مقدمة : إن وعي أهل المغرب بالمكانة الدينية للقدس باعتباره مسرى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وباعتباره أيضا أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين الذي تشد الرحال إليه ، ومكانته الحضارية باعتباره ملتقى الحضارات القديمة ، وبؤرة الصراع السرمدي بين الحق والباطل جعلهم يتعلقون به تعلقا شديدا ورائعا . وقد جسدوا هذا الوعي من خلال التضحيات الكبيرة والسخية التي قدموها عبر سنين طويلة وفي مختلف الحقول والميادين ، أو من خلال المشاركة في العمليات الحربية والجهادية على عهدي القائد نور الدين زنكي أو القائد صلاح الدين لتحريره من قبضة الصليبيين المغتصبين ، أو من خلال العمل في الميادين الإدارية والصحية بتلك البلاد ، أو م خلال الإشراف على الأوقاف المغربية هناك ... وإنه لحري بأبناء المغرب في هذا الزمان حيث القدس الشريف يرزح تحت نير قبضة الصهاينة المعتدين ، إن يستحضروا ا هذه المواقف البطولية بك لفخر واعتزاز عسى أن تذكرهم ببعض صفحات تاريخ أجدادهم التليد في هذه البلاد ، وعسى أن توقظ في نفوسهم روح الشهامة والبطولة التي ميزت سلفهم تجاه مغتصبي بيت المقدس بالأمس ، فيتوقون إلى أن يكون لهم شرف تحريرها وتطهيرها من رجس الصهاينة كما شارك أجدادهم في تطهيرها من رجس الصليبيين أيام صلاح الدين الأيوبي . تشير المصادر التاريخية إلى أن سبب تكون هذا الحي بالقدس الشريف يرجع إلى عدة أسباب، لعل أهمها هي تلك الوفود الكبيرة من أهل المغرب التي كانت تقصد تلك الديار، إما من أجل التبرك بزيارة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، أو طلبا للعلم أو من أجل النصرة والجهاد، وفي هذا الصدد يقول ابن جبير عندما زار حصن تنين "وكان مكانا لتمكين القوافل ولا اعتراض على غيرهم، وسببهم أن طائفة من أنجادهم غزت مع نور الدين أحد الحصون فكان لهم في أخده غنى، ظهر واشتهر، فجازاهم الإفرنج بهذه الضريبة المكسية، ألزموها رؤوسه، فكل مغربي يزن على رأسه الدينار المذكور في اختلافه على بلادهم وقال الإفرنج" إن هؤلاء المغاربة كانوا يختلفون عن بلادنا، ونسألهم ولا نرزؤهم شيئا، فما تعرضوا لحربنا، وتألبو مع إخوانهم المسلمين علينا، وجب أن نضع هذه الضريبة . فللمغاربة في أداء هذا المكس سبب من الذكر الجميل في نكايتهم العدو يسهله عليهم ويخفف عنهم. ولما مرض نور الدين زنكي مرضا خطيرا نذر إن شفي من مرضه فداء عدد من الأسرى المغاربة، وقد وفى بنذره بعد شفاءه، فقد استبدل بهم عددا من الحمويين ( نسبة إلى الحماة )، وقال هؤلاء يفكهم أهلوهم وجيرانهم أما المغاربة فهم غرباء لا أهل لهم. يضاف إلى هذا أن الملك الأفضل الذي تولى بعد والده صلاح الدين ملك دمشقوالقدس وقف على المغاربة سنة 589 ه البقعة التي اعتاد المغاربة أن يجاوروا عندها في بيت المقدس بقرب الزاوية الجنوبيةالغربية لحائط الحرم وفي أقرب مكان لمسجد الأقصى، وقفها عليهم ذكورا وإناثا " ليسكنوا في مساكنها وينتفعوا بمنافعها " وأنشأ لهم في الحارة نفسها مدرسة عرفت بالأفضلية. إلا أن هذا، وكما يقول الدكتور عبد الهادي التازي، لم يكن كافيا لتمركز المغاربة بالقدس، ولذا كانوا يتوقون سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي إلى امتلاك عقارات بتلك الديار، وكأنهم تنبهوا لما يهدد بيت المقدس من غزو آخر يكون على شكل اقتناء أراضي