ذهبت إلى مراكش لأشارك في مهرجان القضية الفلسطينية، ورجعت لأبحث عن معنى القضية، فالقضية قضية المغاربة، و لا يمكن أن نتحدث عن فلسطين إذا لم نشعر بهذه القضية. و بحثت من أي باب سأدخلها، هل من باب التاريخ أم من باب الجغرافيا أم من باب السياسة، و فضلت أن أبحث عن "باب المغاربة "، و فتحته فإذا بريح الخامس من يونيو، شهر حزيران العربي، يخنق الأنفاس و يخدش الذاكرة : كان بيت المقدس محط شوق المغاربة، قصده العلماء و الزهاد و الصوفيون، و ارتبطوا بالمكان لقضاء بقية العمر مجاورين الحرم الشريف ارتباط المرابطين، و من هؤلاء: سيدي صالح حرازم الذي توفي في فاس أواسط القرن السادس، والشيخ المقري التلمساني صاحب كتاب "نفح الطيب"، و عبد الله بن الوليد الأنصاري (ت 386 ه الفقيه المالكي، الذي قضى بقية عمره آملا أن يدفن في ثرى القدس، والشيخ بن مسعود المغربي المالكي ( ت 784 ه ) وهو من أعلام الصوفية من (الطريقة الشيبانية)، و قد أصبح مقصدا للزائرين، كما حل بها الصوفي أبو العباس احمد المرسي بعد أن حط الرحال في طريقه بالإسكندرية، ثم أبو شعيب بن الحسين ( ت594 ه ) الذي أقام أحفاده زاوية قرب باب السلسلة من الحرم القدسي . ويقدر المؤرخون أن بداية إقامة المغاربة ببيت المقدس تعود إلى عام 909 م الموافق 296 ه . كان دافع المغاربة وراء حجهم هو الدفاع عن المدينة خلال الحروب الصليبية، فقد التحق الكثير من المغاربة بجيوش نور الدين وأبلوا البلاء الحسن واستمروا على عهدهم في زمن صلاح الدين الأيوبي إلى أن تم تحرير القدس من الصليبيين . وقد أجاب صلاح الدين الأيوبي عندما سئل عن سبب إسكان المغاربة بهذه المنطقة أي عند السور الغربي للمسجد الأقصى، وهي منطقة سهلية يمكن أن يعود منها الصليبيون مجددا : ( إنني أسكنت هناك من يثبتون في البر ويبطشون في البحر أسكنت هناك من استأمنهم عن هذا المسجد العظيم وهذه المدينة ) و استقر المغاربة، بعد تحرير المدينة، بأقرب مكان من المسجد الأقصى وكان في الركن الجنوبي الغربي لحائط الحرم الشريف، وعرفانا منه بدورهم أوقف الأفضل ابن صلاح الدين الأيوبي هذه البقعة عليهم سنة 1193 م، وهي السنة التي توفي فيها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله بعد خمس سنوات من تحرير القدس، و سمي الحي باسم المغاربة، وكان يضم منازل و مرافق لخدمة آهليه، ومدرسة " الأفضلية" نسبة إلي الأفضل بن صلاح الدين، وقد قام المغاربة بصيانة وحراسة حائط البراق ( الذي زور اسمه في عهد الاحتلال الصهيوني بحائط المبكى ) و عملوا على تنمية أوقافهم، وحبسها صدقات جارية، كقرية "عين كارم" بضواحي القدس، والتي لازالت لحد الآن. و ظلت تلك الأوقاف المغربية محفوظة إلى أن اجتاحها الصهاينة عام 1967، فحين دخلوا القدس في 5 يونيو قاموا في العاشر منه بطرد أهالي حي المغاربة ليهدموه بالكامل ويسووه بالأرض ، وكان به 140 منزلا سكنيا، وتحول الحي إلى ساحة يدنسونها بأقدامهم كل يوم، وهي تقابل حائط البراق. وقد بلغ بهم أمر سرعة الهدم أن هدموا منازل عديدة على من فيها من مسنين وعجزة تعذر عليهم إخلاؤها، وقد هدم مع الحي "جامع البراق" و"جامع المغاربة" و"المدرسة الأفضلية" و"زاوية أبي مدين" و"الزاوية الفخرية" و"مقام الشيخ". و خلال أيام معدودة أزال الكيان الصهيوني تاريخا امتد ثمانية قرون ، شهد على تعلق المغاربة ومحبتهم لبيت المقدس الذي دافعوا عنه ضد الصليبيين، و قد حفظ لهم التاريخ جميلهم إلى أن جاء تتار العصر فلم يتركوا من آثارهم سوى باب المغاربة الذي يتحينون الفرصة لتهديمه أمام صمت العرب و المسلمين أجمعين، و الخوف أن ينجحوا اليوم أو غدا في محوه من القلوب والعقول. و قد صادر الصهاينة مفاتيح باب المغاربة التاريخي الذي يجاور موضع الصلاة الرئيسي في المسجد الأقصى المبارك، وباتوا يستخدمونه فقط لإدخال اليهود والسياح من غير المسلمين إلى المسجد، وأيضا لاقتحامه بالشرطة والقوات الخاصة وحرس الحدود أثناء الاضطرابات. و ذهبوا أبعد من ذلك إلى فتح ستار للبحث عن آثار الهيكل المزعوم، حيث انطلقت الحفريات في ساحة البراق (حي المغاربة سابقا)، وامتدت تحت الجدار الغربي إلى داخل المسجد، و فتحت أنفاق امتدت بطول الجدار و ذلك في إطار سعيهم لتهويد محيط المسجد وتغيير المعالم الإسلامية في القدس والأقصى. و نترك الصور تعبر عن التاريخ و تحرك إحساس المغاربة ببابهم المحتل. باب المغاربة أحد أبواب الجدار الغربي للمسجد الأقصى الزقاق الذي كان يفصل بين حائط البراق وحارة المغاربة على بطاقة بريدية تعود إلى ما قبل سنة 1910 طريق باب المغاربة بعد ظهور تأثير الحفريات الإسرائيلية الجزء المنهار من طريق باب المغاربة عام 1994