هو شاب مغربي عشق الخشبة والوقوف خلف الكاميرا، حيث ساهم إلى جانب أسماء وازنة في مجال الإخراج التلفزيوني، في توثيق أقوى لحظات ثورة 25 يناير 2011 بمصر. إنه شكير الخليفي ابن مدينة سلا، الذي قادته الأقدار إلى أرض الكنانة لدراسة الإخراج التلفزيوني والسينمائي، ليجد في أحداث "الثورة" مناسبة لتنزيل وتطبيق ما درسه. شكير الخليفي قرر العودة إلى المغرب.. والتقته هسبريس ضمن هذا الحوار في البداية ولتقديم بطاقة للمتتبع والقارئ المغربي، من هو شكير الخليفي؟ شكير الخليفي مخرج مغربي، درست السينما في القاهرة، واشتغلت في مصر لأكثر من عشر سنوات في مجال السينما والتلفزيون. وأعمل الآن كمسؤول فني لقناة محكمة النقض المغربية، ولن أنسى أني أعتبر نفسي من تلامذة مدرسة الراحل عباس إبراهيم المسرحية بالمغرب.. إذن أنت في الأصل مسرحي قبل أن تحترف الإخراج التلفزي؟ تعرف أن المسرح هو أبو الفنون، لا تكاد تجد مثلا أو مخرجا لم يمارس المسرح، وهو بوابة مر بها العديد من الفنانين في مختلف المجالات، وأعتقد أن المسرح مدرسة يجب على الجميع أن ينهل منها، سواء كان سيعمل في المجال الأدبي أو الفني أو غيرهما. ولا أخفيك أن مرحلتي المسرحية كانت مقرونة باسم الأستاذ عباس إبراهيم رحمه الل،ه والذي علمني الشيء الكثير في المجال الإبداعي عموما، والمسرحي خصوصا، حيث لا أبالغ إذا قلت انه من أهم المكوننين المسرحيين في العالم العربي. ولماذا لم تواصل مسيرتك عبر بوابة المسرح؟ رحلتي إلى مصر جاءت بسبب عدم وجود مدرسة أو معهد في المغرب يقوم بتدريس التخصصات التي كنت أرغب في تعلمها، وهي الإخراج السينمائي وكتابة السيناريو على أسس علمية وأكاديمية، وليس مجرد ورشات تدريبية قد تطول مدتها إلى أكثر من أسبوع كما كان معمولا به. وأنا أومن بالتخصص والدراسة العلمية في أي مجال. لذلك وعن طريق البحث في الانترنيت عثرت على أكاديمية الفنون وتكنولوجيا السينما بمصر، والتي يشرف عليها الأستاذ رأفت الميهي، والذي لا يمكن تجاهل رصيده السينمائي ككاتب سيناريو وكمخرج سينمائي، ووجدت أن مناهج التدريس التي يقوم بالعمل عليها في الأكاديمية هي مناهج المدرسة النيويوركية الأمريكية. بالإضافة إلى الدراسة في الأكاديمية، فأن الحياة العملية والدخول في سوق الصناعة السينمائية ساهم في إغناء رصيدي المعرفي الفني. وكيف بدأت مسارك الجديد بمصر؟ بعد استفادتي من التكوين النظري، كان لزاما أن أدخل المجال، وبدايتي المهنية والاحترافية الحقيقية جاءت بعد تتويجي من قبل قناة العربية عن فيلمي المعنون ب"مهن ضد القانون"، وهو الفيلم الذي يعتبر أول فيلم لي في مجال إخراج الأفلام الوثائقية، وبعد هذه التجربة تناسلت وتوالت أعمال أخرى عديدة في مجال الفيلم الوثائقي أو السينما التسجيلي . أمر بك أستاذ الخليفي إلى ثورة 25 يناير المصرية، التي ساهمت في توثيقها إلى جانب فنانين ومخرجين مصريين، هل يمكن أن تحدثنا عن تجربتك مع توثيق الثورة المصرية؟ فعلا كانت تجربة متميزة بالنسبة لي. تعرف أن الثورة المصرية، وكما نقل عنها عبر وسائل الإعلام، شارك فيها الجميع بما يتقنه ويجيده، وبحكم تخصصي شاركت في عملية التوثيق للثورة المصرية، ولم أكن مشاركا في الثورة حتى يكون كلامي واضحا. ساهمت في عملية التوثيق عبر إنتاج وإخراج سلسلة من الأفلام الوثائقية القصيرة التي تقدم بعضا من التفاصيل اليومية التي كانت تحصل بميدان التحرير، خلال مدة الاعتصام 18 يوما. كما قمت بإنتاج مشروع فني عبارة عن فيديوكليبات لبعض المواهب المصرية الشابة والصاعدة في مجال الغناء، من بينهم شباب ساهمت الثورة في إبرازهم. ولعل العمل الذي خلف ردود فعل وساهم في خلق جدل كبير، وخصوصا في الذكرى الأولى للثورة هو فيلم "العسكر"، والذي شكل وثيقة وعملا فنيا يرصد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قبل المجلس العسكري، إبان إدارته لشؤون البلاد طيلة سنة بعد خلع حسني مبارك.. بالضبط هذا هو الفيلم الذي كنت أقصد بسؤالي عن تجربتك مع الثورة المصرية، طبعا تابعنا جميعا الجدل الذي أثاره في مصر وفي غيرها، حدثنا عن كواليس تصوير وإعداد هذا الفيلم فيلم "العسكر" هذا أنجزته بالاعتماد على تقارير لهيئات ومنظمات حقوقية مصرية، وبالاستعانة بتصريحات لمجموعة من الفاعلين الحقوقيين والسياسيين المصريين، حيث كان جلهم منخرطا في حملة كبيرة تحمل اسم "عسكر كاذبون"، وهي حملة لكشف وفضح أكاذيب المجلس العسكري حينها. لكن دعني أقول لك أن هذا الفيلم لم يكن وحده المهم بالنسبة لي، فهناك أفلام أخرى تنتمي لما يعرف بالفيلم التسجيلي، أو ما يسمى أيضا بالفيلم الوثائقي، فهو بالنسبة لي يشكل انتصارا لقصص المواطنين البسطاء، ويساهم أيضا في كشف واظهار الحقائق وتسجيل المواقف التاريخية في لحظة أو فترة معينة من الزمن. مغامرة حمل الكاميرا وممارسة فعل التوثيق لأحداث أو حراك معين، يعد أمرا ممتعا ورائعا، ومساهمة نضالية تجعلك أكثر التصاقا وارتباطا بتفاصيل الحياة اليومية للمواطنين، بل وتقربك أكثر من الواقع المعاش . هل كنت تتابع أخبار المغرب وواقعه وأنت مقيم بمصر؟ أكيد كنت أتابعها، أولا لأني مغربي، ثم بحكم عملي وتخصصي، ودعني أقول لك المغرب يعيش حركية وحالة من التجديد واطلاق للمبادرات الرائدة في مجالات متعددة، وهذا الأمر ليس بعزيز على بلد يزخر بالمواهب والكفاءات الفنية وغيرها والتي بإمكانها أن تنتقل بالإبداع والفن المغربي من محيطه المحلي إلى العالمية. وسأكتفي بالحديث عن مجال تخصصي، لأقول لك بأن أمامنا إشكال كبير يحول دون تحقيق مثل هاته الغايات والآمال، يعود بالأساس إلى أننا في المغرب لازلنا لا نملك الإرادة والجرأة لكي نطور مجال الفن والإبداع، ليتحول إلى صناعة قائمة الوجود صناعة فنية وثقافية قادرة على الإنتاج و تحقيق الأرباح واستقطاب للاستثمارات. وأعتقد أن هذا القطاع لو تحول إلى صناعة حقيقية منتجة للأعمال الفنية والثقافية والثروة وقادرة على ضمان فرص للعمل والشغل للمهنيين وللشباب الطامح للعمل في حقل الإبداع والفن والثقافة، فإننا سنتمكن من جعل الفن المغربي يتبوأ مراكز مهمة في العالم، وسنساهم أيضا في الرقي بالذوق الفني والثقافة الفنية لدى المواطن المغربي، خصوصا إذا رافقت تلك الصناعة مبادرات ومساهمات بحثية ودراسات تساهم في تحسين الوعي الفني لدى المواطن والرفع من نسب المتابعة. كما أننا وبالتركيز على أعمال تتناول مواضيع قريبة من المواطن، وتكريس منطق وسياسة القرب الثقافية والفنية، سنتمكن من تقريب الثقافة للمواطن، ونشرها بين جميع الطبقات الاجتماعية وكل الفئات العمرية. ما هو تقييمك للمهرجانات الفنية وخصوصا السينمائية التي تُقام في المغرب، وهل تعتقد أنها تساهم في تطوير الفن المغربي؟ تنظيم المهرجان أمر مهم وجيد، حيث يساهم في تقديم فرجة جديدة وإطلاع جمهور المهرجان على ثقافات متنوعة، ويساهم في تنمية السياحة الثقافية، ولكن الأهداف من تنظيم هاته المهرجانات تظل ناقصة وغير كافية، خصوصا أن مجموعة من المهرجانات يشرف على تنظيمها أناس لا يمتلكون رصيدا ثقافيا فنيا وسينمائيا يخول لهم تدبير المهرجانات بشكل جيد وفعال. وكما تتبعتم وتتبع جل المهتمين بالفعل الفني والثقافي في المغرب، معظم المهرجانات يطغى عليها جانب البهرجة والفلكلور، ويتم التركيز على يومي الافتتاح والاختتام، في حين تحظى باقي أيام المهرجان وخصوصا الأيام التي تعرض فيها الأعمال الفنية بالتجاهل واللامبالاة و بالرتابة. وعليه وأمام هذا الوضع اللامهني واللااحترافي وجب اعتماد آليات وبرامج وأشكال تمنح المهرجان قيمته الفنية والثقافية، وتساهم في ترسيخ وتحقيق أهداف تنظيم المهرجان. أخبرتني قبل أن نشرع في الحوار أنك حسمت في العودة بشكل نهائي إلى الوطن الأم، بعد مشوار ليس بالقصير في مصر، هلّا حدثتنا عن ملامح برنامجك المستقبلي ومشاريعك الفنية بالمغرب؟ بعد رحلة واستقرار في أرض الكنانة دامت لمدة 11 سنة، قررت العودة التي طالما حلمت بها والرجوع للعمل في المغرب، وتحقيق أحلامي على أرض الوطن. وقبل عودتي للمغرب تلقيت دعوة من محكمة النقض المغربية والتي كانت تخطط لمشروع رائد في العالم العربي وفي إفريقيا، وهو إنشاء قناة تلفزية على الانترنيت متخصصة في القضاء. لقد تحمست للفكرة والمشروع ككل، ولذلك انخرطت فيها بمعية مجموعة من الأطر والكفاءات التي تزخر بها هاته المؤسسة المحترمة. وأستغل هاته المناسبة لتهنئتها على هذا المشروع وتقديم أسمى عبارات الشكر والامتنان لكل من رئيس محكمة النقض الذي تحمس للفكرة والمشروع ورعاها، وإلى السادة المستشارين المساعدين له على دعمهم ومساندتهم لنا في هذا المشروع. ومن وجهة نظري أرى أن هذه المبادرة تستحق التعميم في مجموعة من المؤسسات بالمغرب، خصوصا أن المغرب يشهد تحولا مهما بتبنيه لمنهج وفلسفة تقوم على تقريب الإدارة من المواطنين وتمكين المواطن من المعلومة. وبالعودة إلى مشاريعي المستقبلية أؤكد لكم أنني وخلال مكوثي في مصر، كنت منصبا على كتابة بعض سيناريوهات الأفلام الطويلة، والتي أشتغل حاليا على إخراج واحد منها للوجود، رغم بعض الصعوبات الإدارية، وأتمنى النجاح في هذا العمل الذي سيشكل إن شاء الله بداية لأعمال مستقبلية أخرى. كلمة أخيرة أشكر موقع هسبريس على هاته الالتفاتة، وعلى هذا الحوار الجميل، فشكرا لكم ومتمنياتي أيضا لبلدي المغرب بالازدهار والتطور والنماء وللشعب المصري الشقيق الذي يخلد الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير تحقيق كل أهداف وشعارات الثورة، ومنها شعار: عيش..حرية...عدالة اجتماعية.