مدن الشمال تستعد لإستقبال جلالة الملك    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    النصيري يسجل من جديد ويساهم في تأهل فنربخشه إلى ثمن نهائي الدوري الأوروبي    الحسيمة.. تفكيك شبكة إجرامية متورطة في تنظيم الهجرة السرية والاتجار بالبشر    استعدادات لزيارة ملكية مرتقبة إلى مدن الشمال    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    التضخم في المغرب يسجل 2%.. والأسماك واللحوم والخضر تقود ارتفاع الأسعار    شي جين بينغ يؤكد على آفاق واعدة لتنمية القطاع الخاص خلال ندوة حول الشركات الخاصة    عامل إقليم الحسيمة ينصب عمر السليماني كاتبا عاما جديدا للعمالة    مضمار "دونور".. كلايبي يوضح:"المضمار الذي سيحيط بالملعب سيكون باللون الأزرق"    الجيش يطرح تذاكر مباراة "الكلاسيكو" أمام الرجاء    إطلاق المرصد المكسيكي للصحراء المغربية بمكسيكو    القضاء يرفض تأسيس "حزب التجديد والتقدم" لمخالفته قانون الأحزاب    كيوسك الجمعة | المؤتمر الوزاري العالمي الرابع للسلامة الطرقية يفي بجميع وعوده    باخرة البحث العلمي البحري بالحسيمة تعثر على جثة شاب من الدار البيضاء    المندوبية السامية للتخطيط تعلن عن ارتفاع في كلفة المعيشة مع مطلع هذا العام    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    نتنياهو يأمر بشن عملية بالضفة الغربية    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    المغرب يحافظ على مكانته العالمية ويكرس تفوقه على الدول المغاربية في مؤشر القوة الناعمة    انتخاب المغرب رئيسا لمنتدى رؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية    توقعات أحوال الطقس ليومه الجمعة    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    الولايات المتحدة تبرم صفقات تسليح استراتيجية مع المغرب    إسرائيل تتهم حماس باستبدال جثة شيري بيباس وبقتل طفليها ونتانياهو يتعهد "التحرك بحزم"    عامل إقليم الجديدة و مستشار الملك أندري أزولاي في زيارة رسمية للحي البرتغالي    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    محامون: "ثقافة" الاعتقال الاحتياطي تجهض مكتسبات "المسطرة الجنائية"    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    "بيت الشعر" يقدّم 18 منشورا جديدا    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    حادثة سير مميتة على الطريق الوطنية بين طنجة وتطوان    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    "مطالب 2011" تحيي الذكرى الرابعة عشرة ل"حركة 20 فبراير" المغربية    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    السلطات تحبط محاولة نواب أوربيين موالين للبوليساريو دخول العيون    جمعية بيت المبدع تستضيف الكاتبة والإعلامية اسمهان عمور    الجيش الملكي يواجه بيراميدز المصري    أهمية الحفاظ على التراث وتثمينه في صلب الاحتفال بالذكرى ال20 لإدراج "مازاغان" ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو    مجموعة أكديطال تعزز شبكتها الصحية بالاستحواذ على مصحة العيون ومركز الحكمة الطبي    حكومة أخنوش تتعهد بضمان تموين الأسواق بجدية خلال رمضان    محكمة إسبانية تغرّم لويس روبياليس في "قبلة المونديال"    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    ثغرات المهرجانات والمعارض والأسابيع الثقافية بتاوريرت تدعو إلى التفكير في تجاوزها مستقبلا    غشت المقبل آخر موعد لاستلام الأعمال المشاركة في المسابقة الدولية ل "فن الخط العربي"    إطلاق النسخة التاسعة للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    سينما المغرب في مهرجان برلين    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    دراسة تكشف عن ثلاثية صحية لإبطاء الشيخوخة وتقليل خطر السرطان    صعود الدرج أم المشي؟ أيهما الأنسب لتحقيق أهداف إنقاص الوزن؟"    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفقوا للقادة العرب فقد أدركوا قمة النضج السياسي؟؟؟
