سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أسعد طه: شرعت في إنجاز برنامج عن حياة محمد السادس الشخصية والمهنية..لكن بعض «أصحاب القرار» حالوا دون استكماله! الإعلامي المصري قال إن القنوات العربية لا زالت تفضل الوثائقيات الأجنبية وأن الوضع في مصر سيتغير
من «نقطة ساخنة» إلى أخرى تنقل الإعلامي المصري أسعد طه إلى جهات العالم الأربع، مسلحا بالكاميرا والكلمات، مقتحما خنادق الحروب تارة، وثقافات الشعوب تارة، ليوثق حقائق لم يسبقه إليها غيره. فمنذ 1997، عقب التحاقه بقناة «الجزيرة»، وبداية برنامجه «نقطة ساخنة»، ثم برنامج «يحكى أن»، كان لتجربة أسعد طه دور كبير في نشر ثقافة البرامج الوثائقية تدريجيا في العالم العربي وإبعادها عن الصورة النمطية التي ترسخت حولها. في هذا الحوار يتحدث أسعد طه عن حاضر ومستقبل الصناعة الوثائقية، في ظل طفرة تكنولوجية تدعو إلى التفاؤل من جهة، وواقع سياسي واجتماعي عربي يفرض الحذر من جهة أخرى. كما يخص «المساء» بتفاصيل مثيرة عن لقائه بالملك وتصوير حلقة عن حياته داخل القصر الملكي، وهو المشروع الذي لم يكتب له أن يكتمل. - اشتغلت في المجال الصحفي قبل تخصصك في المجال الوثائقي، فما الذي تضيفه تجربة العمل الصحفي إلى محترفي العمل الوثائقي؟ العمل الصحفي والإخباري على المستوى الشخصي أضاف إلي الكثير، فالصحافة كانت هي القاعدة، لأنها تصقل الموهبة الإعلامية وتوسع المدارك وتثير داخل المرء الكثير من الأسئلة، التي تبحث عن إجابتها عبر مواضيع مطولة، تترجم في النهاية إلى فيلم وثائقي. وإلى جانب العمل الصحفي كان لفكرة السفر أيضا مفعول السحر على تكوين شخصيتي الإعلامية، وصقل التجوال الكثير من قدراتي الإنتاجية الوثائقية بشكل كبير. - واكبت مرحلة نمو العمل السينمائي الوثائقي العربي منذ مرحلته الجنينية إلى الآن. هل ترى أن هناك وعيا بدأ يتشكل لدى المتتبع العربي بقيمة العمل الوثائقي، يُخرجنا من الصورة النمطية الراسخة في الذهن العربي عن السينما الوثائقية؟ أظن ذلك فعلا، فالمهرجانات الوثائقية، التي صرنا نتابعها على مستوى الساحة العربية عموما، ومن بينها المهرجانات التي يحتضنها المغرب، هي انعكاس طبيعي لاهتمام متزايد بفكرة الفيلم الوثائقي. لكن المشكلة هي أن هذا الأمر لا زال يقف عند حدود الرغبة فقط، إذ لم يترجم بعدُ إلى نتائج فعلية، خاصة من أصحاب القرار، أعني أصحاب المؤسسات الإنتاجية والقنوات التلفزيونية، فهؤلاء ما زالوا يفضلون شراء فيلم وثائقي أجنبي بسعر بخس، ثم يُترجم ويُبث للمشاهد العربي. طبعا هذه الأفلام، التي تشترى ربما أكثر حرفية ومهنية من الأفلام العربية التي تُنتج بميزانيات صغيرة غالبا، لكنها في النهاية لا تحمل وجهة نظرنا، وهذا هو المهم، فنحن نريد أن نرى واقعنا بعيوننا، وأن نشاهد العالم وفق وجهة نظرنا الخاصة. مما لا شك فيه أن هناك رغبة ووعيا بقيمة العمل الوثائقي، فعندما بدأنا الاشتغال في هذا المجال لم يكن أحد يهتم به، وكانت هناك صورة نمطية عن الفيلم الوثائقي بأنه الفيلم الذي يدافع عن السلطة أو الذي يحكي عن عالم الحيوانات والنباتات، لكن الأمر يتغير، الآن، سريعا، وتساعد التقنيات الحديثة في ذلك، إلا أننا لا زلنا نعيب على أصحاب المؤسسات والقنوات أنها لا ترصد الكثير من الميزانيات لهذا العمل، وتفضل الشراء والترجمة أو استثمار الميزانيات في مواد إخبارية تلاحقنا يوميا، وهذا أمر أتمنى أن يتغير لأننا بحاجة إلى قراءة واقعنا عبر الأفلام الوثائقية. - على مر السنوات الماضية، كما أشرتَ، كان الفيلم الوثائقي العربي نوعا من البروباغاندا السياسية، فهل تغيرت هذه الفكرة بالنظر إلى المتغيرات التي جاء بها الحراك العربي؟ بالتأكيد، تراجع مفهوم العمل الوثائقي الرسمي إلى حد كبير، ذلك العمل الذي كان يتبنى فكر السلطة، بدليل أننا صرنا نرى أفلاما كثيرة تعبر عن وجهات نظر مخالفة للتوجه الرسمي، والشباب أبدى تحمسا كبيرا لهذا الأمر، بفضل الإمكانات التقنية المتاحة. لكن يجب أن نُنبه إلى أن المفهوم النمطي للفيلم الوثائقي لا يوجد عند الدولة فقط، بل لدى الناس أيضا، حيث ترسخ في أذهانهم نتيجة التراكمات الوثائقية التي كانت تعرض. - أنشأت وتسير شركة للأفلام الوثائقية، هل ترى أن الإنتاج الوثائقي لا يزال يشكل مغامرة من ناحية المواضيع ومن ناحية التكاليف المادية؟ من المؤكد أن التخصص في إنتاج الفيلم الوثائقي فيه نوع من المغامرة، لكنني أعتقد أنها مغامرة محسوبة، أي أنك قبل الدخول فيها تدرس الأمر من مختلف جوانبه. أشير أيضا إلى أن العمل الوثائقي ليس مجالا مدرا للربح الكبير، بدليل أن عددا كبيرا من المخرجين الذين يتعاملون مع الفيلم الوثائقي، يقومون بذلك بصفة مؤقتة، عندما لا يتاح أمامهم مجال الأفلام الدرامية. وعموما لا زالت البرامج التلفزيونية الإخبارية والحوارية وبرامج «التوك شو» تتفوق ماديا، فهي تأخذ حيز تنفيذ قليلا جدا، لكن عائدها المادي أضعاف ما ينفق عليها. - أنت تعيش الآن خارج مصر، وبالضبط في الإمارات، فهل مرد هذا ما جرى بعد الانقلاب؟ وهل بلغ التضييق على الممارسة الإعلامية درجةً تدفع الإعلامي إلى الخروج من بلده؟ هناك أسباب كثيرة لعودتي إلى دبي، منها أن هذه المدينة تضمن للإعلامي، رغم كلفة الإنتاج العالية فيها، حرية كبيرة في الحركة، كما تمثل العالمية، فهي باب مفتوح، وبسهولة تستطيع جلب أي مخرج أو تقني أو إعلامي من أي جنسية، كما أنها تضمن دخول وخروج المواد المسجلة بأريحية... - وهل لهذا الانتقال علاقة بما يحدث في مصر الآن؟ من المؤكد أن مصر الآن تمر بظروف استثنائية، من تجلياتها ضيق الحركة، وهو عكس ما كنا نأمله خلال الثورة. هناك في مصر قيود إعلامية كثيرة، فعليك أن تبذل مجهودا كبيرا في غير مجالك حتى تستطيع أن تواصل عملك. لقد أصبحت لدينا خطوط حمراء كثيرة. - وهل ستستمر هذه الوضعية طويلا أم ربما تلمحون إشراقة أمل؟ لا أظن أن الأمر سيستمر هكذا إلى الأبد، هذه هي طبائع الأشياء، كما أن هذا الوضع السلبي لا يمتلك مقومات الاستمرار، وبالتالي فالمرحلة الحالية مرحلة مؤقتة، والمرحلة التالية ستشهد انفتاحا قد يكون مفروضا، فلا يمكن العيش في مجال فيه قيود في الحركة وقيود في العمل. - هل هناك إرهاصات بذلك؟ (ضاحكا) ما زلنا ننتظر هذه الإرهاصات. - من مصر ننتقل إلى سائر العالم العربي، فقد كان الإعلاميون يأملون أن يسير العمل الإعلامي نحو فضاء أكبر من الحرية، لكن العكس هو ما حصل. كيف تقرأ هذه الصدمة الإعلامية إن صح التعبير، المتسمة بالافتقار إلى المهنية، التي يكون ثمنها غاليا أحيانا؟ لا يمكن قراءة المشهد الإعلامي بعيدا عن السياق العام، وأرى أن المشهد الحالي، بكل سوئه، مرحلة مؤقتة. كما أننا كنا ساذجين عندما تخيلنا أن الثورة ستأتي وتنتهي، وبكبسة زر سيتغير كل شيء، وسندخل مرحلة أخرى متسمة بالحريات. الأمر يتعدى التصادم بين الحكام والشعوب إلى تصادم بين الشعوب نفسها عبر تياراتها المختلفة. لقد وصلنا مرحلة اضطراب، وعلينا جميعا أن نراجع حساباتنا وأفكارنا، وهذه المرحلة من الاضطراب يشكل الإعلام جزءا منها، فهو تطورَ في مساحة وتراجعَ في أخرى، لكنه يحتاج بعض الوقت حتى ينطلق تماشيا مع المشهد العام. - هل ترى أن لحالة الغليان هذه مفعول إيجابي ولو مستقبلا على الصناعة السينمائية الوثائقية، على الأقل من ناحية المواضيع؟ بالتأكيد، هذا الحراك هو الذي يدفع الأفكار إلى الخروج إلى السطح، ثم اصطيادها للتعبير عنها. - واكبت، عبر إنتاجاتك، محطات بارزة من تاريخ المغرب، فكيف تقرأ الحركية السياسية والاجتماعية في المغرب، بمعنى آخر نريد نظرة إعلامي يعرف المغرب حول الاتجاه الذي يسير فيه البلد؟ أين يتجه المغرب؟ سؤال صعب جدا، لأن المنطقة العربية كلها لا يعرف أحد إلى أين تتجه، بل قد أقول إن العالم كله لا يعرف أحد إلى أين يذهب، فحاليا هناك حراك عالمي، وخارطة العالم تتغير، وأحيانا يبدو الأمر كأن المنطقة العربية أصابها مس من الشيطان، فدخلت في حالة تخبط. إن التحليلات التي تتدفق علينا ليل نهار فيها القليل جدا من الصواب، وأغلبها مبني على تخيلات وتمنيات وليس على أسس علمية، وأظن أن الحراك والتغيير سيمتد إلى كل بقعة في المنطقة العربية، ولكن ليس بنفس الصورة. هناك من توقع بأن يصيب المغرب من الحراك ما أصاب دولا أخرى في المنطقة، لكن هذا الأمر لم يحدث لأسباب كثيرة، منها، ربما، الأسباب الداخلية، وأيضا نضج بعض الأطراف المؤثرة، أو لأن الشعب أدرك أن الثورة ليست في حد ذاتها هي الهدف، وإنما التغيير، فلو تم أو بدأنا فيه بشكل أو بآخر سيعفينا مما هو أخطر. في النهاية من الصعب التنبؤ ب«إلى أين يسير المغرب»، لكن المؤكد أنه لن يستثنى من الحركية التي تعرفها المنطقة العربية عموما. - هذا دحض لنظرية الاستثناء. أظن، وهذا ظن وليس تحليلا، أن التغيير لن يسلم منه شبر من المنطقة العربية. لكن ما أريد التركيز عليه هو شكل التغيير، فهناك مناطق حدث فيها التغيير بشكل دموي جدا، لكن هذا لا يعني أن التغيير في كل المنطقة سيكون نسخة من سوريا مثلا. وأؤكد من جديد على نظرية طبائع الأشياء، فلا بد من حدوث تغيير، ولا يمكن أن نصم آذاننا عن التغيير الذي تطالب به الشعوب. - كنت قد زرت المغرب في 2003، ولديك مشاهد مع الملك داخل سيارته. هلا أعطيتنا سياق هذا اللقاء؟ كان ذلك من أجل إعداد حلقة عن الملك نفسه، وعن حياته اليومية الرسمية وغير الرسمية، وكذلك حياته الاجتماعية. كنت أود تقديم صورة غير نمطية للملك، لكن الأمر للأسف لم يكتمل. - ولماذا لم يكتمل؟ من الصعب أن أجزم بشيء، لكن أعتقد أن هناك من أساء إلي بصورة أو بأخرى من أصحاب القرار، وربما هناك من شكك في نيتي. لكن الحقيقة أنني خلال تصويري بعض جوانب حياة الملك في بداية العمل على المشروع، لاحظت أنه يتعامل بشكل رفيع ومهذب مع مستشاريه والعاملين معه وحتى مع الخدم الذين يشتغلون في القصر. ونفس الشيء مع الفريق الذي كان يصور، حتى أنه كان يطلب منا إن كنا نريد إعادة اللقطة مرة أخرى أو القيام بشيء معين لتسهيل التصوير، فقد كان في منتهى التواضع والأدب معنا. كل ذلك جعلني متفائلا جدا بأنني أستطيع إنجاز صورة غير تقليدية عن الملك محمد السادس، غير تلك الصورة الرسمية، صورة ليست دعائية، ولكنها قريبة أكثر من الناس. ومع الأسف قيل لي إن علينا التوقف ثم سنستكمل لاحقا، لكن «لاحقا» هذه لم تأت منذ ذلك الحين. - تحدثت عن تعامل الملك بترحاب مع الأمر، فهل تعتقد أن محيط الملك كان وراء هذا التوقف؟ لا أستطيع أن أقول «محيط» الملك بشكل عام، ولكن البعض في هذا المحيط، لأن البعض الآخر كان يريد لهذا الأمر أن يستكمل، لأنه سابقة من جهة، ولأنني، من جهة أخرى، أملك تاريخا في العمل المهني، ليس فيه ما يسيء، لذلك أدهشني قرار التوقيف. - هل لا زلت تأمل في استكمال هذا المشروع؟ نعم، لو كانت هناك فرصة لهذا الأمر سأواصله، فلا زلت محتفظا بالمواد التي صورناها، وهي مواد قيمة، وتعتبر أرشيفا مهما يمكن البناء عليه. - خلال هذا اللقاء تحدثت مع الملك، فما الذي دار بينكما؟ كان حديثا عاما، فلم يكن الأمر يتعلق باستقصاء سياسي أو رأي خاص، فقط حديث عام عن المغرب وعن مستقبل المنطقة. - سؤال أخير.. كيف ترى مستقبل الصناعة الوثائقية في العالم العربي؟ هي تسير من تقدم إلى آخر، وهي الآن في نقطة متقدمة مقارنة بما مضى، لكنها ما زالت في نقطة متأخرة بالمقارنة بما يجب أن يكون، لأنها تواجه مجموعة من المشاكل، والمشكلة الرئيسية هي سوق الفيلم الوثائقي. صحيح أن هناك شركات كثيرة وأفرادا كثيرين يعملون في مجال الفيلم الوثائقي، لكن ليس أمامنا سوق تلفزيوني حقيقي، ما عدا قناة واحدة هي قناة «الجزيرة الوثائقية»، التي توفر لمشاريع الأعمال ميزانية معقولة. أما الكفاءات والعمل الجاد والمهنية فكلها أمور موجودة، ويمكن أن تتطور بسرعة لو أن السوق فَتح مجال التنافس. طه: منعي من التصوير خارج الرباطوالبيضاء في حلقة «الحراك».. فاجأني - في آخر حلقة أنجزتها حول المغرب، من برنامج «نقطة ساخنة»، وكانت حول الحراك المغربي، منعت من التصوير في بعض المدن، وفي مقدمتها طنجة التي كانت تعتبر بؤرة الحراك. نريدك أن تتحدث لنا عن هذا المنع، وكيف تتعامل المؤسسات الرسمية المغربية مع مشاريعك الوثائقية مقارنة بدول أخرى؟ أظن أنني، خلال مجمل رحلاتي إلى المغرب، مُنحتُ فرصا لم تمنح لغيري، سواء بزيارة بعض المناطق أو اللقاء ببعض الفاعلين، ومنهم من كان معارضا وغير مسموح له بالظهور في الإعلام. لكن في المقابل تعرضت لبعض المشاكل، منها المنع الذي تعرضت له خلال الحلقة التي ذكرت، وهو أمر فاجأني في الحقيقة، لأنني كنت أتخيل أن المغرب قطع شوطا في الابتعاد عن مثل هذه الأمور. - ماذا طُلب منك بالضبط؟ وصلني طلب واضح بأن لا أغادر الدارالبيضاءوالرباط للتصوير خارجهما. - وهل أُعطيت لك أية مبررات؟ المبرر الرسمي الذي أُعطي لي هو أنني تقدمت بالتصوير في الرباطوالدارالبيضاء فقط، وأنا لم أفعل ذلك، فقد تقدمت بطلب التصوير في المغرب عموما، ففي كل عملي لم أقم يوما بطلب تصوير في مدينة معينة، بل في سائر البلد. وعموما وجدنا حلا للمشكلة، وأتينا بالمتدخلين من مدنهم للحديث لكاميرا البرنامج. لكن الحقيقة تصرف السلطات أدهشني، وسألت نفسي: لم المنع؟ إذ من المعروف عني أنني، وإن كنت أقول في الحلقة كلاما لا ينسجم مع الموقف الرسمي، إلا أنه يحسب لي أنني لا أكذب ولا أضلل ولا أسب ولا أشتم، وفي تاريخي مع المغرب وفي مساري عموما لم أكذب أبدا، رغم أني قد أصيب وقد أخطئ، وما أتمناه هو أن يكون هذا المنع استثناء وليس قاعدة.