من واجبنا أن نغار كلما تمت الإساءة إلى رسولنا الصادق المصدوق، مهما يكن مصدر الإساءة، ومهما تكن هوية المسيء أو المسيئين إليه! فالتعلق الشديد بمن نحبه، لا يجيز لنا إهانته، والتقليل من شأنه، إلى حد احتقاره! فعندما نتحدث عن غيرتنا على محارمنا، وعلى أوطاننا، وعلى ديننا، فإنما نتحدث عما لا نقبل المساس به، أو الاعتداء عليه. ومن نحبه، لا يناله بسوء إلا من لا تربطه به أية رابطة حميمية صادقة. لكن الغريب هو أن تنقلب هذه النظرية عندنا رأسا على عقب! فنكون نحن بمثابة طليعة من انغمسوا في الكذب عليه والسخرية منه! بل والمبالغة في غمطه الذي يعني الازدراء به، إلى حد اعتباره مجرد "إنسان بسيط يسافر كثيرا عبر الصحراء العربية ويستمع إلى الخرافات السائدة في ذلك الوقت" والتي ورد ذكر بعض منها في القرآن على حد تعبير الرئيس التونسي الأسبق: حبيب بورقيبة! بل يضيف إلى هذه الزلة قوله: "إن المسلمين وصلوا إلى تأليه محمد، فهم دائما يكررون: "محمد صلى الله عليه وسلم". الله يصلي على محمد... وهذا تأليه لمحمد! ثم يضيف: "الرسول محمد (هكذا) أقر العرب على الشرك"! لكن الرئيس المخرف لم تقم ضده مظاهرات شعبية إلى حد المطالبة برأسه، لأنه أهان رسول الله! ولنصغ باهتمام شديد إلى نصوص من الكتاب والسنة، تقضي بوجوب محبة المؤمنين لله ولرسوله، وإلا ما اكتمل الإيمان في قلوب من لا يحبهما ولا يطيعهما. وعندها لا مجال للادعاء بأننا نغار على ديننا. قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم". لكون عدم الإخلاص لهما بطاعتهما، يلغي كل ما نأتيه من أعمال هي في الواقع نتيجة الاستجابة لأهوائنا ولنفوسنا الأمارة بالسوء! مع العلم بأن طاعتهما تستدعي الوقوف عند حدود ما تم الأمر به وما تم النهي عنه كتابا وسنة. وقال سبحانه – والخطاب موجه إلى مجتباه - :"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم". وقال عز وجل: "ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا". وقال: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا". وأخيرا نسوق قوله جل وعلا: "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيء ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون". فإن كان غياب كل من طاعة الله ورسوله يلغي ما نقوم به من أعمال، فإن هذا الغياب آت من غياب آخر، هو انعدام مزدوج لمحبة الله ولمحبة مختاره. فمحبة الرسول بالتحديد تعني اتباع سنته، واتباع سنته ضمان لحصولنا على حب الله من ناحية، وعلى غفرانه لذنوبنا من ناحية ثانية، بحيث يكون حبنا لله ولرسوله حبين متكاملين. فالرسول قدوة ونموذج مثالي، باتباعه آمرا وناهيا، نكون قد سلكنا مسلكا يؤدي بنا لا محالة إلى نيل رضاه عز وجل في الدارين. ولا مطلب في الدين أعز من رضاه جلت قدرته وعلا شأنه، ودام وجوده وصح وعده ووعيده! وبما أن الرسول عليه السلام أسوتنا، فإن رفع أصواتنا على صوته، إن في الحياة وإن في الممات، يؤدي إلى إحباط أعمالنا من حيث لا نشعر. ومن حيث لا نشعر، تفسره قناعات وممارسات كل من مالوا إلى انتهاج نهج في التعبد مخالف لنهجه أو لسنته. ومن هنا لجأت منذ أعوام إلى توجيه سؤالين – على ظهر مؤلف من مؤلفاتي – لشخصيات أغلبها وزراء – ونفس السؤالين موجهان إلى الوزراء الحاليين وهذه صيغتهما: "ما الأفضل في الدين: قول الرسول وفعله وتقريره؟ أم قول وفعل وتقرير غيره فيه؟". ولنخرج الآن من التلويح إلى التصريح فنسوق بعضا من أقوال ومن أفعال المسيئين إلى رسولنا من بني بجدتنا فنقول: 1- نريد دليلا واحدا على كون الرسول يفتتح الدعاء الجماعي على إثر الانتهاء من إحدى الصلوات الخمس؟ هل ادعى مالك هذا أم ادعاه إمام من الأئمة المشهورين؟ 2- نريد دليلا واحدا على أنه كان يقرأ القرآن جماعة بعد صلاتي المغرب والصبح مع صحبه الكرام البررة؟ والحال أنه قال – كما ورد في "موطأ" مالك: "لا يرفع بعضكم على بعض صوته بالقرآن، فإن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به"؟ 3- نريد دليلا واحدا على أنه كان يمارس الذكر الجماعي في حلقات، إما جالسا وإما واقفا حيث يرقص أصحابه ويتمايلون اقتداء به يمنة ويسرة! والحال أن مالكا اعتبر الممارسين لهذه الكيفية التعبدية، إما صبيانا وإما مجانين؟ (ليراجع من أراد "ترتيب المدارك..." للقاضي عياض. وهو كتاب أشرفت وزارة الأوقاف على طبعه)؟؟؟ 4- هل مسمى "الحضرة" أو "العمارة" من سننه القولية والفعلية في الوقت ذاته؟ وإذا لم تكن من سننه فمن أين جاءتنا؟ هل كان مالك يمارسها؟ وهل هي من لوازم مذهبه؟ وكيف لدولنا بحمايتها والسماح بها وحكامنا يعرفون حق المعرفة بأنها بدعة ضلالة؟ إذ لا يعقل أن ينخرط رسولنا في رقص هو في الحقيقة مهزلة لا ينبغي أن يأتيها عقلاء المؤمنين؟ 5- نريد دليلا واحدا على أن رسولنا أمر بإقامة عيد ديني يخص تاريخ ولادته، أم إنه إنما أمر بإقامة عيدي الفطر والأضحى؟ 6- نريد دليلا واحدا على أنه أمر ببناء أضرحة الصالحين، ورفع القباب عليها، وزيارتها، والذبح عندها، والتوسل بأصحابها؟ أم إن ما صح عنه بخصوص هذه البدعة المقيتة – كما ورد عند البخاري - هو قول عائشة: إن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله". 7- لدينا نحن أضرحة مزورة بأدلة قاطعة عرفنا كيف أن أصحابها كانوا غارقين في البدع من أخمص الأقدام إلى قمة الهامات! 8- نريد دليلا واحدا يؤيد الذبح لغير الله، أو يؤيد احترام أي مبتدع كان! وإلا فما الذي يعنيه قول علي رضي الله عنه: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: "لعن الله من ذبح لغير الله. لعن الله من لعن والديه. لعن الله من آوى محدثا (مبتدعا). لعن الله من غير منار الأرض"؟ والحال أن حكامنا يساهمون في الذبح لغير الله والترويج له في مناسبات دينية وغير دينية! كما ساهموا ويساهمون في تكريم المبتدعة الذين لا يكفون عن الطعن في الرسول من خلال ما يمارسونه من ضلالات على المستوى النظري والتطبيقي؟ 9- عندما يقدم لنا المحدثون أسانيدهم، فلكي ينتهوا إلى متن هو الحديث النبوي الشريف. وعندما يقدم لنا الطرقيون الصوفيون أسانيدهم صعودا من شيخهم إلى رسولنا الأمين، فإن معنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم وراء إحداث كافة الطرق الصوفية! وبالتالي وراء كل ما تشتغل به هذه الطرق من مسمى الأذكار أو الأوراد. وهذا كذب صراح مفضوح! يكفي قوله تعالى: "ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون"! ومع ذلك لم يكف ملايين المريدين من أتباع الشيوخ المبتدعين عن الادعاء بأن ما يشتغلون به، هو عمل بالسنة مطلوب؟ يا لها من ادعاءات يكذبها التاريخ والعقل والنقل وأعمال كبار الأئمة من علماء وفقهاء على حد سواء؟ 10- ما الذي يفسر به الغيورون على ديننا من علماء أمتنا ومن حكامها قول البوصيري في بردته ممتدحا رسولنا كما يدعي: وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من لولاه لم تخرج الدنيا من العدم؟ يعني أن الله تعالى لم يخلق العالم إلا بإشارة من نبيه وبأمر منه! وبعد الحصول على إذنه؟ وبماذا يفسرون لنا قوله في نفس مسمى "بردة المديح": فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم؟ هل هذا دين؟ هل هو الدين الذي جاء به محمد بن عبد الله رسول الله؟ وهل يعقل أن تكون الدنيا والآخرة من جود نبينا على جميع المخلوقات وكأنه عز وجل ليس هو خالقهما بإرادته ومشيئته وقدرته وعلمه وغناه المطلق عن أي مخلوق من مخلوقاته؟ وهل يعقل أن يكون نبينا على علم بالغيب وهو الذي خاطبه ربه سبحانه بهذه الدرر: "قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي". 