نشر في هسبريس يوم 16 - 04 - 2015

ما المخاطبون بالطلب هنا؟ الشعوب؟ أم الأقلية الخادعة المتسلحة بالفكر الظلامي السلطوي والحزبي والسياسي؟
علينا نحن أن لا نعين. وطلب التعيين ملح؟ والاتهام في غاية الخطورة؟ وكأن القادة المعنيين ظلوا في مرحلة اللانضج العقلاني لفترة طويلة؟ يعني أنهم كالأطفال قبل البلوغ، أو قبل سن الرشد! كانوا يحسون ولا يدركون! ثم أصبحوا يتمتعون بنصيب من الإدراك الحسي! ثم عركتهم الأحداث دون أن يعركوها بالكافي من التساوي والمماثلة! فأصبحت لديهم قدرة غير فائقة على الإمساك بالإدراك العقلي! أو قدرة غير فائقة على الاستقراء والمقاربة! إلى حد أنهم جميعهم سوف يصبحون شبه فلاسفة أو شبه حكماء؟
وتعاملهم مع شعوبهم في الماضي وفي الحاضر الماثل، هل كان يدل على أنهم سلكوا ويسلكون مسالك، هي التي تقود سالكيها إلى اكتساب فلسفة غير ناضجة؟ أو إلى اكتساب حكمة غير مكتملة الأركان؟
فمنذ البداية، أي منذ تسلمهم لزمام الأمور، إثر القضاء على الوجود الاستعماري، لم يكلفوا أنفسهم – وهذه قناعتنا – عناء ترجمة مطامح الجماهير إلى محسوسات، حيث إنها تقف على الفرق بين وضع عاشته مرغمة مقهورة، وبين وضع كرست كل جهدها في انتظار بزوغه كفجر بعد ليال مدلهمة ثقيلة على النفوس؟ لكن القادة، وحاشية القادة من جماعات متحزبة، شكلوا فريقا على أساس من النظرة الدونية إلى الشعوب ترسو دعائمه! لقد اعتقدوا أنهم دون غيرهم جديرون برفع راية التعصر! وأن من حقهم وحدهم أن تناط بهم مشروعية القيادة التاريخية، لمن هم دونهم في استيعاب لب الحداثة والعصرنة!
فإن وجد فريق منهم نفسه في العض بالنواجد على النظام الليبرالي، فلأن عناصر هذا الفريق، تتوقع تحويل بلداننا إلى نماذج لدول متقدمة! قريبا عن الإبحار لتحقيق التقدم سوف تكف! بعد أن تكون قد ألقت بمراسي سفنها على الشاطئ! متخذة ما كان يعرف بالمعسكر الغربي قدوة! بينما وجد الفريق الآخر منهم نفسه في الإمساك بالنظام الاشتراكي الثوري. حيث يزعم ممثلوه بأنه الملاذ الوحيد للخروج من عهد الرجعية والتبعية والتخلف والتقليد، إلى عصر التحرر والازدهار! فكان لزاما – والعراك بين الفريقين محتدم – أن يضمر كل فريق عداء غير مبرر، لا عقلانيا، ولا دينيا، ولا أخلاقيا، ولا قوميا لغريمه الذي يدين بفلسفة غير فلسفته في الحكم أو في السلطة! وكلهم كما لا يخفى علينا علمانيون متعصبون مقلدون تابعون مجرورون!!!
وإن نحن تساءلنا عن حقيقة وضع الشعوب في الدول الاشتراكية العربية الثورية المزعومة، وعن وضعها في الدول الرأسمالية العربية الليبرالية، لوجدنا كيف أن قادتها جميعها دكتاتوريون استبداديون!!! ومرد دكتاتوريتهم يعود في الواقع لا في الخيال، إلى عدم إدراكهم بعد لمستوى النضج العقلي والنفسي والسياسي والإنساني!!! بحيث يكون نضجهم مرتبطا بعالم المنطق والواقع والتجربة! وبحيث يكون مرتبطا بعالم الحس الأخلاقي والديني! إنهم جميعهم متفقون على أن منحى الحرية للشعوب معناه: منحها السلاح الذي سوف يقضي على استبدادهم عن طيب خاطر! وهذه مقولة لنين وستالين وعبد الناصر!!!
