المحكمة الجنائية الدولية تأمر باعتقال رئيس وزراء "إسرائيل" ووزير دفاعه السابق    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34        البطولة الوطنية الاحترافية لأندية القسم الأول لكرة القدم (الدورة 11): "ديربي صامت" بدون حضور الجماهير بين الرجاء والوداد!    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية        "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد محفوظ: نتحمل مسؤولية توثيق اللحظة التاريخية.. والخوف من الكاميرا عاد بفعل تراجع حرية الإعلام
مدير «الجزيرة الوثائقية» قال إن القناة استطاعت تغيير النظرة النمطية حول الفيلم الوثائقي في العالم العربي
نشر في المساء يوم 27 - 10 - 2014

كان لظهور قناة «الجزيرة الوثائقية» في فاتح يناير 2007 بصمة خاصة على المشاهد العربي، حيث نجحت في إحداث صلح بينه وبين الأفلام الوثائقية، بل ساهمت في تصحيح الصورة النمطية الموجودة سلفا عن هذه الأفلام، هذا ما يؤكده مدير القناة، المصري أحمد محفوظ نوح.في هذا الحوار مع «المساء» يتحدث نوح عن استراتيجية قناة «الجزيرة» في التعامل مع الربيع العربي ومع حالة الردة التي تعرفها مجموعة من دول الحراك. كما يتطرق إلى خطة عمل القناة لردم الهوة الثقافية بين المغرب والمشرق العربيين. ويعرج نوح أيضا على اهتمام القناة بالثقافة المغربية، واهتمامها بتكوين جيل جديد من مبدعي السينما الوثائقية، عن طريق تكوينات وشراكات كان للمغرب نصيب منها.
- أصبحنا نشاهد، مؤخرا، تكاثرا للإنتاجات الوثائقية والمهرجانات الخاصة بالفيلم الوثائقي، هل هذا ينم عن تزايد الوعي بدور الوثائقيات في المشهد الإعلامي العربي؟
الفيلم الوثائقي صناعة يعاد اكتشافها في الوطن العربي على مدى الخمس أو الست سنوات الأخيرة، ويعاد تفعيلها مرة أخرى حتى تجد لنفسها مكانا ضمن الصناعات السينمائية الأخرى، خاصة الدراما.
ولا يمكن أن نغفل أن وجود مهرجانات خاصة بالفيلم الوثائقي شيء مهم جدا، لأنه يزكي عملية التلاقي بين المبدعين والمشاهدين، خصوصا في مثل هذه النوعية من الأفلام التي لا تحظى كثيرا بالمشاهدة في قاعات السينما العادية، ولا يوجد اهتمام بها فيما عدا بعض القنوات، وفي مقدمتها قناة «الجزيرة الوثائقية».
هناك شيء لا بد من التنويه به هو وجود مسابقة خاصة بالأفلام الوثائقية في العالم العربي، وظهور مهرجانات متخصصة للفيلم الوثائقي، مما يتيح فرصة كبيرة للجمهور لمشاهدة أعمال وثائقية مختلفة عن الأعمال التي تقدمها التلفزيونات، أعمال فيها جرعة ذاتية كبيرة للمخرج، أو ما يسمى بفيلم المخرج المؤلف، وهي أيضا فرصة لأن يضع المخرج عمله على محك الاختبار. إذن نحن أمام فائدة كبيرة جدا للترويج الثقافي أولا، وللسينمائي ثانيا، وأيضا للترويج للمبدعين أنفسهم.
- بعد الحراك العربي، شهِدنا طفرة في إنتاج الأفلام الوثائقية، فهل هي طفرة نوعية؟ وهل التركيز على الحراك العربي كحدث مركزي شيء صحي بالنسبة للإنتاجات الوثائقية؟
ما يسمى بالربيع العربي كان نوعا من الصدمة الكبيرة، التي دفعت الناس إلى طرح تساؤلات كبيرة جدا، يبحث المواطن العربي عن إجابات لها، فمرحلة الربيع العربي كانت فرصة هامة للعاملين في مجال السينما الوثائقية في العالم العربي للقيام ب«رصد الحالة»، وتوثيق الوضعية الثورية والتغييرية إن صح التعبير، والقيام بحفظها وتسجيلها على أفلام حتى لا تندثر.
