الصحية والمستشفيات، والتي تضيف» لولاها لظل المريض يعاني من الألم دون أن يكترث لمرضه أحد». ومن ضمن المعيقات التي تؤزم نفسية حاملي بطاقة راميد، وتؤخر استفادتهم من العلاج، ضرورة احترام مسالك العلاجات. فبالرغم من أن المدافعين عن نظام المسالك يقولون إن هذا الأخير جاء من أجل ضبط الاستفادة من العلاج من خلال انتقال المريض أو المستفيد إلى أقرب مركز صحي ملحق بمقر سكنه المشار إليه في بطاقة راميد، وأنه إذا لزم الأمر فإن الطبيب يحيله إلى أقرب مستشفى داخل جهته أو يحيله مباشرة على المستشفى الجامعي في حال كانت حالته خطيرة، فإن مجموعة من المهنيين المعايشين للمرضى ولمعاناتهم يعتبرون أن اشتراط القرب الجغرافي من المستشفيات حرم آلاف المرضى من الوصول إلى العلاج. إسماعيل المهداوي الكاتب الإقليمي للجامعة الوطنية لقطاع الصحة بمكناس المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أوضح في اتصال هاتفي، أن الإكراهات التي يتجرعها حاملو بطاقة راميد تتجلى في كون حاملي توصيل الاستفادة من خدمات نظام المساعدة الطبية لا يستفيدون من العلاج ولا يتم قبولهم بالمستشفيات إلا إذا قاموا بأداء ثمن العلاج، فالتوصيل يسمح لهم بالاستفادة من خدمات أقسام المستعجلات، إلا إذا كانت هناك حالات استثنائية، ففي هذه الحالة يسمح لهم بالعلاج ريثما يتم جلب بطاقة راميد. أما الإكراه الثاني، يشرح المتحدث، فيتجلى في ضرورة احترام نظام المسالك، الذي وجد حسب تعبيره عدة معيقات من حيث تطبيقه، عمقت معاناة المرضى بدل حلها، إذ أن حامل بطاقة راميد لا يمكنه الاستفادة من خدمات البطاقة إلا في الجهة التي ينتمي إليها وفق نظام صحي تراتبي بإيعاز من الطبيب الذي أشرف على فحصه في المركز الصحي. أما الإكراه الثالث، فيتجلي بحسب ما صرح به المهداوي في ضعف المداخيل، لأن مجموعة من المستشفيات أضحت مهددة بالإفلاس بسبب عدم مدها بالدعم المادي الذي وعدتها به الوزارة الوصية، إذ أكد أنه في مستشفى محمد الخامس بمكناس مثلا، المداخيل تقلصت ب90 في المائة عن سابقاتها من السنوات، الأمر الذي قلص الخدمات وجودتها وجعل المواطنين يتكبدون مشاكل في التنقل من مستشفى إلى آخر بحثا عن العلاج، بسبب قلة التجهيزات وقلة الموارد البشرية، وسوء توزيع المراكز الصحية والمستشفيات الجامعية على الصعيد الوطني.
لهذه الأسباب يفشل المرضى الحاصلين على بطاقة الراميد في الولوج إلى المصحات الخاصة أحمد بوستة إذا كان العديد من متتبعي الشأن الصحي على المستوى الوطني يؤكدون أن محدودية الإمكانات المادية واللوجستيكية والبشرية في المستشفيات العمومية تحول دون تقديم خدمات صحية في المستوى المطلوب لعموم المغاربة، بما فيهم الحاصلين على بطاقة الرميد، فهناك من يؤكد أنه حان الوقت لانخراط القطاع الصحي الخاص في هذه العملية، خاصة أن هناك مجموعة من أطباء القطاع الخاص مستعدون لعلاج المرضى المعوزين الحاصلين على بطاقة الراميد بالامتيازات نفسها التي تتيحها هذه البطاقة في المستشفيات العمومية، وهو ما سيعطي الحق للمريض في اختيار طبيبه المعالج، وكذا تسهيل المأمورية على الدولة وتخفيف الضغط الكبير الذي تعرفه المستشفيات العمومية على الصعيد الوطني. وستتيح إمكانية فتح أبواب القطاع الخاص أمام المرضى المعوزين والحاصلين على بطاقة الراميد من استفادتهم من جميع