غير أن التجارب التي عاشتها الشعوب واختبرتها عن قرب، تسفر باستمرار عن واقع أنانيات القادة ونرجسيتهم التي لا تحدها حدود! هذه الأنانيات، وهذه النرجسيات، ضخمتها وتضخمها وسائل الإعلام المملوكة للدولة! فالقائد هنا زعيم العروبة! وهناك مجاهد أكبر! جنبا إلى جنب مع حكيم العرب! والرياضي الأول! والسياسي المحنك! والحال أن سيرته في علاقته بشعبه، سيرة من لا يتحمل التعرض لأي انتقاد من أي طرف كان؟ وإن حصل، فالويل كل الويل لمن تجرأ عليه! وحتى لا يتجاوز أي زعيم سياسي أو ديني حدود حمى القادة المتشبثين بعلمانية عاهرة رقطاء! فقد وضع هؤلاء عراقيل دستورية تشير مباشرة إلى تحريم أي تطاول عليهم لإسداء نصح، أو لتوجيه وإرشاد؟ أو لبيان حقيقة؟ أو للكشف عن عيب أو عن عيوب؟ لأن القادة في نظر أنفسهم وفي نظر متملقيهم بشر كمل من كل وجه!!! ولنسأل التاريخ الذي ساهم القادة أنفسهم في صنعه بقسط أكبر! إذ لو سألناه لأخبرنا بتشييد قناطر، ومعاهد، وسدود، وكليات، وشق طرق. وتدشين ملاعب. ومخاطبة الشعوب بأساليب من بينها التهديد والوعد والوعيد!!! هذا الوعيد الذي يتجلى في وصف القادة للمتظاهرين مرة بالأوباش ومرة بالجردان!!!
حتى التظاهر بالوحدة والاتحاد والأخوة في العروبة والدين، مجرد كلام غوغائي عابر! لم يستطع مسمى الجامعة العربية تجسيده، في أي وقت من الأوقات على أرض الواقع، منذ نشأة الجامعة حتى هذه اللحظات التي هبت فيها لمواجهة الدواعش والحوثيين، بمعية الأمريكيين والأوربيين، المساهمين في الانتصار لحكام، يتهددهم خطر المنتفضين والثوار في حدودهم الوطنية وخارجها! مما أدى بالرئيس الأمريكي بارك أوباما إلى القول بأن تهديد الأنظمة آت من الداخل وآت من الخارج! وأن معالجته تكمن في تحرير المواطنين من الدكتاتوريات المعادية تماما للحرية والكرامة والديمقراطية!!!
سبع وستون سنة حتى الآن، مضت على قيام الجامعة العربية. أقامها العلمانيون المتعطشون إلى السلطة، لإتيان كل مرغوب فيه بدون ما رادع أخلاقي أو قانوني!!! ورمز الجامعة الذي تقوم عليه، أبعد ما يكون عن التحقيق! حروب بين الجيران! وعداء مستحكم بينهم متواصل! والدفع بالجيوش إلى المساهمة في الإطاحة بهذا الحكم الرجعي في هذه المنطقة أو تلك! وصراع مخابراتي! فلا الوحدة الاقتصادية تحققت للعروبيين وعالمهم غني بما فيه الكفاية؟ أراضي زراعية خصبة طويلة وعريضة، لو تم استغلالها بتعاون متبادل، لكان الاكتفاء الغذائي الذاتي ملموسا بالأيدي منظورا بالأعين! ناهيك عن الذهب الأسود الذي يجري تحت أقدام شعوب عربية بعينها! لكن النضج العقلي كما نقول ونكرر غائب عن قادتنا بدون ما استثناء يذكر!!!
أم كلثوم سوف تغني في القدس! بل إنها سوف تؤذن فيها كما كان يقال ويشاع! والقاهر والظافر صاروخان من إنتاج مصري حديث! أيام الزعم بأن جيش مصر الأبي سوف يتحدى بهما وبغيرهما حتى القدر ذاته! لكنه وجد طائراته الحربية تدمر في المطارات قبل الإقلاع! وآلاف من الجنود بين قتلى وجرحى ومفقودين وأسرى! إنها ضريبة التعجرف الذي أذكته الزعامات العلمانية الاشتراكية، التي تتحدث عن منجزات قل نظيرها في التاريخ لصالح مصر المتحررة من هيمنة الأمبريالية الدولية! واعتقادنا السائد – وحروب دارت بين العرب وإسرائيل – هو أن تدخل الاتحاد السوفياتي المنهار، هو الذي حال دون دولة الصهاينة وتدمير السد العالي في رمشة عين!!! عندها يجري الحديث عن كارثة لا عن مجرد نكسة! هذه الكلمة الأخيرة التي أرادت الدكاتاتورية المصرية من ورائها تقديم العزاء للشعب المغلوب على أمره ولا يزال!!!