من أصحابها. أما على المستوى الرسمي فقد قام السلطان المريني أبو الحسن علي بن عثمان سنة 738 ه ، بتخصيص 16500 دينار ذهبي لشراء الرباع ( أي العقارات والأراضي ) في القدس والحرمين الشريفين، وانتسخ مصحفا بيده سنة 745 ه، وجمع الوراقين لتنميقه وتذهيبه، ثم أرسله إلى بيت المقدس، ويتكون هذا المصحف المريني من ثلاثين جزءا ويدعى بالربعة المغربية، وهو حسبما ذكر السيد مروان أبو خلف من أروع المصاحف التي يحتضنها المسجد الاقصى. واستمرت هذه الصلة ببيت المقدس في عهد الملوك العلويين، فوجه مثلا السلطان المولى عبد الله بضعة وعشرين مصحفا بخطوط جميلة، كان منها ما نال ثالث الحرمين. وكانت هذه الأوقاف المغربية إلى حدود سنة 1954 م ميلادية تابعة من الناحية الإدارية والمالية لدائرة شؤون الأوقاف الفلسطينية، إلا أنها بعد هذا التاريخ أصبحت مستقلة عنها، وتولى شأنها الشيخ الحاج محمد المهدي، وكانت الجالية المغربية تعتبره بمثابة "نقيب"، ثم خلفه من بعده الحاج علي النقيب ثم السيد محمد إبراهيم عبد الحق الفكيكي وعيسى هاشم السوسي. وقد قام المتوليان الأخيران بعدة جهود في سبيل حماية وصيان الأوقاف المغربية، كاتصالهما بالحكومة المغربية عقب حصول المغرب على الاستقلال من أجل لفت انتباهها إلى ما آلت له الأوقاف المغربية من الخراب وما تحتاجه من الصيانة، وكعملهما على استرجاع بعض العقارات المغربية التي احتسبت خطأ ضمن الأوقاف الأردنية. لقد تجسد ارتباط المغاربة بالقدس الشريف منذ اللحظات الأولى لاعتناقهم لدين الإسلام ، ولذا فقد تعلقوا بمثل هذه الوشائج التي ربطتهم بالحرمين الشريفين مكةالمكرمة والدينية المنورة ، وحتى نقف على مدى عمق هذا الارتباط سنحاول أن نميز في هذا الإطار بين ثلاث فئات من أهل المغرب وكيف كانت نظرة كل فئة إلى هذه البقعة الطاهرة : الفئة الأولى : تمثل المغاربة الذين اهتموا بالكتابة عن القدس دون أن روها أو تجشموا عناء السفر إليها. ومن هذه الفئة نذكر : - أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (توفي سنة 328 ه ) - الأديب الجغرافي الأندلسي أبو عبيد البكري ( ت 487 ه ) - العالم أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن أبي حفاظ المكناسي الفئة الثانية : وهم أولئك المغاربة الذين كتبوا عنها بعد زيارتهم إليها ،إما وهم في طريقهم إلى الحج قصد التبرك بمقدساتها ، أو للإقامة فيها ، أو لطلب العالم في جامعتها بالمسجد الاقصى ومن هذه الفئة نذكر : - أبو حسن البهراني الأندلسي (ت 215 ه ) - أبو عبد الرحمان بقي بن مخلد بن يزيد القرطبي الذي عاش في القرن الثالث الهجري (ت 276 ه ) - أبو بكر الطرطوشي محمد بن الوليد بن محمد بن خلف الفرشي الفهري المالكي (ت 520 ه ) - العالم الجغرافي الشريف أبو عبد الله الإدريسي (ت 562 ه ) - أبو القاسم محمد الرعيني الشاطبي (ت 590 ه ) - أبو عبد الله محمد العبدري الحيحي ، وقد زار القدس وأقام فيها مدة خمسة أيام فقط. - المؤرخ عبد الرحمن ابن خلدون ، وقد رحل من المغرب إلى مصر سنة 784 ه الفئة الثالثة : وهي التي ارتبطت بالقدس الشريف وارض فلسطين بالجهاد المقدس ، خاصة في زمن الاحتلال الصليبي . لقد شارك كثير من المغاربة في العمليات الحربية ضد الصليبيين ، منذ بدأ نور الدين زنكي محاولاته لتحرير القدس الشريف ، ومن هؤلاء يوسف ابن دوباس المغربي الفندلاوي الذي كان