واقع الحال لا بد أن من يقرأ عن خبر استعداد البرلمان المغربي لتشكيل "لجنة" من أجل التحقيق في ما يعرف بأحداث العيون عليه أن يتمالك نفسه من السخرية، ربما للمرة الألف. حكاية لجان التحقيق المغربية عموما، والبرلمانية بشكل خاص هي بالضبط مثل لزوم ما لا يلزم. بل إن الشيء الوحيد الذي ستضيفه هذه اللجنة هي مصاريف إضافية على ميزانية مجلس يشك أصلا في مصداقية وجوده. كثير هي اللجان التي شكلت وكثير، ربما، هي اللجان التي ستشكل كل ما وقع ما يذكر بواقع المغرب كبلد يعيش اختلالا عميقا. آخر هذه اللجان التي شكلت من هذه الهيئة بالضبط في أحداث قريبة الشبه بأحداث العيون وبعيد عنها في مضامينها وهي أحداث سيدي افني. بالطبع لا داعي للتساؤل، وليس السؤال، عن مصير هذه اللجنة وعملها الجبار ولا حتى بتقريرها ولا بتوصياته، ولن أحمل الأمر ما لا يطيق لأتساءل عن قرارات هذه اللجنة. في الدول حيث للبرلمان قوته ومكانته الحقيقية، فإن تشكيل لجان التحقيق في قضية مثل هذه تشكل حدثا في حد ذاته ومطلبا شعبيا، لأن جميع السلطات تكون مجبرة، بقوة القانون، على الامتثال لمثل هذا التحقيق. والمهم في مثل هذه اللجان هي طبيعة النتائج التي تتوصل إليها والأهم هي التوصيات التي تمررها وتكون بمثابة قرارات سياسية تمس أطرافا مسؤولة عن موضوع التحقيق. أحداث العيون ذكرت مرة أخرى، كما قلت، باختلال عميق يعيشه المغرب منذ الاستقلال، وامتد هذا الخلل للصحراء ليعيد طرح علامة استفهام كبيرة جدا حول موضوع تدبير هذا الملف الذي تجاوز الخمسة وثلاثين عاما. مشكلة تدبير قضايا المغرب الكبرى ستبقى مشكلة ذات بعد بنيوي مرتبط بشكل ونمط السلطة ونوعية العلاقات السائدة بين المركز والهوامش. وقضايا المغرب الكبرى لا تقل أهمية عن تدبير قضية الصحراء، بل يمكن القول بكل اطمئنان بأن عسر الحل في الصحراء يرتبط بعسر التفكير في حل قضايا ولدت قبل قضية الصحراء بوقت طويل. إن قضايا مثل "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" و"التوزيع العادل للثروة الوطنية" و"تحقيق العدالة الاجتماعية" هي أم القضايا التي تأزم عقدة قضية الصحراء. كثير هم المغاربة الذين ينظرون إلى قضية الصحراء على أساس أنها قضية مصيرية تتعلق بوحدة التراب الوطني وبالتالي فالتضحيات المقدمة في سبيل هذه القضية هي مبررة. في الجانب الآخر هناك مغاربة يرون في هذه القضية حالة استنزاف لمقدرات البلد. في حقيقة الأمر يبدو أصحاب الرأيين على صواب. فقضية الصحراء ليست مجرد نزاع ترابي، بل الأمر أكبر بكثير. فالصحراء المغربية هي الامتداد الطبيعي للشمال، وكما كان دائما عبر التاريخ. والمشكلة لا تتعلق بأحقية المغاربة في هذا الإقليم من عدمه، بل الأمر يتعدى لكون المغرب، كبلد، يتعرض لحرب استراتيجية في الصحراء. فالمغرب بدون هذا الامتداد الطبيعي هو بلد قابل للتفكيك أكثر فأكثر وبالتالي فالأمر يعني في الأول والأخير محاولة لتقزيم بلد كان حضوره أساسيا في تاريخ شمال إفريقيا. إن خلق "كانتونات" ودويلات على الطريقة اليوغوسلافية هو حلم الأسبان والجزائريين، وهذا لا يحتاج لكثير شرح ولا إقناع، ولكن الأمر الأهم هو عدم الوقوف عند هذا الأمر فقط وترديده صباح مساء. الوجه الآخر لموضوع الصحراء