هلْ كانتْ هناك جهاتٌ حفرتْ لقطار الحوار الوطني حول المجتمع المدني حُفرة سقطَ فيها قبل الوصول إلى محطّته الأخيرة؟ وهل كانت هُناك جهاتٌ تخشى أنْ يؤدّي الحوارُ الوطني حول المجتمعي في حال الوصول إلى مُبتغاه من فضْح الرّيع الذي يستفيدُ منه "مُلّاك" بعض الجمعيات في ظلّ غياب أيّ مُحاسبة؟ في هذا المقال يتحدّث حسن الهيثمي، المستشار بديوان الحبيب الشوباني الوزير السابق للعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني عن العراقيل التي واجهها الشوباني وهو يقود قطار الحوار الوطني حوْل المجتمع المدني، ليخلص إلى أنّ الوزير اضطرّ إلى مغادرة سفينة الحكومة بعدما لجأ خصومه، وخصوم التجربة، إلى "الضرب تحت الحزام". وهذا نصّ مقال الهيثمي كما توصّلت به هسبريس الشوباني والحوار الصعب "سنونو واحد لا يصنع الربيع" مثل فرنسي غير ما مرة صَرح وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني السابق الحَبيب شوباني في لقاءاته التواصلية الكثيرة في مختلف أرجاء المغرب وخارجه، بأن هناك من حذره من "مُغامرة" تَنْظيم حوار وَطني حَوْل المُجتمع المدني، بسبب وُجود أزيد من عشرة آلاف جمعية، تشكل فسيفساء جمعويا يضم أشكالا وأنواعا من الجمعيات، فضلا عن تعدد وجهات نظر الفاعلين الجمعويين. إلا أن الشوباني أطلق نداء المُشاركة في وسائل الإعلام العمومي والخاص، ورَكب سفينة المُغامرة، رُفقة لجنة وطنية تضم عشرات الفاعلين الجمعويين وممثلي القطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية. لقد كان يُؤمن وما يزال، بأن تنزيل الدستور في شقه المُتعلق بدور المُجتمع المدني في صناعة القرار، لا يُمكن أن يتم دون إشراك المجتمع المدني الذي خرج أبناؤه وبناته في عشرين فبراير، ليتم عقب ذلك الشروع في المراجعة الدستورية لسنة2011، التي نصت على الديمقراطية التشاركية، إلى جانب الديمقراطية النيابية. وهكذا، قطع شوباني إلى جانب أعضاء اللجنة، حوالي 107.815 كيلومترا في مُختلف أقاليم المَمْلكة، فضلا عن التواصل مع جمعيات مَغاربة العالم دون كلل أو مَلل، حيث يتم فتح نقاش لمناقشة كيفية تنزيل الفصول المتعلقة بالمجتمع المدني الواردة في دستور 2011، للاتفاق على طريقة كتابتها مرة ثانية في صيغة قوانين تنظيمية تتعلق بملتمسات التشريع وتقديم العرائض (وافق عليها المجلس الوزاري المنعقد يوم الجمعة 15 ماي 2015)، والتي بواسطتها سيتم تفعيل الأدوار الدستورية الجديدة للمجتمع المَدني، ليتمكن من الإسهام بفَعالية في صناعة القرار إلى جانب الحكومة والبرلمان. وما تزال ذاكرة الحوار الوطني للمجتمع المدني، تحتفظ بمُحَاولات التشويش، ووضع العصا في العجلة، لإجهاض تجربة "MADE IN MOROCCO"، وهي المحاولات التي لم تلتف إليها قَافلة الحوار، فانطلقت وحُداء الحراك الشعبي يحفزها لزيارة مُختلف الجهات والأقاليم (18 لقاء جهويا، وعشرات اللقاءات في الأقاليم، وجلسات الاستماع، وتلقي المذكرات). بطبيعة الحال، وكأي تجربة جديدة، تساقط بعض أعضاء اللجنة على طريق الحوار، لكن رغم ذلك واصلت اللَجْنة الوَطَنية (برئاسة مولاي إسماعيل العلوي) مسيرة