يلقب بأبي الحجاج المغربي ، قدم إلى بلاد الشام ، فسكن بلدة بانياس في الجولان مدة ، ثم انتقل إلى دمشق وبقي فيها يدرس بمذهب الإمام مالك ، ويحدث بالموطأ إلى أن استشهد سنة 543 ه . كما بعث القائد صلاح الدين الأيوبي إلى السلطان يعقوب المنصور الموحدي سنة 586 ه ، يطلب إعانته بالأساطيل الحربية لمنازلة عكا وصور وطرابلس الشام بعد كسرة حطين وفتح بيت المقدس . وقد أوفد على رأس هذه البعثة الهامة قائد الجيش الأمير أبا الحرث عبد الرحمان بن منقذ الشيرزي طالبا أن تحول القوات المغربية في البحر بين أساطيل الفرنج ، وبين إمداد النصرانية بالشام من الجهات الأخرى . وبالرغم من بعض المؤاخذات التي كانت للخليفة المنصور على السلطان صلاح الدين بسبب تسريح هذا الأخير مولاه قراقوش وأبا زيان لبلاد المغرب سنة 568 ه ، لمحالفة خصوم الموحدين والتشغيب عليهم ، فقد جهز له 100 وثمانين أسطولا كان لها أثر قوي في منع النصارى من سواحل الشام كما يذكر ابن خلدون . ولا شك أن هذا الأسطول الضخم كان مصحوبا بعدد كبير من العسكر المدربين وكذا المتطوعين والمرشدين والمجاهدين ، وبهذا يفسر التحاق عدد من المغاربة بالشام ، وكان فيهم الصناع والعمال والفقهاء ، من أمثال أبي الحجاج يوسف بن محمد المعروف بابن الشيخ الذي غزى بالمغرب مع الموحدين وبالشام مع صلاح الدين الأيوبي . كما ذكر العماد الأصفهاني من بين الشخصيات التي صاحبت صلاح الدين في جهاده للصليبين الأمير عبد العزيز بن شداد ابن تميم بن المعز بن باديس الصنهاجي . كما وفد على الأندلس في هذه الفترة عدد من الأطباء الأندلسيين المشاهير من أمثال أبي الحكم تاج الحكماء عبد الله بن المظفر الباهلي (ت 549 ) ، وابنه أبو المجد محمد بن عبد الله الباهلي الملقب بأفضل الدولة ، وعبد المنعم الجيلاني ( نسبة جليانة على مقربة من غرناطةجنوب شرق الأندلس ) المتوفي سنة 612 ه . وهناك فئة رابعة بمكن إضافتها للفئات الثلاث ، وهي فئة المغاربة الذين اشتغلوا في عدد من الميادين العلمية والإدارية في القدس بعد تحريرها ، وخاصة في مجال القضاء ، فقد عملوا على استحداث منصب قاضي المالكية بهذه المدينة ونجحوا في ذلك ، وقد شغل هذا المنصب عدد من المغاربة ، منهم على سبيل المثال القاضي عيسى بن محمد المغربي الشخمي الملقب بشمس الدين ، فقد شغل هذا المنصب حتى عام 872 ه ، ومنهم القاضي حميد الدين محمد بدر الدين المعروف بابن المغربي ، الذي تولى قضاء المالكية بالقدس والرملة في آن واحد ، وقد عزل من منصبه سنة 874 ه ، وربما كان اخر القضاة المغاربة في مدينة القدس العلامة الغرناطي شمس الدين محمد بن علي الأزرق المغربي الأندلسي المالكي ، وقد باشر عمله بهذا المنصب في السادس من شوال سنة 896 ه ،وظل فيه حتى السابع عشر من ذي الحجة في السنة ذاتها وبذلك تكون ولايته أقصر ولاية أمضاها مغربي في منصب القضاء ، بحيث لم تتجاوز واحدا وستين يوما توفي بعدها إثر مرض مفاجئ ألم به ، ودفن ما ملا ببت المقدس . المغاربة وفلسطين....