أن القضية مكلفة كثيرا ماديا وبشريا وحتى سياسيا. وإذا كانت حالة الحرب قد بررت بشكل ما هذه التكلفة، فإن حالة اللاسلم واللاحرب منذ 1991 تبدو غير مبررة بالمرة. فالسؤال الأساس هو ما الذي فعلته الحكومات المتعاقبة خلال العشرين سنة الماضية للخروج بالصحراء من إقليم مكلف بهذا الشكل إلى منطقة تستطيع الاعتماد على إمكانياتها الاقتصادية الكبيرة خصوصا وأن الكثافة السكانية بها ضئيلة جدا بالمقارنة مع مناطق الشمال؟ الجواب بسيط جدا، إنه اقتصاد الريع. والسؤال الذي لا يلبث أن يطرح نفسه وبإلحاح، هو هل يمكن صياغة واقع جديد يمكن من الدفاع عن مغربية الصحراء وفي نفس الوقت يخفف من التكلفة العالية لها؟ للجواب على هكذا سؤال لا بد من قراءة في الأحداث. في قراءة أحداث العيون لدي اعتقاد بأنه حتى المسؤولين المغاربة سيجدون صعوبة في الاعتراف بأن ما حدث بالعيون يمكن الدفاع عنه. والأمر يستحق قراءته من عدة وجوه. أولا، من حيث الخسائر البشرية هناك من يعشق الأرقام ويبدو أن المسؤولين المغاربة يهيمون عشقا بهذه الأرقام. صحيح أن عدد الضحايا المدنيين كان قليلا، لكن لماذا يكرر المسؤولون بطريقة غريبة أن الضحايا كانوا أساسا من العسكريين ويحاولون في كل مرة التأكيد أن لا يد للأمن في مقتل مدنيين؟ هل دم أحد عشر جنديا مغربيا رخيصة لهذه الدرجة في الصحراء؟ فقدان هؤلاء الجمود تعتبر كارثة حقيقية بمعيار الدول التي تحترم شعبها، فهؤلاء الجنود هم أولا وقبل كل شيء مغاربة، أزواج وأبناء وإخوة وجيران وأصدقاء. ومقتل هؤلاء الجنود وبتلك الطريقة الوحشية يطرح أكثر من سؤال. إذا كانت مصالح الأمن على علم بمخططات الانفصاليين بالمخيم ونوعية التنظيم الذي يتبعون له، وهو أمر تشير إليه الكثير من التقارير، فإن دفع المئات من الجنود من دون سلاح ولا تغطية، لمواجهة عصابات منظمة ومسلحة، فان الأمر يعتبر جريمة بكل المعايير. وأما إذا كانت مصالح فوجئت بحجم ونوعية الرد من قبل الانفصاليين، فإن كلمة "المفاجأة" في مثل هذه المواقع تعتبر أقبح من ذنب، إذ كيف يعقل بأن منطقة مثل الصحراء وبالنظر للكم الهائل من الإمكانيات المتوفرة على المستوى البشري والتقني تسمح لمجموعات من الانفصاليين بتمريغ وجه العسكرية المغربية بهذا الشكل؟ أسئلة مقلقة حقا. لكن الأدهى والأمر هو الاكتفاء بتصوير الجنود المغاربة العزل وهو يتعرضون للتنكيل من طرف عصابات مدججة بالسيوف، وكأن هؤلاء الجنود مجرد كومبارس لتصوير بروفة لعرضها لا حقا في حفل بهيج لإقناع أحد ما في هذا العالم بان البوليزاريو متوحشون، وكأن هناك استعداد قبلي لحرب الصور. هل تأكيد وحشية البوليزاريو تحتاج لدم 11 عسكريا أعزلا؟ هل كسب حرب الصورة يحتاج لكل هذه الأرواح وبهذه الطريقة؟ لماذا لم يرخص للعسكريين بحمل السلاح واستعماله وقت الضرورة دفاعا عن النفس؟ لماذا لم يتم تحضير فرق جوية محمولة ومسلحة بالقناصة للتدخل في حالة الضرورة وفي حالة تعريض حياة العسكريين المغاربة للخطر؟ هل من جواب؟ ثانيا، الفشل الأمني إن إقامة مخيم بهذا الشكل وبهذا الحجم وبتلك الطريقة كارثة أمنية. لماذا انتظر المسؤولون كل تلك المدة للتأكد من أن أهداف التجمع هي غير الأهداف المعلنة خصوصا وأن أبواق الجزائر والبوليزاريو كانت على الخط منذ مدة غير قصيرة وهي تؤكد على وجود ما تسميه "بمخيم الاستقلال"؟ وإذا افترضنا صحة الأخبار التي تحدثت عن وجود عناصر عسكرية جزائرية وانفصالية بالمخيم تملك وسائل للاتصال ووسائل لوجستيكية استخدمت ضد قوات الامن، فالأمر خطير حقا. ثم إن أمر "العائدين" حديثا من مخيمات لحمادة "تندوف" يبدو غريبا، إذ كيف للسلطات الأمنية أن تتساهل لهذه الدرجة مع من يفترض أنهم انفصاليون حتى يثبت العكس ويملك هؤلاء كل هذه الحرية في الحركة وممارسة عمليات تنظيمية داخل الصحراء؟ ثالثا، فشل "سياسة الأعيان" منذ بداية قضية الصحراء والسياسة الرسمية للحكومات بالمغرب مبنية على النفخ في " أعيان الصحراء". هذه السياسة قديمة وإن صلحت وأثبتت نجاعتها في وقت معين فإن دوام الحال من المحال. فخمسة وثلاثين سنة من تحول الصحراء من مجرد تجمعات قبلية للبدو شبه الرحل إلى الاستقرار الحضري تبعها تغير كبير على المستوى الاجتماعي. وسيحتار المرء كثيرا كيف أن الحكومات المغربية لم تع مثل هذا التحول الاجتماعي بالصحراء وبالتالي تغيير سياسات الاحتواء الاجتماعية نحو فئات اجتماعية جديدة. فالمجتمع الصحراوي الكلاسيكي في طريقه للاندثار والبنية الاجتماعية انتقلت بسرعة من القبيلة للعائلة وهي في طريقها للتغير بدورها نحول مصالح فئوية وليست قبلية. لقد كان من الممكن التأكد من هذا التغيير عبر قراءة الانتخابات وطريقة صعود الأعيان الصحراويين، إذ أصبح الالتجاء للمال والخدمات هو المقابل للصوت الإنتخابي مثل ما يحدث بالشمال إلى حد كبير. فحقيقة أعيان الصحراء أن قوتهم أصبحت تتلاشى في ظل وجود جمعيات شبابية هي سياسية أكثر من كونها تمثل "المجتمع المدني". وغالبية المنتمين والمتعاطفين مع هذه الجمعيات تمثل فئات اجتماعية جديدة ومسيسة ولديها تكوين غير تقليدي، وبالتالي فهي تعبر عن طموحات مختلفة وهي أكثر تعاطفا مع فكرة التمرد على النظام القائم وتدغدغهم دعاية البوليزاريو وفكرة الاستقلال، لأن الوضع القائم لا يخدمهم في شيء. كيف لم تتم قراءة هذا الواقع المتحول بالصحراء والإرتكان لأعيان هم في حقيقة الأمر أكثر حرصا على تسريع وتيرة تسمين ثرواتهم عبر مزيد من رخص الصيد ورخص المقالع ومزيد من الأراضي للمضاربات العقارية، من الإنصات لمشاكل من يفترض أنهم يمثلونهم. في أفق مقاربة جديدة لقضية الصحراء إن الحديث عن وجود فشل في تدبير قضية أحداث العيون لا يمكن أن ينفي وجود بعض النجاح في حرب الصورة بين المغرب وخصومه. لكن كما سبق وذكرت فإن ثمن هذا النجاح النسبي كان مكلفا جدا تمثل في دماء أحد عشر جنديا لحد الآن. لكن الوقوف عند هذا النجاح النسبي خطأ والوقوف عن الفشل خطيئة. والسؤال الأساس: هل يمكن صياغة واقع جديد يمكن من الدفاع عن مغربية الصحراء وفي نفس الوقت يخفف من التكلفة العالية لها؟ أن يربح المغرب قضية الصحراء للأبد وفي وجود كل هذا التكالب من جارين مثل الجزائروإسبانيا ليس بالأمر المستحيل، لكن يجب إعادة قراءة واقع المنطقة بعيون جديدة والاهم إعادة قراءة علاقات المغرب مع جيرانه. وحتى يكون المغرب مستعدا لإعادة صياغة علاقاته بجيرانه عليه أن يعيد صياغة واقعه الداخلي، وهنا يوجد مكمن الداء والدواء لحد كبير. الديمقراطية.. سلاح! على النظام السياسي المغربي ان يتدمقرط. هذه ليست وصفة سحرية للعلاج ولكنه بداية ضرورية للعلاج. إن وجود نظام ديمقراطي حقيقي سيكون أكبر رد ضد دعاة الانفصال. وحتى لا نتيه في شرح الواضحات فإن أسبانيا، وهي معنية بقضية الصحراء، لم تستطع احتواء تطرف حركة "إيتا" المطالبة بانفصال إقليم "الباسك" في شمال أسبانيا من دون وجود ديمقراطية برلمانية حقيقية تعبر إلى حد كبير عن رغبة الإسبان عامة في تمتعهم بتمثيلية سياسية حقيقية والباسك بشكل خاص. إن الأمل الذي خلقه تولي محمد السادس للسلطة كان من المفروض أن يتعمق ويصير واقعا ملموسا بعد عشر سنوات. وإذا كان هناك من يعتقد بأن عشر سنوات غير كافية كفترة انتقالية للمرور لمرحلة ما بعد الخطابة، أي مرحلة الفعل، فإن الجواب بسيط جدا: إذا لم تكن عشر سنوات من الخطابة كافية فإن عشرين سنة أخرى لن تكون كافية أيضا. لكن المشكلة أن لا أحد يستطيع ضمان بقاء الحال لما هو عليه لعشرين سنة أخرى من الخطابة. إن المغرب في حاجة ماسة إلى القطيعة مع سياسة الوعود التي عمرت طويلا ودمقرطة النظام السياسي المغربي ستكون في صالح النظام نفسه وإن كانت تفرض عليه التزامات، فإن مثل هذه الالتزامات ستفرض على جميع الأطراف بجانب الحقوق طبعا. والديمقراطية ستكون أكبر سلاح موجه للخصوم وبشكل خاص الأسبان، أما الجزائريون فهناك أساليب أكثر جدوى. الجهوية.. تقويض لفكرة الانفصال إن الديمقراطية التي أعطت للباسكيين حرية التعبير وحرية الانتخاب أعطت لهم أيضا سياسة تدبير ديمقراطي. وهذا التدبير الديمقراطي لن يتأتى بدون ترسيخ مبدأ التدافع - بمفهومه الإيجابي - بين المركز والجهات. وأكبر خسارة منيت بها حركة "إيتا" الباسكية هو وجود حكومة محلية باسكية في "فيتوريا" منتخبة من طرف سكان الإقليم ولا تستطيع حركة "إيتا" الانفصالية أن تشكك في شرعية مثل هذه الحكومة. في كل مرة يتم النظر فيه لتجارب الآخرين بعين الريبة والشك وترديد تلك المقولة المهترئة عن الخصوصيات المغربية، يتم إقبار إمكانية وجود حلول مغربية لأزمات مغربية. يجب الكف عن ترديد فكرة هذه الخصوصيات حتى قبل الدخول في تطبيق الفكرة، فهذه الفكرة نفسها ليست مقدسة ويمكن تعديلها وفق خصائص التجربة ومن داخلها وليس العكس. لم يكن على الحكومات المغربية أن تبدأ في ترتيب فكرة الحكم الذاتي بالصحراء منذ اليوم الذي طرحت فيه فقط بل كان عليها أن توفر للفكرة الأرضية لتطبيقها منذ مدة حتى لا تكون مثل المشاريع التي قدمت لاحتضان كأس العالم.. مجرد أفكار. إن الجرأة هو أكبر الغائبين لدى حكام المغرب. الريع انتهى.. نقطة للسطر! إن سياسة اقتصاد الريع في الصحراء أثبتت أنها لا تصنع مواطنين، بقدر ما تصنع عملاء. إن من ينتظر المنحة ليتخذ موقفا يمكنه أن ينتظر منحة أكبر ليغير الموقف. إن بطائق الإنعاش الوطني هي فكرة نبيلة، لكن نبل الفكرة ينتفي عندما يتم تخصيصها لمنطقة دون أخرى ولفئات دون أخرى. إذا كانت الصحراء في مغربها والمغرب في صحراء، كان على الحكومات المتعاقبة على الأقل في العشرين سنة الماضية أن تفعل اقتصاد الصحراء نحو الإنتاجية وتدبير الثروة المحلية لخدمة هذا الاقتصاد. هناك شعور عميق لدى عدد غير قليل من المغاربة بأن سياسة حكومات المغرب في