المعدات والوسائل التقنية الجديدة التي تتوفر بالمصحات والعيادات الخاصة، وقال مصدر طبي ل «المساء» «إن فتح أبواب القطاع الخاص أمام المرضى المعوزين والحاصلين على بطاقة الراميد بإمكانه أن يرفع من جودة الخدمات الصحية للمواطنين، الذين رغم أنهم حاصلين على هذه البطاقة إلا أنهم بالمقابل لا يستفيدون من خدمات جديدة، كما أن مواعيد إجراء الفحوصات في المستشفيات العمومية تتطلب وقتا كبيرا، الأمر الذي يثير تذمرا بالنسبة للعديد من المرضى وعائلاتهم. وأكد بناني الناصري، الكاتب العام للنقابة الوطنية لأطباء القطاع الخاص، أن أطباء القطاع الخاص تقدموا قبل سنوات بمذكرة يؤكدون من خلالها على استعدادهم لعلاج المواطنين المعوزين بتكلفة القطاع العام. وقال المتحدث ذاته « لقد طالبنا بهذه القضية منذ سنوات، فأطباء القطاع الخاص مستعدون للتكلف بعلاج جميع المرضى المعوزين بالتكلفة نفسها الموجودة في القطاع العام وتقدمنا باقتراح للحكومة بهذا الخصوص، على اعتبار أن جميع المعوزين بالمغرب يتم منحهم بطاقة الراميد التي يمكن الاستعانة بها لدى أطباء القطاع الخاص ويستفيدون من التكلفة نفسها، لكن لم يتم الرد على هذا الاقتراح. وأضاف المتحدث ذاته أن هذه المذكرة تم تقديمها إلى كل من الوزير الأول السابق إدريس جطو ووزيرة الصحة في حكومة عباس الفاسي، ياسمينة بادو، وحسين الوردي، وزير الصحة الحالي، إلا أنه لحد الساعة لم يتم فتح حوار معهم بخصوص هذه القضية، وأشار إلى أن القطاع الخاص مستعد للانخراط في التخفيف من معاناة المواطنين المعوزين شريطة التعامل الإيجابي للحكومة مع المذكرة التي تتعلق بهذه القضية. وإذا كان بناني الناصري يؤكد على أن هناك استعدادا بالنسبة للقطاع الصحي الخاص في المغرب للانخراط في التخفيف من معاناة المرضى المعوزين بصفة عامة، فإن الكرة حاليا في مرمى الحكومة، خاصة أن هناك الكثير من المواطنين الذين يعانون من أمراض فتاكة ويتكبدون رفقة عائلاتهم صعوبات كثيرة، وفي حالة السماح للمرضى الحاصلين على بطاقة الراميد بالاستفادة من الخدمات الصحية للقطاع الخاص يمكن لأي مريض العلاج في أحسن المستشفيات الخاصة بتكاليف مناسبة، بالتالي تعميم العلاج الجديد لجميع المواطنين كيفما كانت وضعيتهم الاجتماعية، سيما أن الحق في الصحة يبقى من أبسط حقوق المواطنة في أي بلد في العالم. ويؤكد مصدر «المساء» أنه ليس من المعقول حرمان فئة عريضة من المواطنين من الإمكانات المادية المتوفرة في القطاع الخالص وذلك رغم توفرهم على بطائق الراميد، خاصة أن العديد من أطباء القطاع الخاص ليس لهم أي مشكل في هذه القضية وهم مستعدون، كما جاء في شهادة الدكتور محمد بناني الناصري في مناسبات كثيرة، لفتح أبوابهم للفئات المعوزة التي تضيق بها السبل في المستشفيات العمومية، فالهدف الذي يجب أن يكون الجميع معنيا بتحقيقه هو تعميم التغطية الصحية على جميع المغاربة، لأن هذه القضية تشكل حاليا أولى الأوليات بالنسبة للعديد من المرضى الذين يجدون أنفسهم مجبرين على انتظار موعد طويل في مستشفى عمومي يأتي بعدما يكون المعني بالأمر سلم الروح إلى باريها.