ما ذكرته مستوى من مستويات العمل. أما المستوى الآخر فهو أكثر عمقا، ويتعلق بالقيام بالبحث العميق لمحاولة الحصول على إجابات عن الأسئلة المطروحة، وهي أسئلة شديدة الأهمية حول مصير الشعوب العربية ومصير الحالة الديمقراطية التي نبتغيها، ولماذا نحن الوحيدون تقريبا في العالم الذين يجلس حكامنا على كراسيهم عشرات السنين، وغيرها من الأسئلة.
دور السينمائي الذي يعمل على الفيلم الوثائقي يبرز بقوة في هذه الحالة، فإما أن يوثق اللحظة التاريخية أو يبحث عن إجابات لأسئلة كبرى.
أضيف شيئا آخر له علاقة بسؤالك: إن تطور كل الفنون ارتبط بحالات تغييرية ضخمة جدا ومحورية جدا على مستوى العالم، فمدارس فنية كالتكعيبية والتجريدية والسوريالية ومدرسة الحداثة وما بعد الحداثة...، كلها ظهرت أو تطورت كنتاج لتساؤلات كبيرة طرحتها البشرية نتيجة الأزمة الإنسانية والسياسية لما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كانت هناك صدمة حضارية وتثقيفية كبيرة أنتجت عدة أسئلة، فجاء الفنان وتفاعل معها سلبا أو إيجابا. هذا تماما ما حدث ولا زال يحدث في العالم العربي، لأن الثورات لم تنته بعد.
- مرحلة الربيع العربي التي قلت إنها لا زالت تتفاعل، بأية استراتيجية تتعامل معها قناة «الجزيرة الوثائقية»؟
لقد ممرنا بمرحلتين: الأولى هي الثورة التونسية، وهي مرحلة لم نكن نعي فيها قوة الحراك، ولم نكن نتوقع أن تغييرا كبيرا سيأتي في ظرف أسبوعين، فأُسْقِطَ في أيدينا جميعا، وأتذكر أنني كنت ساعتها أتصل بزملاء من شركات الإنتاج في تونس لأقول لهم: «صوروا كل ما استطعتم». وقد تمكنا بالفعل من توثيق بعض الأشياء، لكن أشياء كثيرة في هذه الثورة لم نلحقها.
لكن في مصر، الثورة التالية لثورة تونس، كان هناك نوع من التربص والاستعداد، فاتصلنا بالكثير من الشركات المصرية التي تتعاون مع «الجزيرة الوثائقية»، وطلبنا منها أن تصور الأحداث، بهدف توثيق وحفظ تاريخنا، سواء استمر الأمر على حاله أو تطور إلى حالة جديدة، وهو ما كان بالفعل. وقد كانت كاميراتنا تصور في جميع مناطق مصر الملتهبة ساعتها، خاصة القاهرة والإسكندرية والسويس، فحصلنا على مادة مصورة ضخمة للأحداث.
أما المرحلة التالية فكانت حث شركات الإنتاج المصرية على تقديم مشاريع أعمال وثائقية لنا، وهو ما تم، لكن فوجئنا بأن معظم المشاريع لا ترقى إلى مستوى الفيلم الوثائقي، إذ يمكن أن تعتبر ربورطاجا أو تقريرا فقط، بالإضافة إلى وجود تشابه كبير في المشروعات.
وهنا وصلنا إلى استنتاج مهم، هو أن هؤلاء الشباب كانوا في خضم الأحداث، فلم يتح لهم أن يروا ما رأيناه نحن عن بعد، خاصة التقارير والتحليلات، بالإضافة إلى ذلك كانوا جميعا يعيشون الحدث نفسه، فتفاعلهم كان واحدا تقريبا.
بعد ذلك أعدنا قراءة للمشهد، فقررنا زيارة تلك الشركات حتى نستطيع أن نخرج منها أفضل ما يكون، وفي المحصلة أنتجت «الجزيرة الوثائقية» ما يزيد عن 45 ساعة تلفزيونية عن أحداث الربيع العربي.