بين الأمس واليوم ارتبط المغاربة بفلسطين منذ القدم ارتباطا وثيقا جدا، فكان أحدهم لما يحج إلى بيت الله الحرام و ينهي زيارة النبي صلى الله عليه و سلم في المدينة، لا بد وأن يعرج على المسجد الأقصى، و كان بعض منهم يستحسن العيش أمام الأقصى فيتزوجون ويتناسلون حتى بنوا لأنفسهم حيا أوحارة، سميت حارة المغاربة و يبقى موقف يعقوب المنصور الموحدي مع صلاح الدين الأيوبي أبرز موقف وقفه المغاربة لنصرة الأقصى زمن الحروب الصليبية، حين استصرخه صلاح الدين، و رغم أن كتب التاريخ تذكر تلكؤ يعقوب المنصور إلا أن نصرته لجند الإسلام كانت حاسمة، حيث أخر الأسطول المغربي إمدادات الصليبيين في البحر، و شهد صلاح الدين بشجاعة المغاربة في البر،حيث وصفهم بأولئك الأشداء الذي يجاهدون بالأندلس عاما و بالشام عاما و اليوم...المغاربة هم بعيدون كل البعد عن قضية فلسطين، لأنه تشكلت أجيال كثيرة لا يهمها إلاأنفسها لأسباب ذاتية و موضوعية، ثم تكون المظاهرات فرصة آنية للتنفيس، لكن في حقيقة الأمر لا يوجد هم دائم لحمل القضية....لا توجد فلسطين في سلم الأولويات....هذا الوضع ساهمت فيه الدولة ضمن منظومة أنظمة العرب المتخاذلة، و الأحزاب التي لم تعد تؤطر الشعب إلا في الحملات الانتخابية ،و الإعلام الذي أخذ على عاتقه مهمة تبليد الشعب المغربي خاصة منهم فئة الشباب وأمثلة ذلك تطول وتطول، و طبعا كل ذلك مضاف إلى مستوى مرتفع من الأمية و الأمية الثقافية فلسطين....لن ترجع إلا عندما تحيا في قلوب المسلمين....و المسلمون لن ينهضوا إلا إذا أصبحت فلسطين قضيتهم المحورية...إلى ذلك الحين....عليكم أنفسَكم
إن فلسطينوالقدس والمسجد الأقصى قضية كل الأمة ، ولكن المقام لا يسمح لضيق الوقت للحديث عن ما يتصل بنا نحن المغاربة فأقول بسرعة وإيجاز: أولا : سكن المغاربة بجوار الجدار الغربي للمربع القدسي وطوله اليوم 920 متر وعلوه 15 متر وعرضه متران، بناه المغاربة بأموالهم وهي أوقاف أهل المغرب في العهد المريني، هذا الحائط اسمه حائط البراق، واسمه حائط المغاربة، واسمه الحائط الغربي، زور ضمن ما زور من تاريخ فلسطين، وهود ضمن ما هود من تاريخ فلسطين، وأصبح إسمه حائط المبكى. والعبادة التي يقوم بها الصهاينة عند الحائط والتي انتحلت في القرن 18 م وتمأسست في القرن 19 م وتسيست في القرن 20 م لا أصل لها، لا في تراث اليهود ولا في دين اليهود قبل أن يكون لها أصل في التاريخ أو في الحضارة الإنسانية. ثانيا: إن صلاح الدين الأيوبي هو أقطع المغاربة هذه الأرض، و أسكنهم عند الحائط الغربي وأقطعهم ذلك الكم الكبير من العقارات وكانت أوقافا، 135 عقار ومسجد، ومدرسة كان يدرس فيها الفقه المالكي ،اسمها المدرسة الأفضلية، ومقبرة وطريق المسلمين.وقد أوصى صلاح الدين الأيوبي ابنه السلطان الأفضل أن يبني لهم فيها عقارات. لقد أكرم المغاربة بعد معركة حطين، وبعد استرداد المسجد الأقصى سنة 583ه، إذ تمسك بهم وألح عليهم، وأسكنهم في هذا المكان من غرب المسجد الأقصى. وقد سأله حاشيته وقادته لماذا تفعل هذا قال "أسكنت بالبطن اللين (السهل المنبسط )بالمكمن الخطر على القدس بالجهة لوصول الصليبيين بمراكبهم من الشاطئ الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، أسكنت من يفتكون بالبحر،ويفتكون في البر ، أسكنت المغاربة لا أستأمن أضعف نقطة في بيت المقدس إلا أهل المغرب"، وذلك بما عرفه صلاح الدين الأيوبي طيلة عشرين سنة من مرافقة المغاربة له في جيشه، وكانوا في طليعة جيشه وكانوا 20 في المئة من جيش حطين، بل إن أسطول جيش يعقوب المنصور الموحدي بعد ذلك بثلاث أو أربع سنوات سنة 587ه كان قوامه كما ذكر ابن خلدون في تاريخه 180 سفينة ضخمة حملت بالسلاح والعتاد والدخائر والجنود والمتطوعة والفقهاء