علي لطفي: تحويل أموال «راميد» لتغطية تكاليف شراء لقاحي ياسمينة بادو عطل المشروع حاوره – اسماعيل روحي قال علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، إن وزارة الصحة السابقة عطلت مشروع «الراميد» بعدما أخرجت مرسوما يتنافى مع القانون لتحويل مخصصات النظام لتغطية تكاليف شراء اللقاحين الشهيرين، وأكد في حوار مع «المساء» أن وزارة المالية كذلك لم تقتنع بعد بالمشروع وتسعى إلى تكريس ثقافة التقشف وتحقيق مكاسب على حساب صحة الفقراء. واعتبر لطفي أنه من اللازم والضروري اليوم الانتقال من ثقافة الصدقة والعمل الخيري بخصوص هذا النظام وإعمال الواجب الوطني والمجتمعي التضامني ومسؤولية الدولة اتجاه مواطنيها المستضعفين، للاستفادة المجانية من العلاج كحق من حقوق الإنسان، وتبسيط مساطر الحصول على بطاقة «راميد» وإلغاء الشروط الحالية التي وصفها بالمجحفة – ما هي أهم الاختلالات التي عرفها نظام المساعدة الطبية «راميد»؟ أعتقد أن أهم الاختلالات والنواقص التي يشكو منها نظام المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود أو ما يسمي بالراميد، ومنذ دخوله إلى حيز التطبيق سنة 2012 تكمن في عدم التزام الحكومة بتمويله وتخصيص ما يقارب 2,7 مليار درهم لذلك، فإلى حدود اليوم لم يتم رصد أية اعتمادات مالية للمستشفيات العمومية سواء الجامعية منها وتلك المدبرة بطريقة مستقلة، علما أن نجاح هذا المشروع المجتمعي رهين بالقدرة على تمويله بغلاف مالي سنوي يحول للمستشفيات عبر الوكالة الوطنية للتأمين الصحي وفق قواعد محاسبية علمية من أجل تغطية تكاليف العلاج لكل المستفيدين من هذا النظام مجانا وبنفس الجودة وبنفس سلة العلاجات. لكن مع الأسف الشديد لا شيء من أهداف هذا النظام تحقق على أرض الواقع، فالكل يعرف أن المستشفيات العمومية والمراكز الاستشفائية الخمسة تعاني من ضائقة مالية كبيرة، وأصبحت عاجزة عن توفير إمكانات الاستثمار والتسيير فضلا عن شراء الأدوية وصيانة التجهيزات الطبية. لقد تم إغراقها بالديون لأن العملية الصحية لا يمكن أن تتوقف، فأصبحت تواجه ضغط وتهديد الشركات بتوقيف تزويدها بالمستلزمات الطبية والدوائية والغداء وغاز الأكسيجين. فبعضها مهدد بالإفلاس، لم يعد قادرا على أداء حتى فاتورات الماء والكهرباء المرتفعة، فديون المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد مثلا وصلت إلى ما يقارب 3 مليارات، أما معهد باستور بالبيضاء فقد قرر عدم القبول مستقبلا ورفض إجراء تحليلات طبية للفقراء حاملي بطاقة الراميد، وبالتالي فحامل بطاقة الراميد يؤدي من جيبه ما يقارب 70 في المائة من تكاليف العلاج، كما أن مؤشر مساهمة الأسر في التكاليف الإجمالية للصحة وصلت إلى 60 في المائة. أما الاختلالات الأخرى فأعتقد أنها عامة، تمس جميع جوانب المنظومة الصحية التي تسير من سيئ إلى أسوء وتعيش حالة الاحتضار. فالتقرير الأخير الذي قدمه المجلس الأعلى للحسابات حول قطاع الصحة جد مثير وتضمن مجموعة من الاختلالات على المستوى التشريعي، حيث القوانين متقادمة جدا، إلى جانب غياب تنزيل لخريطة صحية عادلة مجاليا أو على مستوى الموارد البشرية وخاصة قلة الأطباء والممرضين وسوء التسيير والتدبير والهدر. فوجود ما يقارب 151 مؤسسة للعلاجات الصحية الأساسية جاهزة وغير مشغلة في المجالين الحضري والقروي يعتبر وضعية شاذة وغير مقبولة بالنظر إلى الخصاص الذي يعرفه قطاع الصحة العمومية في المغرب على مختلف المستويات، خاصة الموارد البشرية والمالية، هذا فضلا عن غياب سياسة ناجعة للصيانة، سواء منها الإصلاحية أو الوقائية لضمان توفير الخدمات العمومية العادية والمستعجلة بصفة دائمة وبالجودة المطلوبة. – ما هي الأسباب التي جعلت الوكالة الوطنية للتأمين الصحي لا تشرف على نظام «راميد» كما كان مقررا؟ مما لاشك فيه أن هناك جهات حكومية تريد خلق وضعية ضبابية بين الميزانية المخصصة للقطاع الصحي ككل والميزانية التي من المفروض أن ترصد لنظام المساعدة الطبية لدوي الدخل المحدود والخلط بينهما. فالقانون 65.00 المتعلق بتدبير مالية نظام المساعدة الطبية لدوي الدخل المحدود واضح ولا يحتاج إلى تأويل أو اجتهاد من أي طرف كان، بل يجب تنزيله ووضع مراسيم واستراتيجية لتطبيقه، كما أن المادتان 60 و 127 من القانون السلف الذكر تخول للوكالة الوطنية للتأمين الصحي صلاحية ومهمة تدبير مالية نظام المساعدة الطبية لذوي الدخل المحدود في إطار صندوق خاص وبمجلس إداري خاص بالوكالة يقوم بوضع خطط تدبير نفقات النظام وتقييم نتائجه. لكن الوزارة السابقة أخرجت مرسوما يتنافى مع القانون لتحويل مخصصات النظام لتغطية تكاليف شراء اللقاحين الشهيرين مما أدى إلى تعطيل هذا المشروع في مهده. ثم إن وزارة المالية لم تقتنع بعد بالنظام نفسه وتسعى إلى تكريس ثقافة التقشف وتحقيق مكاسب على حساب صحة الفقراء، فهي من بين القطاعات التي تضع العصا في العجلة للخلط بين ميزانيتين منفصلتين ومداخلها من الدولة والجماعات المحلية والمواطنين في وضعية هشاشة، الذين يؤدون من ميزانيتهم الضعيفة مساهمة سنوية تعادل 600 درهم للأسرة، دون أن تستفيد هذه الأخيرة من مجانية العلاج، كما نص على ذلك القانون بسبب عجز المستشفيات وفراغها من كل شيء، ونستغرب أن وزارة الداخلية ووزارة الصحة اللتين تتحملان مسؤولية تحديد الفئة المستهدفة ترفضان بدورهما تطبيق القانون واحترامه، وتبحثان عن مخرج لطرح جديد غير موضوعي يرمي إلى تحويل نفقات النظام إلى وزارة الصحة لتغطية نفقات أخرى خارج النظام كتأهيل المستشفيات التي استفادت من قروض البنك الدولي بملايير الدراهم، وذهبت كلها أدراج الرياح ولازلنا نؤدي ثمنها للبنك إلى اليوم، ومستشفياتنا تراجعت بشكل أخطر مما كانت عليه. وتحويل هذه الأموال إلى وزارة الصحة بدل الوكالة الوطنية التي تسعى إلى وضع نظام للحكامة والمراقبة والتتبع والمحاسبة وإلى تأهيل المستشفات التي لا تقع في أخطاء الماضي نفسها، علما أن عدد المستفيدين من بطائق الراميد فاق 10 ملايين، وهذا يعني أن نظام المساعدة الطبية بجانب السياسة الاجتماعية المتبعة تنتج الفقر ولا تعمل على التقليص منه، فتقييم نتائج هذا النظام من طرف جهات محايدة سيفضح المستور، أي الفشل الكبير لنظام الراميد بعد أربع سنوات من تنفيذه. – ما مدى صحة الشكايات الصادرة عن بعض حاملي بطاقة «الراميد» من عدم مجانية الخدمات الصحية؟ أعتقد أنه لم يعد هناك من يجادل في أوضاع المستشفيات العمومية بالمغرب وما وصلت إليه من تردي وعجز مخيف إلى درجة أن الثقافة السائدة اليوم في مستشفياتنا العمومية هي الأداء المسبق، ولا أكتراث بالوضعية الاجتماعية للمواطن فقيرا كان أم معوزا. وحتى إن قدم بطاقة «راميد» فيعامل كمواطن من الدرجة الثالثة عليه دخول ثلاجة الانتظار والمواعيد الطويلة والأجهزة المعطلة. فاليوم وخلافا لما يشاع من طرف وزارة الصحة، وخلافا للفترة التي كنا نتعامل فيها بشهادة