أريد أن أضيف شيئا مهما، فما يحدث في مصر الآن من محاولة ممنهجة وشديدة لطمس كل معالم 25 يناير، يُبرز دور «الجزيرة الوثائقية» في توثيق الأحداث، عبر برنامج «يوميات الثورة المصرية»، وهو وثيقة مرئية من 20 ساعة ترصد ما كان يحدث في شوارع مصر لحظة بلحظة...
- هذا تحديدا هو سياق السؤال الموالي. كيف تتعامل «الجزيرة الوثائقية»، الآن، مع محاولات إفشال الحراك والردة على الثورات؟
هناك فعلا محاولات للإفشال، لكن الثورات لم تنته بعد، وربما لم تبدأ في بعض المناطق عكس ما تصورنا. هناك تفاعلات يومية لهذه الثورات، وكأنها كرة صوف تشابكت بشكل كبير، وهناك محاولات كثيرة الآن لإعادة تشكيل المنطقة بأسرها.
كل هذا يضعنا أمام مسؤولية التوثيق للحظة والتأريخ للمرحلة والبحث فيما هو أعمق، وأن نحاول أن نعرف لماذا وصلنا إلى هذه المرحلة، وما الذي يمكن أن تقوم به الشعوب وأن يقوم به الحكام... دورنا ليس فقط هو التوثيق الآن، بل أيضا في تفعيل مشروعات لها رؤية فنية مختلفة عما هو سائد حاليا.
- أنت تعمل في قناة «الجزيرة الوثائقية» منذ سبع سنوات، كيف تقيم تطور تعامل المشاهد العربي مع الإنتاجات الوثائقية خلال هذه المدة، وبأية خلفية يُتابع هذه الأفلام اليوم؟
عند انطلاق «الجزيرة الوثائقية» كان المشاهد العربي يتعاطى مع الأفلام الوثائقية على أنها أفلام ثقيلة الظل، وهذا طبيعي، لأنها ارتبطت فترة غير قصيرة بالبروباغاندا السياسية، في نظام إنتاجي يخضع تماما لسياسات الدولة، وحتى لو كان الإنتاج خاصا، فإن فضاءات العرض المتمثلة في التلفزيونات كانت محتكرة من قبل الدولة قبل ولوج عصر الفضائيات.
من جهة أخرى، لما بدأت «الجزيرة الوثائقية» كان طلب الناس منحصرا في متابعة أفلام «حياة الأدغال»، أي الأفلام التي لها علاقة بالحيوانات والغابات، وهذا هو الوجه الثاني من الصورة النمطية الموجودة في مخلية المشاهد العربي عن السينما الوثائقية.
وبالتالي كان لزاما علينا العمل على أكثر من مستوى: أولا، أن نوفر للجمهور فرصة الاختيار من أكثر من نوع وثائقي. وثانيا، أن نقوم بصنع حالة مُشاهداتية ونقدية لدى المشاهد العربي، عبر طريقين: الأول هو دعم المهرجانات المهتمة بالأفلام الوثائقية حتى نعزز هذا الاهتمام، والمشاركة فيها بأفلام من إنتاجنا، والثاني هو الاهتمام بالحركة النقدية المصاحبة، المهمة جدا في إذكاء أسلوب تذوق المُشاهد العربي لهذه الأفلام.
بالموازاة، أنتجت «الجزيرة الوثائقية» موقعا إلكترونيا، ثم فتحت تواصلا مهما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كل ذلك مكن بالفعل من تغيير نظرة الجمهور إيجابا للأفلام الوثائقية.
- وما هي أبرز الإكراهات التي تعاني منها صناعة الفيلم الوثائقي في العالم العربي؟ هل هي إكراهات مادية أم إكراهات تسويق، أم ربما إكراهات حرية؟
في العالم العربي هناك اشتباك كبير بين الإعلام ورؤوس الأموال والسياسة، وهناك استغلال حقيقي من قبل السياسيين ورجال الأعمال للإعلام، حيث يتم توجيهه وفق أهدافهم، وهذا يؤثر على أي المضمون، سواء كان وثائقيا أو برنامجيا أو غير ذلك.