ولم يكن حال أي شعب عربي بأحسن من حال أخيه من المحيط إلى الخليج! فالدساتير التي يضعها الحكام العلمانيون – في غيبة عن شعوبهم – تراعي أحوالهم حتى لا يمتد إليهم أي نوع من المساءلة! بينما الدين الذي اجتهدوا في طمس معالمه – بتعاون مع الاستعمار – جعل من المساواة مبدءا أساسيا بدونه تتزعزع كافة المبادئ التي تتقدمها الأخوة. هذه التي تنعدم بانعدام المساواة، أو تنعدم المساواة بانعدامها.
فإن أكد الدين على وجوب اعتماد مبدأ المساواة، فمعناه أنه لا فرق بين الحاكم والمحكوم، فما يخضع له المحكوم، ينبغي أن يخضع له أي حاكم مهما يكن لقبه أو كنيته أو اسمه قبل كل شيء وبعده! لكن القادة العرب لم يساقوا إلى المحاكم إلا في حالة واحدة، هي أن يطاح بهم عسكريا وهم في غفلة عما يفعلون!
يعني دينيا أن الرئيس أو الملك أو الأمير أو أي حاكم غير هؤلاء، لا بد أن يراقب ويحاسب ويحاكم بدستور القرآن والسنة النبوية. وإن لم تنص الدساتير التي يضعها الحكام العلمانيون على خضوعهم لما تخضع له بقية الجماهير الشعبية! إنهم لم يحاكموا وظلمهم الذي مارسوه ويمارسونه تجاوز مدى الطغيان والجبروت المقيت الذي تجاوز حدود الدين وحدود العقل وحدود القوانين الوضعية ذاتها!
والغريب هو أن القادة العرب، لا تذهب أوامرهم الصريحة ولا الملوح بها سدى بدون ما استثمارها من طرف الجلاوزة الانتفاعيين والانتهازيين! فعندما يأمرون شعوبهم بقول نعم لدستور عرض على الاستفتاء الصوري، يتدخل وزراء الداخلية كي يحصل الدستور على 99 بالمائة من أصوات غير معبر عنها في الواقع بكل تأكيد!!! لأن هؤلاء الوزراء حريصون على الظهور بمظهر الخدمة المطواعين، أمام من أرخى لهم الحاكم الأول في البلاد حبل التصرف في كل مجال من مجالات الدولة! كما يحلو لهم أن يتصرفوا بدون ما اعتراض على ما يقولون وعلى ما يفعلون ويقررون!
ونرى ونؤكد كيف أن اجتماع وزراء الداخلية العرب، من أنجح الاجتماعات التي يعقدونها في مناسبات خاصة! ولم لا؟ فهاجس الأمن مصدر خوفهم من انقلاب الأوضاع فجأة رأسا على عقب! ومن هنا رأيناهم ينفقون الملايير من مقدرات الأمة والشعوب، لتجهيز المؤسسات المخابراتية التي تتعهد لسيدها الأول بأن لا تفوتها أو تغيب عنها، لا شاذة ولا فاذة، تتعلق بأمن القادة الخاص! هذا الذي يتحدثون من خلاله عن الأمن العام! إنهم في ميدان الأمن وحده – نقصد القادة – متحدون لضمانه حتى يستمر وجودهم في السلطة، ربما إلى أن تقوم قيامتهم في يوم لا يتوقعون رياضيا حلول أجله بأية صورة من الصور!