الاحتياج، أصبح واجبا على المرضى المحتاجين حاملي بطاقة «راميد» أو الوصل الذين تم قبولهم بالمستشفيات العمومية تغطية نفقات تشخيص أمراضهم وعلاجهم بنسبة تفوق أحيانا 70 في المائة من جيوبهم وجيوب أسرهم، و76 في المائة بالنسبة للأدوية، وفي أغلب الأحيان يوجهون للقطاع الخاص للقيام بتشخيص وبتحليلات مختبرية، علاوة على شراء الأدوية من الصيدليات، وحتى المستعجلات لم تسلم من هذه القاعدة. – كيف تنظرون إلى مستقبل الرعاية الطبية بهذه الوثيقة وماذا عن اقتناء الدواء بها؟ المنظومة الصحية اليوم بنظاميها التأمين الإجباري عن المرض ونظام المساعدة الطبية لدوي الدخل المحدود، تعرف تغييرات عميقة على مستوى الاستثمار بالقطاع الخاص، بعد المصادقة على القانون الجديد الذي سيفتح المجال لغير الأطباء للاستثمار في القطاع، مما سيفتح المجال لمؤسسات كبرى مالية أو شركات وطنية أو دولية لبناء وتجهيز مستشفيات كبرى بالقطاع الخاص بهدف غير ربحي أو ربحي وفق القانون، فعلى مستوى القطاع العام فيمكن القول إن هذه المنظومة تعيش حالة إفلاس وتراجع كبير بسبب عدة عوامل تتعلق بأولوية النظام الصحي في السياسة الحكومية وبمسالة تمويل الخدمات الصحية وتكوين وتأهيل الموارد البشرية الكافية وضعف وسوء التدبير وغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهذا ما جعل القطاع يعرف استنزافا خطيرا. والضحية هنا هو المواطن الفقير والمعوز الحامل لبطاقة يأمل وينتظر علاجه المجاني لكن دون جدوى. فحتى الأدوية التي قيل الكثير عن انخفاض أثمنتها فهي لا تتجاوز 10 في المائة من أزيد من 6000 دواء يتم الترويج له بالمغرب، وأن 60 في المائة من تلك الأدوية التي تم تخفيض ثمنها وأحيانا بأقل من 10 سنتيم تستعمل فقط بالمستشفيات العمومية، أما نسبة 90 في المائة من الأدوية فلم يمسها أي تخفيض ولازالت نسبة هامة منها تفوق 300 في المائة عن أسعارها في أوربا ودول المغرب العربي. – تحدثتم في تقريركم السنوي عن إمكانية إفلاس المستشفيات العمومية بسبب تكلفة «الراميد» كيف ذلك؟. استنزاف الإمكانات المتوفرة لدى المستشفيات العمومية بما فيها المداخيل التي تحصل عليها من صناديق التأمين الصحي كالصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، والتي لا تتجاوز 5 في المائة من نفقات الصندوق، بحكم أن أغلب المؤمنين يتوجهون إلى مصحات القطاع الخاص الذي يوفر على الأقل شروطا إنسانية للاستشفاء والعلاج. وبالتالي فما يقارب 90 في المائة من المرضى المقيمين بالمستشفيات العمومية هم من الفقراء ودوي الدخل المحدود حاملي بطاقة الراميد. فالمستشفيات تعاني منذ أربع سنوات من عدم حصولها على تكاليف الخدمات الصحية المقدمة لهذه الفئة من طرف الوكالة الوطنية للتامين الصحي بسبب حالة البلوكاج المستمرة من طرف وزاراتي الصحة والمالية والداخلية، وأعلنت عدة مستشفيات عن عجزها وتستمر اليوم في عملية الترقيع وفرض رسوم على الفقراء بسب العجز. – هل تعتقدون أن كثرة المتدخلين والحسابات السياسية أثرت سلبا على نجاعة وفاعلية نظام المساعدة الطبية؟. هذا السؤال يستحق أكثر من جواب، لقد وضعتم الأصبع على الجرح، بالفعل أصبح هذا النظام -صحة الفقراء- لعبة بين أيدي أطراف حكومية وتدخلت فيه حسابات سياسية وربما في القريب العاجل ستتعمق وستزداد حدة بحسابات انتخابية. وبطاقة