بعد وثائقيه الأول “أحلام نساء” عن ألمانيات أسلمن الفائز بجائزة الإخراج في مهرجان خريبكة يعود محمد نبيل، المخرج السينمائي والإعلامي في “فرانس 24″ بشريط وثائقي جديد يحمل عنوان “جواهر الحزن” ليثير من خلاله موضوعا مسكوتا عنه في المغرب : موضوع الأمهات العازبات. في الحوار التالي يتحدث المخرج عن عمله الجديد ومواضيعه السينمائية ومساره كمخرج وإعلامي. ****************************** * “جواهر الحزن” عنوان وثائقيك الجديد حول الأمهات العازبات بالمغرب. لماذا هذا الموضوع؟ وما هي حيثيات التصوير وفضاءاته وخطوات الإنتاج؟ ** موضوع فيلم “جواهر الحزن” ينخرط في سياق اهتماماتي بالسؤال النسائي، و قضية المرأة عموما. الفيلم حكاية نسائية عن الهم المغربي بصيغة المؤنث، و نبش في ذاكرة المجتمع و طبيعته الذكورية. فبعد بحث طويل و توثيق للموضوع، قررت أن أعالج قضية “الأمهات العازبات” من زاوية سينمائية، تكون الصورة فيها هي التي تحكي عن المعيش اليومي لأمهات لا يعترف المجتمع المغربي بأمومتهن. الفيلم أنتجته شركة الإنتاج التي أسستها في برلين عام 2009، وبجهود ذاتية و بدعم من الفريق التقني الألماني الذي قدم كل ما لديه من أجل إبداعية وجمالية أفضل . كنت أتمنى أن يكون الدعم المغربي على رأس المساهمين في إنتاج هذا الشريط، لكن مع الأسف لم يتحقق ذلك. لقد حضر الدعم الألماني في قضية تهم المجتمع المغربي بالدرجة الأولى، وهذه هي مفارقة الشريط من حيث عملية إنتاجه وخطوات تصويره. * يلاحظ مرة أخرى حضور المرأة في عملك الجديد. ما دواعي هذا الارتباط بثيمة المرأة؟ ** الإرتباط بالسؤال النسائي فيه الكثير من المعاني والدلالات. هو اهتمام بالمكبوت المجتمعي، ومادة غنية للعمل السينمائي، إضافة إلى الرغبة في إثارة السؤال سينمائيا، والمساهمة في الحركية المجتمعية وطبعا في التغيير. السينمائي لابد له من إثارة السؤال أمام الجمهور بطريقة فنية وجمالية. و”جواهر الحزن” فيلم يقدم فرصة أمام المشاهد لطرح تساؤلات عدة، عن دواعي الرفض المجتمعي والتمييز الذي يحدث ضد فئة معينة من المجتمع. حقيقة إن ثيمة المرأة صعبة، إنها السهل الممتنع، ورهان ومغامرة فنية وجمالية، فيها من الشغف السينمائي ما يكفي . * في فيلمك السابق “أحلام نساء” نعاين حكاية ثلاث ألمانيات اعتنقن الإسلام. هل يتعلق الأمر بمحاولة لكسر الصورة النمطية للإسلام في الغرب أم بنقد ما يسمى بالإسلاموفوبيا؟ ** فيلم “أحلام نساء” هو مغامرة سينمائية للبحث عن نقاط التقاء الثقافة المشرقية العربية بنظيرتها الغربية، أي الحوار الصامت في المجتمع الألماني. تؤكد الدراسات أن صورة المسلمين في الإعلام هي سلبية ونمطية في بلاد كانط، و هذا الفيلم يأتي ليس لتكسيرها، هذا شبه مستحيل، إنه رهان لا يدخل في إطار مغامراتي السينمائية ومواقفي الفنية، والسينمائي لا يلبس جبة السياسي، بل يدافع عن خصوصية خطابه)، بل لخلخلتها ومحاولة التقرب من جوهر المجتمع الألماني و إبراز ما يخفيه في بواطنه. كان همي في فيلم “أحلام نساء” إبراز الصورة الصامتة، والتجرؤ على سبر أغوارها، وأعني صورة الألمان الذين لا يتحدث عنهم الإعلام إلا قليلا. سؤالي كان : ما ذا يمكن أن تقدمه المرأة الألمانية قصد أنسنة المجتمع وتغيير نظرته إلى الغير العربي والمسلم؟ حوار الغير والذات قديم قدم التاريخ، والصراع هو جزء من الطبيعة الإنسانية، و”أحلام نساء” هو صوت سينمائي جديد يصارع ضد عالم الأحادية والنمطية. * لماذا تختار مقاربة ثيماتك انطلاقا من الوثائقي بالتحديد؟ ** الفيلم الوثائقي هو أولا- في نظري المتواضع -، محاولة تجريبية لرسم معالم الإبداع السينمائي التخيلي، بل هو توثيق لأحداث عرفها التاريخ، ومادة تسمح بالمعاينة والإنتاج والخلق التخيلي. لست ممن يعتقد في عملية الفصل الميكانيكية بين التخيلي والوثائقي. هناك تداخل و تقاطع من حيث الإشتغال على الصورة في كلتا النوعين أو الجنسين السينمائيين. الفيلم الوثائقي يحتضن الخيال في سياق رسم الصور وخلقها وإبداعها، والتخيلي يتأسس على لغة الواقع وحيثيات المعيش اليومي للأفراد والجماعات. إن الواقع ونظريته لا يبتعد عن الخيال والعكس صحيح. إن دراسة الفلسفة والعلوم الاجتماعية تسمح لنا بفهم هذا الإشكال جيدا. السينما وثائقية كانت أو تخيلية هي مناسبة لعرض رؤية السينمائي وتصوره للعالم والوجود.. * أي موقع للوثائقي في خريطة الإنتاج السينمائي والتلفزي بالمغرب؟ وبماذا تفسر قلة الاهتمام به؟ وكيف تقيم مستوى المهرجانات السينمائية المغربية التي شاركت فيها؟ ** ما زال حضور السينما الوثائقية في الإنتاج السينمائي المغربي ضئيلا جدا، و يكاد يغيب في بعض القنوات المغربية، وهنا أتحدث من زاوية مهنية أي من حيث النوعية والجودة الإبداعية وفلسفة البرمجة وغيرها من البنيات الإنتاجية التحتية التي يتوفر عليها التلفزيون بشكل عام. وبما أنني مارست وأمارس العمل الصحفي التلفزيوني بالموازاة مع عملي السينمائي، يمكن أن أقول : إن الغائب الأكبر في كل هذا، هو الفلسفة والرؤية السينمائية التي تجعل من الفيلم الوثائقي مادة إعلامية تساهم في نشر المعرفة وتنمية العقل والمجتمع ، وتساهم في التغيير انسجاما مع مشروع مجتمعي، له نفس المسعى والهدف كما يقع ذلك في البلدان المتقدمة والعريقة. * ماذا يعني لك فوزك بجائزة الإخراج في مهرجان خريبكة السينمائي؟ ** فعلا فاز فيلم “أحلام نساء” بجائزة الإخراج، وقد كانت مشاركتي مناسبة جيدة للإطلاع على إنتاج السينما الوثائقية العربية والعالمية. هذا المهرجان يعد نافذة جميلة وفرصة رائعة ووحيدة مع الأسف للفيلم الوثائقي في المغرب. لابد للمسؤولين من وضع خطة جديدة ومشروع سينمائي مهني لتشجيع ودعم الفيلم الوثائقي وإنتاجه إعلاميا. * أنت رجل إعلام. اشتغلت مع العديد من المحطات الإذاعية والتلفزية. هل تركت الصحافة أثرا عليك كسينمائي وبماذا أفادتك في أفلامك التي دشنتها بشريط “فيلسوف” القصير؟ ** بما أن الصحافة هي الصلاة الصباحية لكل فرد كما يقول الفيلسوف الألماني هيجل، فهي محطة ضرورية لجس نبض المجتمع، ومعاينة حركاته وسكناته، وهي مجال للممارسة السوسيولوجية بامتياز . الصحافة والعمل الصحفي في مؤسسات عربية و دولية منح لي الفرصة لاقتناص مواد و ملاحظات مجتمعية مهمة، بل سمح لي بتغذية مخيلتي وأفكاري.. الصحافة قاعدة واقعية ومجال ضروري لفهم المجتمعات، وتحويل المعرفة إلى معالجة سينمائية تحضر فيها عناصر الجمال والفن. * كيف تقرأ نفسك وبلدك من موقع الهجرة أنت الذي غادرت المغرب عام 2001 إلى كندا ثم دول أخرى قبل أن تستقر ببرلين؟ ** سؤال جميل. من يحب بلدا أو وطنا معينا لابد أن يوجه النقد البناء لتغييره. محمد نبيل تغير بشكل كبير، و الهجرة والترحال عبر دول عدة، خلقت في نفسي مسافات نقدية إزاء الثقافة المغربية وثقافة الغير، بل سمحت لي بقراءة الواقع بطرق أوسع لا تؤمن بالأحادية، بل تتوخى الشمولية والإيمان بمنطق التاريخ، فإلى جانب النور هناك الظلام. و كصحافي متابع لشؤون المغرب منذ نهاية الثمانينات وإلى حدود الساعة، يمكن لي أن أقول : تراجع المغرب في مجالات عدة. لقد أصبح يصنف عالميا مثلا خلف السودان في مجال التربية والتعليم، بل إن التقارير والدراسات الدولية والمغربية الرسمية، ترسم صورة قاتمة لمغرب اليوم . وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة الالتفات إلى الفن والثقافة والتربية والإعلام و كل ما يساهم في بناء المواطن المغربي، مع التسلح بطاقات و كفاءات مغربية تؤمن بمنطق التخصص وبالخلق و الابتكار، وليس بالعلاقات والزبونية. إن غياب المهنية يؤدي لا محالة إلى الرداءة، و هذا ما نجده مهيمنا مع الأف في مغرب اليوم مع تجارب جيدة قليلة أحيانا تغرد خارج السرب . * هل ثمة مشاريع في الطريق؟ ** منذ أكثر من عام و أنا أشتغل على مشروع جديد يهم المرأة المغربية دائما، وعلاقتها بالفضاءات السجنية. أنا في مرحلة ما قبل الإنتاج لإعداد هذا الفيلم السينمائي. فيلم السجن والمرأة في المغرب سيكون محطة جديدة في بداياتي الإبداعية، إلى جانب مشاريع سينمائية متخيلة و وثائقية سترى النور في زمنها.