قدّم الأكاديمي رشيد التلمساني، المنتمي إلى جامعة الجزائر، صورة قاتمَة عن الجماعات الإسلاميّة ببلده وكذا ردود أفعال سلبيّة عبر عنها نواب ضمن المؤسسة التشريعية الجزائريّة حين مناقشتهم لقانون العنف ضد النساء قبل التصويت عليه.. حيث جاء ذلك ضمن رابع جلسات النقاش التي برمجها المنتدى الدولي السابع للمرأة المتوسطية، المنظم بفاس من لدن مركز إيزيس لقضايا المرأة والتنمية بشراكة مع مؤسسة كونراد أديناور، والذي دخل يومه الثاني من أصل ثلاثة أيام تستطيل عليها أنشطته بفضاء قصر المؤتمرات للعاصمة العلمية المغربية. السلفيّة والحميميّة التلمساني، ضمن مدخل عرضه أمام الحضور الدوليّ المشكل من مثقفين وسياسين ونشطاء جمعويين، عرض نظرته لواقع العنف ضدّ النساء بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، معتبرا الشأن الجزائري لا يخرج عمّا هو كائن بفضاء الMENA، حيث أن تعنيف الإناث متنام بحدّة أكبر وينبغي الشروع في مواجهته بإبداء الإدانة قبل وضعه محط دراسة وتمحيص للوصول إلى إجراءات تحدّ منه في سبيل اقتلاعه من جذوره. "السلفيون يدعون إلى العودة إلى أسس الإسلام بداعي تعرّض المنطقة لهجمات ثقافية واقتصادية من الغرب، ويعتبرون أن كلّ الطرق مشروعة لتحقيق ذلك، ولو كانت على حساب المنجزات التي بصم عليها الوطنيون واللّائكيُون" يقول الخبير الجزائري قبل أن يزيد: "في فجر الاستقلال لم يكن الجزائريون يتوقعون بروز مدّ سلفي وسط مجتمعهم، فيما وفرت المملكة العربية السعودية، إلى جوار دول أخرى، خططا شيطانية من أجل تحقيق ذلك، حتّى أن أموال البترودولار أنفقت بسخاء في هذا المسعَى، وحتّى منابر صحفية دولية تمت رشوتها لنيل المساعدة المرجوّة.. كما أن جامعة معروفة بشبه الجزيرة العربية زارها جزائريون لتلقِّي تأطير عن كيفية التحرّك لصالح الفكر الغريب عن بيئتهم" وفق تعبير رشيد التلمساني. ووفقا لذات الأكاديمي فإنّ هدف السلفيين هو المرأة بالأساس، حيث يعتبرونها شيئا ينبغي أن يكون دوما في خدمة الرجل، ويستعملون منطوق القرآن للتحكّم حتَّى في حياتها الحميميّة دون أي اعتبار لمشاعرها ورغباتها.. كما عرج التلمساني على تحميل المرأة مسؤولية تنامي نسبة البطالة في صفوف الجزائريّين، معلقا على ذلك باعتباره مغالطة كبيرة، وزاد: "عدد الجزائريات المشتغلات لا يمثل غير 17% وسط النشيطين، مع العلم أنهن أكثر حضورا بفضاءات التعليم والتكوين، وهنّ المتحصلات على أكبر عدد من الشواهد". "منطقة القبائل هي الأكثر تحريرا للنساء فوق التراب الجزائري، وبها ديمقراطية أكثر.. كما تسجل ساكنتها أكبر مقاومة لمساعي السلفيين المتحرّكين وسطها" يقول المحاضر الوافد من الجزائر للمشاركة ضمن المنتدى الدولي للمرأة المتوسطية بفاس، وواصل: "أزياء السابقات من الجزائريات كان ذا حشمة ووقار، ولا يمكن قبول ترويج السلفية للتعاطي مع النقاب باعتباره لباسا ذا قدسيّة". وبخصوص قانون مناهضة العنف ضدّ النساء، الذي أقرّه البرلمان الجزائري قبل شهرين من الحين، اعتبر رشيد التلمساني أن ذات التشريع قد جاء نتيجة ضغوط دولية على النظام الجزائري.. مثمنا مضامينه التي يتواجد بينها إقرار لسلب الحرية من ست سنوات إلى عشرين في حق مصيبي النساء بأعطاب بدنية، زيادة على السجن من ستة أشهر إلى عامين لكل من مسّ برصيدهن الاقتصادي الماليّ، وخاصّة إقرار تجريم صريح للتحرّش الشفهي الذي كان قد غدا أمرا عاديا وسط الممارسة الحياتية اليوميّة. كما لجأ التلمساني إلى إبداء السخرية، ضمن نفس المداخلَة، تجاه تفاعل عدد من النواب البرلمانيين الجزائريين مع نفس المشروع القانوني الذي عرض عليهم.. معتبرا أنه من غير المقبول أن ينعت البعض هذا التشريع بالساعي إلى تشتيت الأسر، أو القول إنّه سيشجّع