أدت الهجمات التي عرفتها العاصمة باريس مطلع العام الجاري، إلى فتح جدل سياسي في فرنسا حول ضرورة تدخل الدولة في تكوين الأئمة ومراقبة تمويل المساجد ودور العبادة، بل تطور الأمر إلى رغبة فرنسية في إرسال المئات من أئمتها من أجل التكوين في المغرب وتلقي تعاليم "الإسلام الوسطي". غير أن هذه الخطوة لم تستقبل بالترحيب من قبل بعض السياسيين الفرنسيين، وعلى رأسهم زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبين، التي أكدت أنه لا يحق للدولة أن تتدخل في تكوين الأئمة "لأن هذا الأمر يتنافى مع قانون 1905 المتعلق بعلمانية الجمهورية الفرنسية". وشنت زعيمة اليمين المتطرف هجوما عنيفا على ما أسمته "الأصولية الإسلامية"، واصفة إياها "بالخطر الأكبر المحدق بفرنسا"، مجددة رفضها لتكوين الأئمة على "تعاليم الإسلام الوسطي لأنه يتنافى مع مبادئ الجمهورية"، وفق تعبير لوبين. من جهته يعتبر الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي من أشد المدافعين عن فكرة تكوين الأئمة الفرنسيين والاستعانة بالخبرة المغربية في هذا المجال، ذلك أن ساركوزي قد سبق له أن قدم خطته لمواجهة التطرف والإرهاب والمكونة من ست نقاط من بينها مسألة تكوين أئمة المساجد الفرنسيين. ويحمل 25 في المائة من أئمة المساجد يحملون الجنسية الفرنسية، بينما بقية الأئمة قادمون من ثلاث دول رئيسية وهي المغرب، الجزائر وتركيا، واعتبر ساركوزي أن مسلمي فرنسا ليس عليهم الاعتماد على دول أجنبية من أجل ممارسة عقائدهم "لذلك يجب تكوين الأئمة الفرنسيين". وعلى الرغم من كون المغرب أصبح وجهة للعديد من الدول الراغبة في تأطير أئمتها كما هو الحال بالنسبة لمالي، ونيجيريا، فإن حكومة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لم تحسم بعد أمرها في هذه القضية المثيرة للجدل. وهو ما دفع الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس إلى الانتقال قبل أيام رفقة وزيرة التعليم الفرنسية نجاة بلقاسم ووزير الداخلية برنار كازينوف إلى مدينة ستراسبورغ الفرنسية من أجل لقاء عدد من مثلي المسلمين الفرنسيين بمسجد ستراسبورغ أكبر مساجد الفرنسية. كما تباحث إمكانية تكوين الأئمة الفرنسيين على أيدي علماء مغاربة، إلى جانب إمكانية فتح مركز تكوين في مسجد ستراسبورغ بإشراف مشترك بين المغرب وفرنسا تكون مهمته تلقين أئمة المساجد الفرنسية مبادئ "الإسلام المعتدل".