خلال سفري وتنقلاتي الخارجية وإقامتي خارج المملكة المغربية طوال الستة عشر سنة الماضية، دخلت في نقاشات مختلفة وطويلة حول وطني المغرب، وتاريخه وواقعه الاجتماعي والديني والاقتصادي. وكانت بعض هذه النقاشات إيجابية نابعة من الفضول المعرفي والرغبة الصادقة في التعرف على المغرب، وبعضها سلبيا ويتسم بالسطحية في التحليل ويغلب عليه المبالغة والجهل والصور النمطية والتي لا تمت للواقع بصلة. وكثيرا ما أجد نفسي في موقع المدافع عن صورة المغرب وثقافته المتنوعة وتاريخه الطويل وإبداعات أبنائه في جميع المجالات. في بعض الأحيان أنجح في تغيير أو تعديل الصور النمطية عن المغرب من خلال القصص والحقائق والمعلومات التي أمتلكها كإبن البلد، ولكن في أغلب الأحيان أفشل فشلا ذريعا نظرا لترسخ الصور النمطية في أذهان البعض! وهذا ما دفعني إلى كتابة هذا المقال. لقد حان الوقت للاستثمار بجدية في سمعة المغرب خارجيا. إن الحكومات العصرية تقوم بتخصيص ميزانية كل سنة للقيام بأنشطة اتصالية استراتيجية متخصصة ويكون الهدف الأساسي منها هو تقييم سمعة الدولة ومعرفة الانطباع العام عنها في بعض البلدان ثم القيام بأنشطة اتصالية متخصصة ثقافية تعريفية وحملات توعية لتوفير معلومات حقيقية عن الدولة ومواجهة المعلومات الخاطئة والصور السلبية بالمعلومات الصحيحة الايجابية النابعة من أصل البلد وحقيقته. إن الخطأ الذي تقع فيه بعض الحكومات هي إناطة مثل هذه المهمة إلى السفارات والتمثيليات الدبلوماسية، وهذا أول وأكبر خطأ لأن الأنشطة الاتصالية الاستراتيجية يجب أن تدار من خلال مهنيين محترفين في مجال الاتصال على المستوى الدولي ذوي الخبرة بالقنوات والأدوات الاستراتيجية للتواصل مع الجمهور وتغيير سلوكه وانطباعاته عن مؤسسة أو دولة أو حكومة ما، وليس من طرف السفراء والقناصل فقط. لا أنفي أن هنالك صوراً إيجابية عن المغرب ولكن عموما الصورة غير واضحة وغير متناسقة بالنسبة للعديد من الأشخاص. لن أقوم بسرد الصور النمطية السلبية التي أسمعها عن المغرب لأنني متأكد أن جميع القراء الأعزاء على دراية بها ولأنني أفضل دائما التركيز على الجانب الإيجابي من الأمور وعلى إيجاد الحلول العملية للتطوير والتقدم إلى الأمام. ولكن يكفي أن أقول أن بعض هذه الصور سلبي جدا ويُؤثر على الجالية المغربية في بعض البلدان نفسيا ويُرهقها ويعوق تقدمها في بعض الأحيان. هل أَدَّعي أن المغرب بلدٌ كامل متكامل خالٍ من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها؟ لا. المغرب، كالعديد من الدول، يعاني من مشاكل وتحديات كالأمية والجهل والبطالة وبعض مظاهر الفساد الإداري....لكن هنا أطرح سؤالين رئيسين: هل يمكننا أن نُلَخِّص بلد عظيم كالمغرب وشعب رائع كالشعب المغربي في ثلاثة أو أربعة كلمات سلبية أو في تحدياته ومشاكله فقط؟ طبعا لا. هل هناك بلد في العالم خالٍ من التحديات والمشاكل على جميع الأصعدة؟ طبعا لا. المغرب كغيره من البلدان لديه الجانب الإيجابي والجانب السلبي. المغرب غني بمَلِكيته واستقراره وشعبه وتنوعه الثقافي واللغوي وتاريخه الطويل ومعالمه السياحية الجميلة وتنوع مطبخه ذي الصيت العالمي وطيبة وكرم شعبه وتنوعه الاقتصادي والمناخي وقوة موقعه الاستراتيجي وغني بأبنائه وبناته في الداخل والخارج. والفكرة هي أن المغرب يجب أن يستثمر بجدية وبتخطيط استراتيجي وبمثابرة ودون انقطاع لإيصال هذه الرسائل وهذه الايجابيات للعالم أجمع ولرواية القصة الحقيقية عن المغرب وليس القصص التي ترددها بعض الأفلام العربية أو بعض الصحفيين الذين لا يعرفون عن المغرب إلا القليل ويدعون خبرتهم به. إن سمعة البلدان تؤثر على مصداقيتها في المجتمع الدولي وتؤثر على حجم الاستثمارات المباشرة التي تتدفق عليها من الخارج. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة مؤشر قياس السمعة في العالم التي قامت به مؤسسة السمعة أن حصول دولة النمسا على 5 نقاط إضافية في مؤشر سمعتها سيؤدي إلى تدفق حوالي 3.4 مليارات دولار من الاستثمار الخارجي ومن عائدات السياحة والأنشطة الاقتصادية المتعلقة بها. لقد عملت طويلا في مجال الاتصال الاستراتيجي وأعلم أن هناك حكومات عصرية متقدمة من بينها الحكومة الأمريكية والحكومة البريطانية وبعض الحكومات العربية تعمل بتخطيط استراتيجي ومن خلال حملات توعوية واتصالية وحملات الدبلوماسية العامة لتحسين صورتها وشرح مواقفها ونشر قصتها عن طريق قنوات مختلفة تصل إلى الجمهور العادي والذي ينشر الصور النمطية عن بلد معين من خلال أحاديثه اليومية ومواقع التواصل الاجتماعي. لما لا المغرب؟ لا ينقصنا فقط إلا اتخاذ القرار بالعمل مع المحترفين في هذا المجال ووضع خطة اتصال استراتيجية طويلة المدى والسهر على تنفيذها دون انقطاع حتى عند تعاقب الحكومات واختلاف اجنداتهم السياسية. أتمنى أن يتخذ المغرب خطوات علمية وجدية من أجل بناء قدرات اتصالية استراتيجة قادرة على بناء سمعة طيبة إيجابية بطريقة مهنية تنعكس بالخير على المغرب والمغاربة في الداخل والخارج. -خبير تواصل ومدرب في التنمية المهنية