الحوار دون أن تعبأ بالمتساقطين الذين تنكروا للربيع، فأدركهم الخريف مُبكرا لأسباب سياسية مَحضة (خروج حزب الاستقلال من الحكومة تسبب في خروج بعض الاستقلاليين من اللجنة)، أو بسبب تعليمات صادرة عن "جهات غامضة". بعد مرور سنة، وضعت قافلة الحوار الوطني حول المجتمع المدني، رحالها في الرباط بتنظيم مُناظرة ختامية، ليتم تتويج هذا المنتوج المغربي الخالص بتنظيم حفل كَبير بالمَسرح الوطني مُحمد الخامس، قدم خلاله المقرر العام للجنة عبد العلي حامي الدين توصيات الحوار التي تزيد على 260 توصية في غاية الأهمية خرجت من بين فرث ودم لبنا سائغا للجمعويين والجمعويات في أطول عملية حوارية َشهدتها بلادنا بَعْد الحراك الشعبي. بكل تأكيد، لم يتوقف سدنة التشويش، بل واصلوا عملهم الممنهج لمحاولة تشويه تجربة شهد بريادتها خبراء من داخل وخَارج الوطن، ولم يكن مُمكنا إخفاء الشمس بالغربال، فخرجت العفاريت من قمقمها، لتنسج خُيُوط الافتراء، ابتداء من ميزانية الحوار، ومرورا بفاتورة التمور، وانتهاء بالتعدد، الذي أسال مداد "السفاهة"، بكل تجلياتها شعاره في ذلك "اكذب ثم اكذب حتى يُصدقك الناس". ورغم ما قيل، وما تم خلقه من إشاعات من نسج الخيال العلمي، الذي لا يوجد إلا في أذهان أصحابه، احتفل الجمعويون والجمعويات في كل أرجاء المغرب باليوم الوطني للمجتمع المدني الذي يتزامن مع 13 مارس، وهي ذات المناسبة التي اختارها الرئيس الأول للمَجْلس الأعلى للحسابات، لإصدار بلاغ لجميع الجمعيات من أجل تمكينه من كشف الحساب، منذ 2009 لإعداد تقرير عن الدعم تفعيلا لمنشور رئيس الحكومة الذي وجهه إلى القطاعات الحكومية والمندوبيات لتمكن جطو من اتفاقيات الشراكة التي تبرمها مع الجمعيات، إلى جانب تقرير عن الدعم المالي الوطني والأجنبي الذي ستنجزه الحكومة ابتداء من السنة المقبلة، وتقرير ثالث تُنجزه لجنة مراقبة المالية بمجلس النواب، بمعنى أن المغرب ستكون بحوزته ثلاثة تقارير سنوية عن الدعم المالي الوطني والأجنبي الذي يلتهمه عدد محدود من الجمعيات، وتأتي عليه مثلما يأتي الجراد على الأخضر واليابس. لقد كان من نتائج هذا الحوار، الدعوة إلى إيقاف هذا النزيف المالي والقطع مع التمييز الطبقي بين الجمعيات، حيث تُولد "طبقة" من الجمعيات وفي فمها ملاعق من ذهب، بينما تعيش طبقة أخرى في أحزمة الفقر "تتسول" الأقلام والأوراق لتحرير تقارير اجتماعاتها. من نتائج الحوار الوطني، أيضا، خلخلة الحقل الجمعوي الذي تنبت فيه بعض النباتات المضرة. من نتائج الحوار أيضا زعزعة عقيدة بعض الجمعويين الذين أصبحوا يحملون صفة "جمعوي" كأصل تجاري "ينشطون" به كما يريدون بدون ضابط أو رابط. الحوار الوطني حول المجتمع المدني، أدخل رأسه في فم الثعبان، ووضع أصبعه في عش الزنابير، إيمانا منه بأن حديث الحكومة عن تكافؤ الفرص يجب أن يتم في كل شيء وليس في الشغل فقط، إذ يجب تطبيق نفس المبدأ على الجمعيات ليأخذ كل ذي حق حقه، وتتقدم كل واحدة منها لطلب الدعم بوجود مساطر مضبوطة، ومعايير واضحة، دون أن تخاف أي جمعية "ظلما أو هضما". بَعد الحوار الوطني، بدأت العلاقة تتأسس بين