الشباب على الاعتداء على الفتيات بسبب الألبسة التي يضعونها.. "هذا يبين عن القصور المؤثر الذي يطال تمثلاث من هم ممثلون للأمّة" يقول الأكاديمي الجزائري قبل أن يواصل: "الرئيس الجزائري تحرك لأجل البحث عن تحديث لقانون الأسرة الساري حاليا بالبلاد، بما يعرفه من إباحة لتعدد الزوجات وإقرار لتقسيم الإرث وفقا لمنطوق الشريعة، وأتمنّى أن تتم خلخلة مؤثرة لهذا التشريع المعمول به الآن". اغتصابات بنواكشوط فاطمتُو عبد الوهاب، القادمة من جامعة العاصمة الموريتانية نواكشوط للمشاركة لسابع دورات المنتدى الدولي للمرأة المتوسطية المقام بالمغرب، وضمن عرضها المتطرق ل"الخيمة والحريم"، قالت إن مفارقة كبيرة تمسّ وضع الموريتانيات داخل البلاد وتموقعهنّ خارجه.. معتبرة أنه ينبغي تمكين إناث موريتانيا من مواقع أفضل بالحكومة والإدارات، مع وقف خروقات تجعلهم معرض تعنيف جراء سير العمل بالإجبار على العادات. وأضافت فاطمتو أن مكاسب راهنة حققتها الموريتانيات على مستوى الرفع من نسب ولوجعن للمدارس والتواجد بتخصصات أكاديمية نوعية، زيادة على اقتحام مجلس الشيوخ وعدد من المجالس البلديّة، مع تموقع نساء ضمن بعض القيادات الإدارية.. لكنّ ذات المحاضرة عبرت عن انتقادها لقانون الانتخابات الذي تم إقراره قبل ثلاث سنوات باعتبارها إياه قد جاء متأخرا عمّا عبر عنه نظيره للعام 2006 من حيث تحديد نسبة تمثيلية الموريتانيات وسط المؤسسات المنتخبة. "العنف تزايد ضدّ النساء بموريتانيا، وذلك بالنظر إلى تعداد الشكَاوى المقدّمة فقط، دون الأخذ بما يطال الصامتات عمّا يتعرضن عنه من جرائم" تقول فاطمتو عبد الوهاب قبل أن تلجأ إلى انتقاد عادات اجتماعية ببلاد شنقيط تمثل ميزا ضدّ الإناث.. ومن بينها ظواهر التسمين والعنف الزوجي والاغتصاب والقتل.. زيادة حيف قانوني أبرزه متجلي في منع الموريتانية من نقل الجنسية لأبنائها وكذا تغييب اسمها عن وثائق الحالة المدنيّة بشكل يسفر عن حجر تجاه رعايتها لنسلها. ذات الأكاديميّة دقّت ناقوس الخطر بخصوص حالات الاغتصاب التي تشهدها موريتانيا، حيث أوردت أن نواكشوط لوحدها، وبناء على التبليغات بهذه الجرائم فقط، قد عرفت تنامي عدد الحالات من 54 سنة 2005 إلى 497 اغتصابا جرى عام 2013.. غير كاتمة لنظرتها إلى هذا المعطَى وهي تقول إن الواقع قد يكون شاهدا لعدد أكبر ممّا هو مسجل رسميا بفعل لجوء ضحايا إلى الصمت قسرا. جهاد النكاح موحا الناجي، بصفته رئيسا للمعهد الدولي للغات والثقافات، قال ضمن مداخلته بالجلسة الرابعة من منتدى المرأة المتوسطية الدولي لعام 2015، إن تحرّك مغاربيات قاصرات صوب المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلاميّة ما يزال محتاجا إلى تعاط أعمق بفعل العدد القليل من الكتابات التي تطرقت للمعطّى.. وأضاف الناجي: "الحملات الإعلامية التي أطلقتها دَاعش، منذ شهر أبريل للعام 2014، أسفرت عن تجنيد عدد كبير من الإناث، غالبيتهنّ تتراوح أعمارهنّ ما بين 16 و25 سنة". واستحضر ذات الأكاديمي المغربيّ ما تقوم به "مجموعة الزوراء" على الإنترنيت، لحساب "دولة البغدادي"، من تجنيد للإناث عبر الإنترنيت.. وأضاف: "لا يعرف الكم الحقيقي لمن سقطن في الفخّ، لكنّ ما هو معروف يجعل التقديرات تنطق بنسبة 10% من مجموع الجهاديّين الملتحقين بالتنظيم الإرهابيّ.. وقد جاء ذلك بعد ترويج صور مغلوطة تصور الحياة بمناطق الاقتتال كجزء من الجنّة، إلى جوار وعود بمنح النساء فرصا وحياة بديلة عن مناخ الصراع بالمنطقة المغاربيّة". الناجي أورد، ضمن ذات العرض، أن غالبيّة المجنّدات لصالح تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام قد تم الاشتغال على استقطابهنّ انطلاقا وسط مساجد وعدد من المؤسسات السجنية.. كما أن