يبقى تناول المسألة الدينية بالمغرب مطبوعا بخاصية ذاتية، تتمثل خاصة في البنيات التقليدية المهيكلة للحقل الديني والمرتبطة بنيويا بوظائف مؤسسة المخزن من خلال الرمزية القوية المستمدة من الدين.1 وحيث أن دائما هناك تداخل بين السلطة الروحية والزمنية، حيث تحظى المسألة الدينية بأهمية محورية لدى المؤسسة الملكية لما تخوله لها من سلطة سياسية دينية. فهي تندرج ضمن مجالها الخاص وتشكل مصدرا أساسيا من مصادر شرعيتها، انه أمر حتمي تؤكده القولة القائلة بأن الاسلام والملكية صنعا المغرب. لقد أدركت المؤسسة الملكية أهمية العنصر الديني كإوالية في تقوية ودعم مشروعيتها من منطلق أن من يتحكم في الحقل الديني يستطيع درء منافسة باقي الفاعلين الدينيين2 تأسيسا على ذلك نجد أن المؤسسة الملكية منذ السنوات الأولى من الاستقلال آتجهت الى التموقع في أعلى الهرم الديني.3 فالمجال الديني في المغرب يعتبر من ضمن المجالات المحفوظة للمؤسسة الملكية، فهذه الأخيرة بصفتها الدينية كامارة للمؤمنين هي على رأس المؤسسات الدينية و لها سلطة الاشراف المباشر عليها. فوضع وموقع امارة المؤمنين يتحدد ضمن حقل مزدوج: حقل ديني وحقل سياسي4 ، فحقلها يشكل نوع من التعالي الرمزي والسياسي للمؤسسة5، فالملك أمير المؤمنين هو الذي يرسم التوجهات الكبرى للسياسات العامة لتدبير الشأن الديني وهو الذي يعين وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ويترأس رئاسة فعلية للمجلس العلمي الأعلى. ان من خصائص المفهوم السياسي الديني لإمارة المؤمنين توفيره للمؤسسة الملكية القدرة على الانتقال من الحقل السياسي الى الحقل الديني أو الانطلاق من مجال الدين الى ميدان السياسة، للحسم عند الحاجة في العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية، فهذه الصفة تمنح الأمير مشروعية الانتقال من التدبير الديني الى التدبير السياسي.6 ان النظام السياسي المغربي يعتبر أن علاقة الدين بالدولة محسومة في ظل تنصيص الدستور على أن المملكة المغربية دولة اسلامية وأن أمير المؤمنين مؤتمن على حماية الدين. فجميع الدراسات التي عرفها المغرب وتناولت الدساتير المغربية، بدءا بدستور 1962 الى دستور 1986 نصت على أن مراجعة الدستور لا يمكن أن تشمل الاسلام بالاضافة الى الملكية، فالدستور يقوم بالتنصيص وتقنين هذه المؤسسة آنطلاقا من هذه الشرعية7 التي تعمل على وضع الدستور في خدمة أمير المؤمنين. فلقد تمت دسترة لقب "أمير المؤمنين" سنة 1962، ليخرج من دائرة التعبير عن الارتباط الرمزي والأخلاقي بالتقاليد الدينية وياخذ أبعادا أخرى تجعل الحامل للقب أمير المؤمنين أي الملك يتمتع بصلاحيات واسعة على المستوى الديني والدنيوي. فذلك هو بمثابة تذكير للملك والزامه بالقيام بواجباته المتعلقة بالشؤون الدينية وحماية الدين الاسلامي تكريسا لما ينص عليه الدستور في ديباجته من أن المملكة المغربية دولة اسلامية. وبالرجوع الى الفصل 19 من دستور 1996 نجد أن هذا الفصل من الدستور هو الذي يحفظ للملك جميع الاختصاصات التي لم تسند صراحة للبرلمان والحكومة، بمعنى أن المسكوت عنه في اطار الدستور يبقى من المجالات التي يعود فيها الاختصاص للملك بآعتباره امير المؤمنين وممثلا أسمى للدولة.8 كذلك الأمر بالنسبة لدستور 2011، وبالرغم من كونه شكلا يوحي بأن هناك تغييرات على مستوى امارة المؤمنين وآختصاصات الملك الا أننا بالرجوع الى الفصول 41 و 42 و 64 و 52 من الباب اللثالث الخاص بالملكية، نتبين أن سلطات الملك مبنية على عناصر لا علاقة لها بالدستور.9 وبذلك تبقى المؤسسة الملكية هي العنصر الأصيل الذي يطبع النظام السياسي المغربي.10 وهذا ما يؤكده قول العديد من الفاعلين حيث يقول مولاي أحمد العلوي: " الملكية في المغرب ترتكز على التاريخ والدين والتقاليد والعادات فهي تترجم نظام سلوكنا وأخلاقياتنا وخاصياتنا وذاتنا، فقد أسسها مولاي ادريس الأول سنة 788م... يمكننا أن نقول بأن المغرب دخل التاريخ من باب الملكية.11 لقد أثبتت الأحداث التاريخية بالمغرب أن امارة المؤمنين لعبت دورا حاسما في العديد من القضايا التي كانت قد تسبب آنقساما في المجتمع مثال ذلك النقاش الحداد الذي دار بين قوى المحافظة