بثت قناة "المغربية" يوم السبت 11 دجنبر إحدى حلقات البرنامج المسلسل " مداولة" وهو برنامج يشاهده كثيرون لما يعرضه من وقائع حقيقية وما يمد به المتلقي من ثقافة قانونية...إلا الحكم الصادر في آخر هذه حلقة على لسان القاضية معدة البرنامج يطرح أكثر من سؤال بالنظر لوقائع القصة المعروضة لما سيفهمه المتلقي البسيط. صحيح أن أحكام القضاء لا تناقش لأن ما يقدم للقاضي من مستندات هو الفاصل وحكمه نابع من الحجج المعروضة أمامه. لكن عرض القصة ثم الحكم خارج المحكمة وفي إطار برنامج تلفزي يعطي المشاهد حق إبداء الرأي الملاحظة بل الانتقاد ،إن هذا الحكم بالنظر لما عرض من وقائع في الحلقة سيجعل توجسات كثيرين قبل تطبيق مدونة الأسرة حقيقة أهمها القول بأنها قد تؤدي لتفكيك الأسر وتشريد الأبناء...خاصة ونحن في مجتمع تسوده الأمية والجهل. ماذا ستفهم أغلب الزوجات من هذه الحلقة ما دام جزاء الزوج المعسر هو السجن رغم السلوكات المنحرفة للزوجة؟و ما مصير الأبناء ؟؟ ولوضع من لم يشاهد الحلقة في الصورة لابد من تذكير بالوقائع والحكم الصادر من المحكمة - وأرجو ألا أنسى موقفا مهما -: الوقائع : رجل متزوج غارق في مطالب زوجته غير العادية مقارنة مع دخله ، لا ينعم بقسط من الراحة إلا بعد تلبيتها، طلبات فوق طاقته دفعته للسرقة ومن تم دخول السجن ,لتحصل الزوجة على الطلاق وتختار طريق "الانحراف و الفساد" ومعاملة أبنائها معاملة سيئة بل تعنيف أبنتها الكبرى المعترضة على سلوكاتها.. يغادر الزوج السجن ويكتري محلا للجزارة اتضح أن عائداته ضعيفة من خلال عدم أداء واجب الكراء في الوقت وإسكان الأبناء معه داخله .. تتقدم الزوجة بدعوى ضده لعدم الإنفاق.. الحكم : 3 أو 4 أشهر حبسا نافذا مع500 درهم غرامة ابتدائيا ،حكم أكد استئنافيا.في الوقت الذي انتظر المتتبع البسيط للوقائع السابقة تجريم الزوجة أو تبرئة الزوج على الأقل إن ما ستفهمه الزوجات من هذا الحكم أن من حق أي زوجة أن تطلب ما يحلو لها و أن تفعل ما تشاء بما في ذلك اتخاذ صديق أو أصدقاء مادام مصيره إذا اعترض السجن ،ما لم يملك ما يستخلص منه ما يحكم به لها ، وإن كان تتركه خاوي الوفاض (على الضص).وسيجد منتقدو مدونة الأسرة في هذا دليلا جديدا على صدق توقعاتهم .ناهيك عن مصير أطفال هذه الأسرة المجهول - الأب في السجن والأم التي فروا من عنفها مشغولة بخرجاتها وسهراتها ...- فهل هذا هدف القاضية أحفوظ ومن خلالها مدونة الأسرة؟ وحتى لا تكون النتائج عكسية و يسقط البرنامج في الفخ الذي وقعت فيه كثير المسلسلات والأفلام عبر نهاياتها غير المحسوبة ،ولأهمية البرنامج وكثرة جمهوره فإن القيمين عليه مطالبون بالانتباه لطريقة عرض القضايا ،ونوع الأحكام المنتقاة للتعريف بالمدونة وتوعية كثير من الأزواج بعواقب سلوكاتهم الخاطئة وغير المحسوبة ، فلو أظهر الزوج مشتغلا ذا أجر محترم أو تاجرا مستهترا مهملا لأبنائه أو يتعاطى المخدرات أو يعنف الزوجة . وأظهرت الزوجة صالحة مغلوبا على أمرها لكان الحكم عاديا ،ولأثير انتباه الأزواج المستهترين لعواقب أفعالهم، ولصفق الجميع للبرنامج . وإذا كان برنامج مداولة برنامجا تربويا وتحسيسيا..لا يمكن تقييمه تقييما فنيا بنفس معايير تقييم المسلسل التلفيزيوني أو الفيلم السينمائي فما الفرق بين نهايته و نهايات عدد من الأفلام التي عرضتها القناتين الأولى والثانية فرجحت كفة سلبياتها.أحدها بطله زوج تساوره شكوك معقولة حول زوجته من خلال حديثها الزائد إلى الرجال في العمل والشارع ،أو تردد أحد أقاربها على البيت بكثرة ، مما دفعه لتعنيفها و طلب تطليقها بل محاولة قتلها لتظهر نهاية الفيلم الزوجة بريئة والزوج نادما ، وفي مثل هذا الفيلم وأد للغيرة الواجبة على الزوج تجاه أهله ومن ثم التطبيع مع سلوك غريب على المجتمع المغربي المسلم كاتخاذ الخلان ،فكما أن الشك مرفوض فاتقاء الشبهات واجب.فهل كل الرجال في زماننا هذا على قدر من العفة والاحترام تمنعهم من التحرش بامرأة متزوجة لخيانة زوجها مهما تحدثوا أو التقوا أو سهروا معها..حتى تنتصر نهاية الفيلم للزوجة؟ وآخر بطلته فتاة تتغيب عن المدرسة في غفلة من أبويها و ترتمي في حضن شاب وعدها بالزواج ينتهي بها الأمر لحمل غير شرعي,وتأتي نهاية الفيلم وردية على غير العادة بزواجها من شاب يطير بها خارج البلد...ولا يخفى ما تبطنه مثل هذه النهاية من رسائل واضحة للشباب ذكورا وإناثا فلا ضير من جهة في ممارسة الجنس قبل الزواج ولا الحمل قبله، ولا الزواج من فتاة حامل حملا غير شرعي من جهة أخرى،فكم يا ترى من والد سيتقبل اقتراف ابنته مثل هذا الجريمة وإن كان شريكها مسؤولا أيضا ،وكم شابا صار بإمكانه الهجرة بله السفر مع زوجته إلى الخارج ؟وكم مغربيا سيتقبل الزواج من فتاة حامل من غيره ؟ إن هذه الملاحظات ليست انتقاصا من أهمية هذا البرنامج لكن اضطلاعه بدوره التحسيسي ونشر الثقافة القانونية على أحسن ما يرام يفرض على القيمين عليه الانتباه واختيار المشاهد الموصلة للحكم بدقة، ذلك أن يأس الأزواج ضحايا مثل هذه السلوكات المرفوضة شرعيا واجتماعيا، من إمكانية رد القضاء الاعتبار لهم سيزيد من جرائم قتل أو محاولة قتل أزواج لزوجاتهم أو العكس.