الصحراء قائمة على أسس تزكية الابتزاز كما انه شعور بالغبن لدى فئات أخرى باعتبار أن هناك كيل بمكيالين وهو ما يعيق فكرة المواطنة الواحدة ويخلق بؤرا للتوتر الجهوي والمناطقي (حالة سيدي افني كمثال). عقيدة عسكرية جديدة خلال 35 سنة من المواجهة بين المغرب وخصومه، الظاهرون منهم والمخفيون، سياسة دفاعية. عسكريا كما دبلوماسيا وسياسيا كانت سياسات الحكومات المغربية مبينة على رد الفعل لا غير. حتى في أحدث طبخة للمخابرات الجزائريةبالعيون بدا المغرب والمغاربة في الأيام الأولى في حالة دفاع بينما الضربات تتوالى من أعداء كثر. حينما يقوم المغرب بشراء عتاد عسكري مثلا عبارة عن طائرات حربية معترضة وليست قاذفة فانه يعطي خصومه الخبر اليقين بأنه لا نية لديه لإشعال حرب.. هذه ألف باء العسكرية. حينما يبنى خطا دفاعيا في الصحراء بعيدا عن الحدود الدولية المعترف بها للإقليم، لتقوم عصابات البوليزاريو بالمرح واللعب فيها بآلياتها والادعاء بأنها أراضي محررة فإنه يجب تصحيح الخطأ. وإذا كان الهدف المعلن هو السماح للطيران المغربي بقصف المهاجمين دون التوغل في التراب الجزائري، فانه يجب التذكير بان القانون الدولي يعطي للمغرب حق متابعة مصدر الاعتداء، هذا زيادة على الخدمة المجانية التي تقدمها للجزائريين على المستوى الإستراتيجي بإبراز الرغبة في عدم إثارة حرب. يجب إعلان الرغبة في التسلح بأسلحة هجومية والقيام بمناورات عسكرية ذات طابع هجومي، وبشكل خاص قاذفات ستكون قادرة على الوصول "لحاسي بلال" و "حاسي مسعود" أو على الأقل هذا ما على الجزائريين أن يفهموه. يجب إرسال رسائل واضحة وغير مشفرة بأننا عسكريا لدينا القدرة على الضرب وحيث يوجع. وفي ما يخص الصحراء على المغرب أن يقوم بإعادة السيطرة، على الأقل جويا بالمراقبة وتسيير الدوريات، على كامل تراب الإقليم ويحق له التصدي لجميع العناصر المسلحة بالمنطقة وفقا للقانون. عقيدة سياسية جديدة يقال بان الملك محمد الخامس رحمه الله رفض اقتراح فرنسا بالتفاوض حول الصحراء الشرقية في عز حرب الجزائر تحت ذريعة أنه لن يقبل بأن يكون خنجرا في ظهر الثورة الجزائرية. هذا موقف نبيل، لكن الحكام الجزائريون لاحقا طعنوا المغاربة في الظهر عشرات المرات. وفي خلال العشرية السوداء بالجزائر رفض المغرب قطعا استغلال وضع الجزائر لتصفية الحسابات رغم اتهام الجنرالات له بدعم الإسلاميين. الغريب في الأمر أنهم حاولوا تصدير أسلوب التفخيخ والتفجير إلى المغرب عبر عملية فندق "أسني" ورغم فشلهم، فالمغرب لم يغير من سياسته، ويكفي فقط الإشارة إلى التعاون الأمني الذي كان قائما وتوج بتسليم عبد الحق لعيايدة الذي ثبت لاحقا انه صنيعة أقبية الجنرالات. هذه السياسة مع الجزائر فشلت ويجب الاعتراف بذلك والاهم تغييرها. يجب الخروج من حالة الدفاع والمبادرة بالهجوم وذلك باستقبال ودعم حركة القبائل وحركة الطوارق وتأسيس إذاعة موجهة والتحريض على النظام الجزائري في المحافل الدولية والتذكير بالجرائم المرتكبة ضد الشعب الجزائري من قبل الطغمة العسكرية وتقديم الدعم للمعارضين الجزائريين وغيرها من الوسائل. يجب مواجهة الجزائر باللغة التي تفهمها والجزائريون يعرفون جيدا أنهم سياسيا أكبر الخاسرين وعسكريا ليس لديهم ما يربحونه.