والعلمانية بشان ادخال تعديلات على مدونة الأسرة وهذا ما يؤكده بعض الباحثين حيث يقول:" ان امارة المؤمنين كسلطة ومؤسسة، هي دعامة الوحدة الوطنية والضمانة الفعلية والواقعية لتحقيق أمن المغاربة الروحي والسياسي فان أي دعوة الى التنازل عن هذه المؤسسسة بآعتباره مكسبا ورصيدا آستراتيجيا، انما هي محاولة لضرب مقومات وحدة البلاد والاجهاز على أمنه وآستقراره.12 وبالرغم من أننا نقر بآحتكار المجال الديني من طرف مؤسسة أمير المؤمنين، فإننا ينبغي دائما أن نضع المسألة في اطار السياسة العامة للدولة،13 فالسياسة الدينية لا يمكن فصلها عن باقي القطاعات الأخرى. حيث لا يمكن أن يتم تدبير الحقل الديني كسياسة عمومية خارج مجال التدبير الحكومي. انها تدابير واجراءات يطلب من الفاعلين الدينيين أو النخب الدينية( نخب مولوبة)، كانت على آمتداد تاريخ المغرب المعاصر تحتل مكانة رفيعة في قلب المجتمع المغربي نظرا لدورها في انتاج الرموز الدينية.14 انهم فاعلون مباشرون في في تنظيم وتدبير الحقل الديني، يلعبون دورا طلائعيا في الشرعنة للنظام السياسي المغربي.15 فنحن أما نخب تشكل حراس الأمن الديني، في نظام سياسي يؤسس للشرعية الدينية من خلال تزكية العلماء وتوظيفهم في هذا الاتجاه،16 هذا النظام الذي يستمد مرجعيته من ذات التمثلات، تواجهه تحديات ميدانية تتعلق بتقوية وتغذية وتحصين منظومة امارة المؤمنين.17 لقد تم انتاج نخب دينية تابعة لمؤسسة أمير المؤمنين التي تعتبر وكما سبق القول الوصي الوحيد على الشان الديني وتأهيله وفق الثوابث الرسمية للمكلة.18 وتتميز النخب الدينية المغربية بولائها التام للمؤسسة الملكية، انهم تكنقوراط في خدمة المشروع الديني الرسمي فالنخبة الدينية التكنوقراطية ليست كباقي الفاعلين في المشهد الديني من أئمة أو مرشدين فالبرغم من تشاركهم في نوعية الرأسمال المعرفي، الا أنهم الفرق بينهم يبقى قائما، لا على أساس نوعية رأس المال المعرفي بل على أساس كميته. فالنخبة التكنوقراطية الدينية تتميز بتعدد توجهاتها وتفرعاتها التي تختلف بآختلاف المدارس والمذاهب التي تنهل منها هذه النخب زادها المعرفي وكذا تصورها للحياة الاجتماعية والسياسية.19 الشيء الذي ينتج نخب دينية متنوعة. فالرأسمال المعرفي لهاته النخب التكنوقراطية يوظف للشرعنة للخطاب الديني الرسم للمملكة اكثر ما يوظف في الاجتهاد و محاولة ايجاد البدائل لمحاربة التطرف الذي بدأ يطال مجموعة من شباب المغرب، من اجل ذلك نعتقد أنه يجب اعادة النظر في عملية التزظيف من اجل الموازنة بين الحفاظ على أستقرار المشهد الديني المغربي. -باحثة في علم السياسة والقانون الدستوري المراجع: www.alheewar.org1 2عبد الالاه السطي: الملكية والاسلاميون بالمغرب.دفاتر وجهة نظر. 2012.ص 4 3مقتدر: الاسلاميون والمشاركة السياسية.د.د.دعزم كلية الحقوق الدارالبيضاء.2000/2001.ص 27 4 شكري سلام: مؤسسة امارة المؤمنين. ا الى اعادة الهيكلة. مجلة نوافذ عدد 31 اكتوبر 2006. 35 5عبد الالاه السطي: سابق ص 22 6مرجع سابق ص 10 7المسكي محمد: مؤسسة امارة المؤمنين. م في المفهوم والممارسة. و نظر. العدد 10، ص 15 8مصطفى قلوش: قراءة جديدة لاختصاصات وصلاحيات المؤسسة الملكية على ضوء الفصل 19 وما يقرره الدستور باكمله. ا. العدد 19 بتاريخ 2003/04/19. ص 6 9عمر بندورو: أسس الاصلاحات الدستورية ومتطلباتها. ا الموحد.ملف 6الى 12 ماي 2005.العدد7 10أبوش: دعائم الحكم الملكي في المغرب ونظامه السياسي والدستوري خلال حقبة 1955-1962.أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق. 2003/2004 11هند عروب: مقاربة أسس الشرعية في النظام السياسي المغربي. ا منشورات دار الأمن. ص 206 www.amirlmouminin/net12 www.maghress.com13 14الالاه السطي مرجع سابق.ص 47 15مرجع سابق 16مرجع سابق 17منتصر حمادة: النخب الدينية في المجال التداولي الاسلامي المغربي. المرجعية. التدافع. مجلة وجهة نظر عدد 33. 2010. ص 57 18عبد اللاه السطي. النخب الدينية. م سابق ص 43 19محمد ظريف: الدين والسياسة في المغرب/ من سؤال العلاقة الى سؤال الاستتباع. م المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي. ا.2001. ص 23