منذ الهجمات الإرهابية التي ضربت باريس في بداية شهر يناير الاخير، أصبح الاسلام بفرنسا موضوع نقاش سياسي حاد بين الحكومة الفرنسية والمعارضة حول وضع الإسلام بفرنسا وطريقة تنظيمه. وفي هذا الاطار دعا رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس، بداية هذا الاسبوع، في اجتماع بجامعة ستراسبورغ وزير الداخلية برنار كازنوف الى فتح حوار ومشاورات واسعة مع مسلمي فرنسا والجمعيات التي تمثلهم، وكذلك الأخصائيين في الديانات والكتاب والصحفيين حول هيكلة الدين الإسلامي في فرنسا، بعد فشل «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية» في مهمته. الرئيس السابق للجمهورية نيكولا ساركوزي وزعيم المعارضة، قام بداية الاسبوع أيضا بزيارة رئيس المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية دليل بوبكر بمسجد باريس، وهي زيارة توخى منها الرئيس السابق دعم المجلس الحالي الذي لقي انتقادات كثيرة، خاصة فشله في المهمة التي وضع من أجلها وعي تمثيل المسلمين بفرنسا. الحكم بالفشل على هذا المجلس الذي أسسه نيكولا ساركوزي عند تحمله للمسؤولية، يعتبره المعني بالأمر مجانبة لصواب. وهذه الزيارة لزعيم المعارضة نيكولا ساركوزي لمسجد باريس، في الوقت الذي زار فيه رئيس الحكومة مسجد ستراسبورغ وهو أكبر مسجد بأوربا، تعكس الصراع بين الحكومة والمعارضة حول التصور تنظيم الاسلام، وكذلك للتقرب الى الهيئات المسلمة في أفق الانتخابات المحلية في نهاية شهر مارس أو الانتخابات الرئاسية في سنة 2017 التي من المؤكد أنه سوف يتقدم لها رئيس المعارضة الحالي، والذي يريد الدفاع عن تصور مخالف لتنظيم الاسلام بفرنسا. رئيس الحكومة مانويل فالس في خطابه الى المسلمين بفرنسا أكد على أهمية تكوين أئمة ومرشدين فرنسيين يجيدون اللغة الفرنسية ويحترمون قيم الجمهورية ويحبونها. كما وعد بمضاعفة عدد المعاهد الدينية والجامعات التي تهتم بتكوين هؤلاء المرشدين الذين سيعملون في المساجد والسجون من 6 معاهد إلى 12 معهدا في حلول نهاية العام الجاري. وقال فالس في هذا الشأن: «الهدف من تكوين الأئمة والمرشدين هو جعل الدين الإسلامي يتناسب وينسجم مع القيم الحضارية التي تدافع عنها فرنسا»، مشيرا إلى أن الحكومة ستمول بحوثا ودراسات تتعلق بالإسلام. نفس المواضيع تطرق اليها نيكولا ساركوزي في اجتماعه بأعضاء مجلس مسلمي فرنسابباريس، إذ أكد تقريبا على نفس الافكار قائلا:» إن للفرنسيين أساليب عيش وممارسات اجتماعية لا يريدون التخلي عنها وأنه على مسلمي فرنسا أخذها بعين الاعتبار». وأكد على ضرورة إعطاء إسلام فرنسا الوسائل من أجل تكوين ائمة ومرشدين بفرنسا وكذلك بناء أماكن عبادة ومراكز ثقافية إسلامية، والحاجة الى قطع الصلة بين إسلام فرنسا والتمويل الخارجي. طبعا هذا الصراع بين الفرنسيين ، سواء الحكومة أو المعارضة حول تنظيم الاسلام بفرنسا، يعكس حالة السكيزوفرينيا التي تعرفها فرنسا في تعاملها مع الاسلام. فهي تريد إسلاما فرنسيا، لكن في نفس الوقت، تريد تمويلا خارجيا لهذا الاسلام، لأن قوانين لائكية الدولة تمنع على السياسيين تمويل أماكن العبادة. طبعا التحركات الكثيفة حول الاسلام مؤخرا بفرنسا هي نتيجة العمليات الارهابية التي عرفتها باريس في 7 و9 من يناير الاخير، وتضاعف الاعتداءات ضد المسلمين بالإضافة الى عجز الدولة الفرنسية عن تمويل إسلام محلي لأن قانون 1905 لفصل الدين عن الدولة لا يسمح لها ببناء مساجد ومراكز ثقافية. فهل فرنسا قادرة على تغيير قوانينها الاساسية من أجل الدفع بإسلام فرنسي، أم أن التحركات الحالية للأغلبية والمعارضة هي لاعتبارات انتخابية لتعود الامور الى مجراها بعد ذلك.؟