التواصل مع معظمهنّ قد جرى خارج فضاء سكنهنّ وبعيدا عن أسرهنّ التي لم تكن تعرف أيا من تفاصيل ما يجري.. حيث استثمرت خطب ودروس دينيّة في التغرير بهنّ. "حين تصل الجهاديات إلى مناطق الحرب لا تجدن الجنّة الموعودة، خاصّة وأن داعش يسيطر عليها رجال يؤمنون بفصل النساء عن المهام الموكولة إليهم، مفضلين جعل الوافدات أكثر عرضة للقساوة.. وبالتالي يكون من الغريب على النساء النضال لصالح مجموعات هي في الاساس ضدّ المرأة، وذلك وسط سريان جهاد النكاح الذي يعدّه ذكور التطرّف سلاحا جنسيا في سبيل تحقيق النصر الذي يرومونَه" يورد موحَا. ذات المحاضر المغربيّ قال إن حكومات المنطقة المغاربية قد نشطت من أجل تقليص عدد النازحين صوب مناطق النزاع لأجل الانخراط في الاقتتالات الدائرة وسطها.. وذلك عبر إصدار قوانين تؤطر هذا الاشتغال إلى جوار تفكيك شبكات للتجنيد وتوقيفات طالت عددا من المتحركين بغية الوصول إلى فضاءات حمل السلاح.. فيما عزا الناجي توفير الأرضية الخصبة لخطوات شبكات التغرير إلى تواجد عوامل أبرزها الفقر والبطالة والتضييق على الهوية الثقافية وأجرأة سيسات تهميشية، وأضاف: "ينبغي التعبير عن إرادة سياسية واضحة للحد من هذه العوامل المنتجة للعنف، زيادة على خطوات عملية تحقق التنمية الحقيقية بكل فضاءات العيش، والبصم على قوانين ناجعة تحدد الحقوق والواجبات بجلاء، وضمان مراقبة فعالة للحدود، مع تشجيع العمل التحسيسي المناهض لكل صور التعنيفات بنية رفع مستويات الوعي، زيادة على تواجد إعلام يوقف التعاطي مع تشجيع الخطوات الإرهابيّة". الله والغرب والمرأة خديجة عرفاوي، من الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، تعاطت ضمن مداخلتها برابع جلسات الدورة السابعة من المنتدى الدولي للمرأة المتوسطية مع التطرف الديني وتأثيره على تراجع مكانة النساء.. وقالت عرفاوي إن الشعبة المفاجئَة لإسلاميي تونس بعد ثورة الياسمين، بالطريقة التي عبرت عنها الانتخابات التشريعية التي مكنتهم من 90 مقعدا برلمانيا، قد أتت من اعتبارهم قادرين على تحقيق أداء سياسي أفضل لكونهم يخافون الله.. وواصلت الناشطة التونسية: "جهلهم بالعمل السياسي، وتركيزهم على كونهم قد لاقُوا ظلما في الماضي، أعاق تحقيق ما هو مرجو من الناس.. وناشطو حركة النهضة يقولون إنهم معتدلون لكنّهم لا يرومون غير إرساء تطبيق للشريعة بغير خوف إلاّ من الغرب والمرأة". "راشد الغنوشي يرَى أن وظيفة المرأة تقترن بأشغال البيت والحَمل فقط، والإسلاميون حين يمكّنون من السلطة يسعون لإسكات المعارضة بنصوص القرآن التي لا أحد يعمد إلى مناقشتها باعتبارها كلاما إلهيا.." تضيف خديجة عرفاوي قبل أن تسترسل: "حتّى العزوبيّة أصبحت ذنبا يلصقه الإسلاميون بالإناث، متناسين أن ارتفاع مستوى التربيّة واستطالت المسارات الدراسية هي التي أفضت لهذه النتيجة التي تغضب حملة ذات الفكر.. والعازبات هنّ الأكثر تعرضا للأذيّة البدنية والنفسيّة". وانتقدت عرفاوي تعبير إسلاميّي تونس عن رغبتهم في إعادة المجتمع للأصول العربيّة الإسلاميّة بقولها: "البلاد لها هويّة تقترن بالأصول، حيث انها نتاج لعدد كبير من الحضارات المتوسطية التي عرفتها.. وليس ذلك مقترنا بالعروبة والإسلام فقط".. كما اعتبرت ذات الناشطة أن الإنجازات الديمقراطية التي راكتها تونس بعد الثورة الأخيرة التي حققتها ساكنتها لا تمنع من طرح أسئلة بخصوص المستقبل.. وأضافت: "أتوقع أن يختار التونسيون الليبراليّة بعد عقدين من الآن، ولن يكون ذلك مفاجئا بالمرّة.. فيما يحتاج وفق العنف بتونس إلى ملاءمة القانون الجنائي مع مضامين الاتفاقيات الدولية، وكذا جعله مسايرا لمضامين الوثيقة الدستورية التي تفرّق بشكل صريح ما بين المعتقد الديني وممارسة السياسة".