والزهاد والذاكرين والملاحين والمهرة والنوتية ،هكذا وصفهم في التاريخ عند ابن خلدون هي التي قضت على 12 أسطولا أوروبيا جاءت إلى الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط لحصار صلاح الدين الأيوبي، قطعوا طريق الحج وقطعوا طريق النيرة وقطعوا طريق التجارة وقطعوا طريق الإمداد لكي يعاقبوا صلاح الدين الأيوبي عن استرداده القدس . الجيش المغربي، والأسطول المغربي، والشعب المغربي، والمجاهد المغربي هو الذي استرد القدس وحمى القدس. المغاربة ساهموا في إعادة بناء السور في عهد صلاح الدين الأيوبي، ثم أعادوا بناءه في عهد العثماني الموافق للعصر المريني بأموالهم وأوقافهم.أول وقف،وأكبر وقف، وأعظم وقف هو الذي أوقفه من ماله الخاص الولي القطب أبو مدين الغوت المغربي دفين تلمسان، وكتب في وثيقة الوقف المطولة والمفصلة:"هذا ما أوقفه فلان بن فلان على مجاهدي المغرب ومرابطي المغرب وطلبة المغرب وعلماء المغرب والحجاج المغاربة الزائرين العابرين" أوقف قرية عين كارم، جاء في وثيقة الوقف :"أوقفها بأموالها ومياهها وآبارها و سواقيها وسهلها ووعرها ومبانيها وقفا لله يصرف للسابلة من المغاربة المارين والمنقطعين للعلم والجهاد المرابطين على وصية صلاح الدين الأيوبي" لحماية نقطة الخطر الوحيدة على بيت المقدس، وهي الجهة الغربية، لأن بيت المقدس من الشمال ومن الجنوب ومن الشرق وعر محصن طبوغرافيا بمرتفعات ضخمة أما المنطقة الوحيدة المسماة في التاريخ البطن اللينة أسكن فيها صلاح الدين المغاربة وأعطاه الغوت القطب أبومدين رحمة الله عليه ورضوان الله عليه وعلى أمثاله من المجاهدين والزهاد هذا الوقف الضخم الذي هو من حجم مدينة كاملة وقال في آخره :"ومن بدل أو غير فالله حسيبه، ومن بدل أو غير فلعنة الله عليه والملائكة والناس أجمعين" . هذه القرية جعلت وقفا على فقراء أهل المغرب وزهادهم وعلمائهم ومجاهديهم ومرابطيهم وزوارهم، واستثنى الشيخ في نص الوثيقة:" إلا بيت الله وطرق المسلمين ومقبرة المسلمين فهي ليست وقفا على أحد" . هذه القرية نسفها العدو الصهيوني بعصابات الهكانة والأركون في سنة 1948 وتملكوها بالكامل، ولم يتحرك لأصحاب الحق الطبيعيين الذين هم المغاربة آنذاك أحد، ربما كانوا معذورين في سنة48 يعانون من احتلال فرنسي، فما الذي وقع بعد ذلك سنة 1955 .استقل المغرب، ورجع محمد الخامس. وكان من أوائل الذين جاؤوا إليه، شيخ اسمه عبد الكريم السوسي، وشيخ اسمه محمد الفكيكي مستوطنين بالقدس شيخين ناظرين لأوقاف المغاربة منذ صلاح الدين الأيوبي إلى محمد الخامس جاؤوا إليه بطلب أن يضم رسميا أوقاف المغاربة الموجودة ببيت المقدس نظرا لما يحيط بها من خطر ويصبح المغرب المتولي رسميا بسلطته واستقلاله وسيادته على الأوقاف المغربية، تم فصل هذه الأوقاف عن إدارة الأوقاف الفلسطينية وعن الوصية الأردنية وتم اعتماد ظهير وقرار سامي مغربي بأن المغرب هو المسؤول عن هذه الأوقاف، فاعتدي عليها سنة ,1967 ففي يوم 12 يونيو 1967 أصدر المجرم موشي ديان قرارا بهدم حي المغاربة، وهو ثاني أكبر وقف بعد عين كارم هذا الوقف المكون من 135 عقار ومسجد ومدرسة ومقبرة والمدرسة الأفضلية تم هدمها بالكامل والمغرب وكان حينها مستقلا، لم يتحرك لا شعبيا ولا رسميا ولا سياسيا. والمحطة الأخيرة يمكن أن نقول عنها أن الحائط أصبح منذ العهد المريني من أجل المطالبة