ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضية الصحراء المغربية بين سلطة القبيلة وغياب الأحزاب
نشر في شبكة طنجة الإخبارية يوم 19 - 11 - 2010

قضية الصحراء المغربية بين سلطة القبيلة وغياب الأحزاب
حلت بنا منذ أيام الذكرى الخامسة والثلاثون للمسيرة الخضراء، وفيها ألقى جلالة الملك محمد السادس خطابا هاما، أكد فيه على ضرورة إصلاح المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية "كوركاس"، وذلك من خلال دمقرطة تركيبته بجعلها منبثقة ومنحصرة في الهيآت والشيوخ والشخصيات ذات الصفة التمثيلية، وتعزيز انفتاحه على النخب الجديدة، كما أعطى جلالته تعليماته لإصلاح وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، من خلال تحديد نفوذها الترابي في ناحية الساقية الحمراء ووادي الذهب، وتركيز مهامها على إنجاز برامج التنمية البشرية، وكذا إحداث وكالة أخرى يشمل نفوذها الأقاليم الأخرى.
وهكذا أخذت الإصلاحات التي جاء بها الخطاب الملكي بعدين أساسين أحدهما سياسي والآخر اقتصادي تنموي.إن البحث في ملف المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية يثير نقاشا سياسيا كبيرا، وذلك بالنظر إلى طبيعة تركيبته الخاضعة لنظام التعيين، والتي من شأنها ألا تحدث تغييرا سياسيا كبيرا، بالنظر إلى افتقارها إلى وسيلة أساسية في نظام تمثيليتها، التي لا تقوم على مبدأ الانتخاب الديموقراطي.وإذا كنا نرتقب إصلاحا جديدا في مؤسسة "الكوركاس" فإننا نطرح تساؤلا جديا، حول مستقبلها في ظل التطلع في الوقت القريب إلى تطبيق مشروع الجهوية المتقدمة ونظام الحكم الذاتي بالصحراء، والذي يرتقب بناء مؤسسات جهوية تمثيلية حقيقية كالبرلمان.
إن استمرار المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية وفق التركيبة الحالية، إنما يعكس حضورا قويا للنظام القبلي الصحراوي القائم على نظام الأعيان والشيوخ، والذين يتم استقطاب عدد منهم من خلال العضوية داخل هذا المجلس ضمانا لولائهم للدولة المركزية.
إن التقاليد المخزنية المغربية درجت خلال تاريخ المغرب الطويل على التعامل مع النظام القبلي وتطويعه لصالح قوة النظام المركزي، ولن يشكل نموذج "الكوركاس" خروجا على هذه القاعدة. إلا أن التساؤل الذي يطرح بعد أحداث مخيم "إكديم إيزيك"، هو ما مدى السلطة والحظوة التي يتمتع بها شيوخ القبائل الصحراوية الممثلين في "الكوركاس" داخل المجتمع الصحراوي؟ أم أن هذه الأحداث كشفت عن انقطاع تام في الولاءات بين أولئك الشيوخ القبليين والقيادات الشابة الصاعدة التي تحمل هواجس اجتماعية تتسرب إليها في بعض الأحيان عوارض انفصالية أو إجرامية؟ ولسنا نقصد من وراء هذا النقاش إثارة جملة من التساؤلات حول تحديد المسؤوليات حول أحداث العيون، ما دام الظرف السياسي الحالي ليس مواتيا.
إن حقيقة الانفصام الذي أصبح قائما بين جزء من شيوخ القبائل الصحراوية والمجتمع الصحراوي، يكشف عن تغير اجتماعي وسياسي يجب أن تواكبه السلطة المركزية من خلال إقرار إصلاحات سياسية وتنموية حقيقية، تتجاوز مقاربة المهدئات المرحلية التي لا تفتأ تكرر نفس نماذج التوتر الاجتماعي التي سبق للعيون أن شهدتها عدة مرات، والتي ما عاد الوضع السياسي المتوتر حاليا يحتمل تكرارها مجددا. ويتطلب الأمر في المقابل وقف التردد الذي يطبع تعامل الحكومة في مجال التنمية بالأقاليم الصحراوية، والتي ندرك جميعا أنها تتطلب مجهودا استثماريا ضخما، لكن جهة الصحراء ستكون بحاجة ماسة إليه مستقبلا بعد تطبيق نظام الجهوية المتقدمة تحقيقا للتوازن المطلوب في الموارد.
إن انتقادنا لطبيعة التدبير الحالي لملف الصحراء لا ينفي مقاسمتنا لهواجس حقيقية للسلطة تتمثل في مخاوفها المشروعة وشكوكها في ولاءات البعض للدولة المركزية وكذا طموحاتها الانفصالية، التي لا تفتأ تعبر عن نفسها من خلال بعض الانزلاقات الاجتماعية.