كما يجب تشجيع فعل المجتمع المدني المغربي ودعمه والسماح له بالتظاهر وإعلان المقاطعة الاقتصادية، ضد إسبانيا بشكل خاص. إعلام فاشل ..إذن خطاب فاشل! أكدت أحداث العيون للمرة الألف بأن الإعلام المغربي ضعيف للغاية، بل لا يكاد يرى على الخريطة، صحفا وإذاعات وتلفزيونا. ورغم الشراسة التي أبداها المغاربة على الانترنت في الدفاع عن بلدهم فإن الإعلام الرسمي في واد عميق. فرغم وجود قنوات تلفزيونية عديدة إلا أن الحالة هي هي، لأنها تأت من نفس المنبع. والضوء الوحيد في كل هذا النفق هو الإعلام الإلكتروني وهو استثناء تأكيد للقاعدة. لقد تأخر المغرب كثيرا في إعطاء الضوء الأخضر لإعلام خاص ومواطن لأن الإعلام العمومي هو جزء من التوليفة التي تصنع أزمة الدولة والنظام في المغرب، إنه صورة مستنسخة عن حالة الإهتراء البيروقراطي والفساد والتعفن الذي أصاب الإدارات المغربية. فهل يرجى منه خير؟ يجب تشجيع المبادرة الخاصة في تأسيس إعلام يستجيب لحاجيات المغاربة أولا ويستطيع تحمل إيصال صوتهم والقدرة على الدفاع عن قضاياهم المصيرية. المغرب في حاجة لإعلام خلاق يوظف إمكانياته في تقديم خدمة إعلامية حقيقية. لا يجب الاختفاء وراء قصة محدودية سوق الإشهار للسماح بتفريخ قنوات عمومية مشلولة ومنع قنوات خاصة. الغريب في الأمر أن الحكومات المغربية تعطي الفرصة لقنوات تلفزيونية حاقدة وعنصرية وبغيضة لإرسال مخبرين في صفة صحافيين ليكتبوا تقارير تقطر سما وتسمح لهم بالدخول والخروج بكل حرية، بينما يزج بصحفيين مغاربة في السجون وتشمع مقرات الجرائد المغربية لان تلك الصورة غير لائقة أو ان ذلك الكاريكاتير يحمل في معنى قدحيا أو ذما! إذا لم للمسؤولين المغاربة خبرة في ملفات المطالبة بالتأشيرة للصحفيين إياهم بشكل خاص فيكفيهم التنقل لأية قنصلية أوروبية والتعرف على "تقنيات" طلب التأشيرة من طرف دول يقال إنها عريقة في الديمقراطية وأخذ دروس في التعامل مع الملفات. لكن يبدو أن من شب على شيء شاب عليه، فالمسؤولون في المغرب تعودوا على تنظيم حفلات الشواء للعجم والباب المفتوح حتى ولو كانوا يستحقون الرجم. خلاصة القول، إن هذه الورقة دعوة لتدبر قضية الصحراء من منطلق أكثر براغماتية تراعي مصالح المغاربة أولا وأخيرا. لكن إذا كانت مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة كما يقال، فان هذه الخطوة ومئات الخطوات الأخرى يجب أن تبدأ من الداخل. إن إصلاح الوضع الداخلي للمغرب شرط أساسي للمواجهة والنجاح، والنجاح الخارجي مشروط بالنجاح الداخلي وهو أمر يحتاج لكثير من الشجاعة من طرف الحاكمين بالمغرب. إن هذا الذي نتج عن أحداث العيون قد يشكل فرصة قد لا تعوض مستقبلا من أجل إعمال يد الإصلاح وإخراج الرأس من الرمل بدلا من انتظار الضربة للشكوى والتذمر والوقوف عند ويل للمصلين واتهام الجزائريين والإعلام المعادي وكفى. هذه الأسطوانة يعرفها المغاربة عن ظهر قلب والحاجة لفعل وليس للشكوى وتبرير حسن التعامل مع عصابات إجرامية عبر تقديم إيضاحات لفلان وعلان. وخلاصة القول، إذا لم يكن المخزن المغربي قادرا على الدفاع عن مصالح المغاربة، فان أرحام المغربيات لم تعقر بعد.. هل وصلت الرسالة؟ يرجى ذلك. [email protected]