الدولة بقطاعاتها الحكومية، وباقي مؤسساتها العمومية، على الشفافية، والوضوح، مما سيمكن من تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بين كافة الجمعيات المغربية، وسيصبح بإمكانها الولوج إلى الشراكات مع مؤسسات الدولة، عوض استفادة أقل من 0,3 بالمائة من الجمعيات من حوالي 36 بالمائة من الدعم المالي الذي مصدره خزينة الدولة، والمصيبة أن حوالي 95 بالمائة من هذه الجمعيات لا يُصرح "نشطاؤها" بأي درهم أو فلس. وهكذا عوض أن يستفيد المواطنون والمواطنات من هذا المال العام، يتحول إلى ريع بكل ما تحمله كلمة ريع من ثراء وبحبوحة يعيش فيها بَعض "الجمعويين" الذين اشتغلوا بدينامية كبيرة لإفشال ورش التشريع للمجتمع المدني، لأنهم يعرفون جيدا أن مثل هذا التشريع من شأنه إيقاف الريع الجمعوي الذي ينضاف إلى باقي أنواع الريع من مأذونيات النقل، ورخص استغلال مقالع الرمال والأحجار. بدون مجاملة يمكن القول بأن الشوباني من الوزراء الذين استطاعوا وضع الحجر الأساس لمقولة "الحساب صابون"، من خلال وضع تشريعات سيتم من خلالها اقتفاء أثر كل سنتيم يتم صرفه لفائدة العمل الجمعوي، وسؤال صاحبه، من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ حينها يمكن أن يظهر المُتطوعون "ديال بالصح"، لأداء مُهمتهم النبيلة في ممارسة العمل الجمعوي، بشكل أجمل وأشمل وأكمل. إنها إحدى ثمار الحوار الصعب، الذي سيضع حدا لعهد منع الترخيص للجمعيات على أساس اعتبارات واهية تدور في رأس "مقدم" أو" شيخ" أو "قايد"، حَيث سيصبح القضاء الجهة الوحيدة المخول لها النظر في أي نوع من هذا النزاع. إنه الحوار الصعب الذي أثمر إبداعا مغربيا خالصا، أصبح مطلوبا لنقله في دول متعددة.. إنه الحوار الصعب، الذي كشف عن وجود جمعيات غير مستقلة عبارة عن ملاحق لأحزاب ولوبيات.. إنه الحوار الصعب الذي ساهمت فيه جمعيات لها مصداقية ومستقلة، ومن ثماره عدم استفادة الجمعيات التابعة لمستشارين جماعيين من منحة البلديات. إنه الحوار الصعب الذي أعاد للعمل الجمعوي تألقه، والذي سيمكنه من توفير آلاف مناصب الشغل من خلال اقتراح تكوين كفاءات قادرة على تسيير المَشاريع الجمعوية. إنه الحوار الصعب الذي نتج عنه القرار الصعب، الذي اتخذه وزير اسمه الحبيب الشوباني، فضل مغادرة سفينة الحكومة، بعدما لجأ "خصومه" وخصوم التجربة ككل، إلى الضرب تحت الحزام، بل منهم من استل مُدْيته وبدأ في شحذها في مُخالفة صارخة لقواعد اللعبة التي تقتضي حوارا هادئا مهما كانت صعوبته، وكل فاعل سياسي أو جمعوي أو "إعلامي" يَلجأ إلى العنف اللفظي، عاجز عن الحوار وتقديم البديل، مقارعة الحجة بأختها، فيلجأ إلى "السفاهة". في البدء كان الحوار.. ويجب أن يستمر مهما كانت صعوبته. في البدء كان التعدد، في كل شيء في الجمعيات والأحزاب والأفكار، وحتى في "الحداثات" و"الديمقراطيات"، فلا تفرضوا اللون الواحد، والصحن الواحد، ولا تدسوا أنوفكم في الحياة الخاصة لعباد الله..وتأكلوا لحومهم، اذهبوا عند القصاب فعنده ما تشتهون من لحوم بالشحم وبدونه..وابتعدوا عن لحوم الناس فإنها مسمومة.. اختلفوا تزدهر حياتكم.