كما أن خصوصية المشكلة الصحراوية تفترض وجوبا استمرار قيام النظام القبلي، الذي كان إلى عهد قريبا يرتقب إجراء استفتاء حول تقرير مصير الصحراء، والذي لا ينفك عن وجود شيوخ قبليين لتحديد الهوية بكل من مخيمات بتندوف والصحراء المغربية. كما أن استمرار هذا النظام القبلي ينبني أساسا من طبيعة المجتمع الصحراوي الذي لا تنفصل هويته الثقافية والتاريخية والاجتماعية عن نظام القبيلة، والذي يتميز بمتانة الولاءات التي تستمد قوتها من روابط الدم والقرابة والعرق، في الوقت الذي تتميز فيه الولاءات الحزبية بالارتهال والضعف خاصة مع الانتشار المكثف لظاهرة الترحال السياسي وضعف المصداقية الحزبية، وضعف التمثيليات الحزبية والنقابية بأقاليم الصحراء، والتي لا تتوفر على الامتداد القاعدي المطلوب.
وإذا كان استمرار النظام القبلي يشكل هدفا ونقطة توافق بين السلطة والمجتمع الصحراوي، فإنه يشكل أداة حقيقية للتواصل مع الضفة الأخرى من قبائل الصحراء الموجودة في تندوف والجزائر، وهي أحد عناصر القوة التي تدعم الموقف المغربي، والذي استطاع غير ما مرة زلزلة الاستقرار السياسي بمخيمات تندوف، وخلق أنصار جدد داعمين لمشروع التفاوض مع المغرب، يتقبلون إلى حد ما مشروع الحكم الذاتي. ولعل هذا ما يمكن أن نستشفه من خلال ما ورد به التلميح في الخطاب الملكي الأخير، والذي اعتبر ساكنة تندوف المحاصرة من رعايا المملكة الأوفياء، وتلكم إشارة قوية وانفتاح إيجابي، بمثل حجم مبادرة الراحل الحسن الثاني رحمه الله، إن الوطن غفور رحيم.
إن تعزيز حضور النظام القبلي بالصحراء المغربية من طرف السلطة المركزية أمر له حسناته وسلبياته، إلا أنه ساهم بشكل كبير في تعزيز غياب حضور الأحزاب، وما كان يمكن أن تلعبه من دور في تأطير المواطنين، مما ترك الساحة فارغة سهلة الولوج من طرف دعاة الفكر الانفصالي تماما كالذي حدث مؤخرا.
طبيعي أن نظامنا المركزي المغربي لا يتقبل بسهولة نظام الوساطة بينها وبين المواطنين، ويحبذ بدلا من ذلك التواصل بشكل مباشر مع المواطنين عبر قنوات السلطة العمومية وشيوخ القبائل. وربما تكون السلطة المركزية محقة في بعض الأحيان في معالجة ملف الصحراء واستبعاد الأحزاب من هذا الملف، في حال افترضنا صحة الروايات التاريخية حول طبيعة تورط أحد الأحزاب المغربية في نشوء هذا المشكل أصلا. وهذا ما يتجلى من خلال كون طبيعة تشكيلة الوفد المفاوض حول ملف الصحراء المكونة من مدير مكتب الدراسات والمستندات التابع للملك، ووزير الخارجية أحد وزراء السيادة في الحكومة، ورئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، والثلاثة ممثلون شخصيون للمؤسسة الملكية، ما يثبت غيابا تاما لدور الأحزاب على مستوى التمثيلي القاعدي وكذا على مستوى التفاوض حول ملف الصحراء، فكيف يمكننا أن نتصور دورا فاعلا للأحزاب السياسية على مستوى معالجة الملف، ومن تم تعزيز دور الدبلوماسية البرلمانية.
إن الواقع الحالي يفترض تعزيز مساهمة الأحزاب السياسية في حل مشكلة الصحراء، وتحملها المسؤولية في مساعدة النظام المركزي في هذا الباب، في الوقت الذي ينبغي منحها مساحة أكبر للتحرك تستوعب المطالب الحقيقية للشارع الصحراوي، وتساهم في تأطير المواطنين، وتملأ الفراغ الذي يمكن أن تتسرب إليه الأفكار الانفصالية وربما الإرهابية مستقبلا.
إن مستقبل الجهوية المتقدمة بالصحراء المغربية يستوجب التخلي عن مختلف المقاربات الأمنية للحياة السياسية، وبالتالي فتح المجال أمام قيام تمثيل سياسي وحزبي حقيقي، سواء من خلال الأحزاب الحالية، أو حتى من خلال السماح بقيام أحزاب جهوية تعكس الخصوصية الصحراوية، لكن ذلك لا يتأتى إلأ من خلال تغيير قانون الأحزاب، وقبول الأحزاب هي الأخرى بهذا التغيير.