أما التحدي الآخر فهو عودة ثقافة الخوف من الكاميرا في العالم العربي، فبعد الثورات كنا نستشعر بأن هناك حالة من التصالح بين الناس والكاميرا في الشارع، وبدأ الإنسان يشعر بأنه يرى نفسه عبر الكاميرا للتعبير عن آماله وطموحاته. لكن هذا الأمر ما لبث أن تراجع بتراجع الحريات في بعض دول الربيع العربي مثل مصر، فتراجع حرية الصحافة والإعلام، وحجم التفزيع من الكاميرا، أثر على الحركة الوثائقية بشكل كبير.
التحدي الثالث هو تحدي الاهتمام بالأفلام الوثائقية، فمعظم القنوات لا زالت لا تهتم بهذه الإنتاجات رغم وجود قاعدة جماهيرية مهمة، ربتها «الجزيرة الوثائقية» واستغلتها بعض القنوات الفضائية الأخرى، وكان يمكن لهذه القاعدة أن تكون كفيلة بظهور قنوات تهتم في بعض أوقات بثها بالأفلام الوثائقية.
تحدي التمويل أيضا هو تحد كبير، لكن اليوم وفرت التكنولوجيا للمبدعين فرصة لعمل أفلام وثائقية رخيصة التكاليف وعالية الجودة، وكذلك وفرت قدرا من الحرية لمخرجيها.. فمن الممكن للمبدع أن يختار أي موضوع ويحمل الكاميرا بسهولة لتطوير عمله ثم يقوم بعمل المونتاج في المنزل، يعني أنه من الممكن صناعة فيلم وثائقي، اليوم، بأريحية شديدة، ثم يُنشر على اليوتيوب فيشاهده عشرات الآلاف في فترة وجيزة. وبالتالي فإن تحدي سيطرة المؤسسة التمويلية أصبح متجاوزا، حيث يمكن للمبدع الآن أن ينتج فيلما جيدا بشكل ذاتي ثم يعرضه على القنوات إن أرادت عرضه دون أن ينتظر تمويلا مسبقا منها.
- ألا ترى أن السياسة تلتهم الجزء الأكبر من الإنتاجات الوثائقية العربية، وتغطي على أمور أخرى مهمة؟
هذه الملاحظة ربما تنسحب على القنوات الإخبارية، بالإضافة إلى طبيعة المرحلة التي تشهد دينامية سياسية كبيرة، لكن «الجزيرة الوثائقية» تحديدا تحاول أن تبتعد عن الأفلام ذات الطابع السياسي أو أفلام «الأحداث الجارية»، لأنها تموت بمجرد اختلاف الأحداث السياسية، وتنقضي بانقضاء اللحظة التاريخية التي أنتجت في سياقها.
نحن في «الجزيرة الوثائقية» لنا رؤية محددة، هي العمل على الإنسان وعلى ثقافته ومحيطه ورغباته وآماله ومشاكله، فالثقافة الإنسانية هي الثابتة عكس السياسة، فسياسة مصر مثلا قبل 5 سنوات ليست هي السياسة الآن، لكن الثقافة لا تزال كما هي.
«الجزيرة الوثائقية» تعمل على مسح الغبار عن مفردات الهوية العربية، حتى تظل حاضرة في المخيلة الجمعية للوطن العربي عبر شاشات التلفزيون.
- لنتحدث قليلا عن الخطوط الحمراء في الفيلم الوثائقي، في السياق الذي ذكرت، حيث صار من الممكن لأي شخص أن ينتج فيلما وثائقيا، وفي المقابل يضع هذا الشخص رقابة ذاتية على إنتاجاته خوفا من أمر أو من آخر. كيف ترى هذا الأمر؟
في الوقت الراهن، وهذا رأي شخصي، أرى أن رقابة الدولة لم يعد لها محل من الإعراب، لأنها غدت أمرا غير مقنع، فكيف تقوم الدولة بهذه الرقابة والإنترنت موجود والفضاء مفتوح لقنوات تبث طول الوقت؟ كيف ستتم هذه الرقابة؟
على مؤسسات الدولة أن تربي الناس تربية صحيحة، بمعنى الاهتمام بالتعليم ومحاربة الجهل وفسح مجال مناسب للتفكير، وترك الناس يختارون بين هذا الفيلم وذاك، وبين أن يذهب الفرد إلى المسجد أو إلى الماخور. فإذن الرقابة الذاتية هي الواجبة على المخرج أو المنتج...