وإذا ما همهم أمنهم الخاص، أو أمنهم الشخصي بعبارة أخرى. فإن الأمن الذي يحتاج إليه الإخوة المدافعون بحماس منقطع النظير، عن ثاني القبلتين، وعن ثالث الحرمين الشريفين، لا يشغل بالهم إلا من باب التظاهر بالتأييد المطلق عبر تنظيمات، تماثل من حيث أيديولوجيتها الدول التي يسوقوها غير الناضجين عمليا كالأغنام! فكل دولة تحتضن جماعة فلسطينية، وربما جماعتين، وعند الشدائد، يذكي قادتها أوار الحرب الأيديولوجية بين مختلف أطرافها! والإجماع العربي لتحرير القدس بانتهاج نهج فعال مؤثر غائب من جهة، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة غائب من جهة ثانية! ونيران الغدر تأبى إلا السماح للصهاينة بالقتل والتدمير والنفي وتدنيس الحرمات!
يكفي أن تلوح الولايات المتحدة الأمريكية بحق النقض، لتنطفئ شعلة الحماس التي أوقدها الممانعون بخطبهم الرنانة أمام المؤتمرين من العرب هنا وهناك! أما المؤيدون، فعناقهم لأشقاء دولة الصهاينة، عناق حار أبدي، معروف ولو كان يجري في الخفاء! ولم لا؟ فلضمان الحماية الأمريكية للأنظمة الغاشمة المتداعية المرتعشة من وعيد شعوبها، لا بد لها من الخضوع والتبعية العمياء والمضي في تنفيذ الإملاءات التي هي بمثابة أوامر عليا، وإن ادعى متلقوها أنهم في غاية الوعي بما يمارسونه من سياسات، من جملة ما تتضمنه أمن الأمة! وحريتها! واستقلالها! وازدهارها! وديمقراطيتها! وهذه كلها أكاذيب وأضاليل!!!
ونلاحظ هنا أن بداية النضج العقلي لدى القادة العرب، يقف خلفه ما تفاجئوا به منذ قيام الثورة الشعبية الإيرانية! نقول ثورة شعبية، لأنها ليست انقلابا قاده أحد العسكريين لإسقاط حكم ملك، أو أمير، أو رئيس. وعلامة بداية النضج الذي كررناه ونكرره، ترجمها اصطفاف حكام الخليج تحديدا وراء الدعاوي الأمريكية المحذرة من خطر ثورة إيران ذات البعد الإسلامي الردكالي! مما قدم شروحا ضافية للسرعة التي تم بها تأليب نظام صدام على حكام إيران ما بعد الثورة. وهو ما لم يكن يجرؤ عليه وشاه شاه يصول ويجول في استعباد شعبه؟ وهدف الدفع بحكام بغداد إلى مواجهة الثورة الإيرانية الفتية في مهدها، توجس الأمريكان – والغرب من ورائه – من خطر محتمل يشكله قادتها على منابع النفط! فاتضح أن صدام دخل حربا قاسية نيابة عن أسياده من الغربيين والخليجيين، الذين لم يبخلوا عنه بالتأييد السياسي والدعم العسكري. كل ذلك من منطلق علماني ممنهج مدروس! لكنه بعد ثمان سنوات من إحراق الأخضر واليابس على كافة جبهات القتال، انتهى صدام إلى التسليم بالأمر الواقع! ولم يلبث أن وجد نفسه مطالبا بإعادة الأموال الطائلة التي لم تكن دولة الكويت تعتبرها هبة أو صدقة! وإنما كانت تعتبرها قرضا سوف يعود إليها بعد أن تضع الحرب أوزارها. خاصة وأن العراق لم يفلح في تحقيق هدف الإمبريالية العالمية. هذا الهدف الذي يتمثل: إما في إعادة الشاه محمد رضى بهلوي إلى السلطة، وإما باستيلاء أحد العسكريين الموالين للغرب عليها!
