بدأ العد العكسي للانتخابات التشريعية التركية التي ستجرى يوم الأحد المقبل، في أجواء وصفت من طرف المتتبعين والمحللين السياسيين بالرتيبة نظرا لاستطلاعات الرأي التي ترجح فوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية مطلقة تضمن له تشكيل حكومة جديدة وبأغلبية مريحة. لكن من المعلوم أن الحزب الذي يرأسه "أحمد داوود أوغلو" لا يرغب في تشكيل الحكومة لوحده فقط بل يسعى لوضع دستور جديد يؤسس لنظام رئاسي ذو صلاحيات قوية يمكن الرئيس رجب طيب أردوغان من تحقيق وعوده ونيل طموحاته. غير أن الانتخابات الحالية تعرف ظهور لاعب مهم هو حزب الشعوب الديمقراطية لزعيمه "صلاح الدين ديمرطاش" والذي كان أحد مرشحي الانتخابات الرئاسية التي مرت في شهر غشت 2014 وحصل فيها على نسبة 9,77 بالمائة من الاصوات. هذه النسبة شجعته ليرفع من وتيرة التحدي في الانتخابات الحالية من أجل تجاوز عتبة 10 بالمائة -العتبة الانتخابية لولوج البرلمان- لدرجة أنه لوح بتقديم استقالته إذا عجز عن تحقيق ذلك. ولتجاوز نزعته الكردية، عمد الحزب الذي يوصف بالواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني إلى استقطاب مرشحين أتراك في المناطق التي لا يتوفر فيها على نفوذ، في محاولة منه لكسر الصورة السلبية والنمطية التي تلاحقه وكسب تأييد أصوات جديدة لا تنتمي إلى مناطق الاكراد. كما عمل على ترشيح "باريس سولو" وهو مرشح مثلي ناضل منذ سنوات للحصول على موافقة السلطات التركية للزواج من صديقه المثلي، غير أنه فشل في ذلك، في رسالة سياسية إلى جماعات المثليين تعدهم بتحقيق مطالبهم. أما الورقة الثالثة لحزب الشعوب الديمقراطية فهي استهداف النساء. حيث يعتبر هذا الحزب الأكثر ترشيحا للنساء، فنصف مرشحيه ال 550 هم من فئة النساء، كما أنه الحزب الوحيد الذي اعتمد صيغة المقاعد الثنائية البديلة بحيث يكون لكل مقعد مخصص للرجال في الحزب، آخر مخصص للنساء. أما البطاقة الاخيرة فهي استقطاب أصوات الأكراد الاتراك المتواجدين بالخارج، وخصوصا بأوربا، ورغم أن هذه الامكانية صعبة المنال إلا أنها ليست بالمستحيلة، إذا تم توحيد شمل المغتربين الكرد. وفي حال فوز حزب ديمرطاش ودخوله قبة البرلمان فإنه سيجهض آمال حزب العدالة والتنمية في تحقيق أمنيته بوضع دستور جديد، نظرا لاستحالة تحالفهما في الظرف السياسي الراهن، كما أن عدم تجاوز الاكراد لحاجز العتبة سيؤدي إلى إقصائهم من اللعبة السياسية. وهذا أيضا سيؤثر على الحوار الساري بين الحكومة التركية وأكراد الداخل وسيعرقل سير عملية السلام بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، مما يهدد بعودة التوتر واللجوء إلى أساليب أكثر عنفا ودموية. وفي كلتا الحالتين، سيعمد الطرفان إلى المطالبة بانتخابات مبكرة وسابقة لأوانها، سواء وضع دستور جديد أم لا، لضمان التوازن السياسي المطلوب أساسا لاستمرار اللعبة السياسية بشروط ديمقراطية أفضل، وعدم الزج بالبلاد في متاهات سياسية تعود بها إلى عقود الانقلابات العسكرية والحرب مع الأكراد في ظل ظروف إقليمية ساخنة تتطلب توحيد الجهود وتوزيع الأدوار بين مختلف الفاعلين.