- لكن خلف هذه الرقابة الذاتية تكون هناك أحيانا يد الدولة، الخوف من المتابعة والسجن مثلا.
هذا ما أشرت إليه عندما تحدثت عن ضرورة توفير مناخ جيد للتفكير، بعيدا عن التسلط، وأعلم أن هذا الأمر فيه نوع من اليوتوبيا، لكن المؤكد أن فكرة رقابة الدولة على السينما والتلفزيون وباقي الإبداعات لا تتفق مع طبيعة المرحلة التي نعيشها. فالدولة، خاصة في السينما والإعلام، كانت تراقب ثلاثة طابوهات، هي الدين والجنس والسياسة، وأنا قد أوافق على ذلك، لكن الرقابة يجب أن تكون من السينمائي نفسه. كما أن المشكلة ليست في الحديث عن هذه الأمور، بل كيف سيتم تناولها، فلا بد أن يعرف المبدع أنه يتعامل مع مجتمع عربي له خصوصية في التلقي والتعاطي ليست هي خصوصيات المجتمع الغربي.
ما أعنيه هو أن فكرة الرقابة يجب أن تتم صياغتها، حيث لا تكون مرادفا للمنع من طرف الدولة ولا الخوف من مطاردة الدولة، لأن هذا النوع من الرقابة له بعد سياسي، حيث يتم ضرب مبدعين لا يتماشون وأهواء السلطة. يجب اعتماد الرقابة الذاتية من منطلق الحرص على المجتمع واحترام خصوصياته.
- لنتطرق الآن إلى نقطة لها أهميتها في الصناعة السينمائية الوثائقية هي نقطة التكوين الأكاديمي. كيف تقيم مستوى التكوين الوثائقي في العالم العربي حاليا؟ وهل أصبح هناك اهتمام فعلي به؟
نحن لا نزال في البداية في هذا المجال، وقد بدأ الاهتمام بفكرة التكوين في المجال الوثائقي بعدما انتبه المختصون إلى وجود سوق مهمة للفيلم الوثائقي تحتاج إلى مبدعين وتقنيين وكتاب، وأرى أن «الجزيرة الوثائقية» كانت سباقة إلى تنشيط هذه السوق.
لقد أصبحنا نتابع مدارس وجامعات تضع مواد أو تفتح مجالات تكوين خاصة بالفيلم الوثائقي، حتى إن هناك أبحاث ماجستير ودكتوراة تعنى بالفيلم الوثائقي، وهناك اهتمام متزايد بتنظيم دورات تكوينية في هذا المجال، وهذا يؤكد ترابط عوامل نجاح الصناعة الوثائقية، فوجود القاعدة الجماهيرية أنتج طلبا متزايدا، وبالتالي فتح سوقا مهمة، وهذه السوق تحتاج إلى مبدعين ومنتجين ومخرجين، يحتاجون بدورهم إلى التكوين، وهكذا سيتحسن جانب التكوين كلما تحسنت السوق ووجدت استثمارات في هذا المجال.
- لديكم شراكات على مستوى التكوين هنا في المغرب، منها شراكة مع جامعة عبد الملك السعدي. هلا تحدثت لنا عنها؟
هي شراكة مع كلية الآداب بجامعة عبد الملك السعدي، قسم السمعي البصري، وهي شراكة عندما عرضت علينا فكرتها كان من المستحيل رفضها، لأننا نستشعر أن هذه الخطوة استكمال لدورنا في «الجزيرة الوثائقية»، ولرؤيتنا لتخريج أجيال من العاملين في مجال السينما الوثائقية.