فكان أن غامر صدام لجعل الكويت منطقة من مناطق العراق، انتقاما من حكامها الذين لاحقوه بطلب الديون المتراكمة على بلاده! بينما هو من عند نفسه يدافع عن العرب والعروبة – على حد زعمه – من المحيط إلى الخليج! وكان أن شكل تورطه في الكويت تحالفا عربيا غربيا بحجة ضرورة انقاذ هذه الدولة من مخالبه! وفي الوقت ذاته لتقليم هذه المخالب التي تقوت بمعونات كان يستقبلها بسخاء لإنجاز المشروع الذي بادر إلى إنجازه وكأن القضاء على الثورة الشعبية الإيرانية الفتية لقمة سائغة؟
لكن الحلف – وهو مشتغل بالعراق – جعل إيران تستغل الموقف لتبني قدراتها العسكرية، التي باتت في ظروف وجيزة تهدد مصالح الغرب حقيقة في الخليج وفي الشرق الأوسط بكامله! بينما يصطنع الغرب تهمة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، لم يكن منه غير تجييش دول شرقية وغربية لاحتلاله تحت زعم ضرورة تطبيق البند السابع من بنود مجلس الأمن الدولي! فتحركت جيوش العرب بقيادة من أدركوا قمة النضج العقلي! فحاربوا جنبا إلى جنب مع الجيوش الغازية، تحت ذريعة تأمين الحدود التي تجاوزتها بعض صواريخ سكود الصدامية البعيدة المدى! وكان أن دفع الشعب العراقي أكثر من ضريبة ليتمتع بالأمن والأمان! ضريبة الاستعمار الأنجليزي. فضريبة النظام البعثي الدكتاتوري! ثم ضريبة الاحتلال الغربي المتحالف مع الناضجين من قادة العرب النبغاء! بينما يغط بنذ الدفاع المشترك في نوم عميق على رفوف مكاتب الجامعة العربية! هذا البنذ الذي لم نسمع بإخراجه من تلك الرفوف، إلا بموافقة وبإذن من الأمريكيين المتوفرين في منطقة الخليج على قواعد بحرية وبرية لحماية قادة الدول من شعوبها، لا من الخطر الإيراني الذي يتم التلويح به كبعبع، بإمكانه القضاء على كل شيء!
حتى تصدير الثورة الإيرانية إلى ما وراء الحدود، تحول إلى هاجس أنفقت الدول العربية تحديدا ملايير الدولارات للحيلولة دونه وبلدانهم التي يعتبرونها سنية المذهب! ولم يتخلف مغربنا رسميا عن تكفير الإمام الخميني! وكأن العمل بالكتاب والسنة يجري العمل بهما في كافة أرجائه، فكان أن عرف مثله مثل باقي الدول العربية حملات تستهدف الملتحين والمحجبات والقابضين في الصلاة، مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبض حتى قبض! وكلها دلالات من دولنا العربية على قرب استكمال النضج العقلي! هذا النضج الذي أوشك على إدراك قمته بإنجازات مشينة، دفعت بالقادة العرب إلى القضاء على بوادر الحرية والديمقراطية المؤدية إلى تقدم الإسلاميين في انتخابات عرفتها الجزائر، وعرفتها الضفة والقطاع! بل وإلى القضاء على ثورة شعبية في وضح النهار! وبتأييد من العلمانيين المتنطعين في الداخل وفي الخارج! حدث هذا في مصر وفي اليمن، وجرت محاولة مماثلة في تونس وهي الآن لا زالت تجري في ليبيا الشقيقة! مع العلم بأن العلمانيين، كقادة متسلطين على الشعوب، تم الكشف عن عوارهم لكل من يملكون قدرا ولو ضئيلا من العلم بالسياسة وأساليب الحكم! مما يعني في النهاية أن العلمانية والعلمانيين عدوان للشعوب، مسؤولان عن تخلفها وأحوالها المتردية حتى الآن!!! وبقية ما يجري الآن في العراق واليمن وسوريا وليبيا، تشير إلى أيدي العلمانيين الملطخة بدماء آلاف الرجال والنساء والأطفال! ناهيك عن ملايين المهجرين إلى ما وراء الحدود! وإلى أماكن تحيطها ذات الحدود! بحيث تكون قمة نضج عقول قادتنا في اتفاق يحسب على الجامعة العربية! هذا الذي يقضي بالإسراع في إحداث "عاصفة الحزم" الدائمة! يتم التلويح باللجوء إليها كالبند السابع، كلما تورط حكام بلد عربي في مواجهات ضد شعوبهم هنا أو هناك!
البريد الإلكتروني : [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.