الراميد ستتحول إلى بطاقة لكسب أصوات ناخبين، مع العلم أن عدد المستفيدين من هذه البطاقة دون التوفر على الشروط المطلوبة فاق كل التوقعات ولم يعد يقتصر على 220 ألف، بل أضعاف هذا الرقم، منهم من يتوفر على تأمين صحي ومسجل في أحد صناديق التأمين الإجباري عن المرض، ومنهم من له علاقات بأصحاب النفوذ، ورغم توفرهم على إمكانيات مالية حصلوا دون عناء على بطاقة الراميد، وبالمقابل نجد فقراء ومعوزين ودوي الدخل المحدود يعانون الأمرين من أجل الحصول عليها، وخاصة عندما يطالبون بأداء 600 درهم للأسرة، وكم هي كبيرة لتغطية نفقات أخرى أكثر أهمية للعيش بالنسبة لهم. أعتقد أنه من اللازم اليوم الانتقال من ثقافة الصدقة والعمل الخيري بخصوص هذا النظام، وإعمال الواجب الوطني والمجتمعي التضامني ومسؤولية الدولة اتجاه مواطنيها المستضعفين للاستفادة المجانية من العلاج كحق من حقوق الإنسان، وتبسيط مساطر الحصول على بطاقة «راميد» وإلغاء الشروط الحالية المجحفة والإقصائية.
سوء تدبير ملف الأدوية.. خسارة للمواطنين والدولة وفاء لخليلي تعقد وزارة الصحة سنويا صفقات بملايين الدراهم لقاء اقتناء الأدوية خدمة لصحة المواطن المغربي، لكن نسبة كبيرة من هذه الأدوية لا تجد طريقها إلى المواطنين، خاصة، المعوزون الذين يستفيدون من خدمات بطاقة الراميد. ومع تعذر وصول هذه الأدوية إلى من يحتاجها، تتلف الدولة سنويا مئات الأطنان من الأدوية التي لم تعد صالحة للاستعمال نتيجة انتهاء مدة صلاحيتها أو تعرضها للتلف جراء تكديسها في المخازن. ومع عملية الإتلاف هذه، تتلف الدولة أيضا مئات ملايين الدراهم التي تدفع ثمنا لصفقات هذه الأدوية، كما أنها تدفع مئات ملايين أخرى في عمليات الإتلاف التي تحتاج إلى معدات حديثة مخصصة لإتلاف النفايات الطبية. ونتيجة هذا الإتلاف يخسر المغرب سنويا مئات الملايين من ميزانيته، لا يستفيد منها المواطن المغربي الذي تصرف من جيبه. فعوض أن توجه هذه الأدوية إلى المواطن الذي يحتاجها، خصوصا مع اعتماد بطاقة الراميد التي تسهل الولوج إلى الخدمات الصحية، تظل هذه الأدوية مكدسة في مخازن المستشفيات إلى حين انتهاء صلاحيتها، ولا يتذكرها المسؤولون إلا حين وقت إتلافها، ليبذروا بخصوصها ميزانية مهمة مرتين. وفي ظل إتلاف الدولة لأطنان الأدوية سنويا، والتي تعد مؤشرا واضحا على سوء تدبير ملف الأدوية، التي يجد المواطن المغربي نفسه مجبرا على اقتنائها من الصيدليات وبأثمنة مرتفعة، مازال خفض الأثمان لم يعرف بعد طريقه إليها. واقتصر فقط على تخفيض بسيط في بعض الأدوية. وهو هنا يدفع «الثمن» ثلاث مرات، دون أن يستفيد من صفقات الأدوية التي تصرف عليها الوزارة ملايين الدراهم. وفي هذا السياق، قال عبد القادر طرفاي، الكاتب العام للجامعة الوطنية للصحة «في العهد الحالي لهذه الحكومة ووزير الصحة، لا نرى مخططات عمل جذرية من أجل إصلاح المشاكل الحقيقية، فكل ما نراه هو سوء تدبير الموارد، الذي يظهر جليا في ملف الأدوية» مشيرا في الوقت ذاته إلى طريقة عقد الوزارة لصفقات الأدوية مع الشركات التي تصنعها «هناك العديد من لوائح الأدوية التي تفرض على المصالح والمستشفيات، في حين أن المواطن المغربي لا يحتاجها، الأمر الذي يجعلها عرضة للتلف وانتهاء الصلاحية». ومضى طرفاي في تصريحاته متهما الوزارة بعقد صفقات مع شركات الأدوية، يعمد