أحزاب جهوية أو تمثيل جهوي للأحزاب المركزية تعبر عن تمثيل حقيقي داخل المؤسسات الجهوية الجديدة، والتي سيخلقها تطبيق نظام الحكم الذاتي. كما من شأن ذلك فتح آفاق جديدة أمام الدبلوماسية المغربية التي لازالت تعاني مشاكل في اقتحام وإقناع عدد من المؤسسات الدولية بمدى رجاحة الموقف المغربي، ومصداقية مشروع الحكم الذاتي. وأنه إذا كان المجتمع الدولي قد اتجه أكثر فأكثر منذ العشرية الأخيرة من القرن الماضي نحو تعزيز مأسسته، فإن الدور الرائد للمؤسسة الملكية في حل ملف الصحراء سيتعزز أكثر من خلال تظافر جهود كل الفاعلين السياسيين، ومن ضمنهم الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والجالية المغربية بالخارج وكافة هيآتها التمثيلية، ومساهمتهم في تعزيز الحضور المغربي داخل مؤسسات التمثيل الدولي، ومن تم إقناع المجتمع الدولي بالآفاق الإيجابية لمستقبل الساكنة الصحراوية في ظل تطبيق مشروع الحكم الذاتي.
لكن هل الأحزاب قادرة فعلا على تحقيق هذا الاختراق السياسي لمجتمع الصحراء في حال تحققت الإرادة السياسية للدولة من خلال اعتماد مشروع الجهوية المتقدمة؟ وهل ستتخلى القبيلة عن نفوذها ومصالحها لصالح نفوذ جديد للأحزاب؟ وهل التجربة والقواعد الديموقراطية قادرة على استيعاب نموذج القبيلة والأعيان العصي على معايير التمثيلية الحقيقية؟ وهل بالإمكان اقتباس نماذج الدول التي عانت من وجود حركات انفصالية كإسبانيا (إقليم الباسك) وتركيا (الأناضول) إنجلترا (إيرلند) والتي استوعبت تجربتها السياسية أحزابا ذات خلفيات انفصالية كنمط للتنفيس السياسي وتفادي الاحتكاكات الأمنية كسبيل وحيد للتعبير عن مختلف الطموحات السياسية؟
إن طبيعة تعقد ملف الصحراء وتنازع المصالح الإقليمية بخصوصه، هو ما يخلق في كل حين عددا من الأزمات السياسية التي تعبر عن الاحتقان القائم بين المغرب وكل من إسبانيا والجزائر، احتقان له تاريخه الطويل يرجعه البعض إلى فترة الوجود المغربي بالأندلس، واستعمار سبتة ومليلية، استعمار الإسبان لشمال المغرب واستعماله للأسلحة الكيماوية في قمع المقاومة الريفية الباسلة، حرب فرانكو ومساهمة المغاربة فيها ونشوء جيوب يمينية إسبانية معادية "للمورو"، حرب الرمال الجزائرية المغربية، المسيرة الخضراء وانسحاب إسبانيا من الصحراء، ودخول الجزائر على الخط من خلال احتضان أعداء الوحدة الترابية ...
كل هذا يجعل كل الأحداث والمشاكل التي تقع في المنطقة لاتخلو من استمدادات خارجية وحضور أياد مخابراتية، تجعلها تقع بشكل متزامن. وإذا كان المغرب قد استطاع تحقيق مكاسب في هذا المجال في الآونة الأخيرة من خلال بروز جناح مساند للتفاوض حول مشروع الجهوية بالصحراء، وكذلك من خلال نجاح المغرب في تحقيق التفاف وطني ودولي حول مشروع الجهوية الموسعة واعتماد نظام الحكم الذاتي.
هذا في الوقت الذي سارعت فيه إسبانيا إلى التعبير عن هذا الاحتقان، من خلال أحداث اعتداء شرطة حدودها بمليلية المحتلة الصيف الماضي على عدد من المواطنيين المغاربة، قبل أن تعود مجددا هذه الأيام بقمع احتجاجات اجتماعية لمواطنين مليليين من أصل مغربي، عبروا عن امتعاضهم إزاء التهميش الممنهج الذي طالهم في مجال التشغيل.
