وهم التمثيلية لدى أعيان الصحراء كشفت أحداث 8 نونبر بالعيون، النقاب عن حقيقة أعيان الصحراء، والدور الذي يفترض أن يلعبوه في الحياة السياسية بالمنطقة، من خلال تمثيل السكان والدفاع عن مصالحهم، ولعب دور الوسيط بين الدولة والمواطنين في الأقاليم الصحراوية.. وقد أكدت أحداث العيون أن طبقة الأعيان لا تمثل سوى نفسها، وهي بعيدة كل البعد عن هموم وانشغالات المواطنين خصوصا فئة الشباب، التي انخرط جزء واسع منها في التيار الانفصالي، الذي ينمو بقوة في الصحراء، معتمدا على أسلوب العمل السري والخلايا الصغيرة، وتمويل خارجي كبير يأتي من الجزائرواسبانيا.... ساهمت الدولة على امتداد 35 سنة من رجوع الصحراء إلى الوطن الأم، في تسمين طبقة الأعيان من خلال إغداق الامتيازات والمناصب السياسية عليها، بشكل يتجاوز بكثير ما هو مخصص لبقية الأقاليم المغربية.. وهدا ما يفسر ظهور عدد كبير من المنتخبين الذين يمثلون الصحراء. ففي خمسة أقاليم صحراوية (العيون، بوجدور، اوسرد، الداخلة، والسمارة) خصصت الدولة 17 مقعدا برلمانيا لتمثيل الأقاليم الخمسة في البرلمان المغربي، وفي الجماعات التابعة، وجلها جماعات صورية لا وجود لها على ارض الواقع، خصصت الدولة للأقاليم الصحراوية المذكورة 522 مقعد، بينما لا تستفيد مدينة كبيرة من حجم الدارالبيضاء ذات ثلاثة ملايين نسمة سوى من 147 مقعد... وخصصت الدولة للجماعات المحلية بالصحراء 31 مقعدا بمجلس المستشارين، منهم 21 مستشار يمثلون المنتخبين الجماعيين، في حين أن مدينة فاس ذات ساكنة تقدر ب 2.5 مليون نسمة لا تستفيد سوى من 15 مقعد برلماني... وقد ساهم النفخ في عدد المقاعد المخصصة للصحراء في المجالس الجماعية وغرفتي البرلمان، في ظهور طبقة كبيرة من الأعيان منتشرة في جميع أقاليم الصحراء، واستغلت الطبقة المذكورة مناصبها لتكديس الامتيازات والمنافع، حيث صار الأعيان يمتلكون رخص الصيد في أعالي البحار، ويحتكرون تصدير الرمال إلى جزر الكناري، ويزاولون تهريب المحروقات والمواد الغذائية المدعمة إلى شمال المملكة، وجلهم يمتلك قطعان كبيرة من الإبل، رمز الغنى والثراء في المجتمع الصحراوي، وحتى رعي قطعان الإبل التي يمتلكها الأعيان، يتم في الغالب من طرف عمال الإنعاش الوطني، الذين يتنقلون على متن سيارات رباعية الدفع في ملكية الدولة... وتحول الأعيان بعد دخولهم العملية الانتخابية إلى بورجوازيين وإقطاعيين يمتلكون الضيعات الفلاحية الخصبة، وشركات ومعامل مسجلة في العيون، لكن تزاول عملها الفعلي في شمال المملكة، بل إن بعضهم يمتلك طائرة خاصة للتنقل إلى اسبانيا لمتابعة مباريات فريقه المفضل في البطولة الاسبانية.. هذا في الوقت الذي تتصارع الطبقات الشعبية على الفتات، أي الحصول على بطاقة الإنعاش الوطني، باعتبار هدا القطاع هو المشغل الأول لليد العاملة في الأقاليم الصحراوية، بسبب انعدام حركة اقتصادية نشيطة بالمنطقة، نتيجة غياب مؤسسات اقتصادية قادرة على توفير ما يكفي من فرص الشغل، التي تدر دخلا قارا ومحترما على المواطنين.. ويرجع تاريخ سياسة الأعيان إلى عهد وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، الذي عمد إلى توزيع الأقاليم الصحراوية على بعض القبائل حسب أهميتها وتواجدها بمخيمات تندوف. فبقدر ما تتوفر القبيلة على أقارب في مواقع المسؤولية لدى الانفصاليين، تحظى بالأهمية والعكس صحيح، وهذا ما ساهم في تأجيج غضب فئات واسعة من شباب الأقاليم الجنوبية. فقد