11- ولتقفوا طويلا أيها القراء في "البردة" عند إرهاصات كاذبة صاحبت مولد الرسول على حد زعم البوصيري، والتي هي في الحقيقة إرهاصات "أخذها المسلمون المفترون عن المسيحية والبوذية وزادوا عليها. فقد جاء في كتاب "فشنوبورانا" ص 502: "ولما ولد كرشنه (ابن الإله!) سبحت الأرض، وأنارها القمر بنوره، وترنحت الأرواح، وهامت ملائكة السماء فرحا وطربا، ورتل السحاب بأنغام مطربة". وجاء في إنجيل "لوقا" – الإصحاح 2 والفقرة 13 -: "لما ولد يسوع رتل الملائكة فرحا وسرورا، وظهرت من السحاب أنغام مطربة". والعيب أن يزعم الزاعمون ويكذب الكاذبون أن البوصيري كان أصيب بفالج – ليته لم يشف منه وقضى نحبه وأنقذ المسلمين مما في "البردة" من شركيات وأكاذيب – فأنشد قصيدة "البردة" في المنام للرسول صلى الله عليه وسلم فأعجب بها، فألبسه جبته وشفي للحال: وهذا مما زاد تعلق الحمقى والمغفلين بها، وغدت تقرأ كالقرآن أو أكثر، حتى في مجالس بعض الشيوخ المخرفين الذين يتمايلون على أنغامها وهي تفوح منها رائحة الكفر والإلحاد. ونقول مرة أخرى بعد كل هذا – هل يعقل أن يستمع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قصيدة "البردة"، ولا يؤنب ناظمها على ما جاء فيها من كفر وانحراف وكذب وهو القائل صلى الله عليه وسلم لامرأة سمعها تغني في عرس: وفينا نبي يعلم ما في غد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يعلم ما في غد إلا الله"! (يراجع كتاب: "كتب ليست من الإسلام" لمؤلفه محمود مهدي الإستانبولي. طبعة ثانية 1403ه – 1983م. ص 19-20). 12- نتساءل محذرين من مغبة الاشتغال بالمبتدعات المسيئة إلى نبينا خاصة، وإلى الإسلام عامة. إذ كيف تشتغل كل الطرق وجل العلماء وحملة القرآن والمادحون بقراءة بردة البوصيري مع كل ما تحمله من ضلال يتنافى والدين الحق، وكأن هؤلاء الذين يقرأونها في مناسبات رسمية وفي أخرى غير رسمية، يعتقدون أنهم لرسولنا الأمين محسنون، بينما هم في واقع أمرهم يسيئون إليه من حيث يجهلون أو يتجاهلون؟ 13- ما قول المسؤولين عن تدبير الشأن الديني في العالم العربي والإسلامي، إن نحن قدمنا لهم أدلة على أن مشايخ معينين زعموا أن الرسول مكنهم يقظة بعد وفاته مما يفيدون به أمته؟ افتحوا إن شئتم كتاب "فصوص الحكم" لابن عربي الحاتمي، وسوف تقفون في مقدمته على زعمه الكاذب بأن الرسول قدم له هذا الكتاب – وكأنه من تأليفه – وأمره أن يخرج به للناس كي ينتفعوا به دون ما زيادة ودون ما نقصان. فكان أن أخرجه تنفيذا لأمره صلى الله عليه وسلم كما ادعى! وإن لم تكن بين دفتيه سوى مهزلة واحدة هي أن الولي أفضل من الرسول لكان حسبنا! وتفسيره لهذا الزعم هو أن الرسول تلقى من ربه ما تلقاه بواسطة جبريل، بينما الولي يتلقى علمه الكسبي ميتا عن ميت. في حين أن علمه الوهبي يتلقاه مباشرة عن الحي الذي لا يموت! فكان أن أصبح له علمان: علم الشريعة وعلم الحقيقة، كما يحلو لغلاة المتصوفة التمييز بينهما. فإن كنا هنا لم نسق سوى النزر اليسير من نوع الإساءات إلى رسولنا، فلأننا نرغب في أن يعرف الناس مدى ضخامة افتراء أدعياء الصلاح على الله وعلى الرسول كليهما، دون تجنب تحذيره صلى الله عليه وسلم من الابتداع والكذب عليه إذ يقول: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"؟ حتى صبيانتا نعلمهم كيف أنه صلى الله عليه وسلم قد مات. وأنه بالتعبير التاريخي المشهور: قد التحق بالرفيق الأعلى. لكنه في الثقافة الطرقية والقبورية لا يكف عن التجوال في الدواوير و"المداشير" والأزقة والدروب! حيث إنه يستقبل بحفاوة من طرف مشايخ مخبولين أفاكين مدلسين!!! مما يدل دلالة قاطعة على أن إساءاتنا إليه نحن، أشد وطأة على النفوس من إساءات غيرنا إليه؟؟؟