لقد خلصنا إلى أن الوصول إلى ما نسطره يتطلب منا أن ننتقل بأنفسنا إلى الجامعات والمعاهد بحثا عن هذه الفرصة، وهو ما حصل في المغرب وتونس ومصر، حتى نعطي للشباب الثقة في أن هناك سوقا تنتظرهم، وأن نطلعهم على مفردات فكرة «الجزيرة الوثائقية»، وأن نشعرهم بمسؤوليتهم الكبيرة تجاه ثقافتهم وهويتهم.
لقد كنت قبل مدة وجيزة في مدينة مارتيل لإلقاء محاضرة على طلبة السنة الثانية ماستر الفيلم الوثائقي، وسنتبعها بورشة عمل، وكنت سعيدا جدا بتجاوب الطلبة معي، لأنني أرى أن خطاب «الجزيرة الوثائقية» قد أعطى ثماره.
محفوظ: المغرب فيه كنوز كثيرة وآسف أن أقول إنه لم يحسن كشفها للعالم
- كيف تقيم دور «الجزيرة الوثائقية» في ردم الهوة الثقافية بين المغرب العربي والمشرق العربي؟
هذا بالضبط هو لب رؤية قناة «الجزيرة الوثائقية»، فطموحنا كان هو أن نتخطى حدود الجغرافية السياسية، إلى الفضاءات الثقافية التي تجمع كل أقطار الوطن العربي، مع الاحتفاظ بخصوصيات كل دولة. فالاستعمار استطاع أن يقسم البقعة الأرضية الواحدة المسماة الوطن العربي بفعل سايس بيكو، ثم عمل على تحفيز القومية القطرية، حتى صرنا أمام وطنية مصرية ووطنية مغربية وهكذا، وكل واحدة منغلقة على ذاتها، رغم أن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يجمع أوروبا التي تتوحد الآن.
لقد كان علينا أن نتخطى كل هذه الحدود، بالغوص في بَرَاح الثقافة وتقاليد المجتمعات وغيرها، فقررنا أن نمثل كل أقطار الوطن العربي على شاشة «الجزيرة الوثائقية»، ونحاول أن نبحث عن كنوز الثقافات المختلفة، وأن نصل إلى ما هو مشترك من جهة، وأن نطلع الجميع على ما هو خاص في ثقافة كل دولة.
- وما موقع المغرب من هذه الرؤية؟
أول رحلة عمل لي خارج الدوحة كانت إلى المغرب، لأنني كنت أستشعر أن هذا البلد فيه كنوز كثيرة، وآسف أن أقول إنه لم يحسن كشفها للعالم، فأنا كمصري مثلا لا أعرف إلا القليل عن المغرب، مثلما أنك كمغربي ربما لا تعرف عن مصر إلا ما يظهر عبر الأفلام دون النفوذ إلى جوهر الثقافة المصرية.
وقد حفزنا هنا في المغرب الكثير من شركات الإنتاج ومن المخرجين ليقدموا لنا بلادهم، فكانت النتيجة أن عرضت «الجزيرة الوثائقية» أفلاما عن أماكن كان القليلون فقط من يعلمون بوجودها، وعن شخصيات بصمت تاريخ المغرب كعبد الخالق الطوريس وعبد الكريم الخطابي وحتى عن فنانين مثل ناس الغيوان وإزنزارن والركراكية، وعن أحياء شعبية وعن دوري كرة القدم الرمضاني، أعني أننا تطرقنا إلى جميع المجالات: الأدب والتاريخ والوجوه السياسية والأماكن السياحية وغيرها.
وقد كنا نصر على أن كل هذه الإنتاجات تتم بالتعاون مع أبناء هذا البلد، حتى لا يقال إننا نبحث عن أماكن العطب فقط، وقد كانت هذه إشاعة لاحقت «الجزيرة» طويلا، ونحن أردنا أن ندحض ذلك، وأن نتحدث عن نصف الكوب الممتلئ، للتأكيد على أننا في العالم العربي لدينا ثقافتنا وتاريخنا وحضارتنا التي لا يجب أن تترك عرضة للنسيان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.