ظلت ولاية العيون مقسمة بين الركيبات التهلات وإزركين، أما إقليمالسمارة فهو مجال الركيبات البيهات، ووادي الذهب وأوسرد من نصيب أولاد دليم، وبوجدور لأولاد تدرارين والعروسيين... ورغم تصاعد أصوات من المجتمع المدني، تنادي الدولة بوضع حد لسياسة الاعتماد على أعيان الصحراء، إلا أن هذه الأخيرة، تستمر في تفريخ الأعيان خصوصا بعد إنشاء مؤسسات جديدة وغير منتخبة، لا تلعب أي دور، مثل المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، المعروف اختصارا ب"الكوركاس"، الذي يضم وحده أكثر من 40 عضوا، يمثلون مختلق قبائل الصحراء.. في خطوة تؤكد أن الدولة ماضية في الاعتماد على الأعيان والشيوخ، من خلال منحهم جميع الصلاحيات السياسية والاقتصادية وغيرها، بموازاة مع صلاحياتها، وذلك لتمكينهم من الاطلاع بتسيير وتدبير الشأن الاجتماعي بالأقاليم الجنوبية.. إذا كانت الدولة ترى أن الأعيان "يساهمون في تمثيل سكان الأقاليم الصحراوية في المؤسسات الوطنية والدولية"، فإن أحداث العيون الأخيرة أزالت ورقة التوت عن عورة الأعيان، وكشفت للعالم أنهم طبقة منفصلة عن المجتمع الصحراوي، وبعيدون كل البعد عن تمثيل المواطنين الصحراويين، فقد مضى ذلك الزمن الذي كان فيه الأعيان يمثلون قبائلهم، وصار بعضهم الآن لا يتحكم حتى في عائلته، ففي مدينة كلميم، اعتقلت قوات الأمن ابن أحد أعيان إقليم آسا الزاك، ويتعلق الأمر بنجل رئيس بلدية الزاك والعضو القيادي في الحزب الحاكم، أثناء ترديده شعارات انفصالية خلال كرنفال بمناسبة مهرجان الجمل شهر يوليوز2009 .. وهذا الحدث يؤكد بالملموس أن بعض الأعيان لا يمثلون حتى عائلتهم، فالأحرى أن يمثلوا قبيلتهم أو الجماعة المحلية التي يترأسونها... أما أسوء دور يلعبه الأعيان حاليا في الصحراء وفي العيون تحديدا، هو التوسط لدى السلطات لخرق القانون، من خلال استغلال النفوذ والمنصب لإطلاق سراح بعض المعتقلين المتورطين في أحداث الشغب التي شهدتها العيون مؤخرا، بدعوى أن بعض الموقوفين تربطهم علاقة قرابة بأعيان من ذوي النفوذ.. في خرق سافر للقانون، الذي يجعل المواطنين سواسية أمام العدالة، بل إن بعض الأخبار تؤكد أن بعض المطلوبين في أحداث العيون يتخفون في بيوت الأعيان والوجهاء تجنبا لاعتقالهم ومحاكمتهم بعد تبوث تورطهم في أعمال العنف التي كانت المدينة مسرحا لها في الآونة الأخيرة.. إن مرحلة الاعتماد على الأعيان والشيوخ قد ولّت، علاوة على أنهم لم يقوموا إلا بالاهتمام بمصالحهم ومراكمة ثرواتهم، غير مهتمين بالدور المنوط بهم، ولا يشجعون المواطنين في الأقاليم الجنوبية على احترام القانون، ليتمّ حلّ جملة من مشاكل الشباب. إن رغبة الأعيان والقائمين على الأمور في إبقاء الحال على ما هو عليه، متشبثين بإبقاء نهج التدبير على ما هو عليه، مادام ينمي مصالحهم ومواقفهم، هو السبب في كل ما نجنيه الآن من فئات واسعة من شباب الأقاليم الجنوبية . لقد فشل الأعيان في أداء المهمة التي كلفوا بإنجازها، مما يحتم على الدولة البحث عن بديل عن طبقة الأعيان، التي استنفذت جهدها بدون جدوى.. ولعل البديل الذي يبدو في الأفق هو تشجيع الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني على تأطير المواطنين خصوصا الشباب، الذي أصبح رهينة للتيار الانفصالي المتطرف.. إذا كانت من محاسبة، فوجبت محاسبة الأعيان والشيوخ الذين لم يقوموا بالدور الموكول إليهم، وليس الدولة التي لم تبخل عليهم بأي شيء...