هي والمغاربة "اولاد الدُّوّار"، انتقدت "الفقر والميزيريّا"، وواست " جبال الريف"، وعانت الاغتراب، فسألت "مصباح الوادي" عن "اخْبَار البْلاد"، وأبَت إلا أن تجيب "رْضينا بالهَم"، انصهرت مع قضايا المغربي البسيط وعاشت معاناته؛ رافضة أن تقدم ما أسمته "فنّا كاذبا" لجمهورها الممتد، لتُفضل الرحيل نحو الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ 1998. حوار هسبريس مع الفنانة المغربية سعيدة فكري، كان فرصة أعربت خلاله "فنانة الشعب" كما يُلقبها محبُّوها، عن ألمها للمعاناة والعذاب اللذان يعيشهما الناس عبر العالم، مؤكدة إيمانها بقيام ثورة فكرية وثقافية قبل غيرها، وضرورة تلقين أبناء المغاربة مبادئ التربية الفنية منذ السنوات الدراسية الأولى. فكري تحدثت عن "الإقصاء الممنهج" الذي تعرضت له، وكان سببا في هجرتها نحو بلاد "العم سام"، مبدية اشتياقها للمغرب، وحرصها على استقراره وأمانه، داعية المسؤولين إلى ضمان كرامة المغاربة، والفنانين باحترام المرأة ضمن الأغاني التي يؤدونها، باعتبارها العمود الفقري للمجتمع. 16 سنة من الاغتراب، ألا تفكرين في العودة والاستقرار بالمغرب؟ من لا يُريد العودة إلى أرض وطنه، أتذكَّر المغرب مع كل نَبضة قلب، ولكن بعض الظروف لا تساعد ولا تشجع على العودة. هل مورِست عليك ضُغوط من جهات معينة دفعتك للهجرة صوب الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ أكيد، مورِسَت عليَّ ضغوطات كبيرة خلال تسعينات القرن الماضي قبيل هجرتي نحو أمريكا، إلى جانب الحصار الممنهج من طرف التلفزة والمهرجانات، أعتقد أن الإقصاء أخذ شكلا كبيرا؛ فحتى كلامي في البرامج التلفزية كان يتم اقتطاعُه، آراءٌ كنت أنتظر مشاركتها مع المغاربة بفارغ الصبر، إلى جانب أن أغانيَّ كانت تتم برمجتها في غير أوقات المشاهدة. ما الأسباب في نظرك التي تقف وراء هذه التصرفات تُجاهك وتجاه فنك؟ في ذاك الوقت كان السبب واضحا، لا نريد للأغنية الملتزمة أن تأخذ حيِّزا كبيرا أو تؤثر في الجيل الصاعد، "الأغنية الملتزمة بْغينا نْقصيوْها". في خضم "الربيع العربي"، أصدرتِ أغنية "شْدي حْزامك يا أمة"، هل كان التوقيت مقصودا؟ أغنية "شدي حزامك يا أمة" جاءت في وقت أحسْستُ فيه أن استقرار المغرب مهدد، فكانت هذه الأغنية رد فعل تجاه بلدي الذي لا أريد له الدمار، والتي أتمنى أن تكون قد وَصَلت للناس بالإحساس الذي أحسسته آنذاك. هل تَرين أن الشعوب العربية كانوا بحاجة إلى الثورات؟ ما تحتاجه الشعوب العربية صراحة هي أنها " تْشبَع فْكْرشها أولا"، ثم أن تتلقى جرعة كبيرة من الوعي والثقافة، وتفهم تماما ما هي الثورة، أنا لا أتكلم عن الأقلية والنخبة المثقفة ممن يُحاربون الجهل والفساد، أتكلم عن الشعوب، فهَمُّها الأول هو أن تأكل وتضمن كرامتها قبل الحديث عن الثورات..لا أرى حاليا إلا الفوضى تعم العالم العربي، أين هو الاستقرار؟ وماذا جنينا من وراء الثورات؟ هي الكوارث لا غير.. كيف ترصُدين التغيير على المستوى المغرب، منذ خطاب مارس ثم دستور 2011؟ المغرب لا يخرج عن باقي الدول العربية التي تكلمت عنها قبل قليل، ولا يشكل استثناء بالمرة، يجب على المغاربة أن يقرؤوا ويسْعَوا نحو التعلم والوعي والتشبع بالمفاهيم الحقيقية للثورة، وشخصيا أومن بالثورة الفكرية التي بدونها لا أعلم كيف لهؤلاء الناس أن يثوروا على وضع يرفضونه ويخرجون للتعبير عن سخطهم. وعلى المسؤولين محاربة الجوع في المغرب وضمان كرامة المواطنين. كيف تلقيتِ انتخاب حزب إسلامي على رأس الحكومة المغربية؟ أريد الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية، أظهر خلال عمله خطوات جيدة وإيجابية، بالرغم من بعض الضغوطات الممارسة عليه. وحتى تُقطف ثمار حزبٍ ما نال ثقة الشعب، أرى بضرورة إفساح الفرصة له للاشتغال دون ضغوطات وبعدها سيرى الناس مدى مصداقيته وهل يشتغل فعلا من أجل الوطن، أما أن نمارس عليه ضغوطات كبيرة ونحاسبه منذ البداية، فالأمر لا يستوي. تنتقدين كبار المسؤولين في أغنية " ياقادة يا حُكام"، هل سعيدة فكري إنسانة ثورية؟ هذه الأغنية، هي صرخة من صرخاتي الناتجة عن اكتئاب بسبب الظلم والفساد الممارس يوميا، والتي تجعلني ثائرة، إلا أن طريقة تعبيري عن ثورتي تكون عبر أغان وكتابات. الأغنية صرخة بسبب ما نشاهده يوميا، " هادْشي حرام"، حرام أن نَرى الناس تعيش في عذاب يوميا، في حين يخوض المسؤولون عنهم في حياتهم وتَفاهاتِهم ويعيشون الرفاهية على حساب أناس يعانون من الظلم والحاجة. أغانيك تَزخرُ بما هو إيجابي وتحثُّ على الأخلاق. كما تنبُذ الفقر و"الميزريَّا" والفوارق الطبقية..هل تؤمنين بأن الأغنية تلزمها تيمة ورِسالة مُعينة حتى تصل القلوب؟ الأغنية تتطلب الصدق وفقط، الإحساس الصادق يصل قلوب الناس بسهولة، لو لم أومن بالرسالة التي أحملها في أي أغنية من أغانيَّ لا أعتقد أنها ستكون صادقة، الفنان هو الصدق. وهنا أعود إلى بداية مشواري الفني، نُعتُّ بأني إنسانة معقدة و" كنْخرْبق"، وأني امرأة فنانة فاشلة، بسبب أني لم أكن أقوم بارتِداء لباس فاخر ومجوهرات غالية الثمن على غرار باقي الفنانات عند ظهورهم في "كليبات" أو سهرات، مظاهرٌ عبرها يتم تقديم نموذج للفنانة الناجحة. كانوا يريدونني أن أكذب على الجمهور المغربي وأوصل لهم فنَّا كاذبا لا يعبر عن قضاياهم، وما يصل المغاربة الآن فن كاذب وأحلام بعيدة عن واقعهم. قد أَلبس مجوهرات مُستعارة، وقد أركب سيارة فارهة اكتراها لي المنتج؛ ليس هذا هو الواقع الذي يعبر عن قضايا المغاربة، لكن بمرور الوقت بدأ الشعب المغربي يتجاوز هذه التَّفاهات، وأصبح يتفاعل مع الفن الجاد. طيب، لكن الجمهور المغربي بات يتفاعل مع أغان ذات كلمات مبتذلة صارت تجد لها مكانا اليوم، فهل تدنَّى مستوى ذوقيات المغاربة برأيك؟ بخصوص هذا الطرح، أركِّز جدًّا على أهمية تلقين النشء للتربية الفنية منذ الصغر، لا يُعقل أن مدارس المغرب لا تلقَّن فيها التربية الفنية التي تُنمي الخيال عند الطفل وتكوِّن له سلوكا إيجابيا في المجتمع. من جهة أخرى، عندما تصبح المرأة في بعض الأغاني " جفَّاف"، الأمر يمسني ويضر مشاعري كامرأة وأم ويمس أمهات المغاربة اللواتي ربَّين أجيالا. أريد أن أوجه رسالة إلى هؤلاء الفنانين، من فضلكم إذا أردتم الغناء عن المرأة " خَمُّوا فامْكُم وأخْتكُم وبنتكم وفالجيل الآتي"، إذا أفسدنا المرأة فقد أفسدنا المجتمع كاملا، وإذا أراد هؤلاء الفنانين الغناء وإضحاك المغاربة بأغانيهم، فليُضحكوا الناس بمواضيع لا أساس لها ولا تتكلم عن المرأة، ولكن أن يضحك الفنان الناس بالعمود الفقري للمجتمع فالأمر غير مقبول. ماذا عن آخر أعمالك؟ هي أغنية "دادا هنية" أغنية تدعو للخير في المجتمع والناس، وترمز للشجرة النابعة من الجذور العميقة التي لا يمكن للشر أن يهلكها، فالمرأة هي الشجرة وأغصانها أولادها وهي العمود وأساس المجتمع، إذا لم تكن المرأة صالحة " البْلاد مافيها والو"، وهنا أتساءل عمن ربَّى الصالح والطالح في المجتمع؟، لذلك يجب أن تكون المرأة واعية ومتعلمة. كما يجب أن يتم توفير كل احتياجاتها ضمانا لكرامتها. كما أستعد لجولة فنية في كل من نيويورك وبوسطن وواشنطن تبتدئ يوم 14 مارس القادم، ثم جولة أخرى بأوروبا بكل من فرنسا وألمانيا وسويسرا وهولندا هي قيد التحضير. علاقة بحديثك عن المرأة، هناك خِطاب في المغرب يرفض كلمة " عْيالات" ويفضل استعمال " نساء"؟ صراحة، أرفض كل من يجعل "من الحَبَّة قُبَّة"، العيالات أو النسا هي مصطلحات تربينا عليها، هي كلمات عندما ننطق بها تكون في سياقها، وما فهمته عبر تتبُّعي لما يجري في المغرب، أن عددا من الأشخاص فنانين كانوا أو سياسيين أو صحفيين يختلقون بعض الأمور حتى يبقوا حديث وسائل الإعلام المغربية لاغير. على المغاربة أن يُفرقوا بين الأمور المهمة وتلك التافهة التي لا يجب أن يعطوها أكثر من حجمها. آخر ظهور لك بالمغرب كان سنة 2011 خلال السهرة التي جمعتك بناس الغيوان في مهرجان موازين؟ ما سبب الغياب بعدها؟ أولا كان لي كبير الشرف أنني ساهمت في تكريم بوجميع والعربي باطما خلال ذات الحفل، وأعتبر أنهم أساس الأغنية الشعبية الحقيقية القريبة من الناس ومن همومهم التي تحمل على عاتقها مأساة الشعوب، الجمهور كان ينادي باسمي بعد كل وصلة حيث كانوا يتوقعون أن أغني أغانيَّ الخاصة، وكنت وعدت الجمهور بالتواصل معه في سهرة لاحقة، على اعتبار أن المنظمين وعدوني بأن تكون لي سهرة خاصة لكنهم لم يفوا بالوعد. ليس فقط منظمو موازين من لم يستدعوني للمشاركة في إحياء سهراته، لم يتواصل معي أي مشرف على تنظيم أي من المهرجانات الوطنية، ولا أخفي اشتياقي للتواصل مع الجمهور الذي يلومني على عدم إحياء الحفلات داخل المغرب. وسؤالي: هل فني رديء وغير مقبول ولا جمهور له حتى يتم التضييق علي وعدم استدعائي لإحياء حفلات؟، إذا كان فني كذلك فأنا أقبل هذا الإقصاء وإذا كان غير ذلك، فما الذي يحصل؟ جمهوري كبير ومدينتا الحسيمة والناظور تشهدان على ذلك، حتى أن الجمهور في موازين سنة 2008 أبكاني، من كثرة ترديده لكلمات أغانيَّ طيلة الحفلة، وأنا التي كنت أعتقد أن المغاربة نسوني ونسوا فني. ماذا تقولين لجمهورك عبر هسبريس؟ سلامي الحار لجمهوري، واستمراريتي لم تكن إلا بهم، وما دام مغربي واحد يطلب جديد سعيدة فكري سأعطي الجديد، وآخر ما أقول للمغاربة أن يحبوا بعضهم في الله.