كلا الطرفين من خلالها على تمرير صفقات أدوية لا يحتاجها المواطن المغربي. «هذه الأدوية التي لا يحتاجها المواطن تكدس في بعض مخازن المستشفيات، كما أنها تتضمن مواد لا تدخل ضمن ضروريات التطبيب، وتبقى هناك إلى حين إتلافها» مضيفا أن «المواطن المغربي هو من يؤدي التكلفة مرتين: ميزانية صفقات الأدوية وعملية إتلافها». وقد حمل الكاتب العام للجامعة الوطنية للصحة، كامل المسؤولية لوزارة الصحة بوصفها المسؤول الوحيد الذي يتحمل ملف سوء تدبير الأدوية، باعتبارها أول جهة يجب عليها التصدي للمشاكل الحقيقية التي تعتري قطاع الصحة. «تصرفات الوزير لا تخدم صحة المواطن المغربي، وبذلك يكون مسؤولا مباشرا عن حرمان المواطنين من الأدوية التي يحتاجونها، ومن وصولها إليهما». ومضى متابعا «الدولة تخسر من ناحية الميزانية الباهظة لصفقات الأدوية، ولعملية الإتلاف، كما أن المواطن لا يتلقى العلاجات الضرورية، وهو ما يؤكد فشل مشروع الحماية الاجتماعية المتعلق بالمساعدة الطبية للفئات المحتاجة، والوزارة الوصية على القطاع مسؤولة عن فشل هذا البرنامج». وعن سبب عدم وصول هذه الأدوية التي تتلف سنويا، إلى حاملي بطاقة الراميد، رد طرفاي بأن هذه الأدوية هي في الأصل أدوية لا يحتاجها المواطن المغربي، كما أنها لا تقدم للمواطن. مستشهدا بمدينة برشيد التي توجد بها أربعة أطنان من الأدوية لم تجد طريقها إلى المواطن المعوز الحامل لبطاقة الراميد، وهي الآن تنتظر عملية الإتلاف. مرجعا سبب عقد الوزارة لصفقات مالية لاقتناء أدوية لا يحتاجها المواطن، رضوخها للوبي الأدوية. ميزانية كل من الأدوية التي تتلف وعملية الإتلاف، يجب أن تصرف بالأساس على الكثير من مرافق المستشفيات بعموم تراب المملكة التي تحتاج إلى إعادة تجهيز بالمعدات الطبية اللازمة، كما أنه يوجد العديد من المغاربة المعوزين الذين لا يجدون ثمن الدواء، كما أن الأدوية المكدسة في المخازن يجب أن تصل إلى المواطن في الوقت المناسب.
مجانية العمليات الجراحية.. نقطة الضوء الوحيدة في المساعدة الطبية نهاد لشهب تعتبر استفادة حاملي بطاقة راميد من مجانية العمليات الجراحية أحد أهم إيجابيات هذا النظام ونقطة ضوء تحتسب له، وبحسب ما صرح به الدكتور المهدي عبد الرحمان اختصاصي في الجراحة العامة ل«المساء» فإن نظام المساعدة الطبية جاء بعدة إيجابيات فيما يخص استفادة المرضى حاملي بطاقة «راميد» من إجراء عدة عمليات بالمجان تتمثل حسب المتحدث في استفادتهم من تلك العمليات 100 في المائة مع ما يرافقها من فحوصات طبية وتحليلات ماعدا في حالات استثنائية يطلب فيها من المريض القيام بها خارج المستشفيات حسب حاجته الصحية. وأوضح المتحدث نفسه ل«المساء» بأن العمليات الجراحية التي يستفيد المرضى من مجانيتها هي عمليات جراحية عادية كالزائدة والفتق، أما فيما يخص العمليات الجراحية المعقدة فهناك صعوبات تواجه المستشفيات في التكفل بها مجانا بحيث أن جراحة العظام مثلا يكون المريض مطالبا أثناءها بشراء الحديد الذي تصل تكلفته إلى 11000 درهم وهناك أسر معوزة لا تستطيع دفع هذا المبلغ المكلف، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن العمليات التي تحمل طابعا معقدا تحتاج إلى لوازم ومعدات لا تستطيع جل المستشفيات توفيرها. وأضاف المتحدث نفسه أن نظام تعميم المساعدة الطبية «راميد» بمثابة مفتاح يفتح بابا واحدا في إشارة إلى الصعوبات التي يتكبدها المرضى الذين حددت استفادتهم مكانيا على عكس ما كان رائجا في السابق، فشهادة الاحتياج كانت تمكن المريض من زيارة أي مستشفى على الصعيد الوطني دون التقيد بالمسالك العلاجية. واليوم وبعد ثلاث سنوات من تعميم نظام المساعدة الطبية ترى فئة عريضة بأنه شكل خطوة إيجابية، بالنظر إلى عدد المستفيدين منه إذ أكد وزير الصحة الحسين الوردي في لقاء صحفي أقيم أخيرا أن عدد المستفيدين من نظام المساعدة الطبية (راميد) بلغ عند متم شهر فبراير 2015، حوالي 8,4 مليون مستفيد، بنسبة تغطية وصلت إلى 99 في المائة من إجمالي الفئة المستهدفة والتي تقدر ب8,5 مليون مستفيد. وأضاف الوزير الوردي، في ندوة دولية نظمتها الوزارة لتقديم حصيلة ثلاث سنوات من تعميم نظام المساعدة الطبية، أنه من المتوقع أن تصل نسبة التغطية إلى 100 في المائة في أواخر السنة الجارية على أبعد تقدير، مشيرا إلى أن الفئة المصنفة في فئة الفقر تمثل 84 في المائة، بينما 16 في المائة فقط مصنفون في فئة الهشاشة موزعة ما بين 53 في المائة في الوسط الحضري و47 في المائة في الوسط القروي، وما بين 47 في المائة للذكور و53 في المائة للإناث. وبحسب وزارة الصحة، فإن تعميم نظام المساعدة الطبية (راميد) مكن من تقليص الأداء المباشر الخاص بالعلاج من طرف الأسر بما يقارب 38 في المائة. وخلال ندوتها الدولية المنظمة بالرباط حول نظام المساعدة الطبية للفئات المعوزة، أصدرت الوزارة نتائج دراسة حول المساهمة المباشرة للأشخاص المستفيدين من نظام «الراميد» في نفقات العلاج. وقد أكدت هذه الدراسة أن تعميم نظام المساعدة الطبية مكن من تقليص الأداء المباشر الخاص بالعلاج من طرف الأسر بما يقارب 38 في المائة، وذلك في الفترة الممتدة بين سنتي 2010و2014 -وتم إنجاز هذه الدراسة، بدعم من الاتحاد الأوربي، بثلاث جهات: تادلة أزيلال، مكناس تافيلالت وجهة الدارالبيضاء الكبرى، وبصفة متتالية خلال السنوات 2010، 2012، 2014 على عينة مكونة من 1350 مريضا. على مستوى جهة تادلة أزيلال، التي انطلقت بها التجربة النموذجية ل«الراميد» منذ سنة 2009، أبانت الدراسة عن تراجع نسبة نفقات العلاج المباشرة للأسر ب29 في المائة مابين سنتي 2010 و2014. أما بالنسبة لجهتي الدارالبيضاء الكبرى ومكناس تافيلالت، حيث بدأ العمل بنظام المساعدة الطبية سنة 2012، فقد أفادت الدراسة انخفاض نفقات العلاج المباشرة على التوالي ب 46.9 في المائة و 54.8 في المائة في الفترة الممتدة بين سنتي 2012 و 2014. وخلصت الدراسة إلى أن تعميم نظام المساعدة الطبية قد ساهم في تقليص عدد المرضى الذين أدوا نفقات علاج مباشرة، علاوة عن وجود علاقة إيجابية بين تطور وتعميم نظام المساعدة الطبية وتقلص نفقات العلاج المباشرة التي تؤديها الأسر المستفيدة من هذا النظام. وبالرغم من تقلص هذه النفقات، فقد كشفت الدراسة أيضا أن النفقات التي يتحملها المستفيدون من نظام (راميد) تتعلق بالاختبارات الوظيفية خصوصا التصوير الإشعاعي الطبي، والفحوصات المخبرية، علاوة على الأدوية غير المتوفرة بالمستشفيات. كما كشفت الدراسة على أن التحمل المباشر لنفقات العلاج يتزايد مع النقص الحاد في الأطباء المتخصصين في القطاع العام، وكذا ضعف التجهيزات التقنية داخل المستشفيات العمومية.