بوقف هذا الانتهاك لهذه الأوقاف التي ستصبح بعد ذلك ضمن اليونسكو تراثا إنسانيا ينبغي على الإنسانية كلها صونه وحمايته عمرانيا ودينيا. نحن اليوم في المحطة الثالثة بعد "عين كارم" سنة 1948 وحي المغاربة سنة ,1967 نحن اليوم في سنة 2007 في هذه الأيام الشديدة ومسؤوليتنا عظيمة نشهد الحلقة الثالثة وأخاف أن أقول أن هذه هي المرحلة الأخيرة من الانتقام التاريخي للصهاينة من المغاربة في القدس،فقد هدمت أطراف من باب المغاربة في هذين اليومين الأخيرين، وما زال مشروع تجريف ما تبقى منها من حجارة وصخور قائم، وهذه التبة ترتفع إلى حوالي 8 أمتار، وكان المغاربة بحبهم للمكان وإبداعهم الهندسي الجميل قد درجوا عليه من جوانبها ثلاث بلاطات مرمرية جميلة جعلت سلاليم تسمح بصعود الآلاف دفعة واحدة إلى حائط المغاربة، وبالمناسبة فباب المغاربة ليس فقط مدخلا مغربيا متميزا، بل هو المدخل الاستراتيجي لأكثر من 70 بالمئة من مصلي القدس اليوم الأربعين ألف المحاصرين داخل الجدار العازل، لأنه ف بنايات متصلة إلا من جهة الشمال قليلا، فالبنايات متصلة من الجهات التي توطن فيها المغاربة الذين أداروا فيها حركة حضارية دعوية إيمانية ربانية زاهدة قوامها العلم والزهد والتقوى والتصوف والرباط، من هناك يدخل أغلب سكان البيت المقدس. الخطر الأول بإزالة تبة المغاربة هو أنها تسند جزءا كبيرا من الحجارة الضخمة لجدار مرتفع وإزالتها سيؤدي إلى تصدع الجانب الشمالي من السور الغربي، وبالتالي إلى تصدع الجانب الجنوبي ،لأن مسجد الأقصى يستند إليه مباشرة في اتجاه القبلة إلى الجنوب، وبالتالي فإن تصدع الجدار وتصدع المسجد سيؤدي إلى منع الصهاينة للمصلين بحجة الخطر على حياتهم، وهنا يبدأ الفصل الأخير من هدم المسجد الأقصى إذا بقينا ساكتين ومتفرجين.أنا متأكد لو أن المغاربة عرفوا بعض الحقائق التاريخية التي ذكرت لحضروا أضعافا أضعاف ممن حضر اليوم، وهو ما كان ينبغي أن يكون في أمة لو أنها تحفظ ذاكرتها، لو أنها تهدف في برامجها التعليمية إلى بناء شخصية أبنائها بهذه الحقائق التاريخية عوض الاستجابة لمشروع الشرق الأوسط الجديد لتغيير مادة التاريخ في البرامج التعليمية بما يوافق وإملاءات الغرب ومصالحه ونيات الكيان الصهيوني بحجة ثقافة السلام وحجة التعايش وتجفيف منابع الإرهاب.الخطر الثاني هو أن التبة مرقد لمئات من الجماهير اليوم لم يعد بإمكان المرور من هذا الجسر المعلق الخشبي المؤقت، فإن وقوف جندي واحد عند بابه كفيل بأن يمنع الآلاف الذين رأيتموهم تدفقوا عبر باب المغاربة عندما جاء شارون سنة ,2000 فلن تشهدوا بعد اليوم تدفق الآلاف لحماية الأقصى ، والآن سيمر واحد واحد، ويمكن أن يأتي شخص يقال إنه مجنون ويحرق هذا السلم مرة أو مرتين ثم لا يبقى أ ي مرقاد. الخطر الثالث لو أرادوا من باب التظاهر بما يزعمون أن يبنوا جسر خرساني مسلح فإنه سيكون اعتداء كاملا بمنظور العمران والهوية والجمالية ومنظور اليونسكو نفسه الذي هو جزء من مؤسسة الأممالمتحدة، سيكون تخريب وعدوان. والعمل هو مقاطعة البضائع الأمريكية ومحاربة التطبيع الصهيوني والضغط على الحكومة المغربية للعمل بالمثل، فمن العار أن يعود اليهود المغاربة الذين هجروا وطنهم واستوطنوا فلسطين و اغتصبوها وأذلوا أهلها إلى المغرب ويعاملوا معاملة ملوكية من أجل أن يستعيدوا ما زعموا أنها أملاكهم وتفوت لهم. عن مدونة الجسر