وعموما فإن الأحداث بمنطقتنا تعبر عن احتقان إقليمي يتم تصريفه وفق سيناريوهات تتم بنفس الإخراج أحيانا، فهذا التشابه بين نمط تصدير الأزمة إلى الداخل بين قضيتي أمينتو حيدر والمناضل الصحراوي مصطفى سلمى ولد سيدي مولود ووالده والصحفيين والناشطين الإسبان، استغلال الاحتجاجات الاجتماعية بكل من مليلية والعيون وتوريط الإعلام خدمة لجملة من السياسات الإقليمية، بعيدا عن قواعد الموضوعية والالتزام الصحفي.
نفس الأمر يجري على قضية الاحتجاجات الاجتماعية التي جرت مؤخرا بالعيون، والتي تم توظيفهابشكل قذر من طرف بعض الانفصاليين وأعداء الوحدة الترابية خاصة منهم الصحافة الإسبانية، كل ذلك بغرض التصدي للنجاح الذي حققه الإعلان عن مبادرة الحكم الذاتي والنقاش الدولي والوطني بخصوصها، والتغطية على الاعتقال المشين الذي تعرض له المناضل ولد سلمى بمخيمات تندوف، وكذلك حجب الاهتمام بالمضامين الهامة التي جاء بها الخطاب الملكي الأخير بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين للمسيرة الخضراء.
وربما يثيرنا في هذا الصدد هذا التحامل الإعلامي الإسباني غير المسبوق ضد قضيتنا الوطنية، والذي بلغ حد الكذب والافتراء وتلفيق الصور، ربما الغرابة تكمن في الوحدة التي تجمع المنابر الإعلامية الإسبانية بهذا الصدد، والتي يمكن أن نرصد لها مثالا يتمثل في مقاطعة الصحفيين الإسبان المعتمدين بالمغرب للندوة الصحفية التي عقدها مصطفى سلمى بالمغرب قبل توجهه إلى مخيمات تندوف، وكذلك من خلال تلفيق صور مجازر الصهاينة بغزة وتضليل الرأي العام الأوربي والعالمي وإيهامه بأنه صور ملتقطة من أحداث العيون.
أكيد أن هناك توافقا في المصالح السياسية والاقتصادية الجزائرية والإسبانية، خاصة إذا ما تعلق الأمر بملف الصحراء، وربما أن الحكومة الاشتراكية الحالية التي تدرك جيدا أن الشعب الإسباني له ميولاته اليمينية التي مافتئت تعزز أكثر فأكثر مع استفحال الأزمة المالية بإسبانيا، وارتفاع موجة العداء للأجانب الذين يشكل المغاربة النصيب الأوفر من بينهم، ومن دون أن تفلح هذه الجالية للأسف في اختراق المجتمع المدني والسياسي الإسباني تماما كما نجحت في ذلك "البولزاريو" والمخابرات الجزائرية، بالنظر لكونها وجدت الفضاء السياسي المناسب لنشر أفكارها ومغالطاتها التاريخية.
لقد كسب المغرب نقاطا عديدة في ملف الصحراء لكنه خسر معركته السياسية داخل المجتمع السياسي والإعلامي الإسباني، وبالتأكيد فإنه بحاجة إلى تظافر جهود الحكومة والبرلمان والجالية المغربية بإسبانيا. وهنا ينبغي التركيز على رفع الوعي السياسي للمغاربة القاطنين بالخارج، عبر إشراكهم الفاعل في المؤسسات التمثيلية للجالية وتشجيعهم على المشاركة السياسية والاندماج في بلد الاستقبال. وكذلك من خلال منح الأحزاب دورا أكبر في ملف الصحراء، من دون التجني حرية المبادرة السياسية التي لا تقبل التجزئ، وهنا نسوق نموذجا سلبيا بهذا الخصوص نسترجع من خلاله حدث منع شبيبة العدالة والتنمية بطنجة من نصب الخيمة الصحراوية في وقت سابق من السنة الحالية، وربما أن اختصاص الملك على عهد الراحل الحسن الثاني بملف الصحراء، ساهم في استبعاد الأحزاب عن هذا الملف، قبل أن تنقل المبادرة الملكية بداية هذه السنة بإنشاء لجنة ملكية استشارية حول مشروع الجهوية السياسية، ملف الصحراء إلى النقاش العمومي، الأخير لم يكن الهدف الوحيد منه الخروج بمقترحات حول مشروع الجهوية، ولكنه نقاش يكسر جدار الصمت حول الملف، ويجعله جزءا من النقاش العمومي: الأكاديمي الحزبي، النقابي، والشعبي ... وليست هذه المقالة إلا مبادرة ضمن هذا السياق الإيجابي، نتطلع لأن تكون مشفوعة بمشاركة فاعلة للأحزاب والمجتمع المدني في حل ملف الصحراء المغربية، والمشاركة في المجهود السياسي والتنموي والتعبوي الذي يتطلبه تطبيق مشروع الجهوية المتقدمة بالصحراء. والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.