لا تتوقف معاناة كل من مصطفى أبو ليتيم، والقادري محمد، والدا الطفليْن عبد الرحمن، وصلاح الدين، عند توفير الرسوم والواجبات الشهرية، لتأمين تعليم أبنائهما في مؤسسة تعليم خاصة، وتخوفهما من عدم قدرة المدارس العمومية على استقبالهما، والأخذ بعين الاعتبار لطبيعة مرضها المزمن الذي يتطلب عناية خاصة. وتمتد معاناة الأسرتين إلى الشعور بالعجز أمام عجزهما على إيجاد المال الكافي لتغطية تكاليف اقتناء واحد من أغلى الأدوية في السوق المغربي، لعلاجهما من أعراض واحد من أنذر الأمراض الوراثية في المغرب، الذي يهدد حياة ما يزيد عن 20 ألف مغربي على الأقل، وفق تأكيدات أخصائيين مغاربة في هذا المرض. تغطية دواء ضعف المناعة ويقول الأب القادري إن مصالح الضمان الاجتماعي ترفض ملفات تغطية أثمان دواء immunoglobiline بسعرها الجديد، بعدما قررت وزارة الصحة رفع سعره بنحو 110 في المائة، لينتقل من 2300 درهم القارورة الواحدة من فئة10 غرام إلى 4800 درهم دفعة واحدة. واضطر القادري، الذي يعمل سائقا في إحدى الشركات العاملة في قطاع الصناعات الغذائية في الدارالبيضاء بأجر شهري يتجاوز 4000 درهم بقليل، إلى اقتراض مبلغ 10 آلاف درهم من معارفه، قصد شراء قارورتين من فئة 10 غرام بمبلغ 9600 درهم ، بعد ما تأخر عنه بنحو 10 أيام وتفاقم حالته الصحية، وانحدار نسبة مناعته إلى أقل من 3.75، وهي نسبة هددت حياة ابنه صلاح الدين. الطفل عبد الرحمان، 8سنوات ويتابع دراسته بشكل متميز مقارنة مع باقي أقرانه، أصبحت حالته تؤرق بال والدته مليكة الروصادي، ووالده مصطفى ابو ليتيم، خصوصا مع اقتراب تاريخ 28 ماي، وهو انشغال يحاولان إبعاده عن ابنهما الذي لا يركز سوى العمل من أجل التأقلم قدر الإمكان مع حالته الصحية والتركيز على تعليمه.. وينتظر الأب تاريخ 28 ماي الجاري لأخذ دوائه "immunoglobiline"، الذي اضطر لأخذه منذ أن بلغ عمره أقل من سنة واحدة، بعد اكتشاف والديه إصابته بمرض نقص المناعة الأولية. الرميد.. معاناة أخرى وتمتد المعاناة إلى المرضى الخاضعين لنظام "الرميد"، الذي يفرض القانون تناولهم الدواء داخل المستشفيات، حيث يقول مجموعة من أباء المرضى إن إدارة مستشفى عبد الرحيم الهاروشي الجامعي للأطفال، لا تتوفر على أي احتياطي من دواء immunoglobiline وهو ما يعرض حياة العشرات من الأطفال لخطر الموت. ويؤكد الأخصائيون العاملون في مستشفى الهاروشي، إن مرضى "راميد" يستفيدون من نوعين من الأدوية، ويتعلق الأمر بدواء سوكوتالين، وهو عبارة عن حقنة تؤخذ تحت الجلد، وهي تعطى داخل المستشفيات العمومية لكنها تفرض على الأطفال الراغبين في أخذها الغياب عن المدرسة يوم واحد في الأسبوع على الأقل. كما أن هناك دواء immunoglobiline الذي انقطع بشكل مفاجئ عن المستشفيات العمومية، خاصة في الدارالبيضاء، منذ أزيد من شهر مع ما يعني ذلك من تعريض حياة المرضى للخطر، يقول الأخصائيون، بالرغم من أن منظمة الصحة العالمية تصنفه في لائحة الأدوية الحيوية. ما هو مرض ضعف المناعة؟ ويقول الدكتور أحمد عزيز بوصفيحة، الأخصائي في مرض ضعف المناعة ورئيس جمعية هاجر التي تعنى بهؤلاء المرضى، إنه مرض مزمن يلازم الشخص مدى الحياة ويتسبب في عدم قدرة الشخص المصاب به مواجهة الميكروبات العادية، ويصبح معرضا لكل أنواع الأمراض والفيروسات. وأكد الدكتور بوصفيحة، في تصريح لهسبريس، أن هذا المرض مخالف تماما لمرض فقدان المناعة المكتسبة المعروف بالسيدا، لكونه من الأمراض التي تتنقل وراثيا، وهو مرض غير معد، وقد يتسبب في وفاة صاحبه في وقت مبكّر جدا في حالة عدم تشخيصه في الشهور الأولى من حياة الطفل المصاب به. سعر دواء ضعف المناعة يسهر مركز تحاقن الدم، الذي يقف وراء الزيادة الصاروخية في سعر الدواء بإشراف من وزارة الصحة، على بعث مادة البلازما المستخرجة من الدم الذي يتبرع به المغاربة، إلى مختبر LFB BIOMEDICAMENT بفرنسا من أجل تصنيع دواء immunoglobiline. ويؤكد الأخصائيون في مجال ضعف المناعة لدى الأطفال والبالغين، إن إستراتيجية المغرب باستعمال بلازما المغاربة في تصنيع هذا الدواء يشكل اختيارا صائبا، بالنظر إلى أن هذه البلازما تتوفر على مضادات للميكروبات السائدة في المغرب، وتساعد على تحسين الحالة الصحية للمغاربة. ولا يخفي الكثيرون، ممن تحدثت معهم هسبريس، عدم ارتياحهم لاستمرار ضعف الإقبال على التبرع من الدم، مع ما يطرحه من مشاكل كبيرة على مستوى الحالة الصحية للالاف من المغاربة، الذين يخضعون للعلاج عبر مشتقات الدم، ومن بينهم مرضى ضعف المناعة الأولية. ويطرح البعض، بالمقابل، تساؤلات حول ما إذا كان ضعف التبرع بالدم يشكل مبررا كافيا لرفع سعر دواء ضعف المناعة، وتعريض حياة الأطفال الذين يعانون من هذا المرض الوراثي لخطر الموت.